By خالد الفاضل 101 - الأحد ديسمبر 16, 2012 3:14 pm
- الأحد ديسمبر 16, 2012 3:14 pm
#57399
(1)
أخذ الانطباع يقوى عندي وأنا أتابع ردود فعل قطاعات المعارضة المختلفة تجاه التطورات الأخيرة الهامة في السودان، بأن القوى السياسية القائمة الآن لا يصلح لها إلا حكم الإنقاذ. وربما تحتاج إلى عشرين سنة إضافية منه حتى ينقرض الجيل الحالي ويأتي الله بجيل تستعاد حرية الشعب علي يديه. فقد تراوحت المواقف بين عدم الفهم الكامل، والتملص، والاكتفاء بالتفرج، بينما استمرأ من يسميهم صديقنا مصطفي البطل مناضلي الكيبورد ترداد عنترياتهم الاسفيرية، وخطابهم الناضح بالحقد والإقصائية، والخالي من أي مضمون ناضج يخدم قضية الاستقرار في البلاد. باختصار، لم نشاهد سوى عدم المسؤولية.
(2)
لو كان في البلاد معارضة تستحق الإسم لما اضطر حراس النظام إلى التحرك لإسقاطه، ولكانت هذه المعارضة في أضعف الإيمان فرضت على الحكومة أن تجلس للتفاوض معها على تقاسم السلطة. ويقيني أنه بمجرد أن يحدث التغيير، سيخرج كثيرون من جحورهم ويدعون أنهم من أسقطوا النظام، ويطالبون بنصيبهم في السلطة، رغم أن أي جهة من القوى المسماة معارضة لم تستطع حتى الآن إخراج عشرة أشخاص إلى الشارع.
(3)
سارعت بعض قوى المعارضة بإصدار بيانات تتبرأ فيها من الانقلاب المزعوم، وتقول إنها ترفض التغير بالانقلاب العسكري، وتصر على تغيير النظام بثورة شعبية. وهذا لعمري منتهى السذاجة، لأن أبسط التأملات في مآلات الثورات الشعبية يدرك أن للجيش الدور الحاسم في مآل الصراع على السلطة. حدث هذا في أكتوبر 1964 حين حاصرت الدبابات القصر وفرضت على الفريق إبراهيم عبود حل المجلس العسكري، وحدث في ابريل عام 1985 حين أقال الجيش الرئيس جعفر النميري، وفي مصر في فبراير 2011 حين فرض المجلس العسكري على حسني مبارك الاستقالة، وفي تونس كذلك. أما حين يبقى الجيش إلى جانب النظام، فإن النظام يبقى، كما هو الحال في البحرين، أو تشتعل الحرب الأهلية كما الحال في ليبيا وسوريا.
(4)
أرسلت قوى أخرى رسائل متناقضة، مثل حزب الأمة الذي أيد جهود الإصلاحيين في الحزب الحاكم ودعا للتحالف معهم، بينما سرب معلومات تضر بقضيتهم، حين تحدث عن أقوال قد توحي بأن صلاح قوش مدير المخابرات السابق هو الذي يقود مسيرة الإصلاح في الحزب. ولعل مثل هذه الدعاوى تذكر بما كان يروج له الأستاذ عبدالباسط سبدرات من أنه كان أحد أبرز مهندسي الانقلاب على الشيخ حسن الترابي! وليس لصلاح قوش من سهم في الإصلاح إلا بما لسبدرات من الانقلاب. ولعل أحد أبرز مطالب دعاة الإصلاح هو محاسبة أمثال قوش، وكذلك رؤسائهم الحاليين والسابقين. ولعل تهمة قوش هي أنه كان بلا شك على علم بما يجري تحت السطح، ولكنه قرر إخفاء ما يعلم عن شركائه في الحكم لحاجة في نفس صلاح.
(5)
بعض المعارضين يتهمون الإصلاحيين بأنهم يريدون إعادة انتاج الإنقاذ في ثوب جديد، وهذا الاتهام يصح لو أن هؤلاء المعارضين كانوا على وشك إسقاط النظام فتدخل هؤلاء لمنعهم. صحيح أن الإصلاحيين هم إسلاميون أولاً وأخيراً، بل هم الإسلاميون الحقيقيون، لأنهم يرفضون القمع والفساد، وأحد أهم أهدافهم استعادة الديمقراطية. وهناك بعض المعارضين الصبيانيين يرون أن التغيير لا يتأتى إلا باجتثاث الإسلاميين، وهي غاية لم يمنعهم أحد من توسلها لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ولكنا نذكرهم بأن الولايات المتحدة قد غزت أفغانستان بدعم من حلف الأطلسي ومشاركة من 56 دولة بغرض اجتثاث حركة الطالبان في أفغانستان، وهي حركة بدائية متخلفة، وقضوا عشر سنوات يحاولون، قبل أن يعودوا للتفاوض معها.
(6)
الإسلاميون موجودون في السودان رغم ممارسات الحكومة السودانية، وليس بسببها. ولعله من المدهش أنه بالرغم من هذه الممارسات التي أخجلت الإسلاميين قبل غيرهم، فإن عضوية الحركة الإسلامية بين الشباب والطلاب في تمدد لا تراجع، بخلاف الحركات اليسارية التي انهارت قاعدتها الطلابية بصورة شاملة بعد أن أيدت دكتاتورية النميري في مطلع عهدها. وهناك مؤشرات مقلقة –تؤكدها الأنباء التي وردت خلال اليومين الماضيين عن أحداث ولاية سنار وصدامات الدولة مع إسلاميين متشددين هناك- بتنامي التيارات المتطرفة والمتشددة.
(7)
لكل هذا فإن دور التيار الإسلامي الإصلاحي المعتدل أصبح محورياً اليوم، وصمام أمان لاستقرار الدولة السودانية، خاصة وقد أعلن ممثلوه بوضوح عن التزامهم بالديمقراطية والوفاق مع القوى الوطنية، وهو ما كنا نطالبهم به منذ سنوات. وبالمقابل، فإن ما يسمى بالمعارضة لا تملك استراتيجية بديلة للتغيير، وإنما أوضاعها اليوم مثل أوضاع بني إسرائيل في صحراء التيه، تضرب فيها على غير هدى في انتظار مخلص أو مهدي منتظر. ولو كانت هناك معارضة حقيقية لانتهزت هذه الفرصة، ولكان شبابها في الشارع يفرضون وجودهم، وكان قادتها قد وحدوا صفوفهم استعداداً للمفاوضات حول الفترة الانتقالية.
(8)
وعلى كل فإن التغيير قادم لا محالة، وهو لم ينتظر الإذن من المعارضة كما لم ينتظر الإذن من أئمة الفساد والإفساد في النظام. ولكن من الأهمية بمكان أن يحدث التغيير بهدوء، وبدون إراقة دماء، وبدون أن تنزلق البلاد إلى حرب أهلية وفوضى. ومن مصلحة الإسلاميين قبل غيرهم أن ينحازوا بالجملة إلى تيار الإصلاح والتغيير، لأن أئمة الفساد لن يقودوهم إلى إلا خسارة الدنيا والآخرة، وقد حان الوقت لإبعادهم ومحاسبتهم على ما ارتكبت أيديهم في حق الإسلام قبل الوطن.
(9)
كنت قد طالبت قبل عقد اتفاقية نيفاشا بأن يتحرك الجيش لإقصاء القيادة الحالية، وإعلان فترة انتقالية تستعاد خلالها الديمقراطية كاملة، لأن في هذا خير للحركة الإسلامية التي لا يمكنها أن تنجو من فساد السلطة وتستعيد وحدتها ونقاءها إلا بقطع الصلة بالاستبداد وسدنته. ولكنا رأينا، بعد اتفاقية السلام وسن دستور 2005، أن تلك مثلت صيغة أفضل لتحقيق الانتقال بأقل الخسائر. ولكن القيادة أضاعت تلك الفرصة أيضاً، وخذلت الدين والوطن، وأعادتنا إلى ما قبل المربع الأول. وقد كشف العدوان الذي ارتكب في حق (ما بقي من) الحركة الإسلامية في مؤتمرها الأخير صدق ما أكدناه من هؤلاء القوم هم أعدى أعداء الحركة الإسلامية وأشرس خصومها. ولم يبق هناك اي مبرر لمد حبال الصبر لهم، لأنهم لا يصلحون ولا يصلحون.
أخذ الانطباع يقوى عندي وأنا أتابع ردود فعل قطاعات المعارضة المختلفة تجاه التطورات الأخيرة الهامة في السودان، بأن القوى السياسية القائمة الآن لا يصلح لها إلا حكم الإنقاذ. وربما تحتاج إلى عشرين سنة إضافية منه حتى ينقرض الجيل الحالي ويأتي الله بجيل تستعاد حرية الشعب علي يديه. فقد تراوحت المواقف بين عدم الفهم الكامل، والتملص، والاكتفاء بالتفرج، بينما استمرأ من يسميهم صديقنا مصطفي البطل مناضلي الكيبورد ترداد عنترياتهم الاسفيرية، وخطابهم الناضح بالحقد والإقصائية، والخالي من أي مضمون ناضج يخدم قضية الاستقرار في البلاد. باختصار، لم نشاهد سوى عدم المسؤولية.
(2)
لو كان في البلاد معارضة تستحق الإسم لما اضطر حراس النظام إلى التحرك لإسقاطه، ولكانت هذه المعارضة في أضعف الإيمان فرضت على الحكومة أن تجلس للتفاوض معها على تقاسم السلطة. ويقيني أنه بمجرد أن يحدث التغيير، سيخرج كثيرون من جحورهم ويدعون أنهم من أسقطوا النظام، ويطالبون بنصيبهم في السلطة، رغم أن أي جهة من القوى المسماة معارضة لم تستطع حتى الآن إخراج عشرة أشخاص إلى الشارع.
(3)
سارعت بعض قوى المعارضة بإصدار بيانات تتبرأ فيها من الانقلاب المزعوم، وتقول إنها ترفض التغير بالانقلاب العسكري، وتصر على تغيير النظام بثورة شعبية. وهذا لعمري منتهى السذاجة، لأن أبسط التأملات في مآلات الثورات الشعبية يدرك أن للجيش الدور الحاسم في مآل الصراع على السلطة. حدث هذا في أكتوبر 1964 حين حاصرت الدبابات القصر وفرضت على الفريق إبراهيم عبود حل المجلس العسكري، وحدث في ابريل عام 1985 حين أقال الجيش الرئيس جعفر النميري، وفي مصر في فبراير 2011 حين فرض المجلس العسكري على حسني مبارك الاستقالة، وفي تونس كذلك. أما حين يبقى الجيش إلى جانب النظام، فإن النظام يبقى، كما هو الحال في البحرين، أو تشتعل الحرب الأهلية كما الحال في ليبيا وسوريا.
(4)
أرسلت قوى أخرى رسائل متناقضة، مثل حزب الأمة الذي أيد جهود الإصلاحيين في الحزب الحاكم ودعا للتحالف معهم، بينما سرب معلومات تضر بقضيتهم، حين تحدث عن أقوال قد توحي بأن صلاح قوش مدير المخابرات السابق هو الذي يقود مسيرة الإصلاح في الحزب. ولعل مثل هذه الدعاوى تذكر بما كان يروج له الأستاذ عبدالباسط سبدرات من أنه كان أحد أبرز مهندسي الانقلاب على الشيخ حسن الترابي! وليس لصلاح قوش من سهم في الإصلاح إلا بما لسبدرات من الانقلاب. ولعل أحد أبرز مطالب دعاة الإصلاح هو محاسبة أمثال قوش، وكذلك رؤسائهم الحاليين والسابقين. ولعل تهمة قوش هي أنه كان بلا شك على علم بما يجري تحت السطح، ولكنه قرر إخفاء ما يعلم عن شركائه في الحكم لحاجة في نفس صلاح.
(5)
بعض المعارضين يتهمون الإصلاحيين بأنهم يريدون إعادة انتاج الإنقاذ في ثوب جديد، وهذا الاتهام يصح لو أن هؤلاء المعارضين كانوا على وشك إسقاط النظام فتدخل هؤلاء لمنعهم. صحيح أن الإصلاحيين هم إسلاميون أولاً وأخيراً، بل هم الإسلاميون الحقيقيون، لأنهم يرفضون القمع والفساد، وأحد أهم أهدافهم استعادة الديمقراطية. وهناك بعض المعارضين الصبيانيين يرون أن التغيير لا يتأتى إلا باجتثاث الإسلاميين، وهي غاية لم يمنعهم أحد من توسلها لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ولكنا نذكرهم بأن الولايات المتحدة قد غزت أفغانستان بدعم من حلف الأطلسي ومشاركة من 56 دولة بغرض اجتثاث حركة الطالبان في أفغانستان، وهي حركة بدائية متخلفة، وقضوا عشر سنوات يحاولون، قبل أن يعودوا للتفاوض معها.
(6)
الإسلاميون موجودون في السودان رغم ممارسات الحكومة السودانية، وليس بسببها. ولعله من المدهش أنه بالرغم من هذه الممارسات التي أخجلت الإسلاميين قبل غيرهم، فإن عضوية الحركة الإسلامية بين الشباب والطلاب في تمدد لا تراجع، بخلاف الحركات اليسارية التي انهارت قاعدتها الطلابية بصورة شاملة بعد أن أيدت دكتاتورية النميري في مطلع عهدها. وهناك مؤشرات مقلقة –تؤكدها الأنباء التي وردت خلال اليومين الماضيين عن أحداث ولاية سنار وصدامات الدولة مع إسلاميين متشددين هناك- بتنامي التيارات المتطرفة والمتشددة.
(7)
لكل هذا فإن دور التيار الإسلامي الإصلاحي المعتدل أصبح محورياً اليوم، وصمام أمان لاستقرار الدولة السودانية، خاصة وقد أعلن ممثلوه بوضوح عن التزامهم بالديمقراطية والوفاق مع القوى الوطنية، وهو ما كنا نطالبهم به منذ سنوات. وبالمقابل، فإن ما يسمى بالمعارضة لا تملك استراتيجية بديلة للتغيير، وإنما أوضاعها اليوم مثل أوضاع بني إسرائيل في صحراء التيه، تضرب فيها على غير هدى في انتظار مخلص أو مهدي منتظر. ولو كانت هناك معارضة حقيقية لانتهزت هذه الفرصة، ولكان شبابها في الشارع يفرضون وجودهم، وكان قادتها قد وحدوا صفوفهم استعداداً للمفاوضات حول الفترة الانتقالية.
(8)
وعلى كل فإن التغيير قادم لا محالة، وهو لم ينتظر الإذن من المعارضة كما لم ينتظر الإذن من أئمة الفساد والإفساد في النظام. ولكن من الأهمية بمكان أن يحدث التغيير بهدوء، وبدون إراقة دماء، وبدون أن تنزلق البلاد إلى حرب أهلية وفوضى. ومن مصلحة الإسلاميين قبل غيرهم أن ينحازوا بالجملة إلى تيار الإصلاح والتغيير، لأن أئمة الفساد لن يقودوهم إلى إلا خسارة الدنيا والآخرة، وقد حان الوقت لإبعادهم ومحاسبتهم على ما ارتكبت أيديهم في حق الإسلام قبل الوطن.
(9)
كنت قد طالبت قبل عقد اتفاقية نيفاشا بأن يتحرك الجيش لإقصاء القيادة الحالية، وإعلان فترة انتقالية تستعاد خلالها الديمقراطية كاملة، لأن في هذا خير للحركة الإسلامية التي لا يمكنها أن تنجو من فساد السلطة وتستعيد وحدتها ونقاءها إلا بقطع الصلة بالاستبداد وسدنته. ولكنا رأينا، بعد اتفاقية السلام وسن دستور 2005، أن تلك مثلت صيغة أفضل لتحقيق الانتقال بأقل الخسائر. ولكن القيادة أضاعت تلك الفرصة أيضاً، وخذلت الدين والوطن، وأعادتنا إلى ما قبل المربع الأول. وقد كشف العدوان الذي ارتكب في حق (ما بقي من) الحركة الإسلامية في مؤتمرها الأخير صدق ما أكدناه من هؤلاء القوم هم أعدى أعداء الحركة الإسلامية وأشرس خصومها. ولم يبق هناك اي مبرر لمد حبال الصبر لهم، لأنهم لا يصلحون ولا يصلحون.