By عبدالله العجلان3 - الأحد ديسمبر 16, 2012 7:19 pm
- الأحد ديسمبر 16, 2012 7:19 pm
#57473
خيم أخيرا شبح الصدام المسلح، على أكثر من جبهة فى قارة أمريكا اللاتينية فقد تفاقمت منازعات الحدود بين كثير من دول هذه
القارة، وتصاعدت حدتها، حتى أصبحت تهدد بحروب حقيقية فى هذه المناطق.
وقد كان اخطر هذه المنازعات جميعا، وأقربها إلى
الاشتعال، نزاع شيلى والأرجنتين حول تحديد حدود قناة بيجيل وملكية الجزر الثلاث:
بيكتون ولينوكس ونويفا، التى تقع عند
فوهة هذه القناة وهذا النزاع ليس بالأمر الجديد، فالدولتان تتنازعان ملكية المناطق الواقعة فى أقصى الجنوب منذ ما يقرب من
قرن من الزمان ولكن الأمور لم تصل بينهما إلى هذا الحد من التدهور والتوتر، كما حدث فى هذه الآونة الأخيرة، خاصة بعد أن
فشلت اللجنة الأرجنتينية الشيلية المشتركة التى تشكلت أخيرا بهدف إيجاد تسوية نهائية لهذا النزاع ولم تسفر مفاوضاتها التى
استمرت ستة أشهر، إلا عن اتفاق هش هزيل، أعلن يوم 2 نوفمبر الماضى، لا يتعرض للمشكلة الأساسية ولا يعالج جوهر النزاع: أى
تحديد الحدود الجنوبية نهائيا بين الدولتين.
ومن ثم شاهدت الأشهر الأخيرة الماضية، استعدادات الحرب تجرى على قدم وساق على جانبى الحدود، وقامت القوات المسلحة للدولتين
ببناء تحصيناتها وحفز خنادقها وساد جو الحرب، وعم التوتر ونفذت الأرجنتين تعليمات الإظلام ليلا خشية وقوع هجوم مفاجئ، وطردت
الشيليين من أراضيها فى إقليم بتاجونيا، رغم أنهم يمثلون الغالبية العظمى لسكان هذا الإقليم وتعالت الأصوات الموالية
للحكومة العسكرية فى الأرجنتين، مطالبة بضرورة شن الهجوم الأرجنتينية اقتراح شيلى تحكيم بريطانيا فى النزاع وبذلت المحاولات
للتخفيف من حدة هذه الأوضاع الخطيرة، وجرت المفاوضات بين كورت فالدهايم، السكرتير العام للأمم المتحدة، وزعماء الكنيسة
الكاثوليكية فى شيلى والأرجنتين، ابتغاء إقناع كل من الدولتين، بعدم البدء بإطلاق النار كما أشار الرئيس كارتر إلى نزاع
الحدود بين شيلى والأرجنتين، كأحد الأمور البالغة الخطورة التى تتطلب اهتماما خاصا وعاجلا من جانب الولايات المتحدة لتدارك
الأزمة، حتى لا يتطور هذا النزاع إلى حرب مسلحة، تكون لها عواقبها وخيمة على المنطقة كلها واقترحت الولايات المتحدة، تحكيم
منظمة الدول الأمريكية فى النزاع ولكن حملات الإثارة والدعوة إلى الحرب، استمرت فى أعنف صورها فى الدولتين وبدا أن
الأرجنتين مصممة على احتلال الجزر الثلاث، وأن الصراع المسلح لا مفر منه.
وهنا فقط أعلن الفاتيكان قرار البابا جون بول الثانى، إرسال مندوب لهذه المهمة، رئيس لجنة أمريكا اللاتينية السابق أنطونيو
سامورى للبحث عن حل سلمى وعادل لمشكلة الحدود بين الدولتين وفعلا توجه سامورى توا إلى بوينس أيرس، واجتمع بالمسئولين فى
الدولتين ونجح فى أن يجعل الطرفين، يوقعان على اتفاق يتضمن موافقتهما الرسمية على تحكيم الفاتيكان فى النزاع القائم بينهما
والتعهد بعدم استخدام القوة، وعودة القوات المسلحة للدولتين، إلى المواقع التى كانت تحتلها قبل تفاقم النزاع، والتزام
الطرفين بعدم اتخاذ أى إجراء يكون من شأنه تعكير صفو الأمن فى هذه المنطقة.
وقد أعلن البابا جون بول الثانى فى 24 يناير، قبوله التوسط بين الدولتين وهكذا بدأت حدة التوتر تخف تدريجا على الحدود
ويحل محلها استرخاء نسبى فى العلاقات بين الدولتين، انتظارا لما ستسفر عنه هذه الوساطة ولاح الأمل من جديد فى التوصل إلى
تسوية سلمية ونهائية لنزاع استمر قائما لسنوات طوال، وكاد أخيرا أن يتفجر فى صراع دام، قد تمتد آثاره إلى أكثر من حدود
الدولتين المعنيتين، لتشمل دولا أخرى كثيرة من القارة اللاتينية، التى تضطرم بصراعات عديدة، تهدد بالانفجار فى أية لحظة.
وجدير بالذكر، أن هذه هى الوساطة السياسية الأولى لبابا الكاثوليك منذ عام 1885، عندما تدخل ليون الثامن بين ألمانيا
وأسبانيا، بشأن جزر كارولين فى المحيط الهادى.
ويبدو أن البابا الجديد، قد عقد العزم على أن يقوم الفاتيكان بدور فعال فى
امريكا اللاتينية، حيث يوجد ما يقرب من نصف سكان العالم من الكاثوليك، تدهورا خطيرا فجاءت رحلته إلى المكسيك لافتتاح
المؤتمر الثالث لأساقفة أمريكا اللاتينية فى بويبلا، تأكيدا لعزمه على مواجهة المشاكل والتيارات الخطيرة التى تعصف بالكنيسة
فى هذه القارة وقد أثبتت الحفاوة البالغة التى قوبل بها البابا فى القارة اللاتينية، وكذلك الوساطة التى كلف بها من قبل
شيلى والأرجنتين، أن شعوب المنطقة، وحكوماتها العسكرية، مازالت تثق فى الفاتيكان، وتحتفظ بعلاقات طيبة معه
.
وترجع الدوائر السياسية المطلة، أن التسوية بين شيلى والأرجنتين، تتركز أساسا على الحكم البريطانى الذى صدر عام 1977 لصالح
شيلى، والذى بموجبه تصبح الجزر الثلاث ملكا لها على أن تنص التسوية، على إقامة مناطق منزوعة السلاح على الأراضى مثار
النزاع، وأن تعطى للأرجنتين بعض المناطق الحبيسة فى الجزر القريبة من رأس هورن.
أن هذه الجزر الثلاث مثار النزاع بين شيلى والأرجنتين لا أهمية لها فى حد ذاتها فهى جزر مهجورة ذات مناخ قاس تبلغ مساحة كل
منها حوالى 160,200 كيلو متر مربع من الراضى الوعرة المغطاة بالأعشاب والغابات الكثيفة المحطمة التى تعصف بها رياح بالغة
الشدة والعنف فلكى تنمو شجرة فى مثل هذا المناخ تحتاج إلى مئات الأعوام، ولا يوجد من دلائل الحياة على هذه الجزر سوى بعض
الرعاة المتفرقين أن قيمة هذه الجزر لا يمكن أن تكون دافعا لإشعال الحرب بين الدولتين وإنما هى تكأة من أجل تحقيق مصالح
جيوبوليتيكية واستراتيجية أكثر أهمية فمن يملك هذه الجزر يستطيع السيطرة على آلف من الميال المربعة فى مياه يرجح أنها غنية
بالبترول والثروات السمكية أن المصالح الجيوبوليتيكية لدول القارة اللاتينية تقف وراء تعميق منازعات الحدود وتصاعد حدتها
يوما بعد يوم فهذه الحدود لا تمثل فواصل بين جغرافيات متمايزة أو فوارق بين حضارات وقوميات متباينة وإنما خطت اعتسافا حسبما
تراءى لملوك أوروبا اللاتينية فى ذلك الوقت ونجد أن بيرو بدأت تعد عدتها منذ أن تطورت مشكلة بيجيل هذا التطور الخطير للهجوم
على شيلى من الشمال إذا هاجمتها الأرجنتين من الجنوب أملا فى أن تسترد أراضيها الشاسعة إقليم أمريكا التى استولت
عليها شيلى فى حرب الباسفيك عام 1879 واشتدت حملات الدعوة إلى الثأر من شيلى فى بيرو وبوليفيا وقد فقدت هذه الأخيرة الوحيد
على المحيط الهادى (إقليم انتوفاجاستا) فى نفس هذه الحرب وقد قامت الأرجنتين بتدعيم علاقات الصداقة والتعاون مع بوليفيا
و استطاعت إقناعها بقطع علاقاتها مع شيلى الدولة المعتدية وقد كانت للتصريحات التى أدلى بها الرئيسان الأرجنتينى والبوليفى
عقب لقائهما فى منطقة باكيبا على الحدود فى 25 أكتوبر 1978 دلالة هامة ومغزى سياسى واضح ففى الوقت الذى أكد فيه الرئيس
فيديلا مساندة بلاده الكاملة لمطلب بوليفيا العادل بأن يكون لها منفذ على المحيط الهادى، أبدى الرئيس البوليفى استعداد
بلاده التام لمساندة المطالب الأرجنتينية وهذا يفسر إلى حد كبير خوف شيلى وإبقاءها على جزء كبير من قواتها المحتشدة على طول
حدودها الشمالية مع بوليفيا رغم خطر الحرب الذى يتهددها فى الجنوب
.
وتعتمد شيلى فى مواجهة هذا المحور المتكتل ضدها على مساندة البرازيل أقوى دولة فى المنطقة والتى تتنازع معها الأرجنتين على
زعامة القارة اللاتينية وتنافسها فى مجال التفوق فى تطوير الطاقة النووية
وقد أثار التقارب الأرجنتينى البوليفى استياء البرازيل البالغ، فالبرازيل تعتمد على احتياطات بوليفيا من المعادن وحقول
الغاز، وتخشى أن يؤدى هذا التقارب إلى أن تفقد هذا المصدر هذا إلى جانب الخلافات الأرجنتينية البرازيلية حول استغلال مياه
نهر بارانا وإقليم مسيونيز الأرجنتينى الذى يقع على حدود البرازيل الجنوبية، والذى تخشى الأرجنتين أن تفقده نتيجة
لتدفق أعداد غفيرة من البرازيليين إليه
.
ونلاحظ أن كل هذه الخلافات والمنازعات تدفع دول القارة اللاتينية إلى سباق التسلح وتشير بعض المصادر إلى أن نفقات
الاستعدادات العسكرية التى قامت بها الأرجنتين أخيرا توطئه لحسم خلافها مع شيلى قد بلغت حوالى ثلاثة مليارات دولار ولاشك أن
شيلى أنفقت بدورها على التسليح مبالغ طائلة وتأتى بيرو بعد شيلى فى الإنفاق على التسلح
.
وقد راح كل من النظامين العسكريين فى شيلى والأرجنتين يكيل الاتهامات للآخر، فالأرجنتين تتهم شيلى بمحاولاتها المستمرة
للسيطرة على كل إقليم بتاجونيا والسعى إلى السيطرة على المحيط الأطلنطى، وشيلى بدورها تتهم الأرجنتين بالرغبة فى السيطرة
على المحيطين الأطلنطى والهادى.
والأمر الواقع هو أن كلا من النظامين يحاول عن طريق إثارة المشاعر الوطنية وإشعال الحماسة القومية أن يخفى فشله داخليا
وخوفه العميق من المستقبل بعد أن ثبت بما لا يدعو مجالا للشك انهيار النظام الاقتصادى فى هاتين الدولتين، وانعدام التأييد
السياسى للنظامين الحاكمين على الصعيد الداخلى والخارجى على السواء، خاصة وأن سياسة الرئيس كارتر، التى ترتكز أساسا على
مبدأ حقوق الإنسان تدين هذه النظم التى وصلت إلى مقاعد الحكم بالقوة ولذلك يعمد النظام الحاكم فى شيلى والأرجنتين إلى
المبالغة فى الأخطار التى تهدد السيادة الوطنية، فهذه الأخطار هى مبرر طيب لاستمرار هذه النظم العسكرية فى الحكم وسبب جيد
لتحويل انتباه الشعب عن مشاكله الحقيقية، من ركود اقتصادى وتخلف معيشى وردع سياسى وفى مثل هذا الجو المفعم بتهديد الحرب
والاعتداء على أرض الوطن لا تجسر المعارضة على التفوه بكلمة نقد أو احتجاج وإلا اتهمت بالخيانة العظمى
.
حقا أن الأزمة بين شيلى والأرجنتين قد اجتازت مرحلة الخطر المباشر، وساد هدوء نسبى منطقة التغجر ولكن إذا كان خطر انفجار
الحرب قد أمكن تداركه، فإن جوهر المشكلة مازال كما هو، فالأرجنتين تصر على أن الأطلنطى أرجنتينى والهادى شيلى فى حين
تطالب شيلى بجزر بيجيل ومائتى ميل من المياه الإقليمية فى المحيط الأطلنطى طبقا للعرف الدولى المتبع فهل سينجح الفاتيكان
حيث فشلت بريطانيا مرارا؟ وهل ستعين الحدود الجنوبية بين الدولتين نهائيا أم أن هذا الهدوء سيكون مؤقتا إلى أن يشتعل النزاع
مرة أخرى؟ علما بأنه قد تردد أخيرا فى الدوائر السياسية أن شيلى، وهى الطرف الأضعف بسبب صراعاتها الإقليمية الأخرى، قد أبدت
استعدادا أكبر للتفاهم، وعرضت أن تقتصر المساحة البحرية التى ستقع تحت سيطرتها على اثنى عشر ميلا بدلا من مائتى ميل، وذلك
رغبة من جانبها لإيجاد تسوية معقولة ودائمة لهذا الخلاف المزمن.
القارة، وتصاعدت حدتها، حتى أصبحت تهدد بحروب حقيقية فى هذه المناطق.
وقد كان اخطر هذه المنازعات جميعا، وأقربها إلى
الاشتعال، نزاع شيلى والأرجنتين حول تحديد حدود قناة بيجيل وملكية الجزر الثلاث:
بيكتون ولينوكس ونويفا، التى تقع عند
فوهة هذه القناة وهذا النزاع ليس بالأمر الجديد، فالدولتان تتنازعان ملكية المناطق الواقعة فى أقصى الجنوب منذ ما يقرب من
قرن من الزمان ولكن الأمور لم تصل بينهما إلى هذا الحد من التدهور والتوتر، كما حدث فى هذه الآونة الأخيرة، خاصة بعد أن
فشلت اللجنة الأرجنتينية الشيلية المشتركة التى تشكلت أخيرا بهدف إيجاد تسوية نهائية لهذا النزاع ولم تسفر مفاوضاتها التى
استمرت ستة أشهر، إلا عن اتفاق هش هزيل، أعلن يوم 2 نوفمبر الماضى، لا يتعرض للمشكلة الأساسية ولا يعالج جوهر النزاع: أى
تحديد الحدود الجنوبية نهائيا بين الدولتين.
ومن ثم شاهدت الأشهر الأخيرة الماضية، استعدادات الحرب تجرى على قدم وساق على جانبى الحدود، وقامت القوات المسلحة للدولتين
ببناء تحصيناتها وحفز خنادقها وساد جو الحرب، وعم التوتر ونفذت الأرجنتين تعليمات الإظلام ليلا خشية وقوع هجوم مفاجئ، وطردت
الشيليين من أراضيها فى إقليم بتاجونيا، رغم أنهم يمثلون الغالبية العظمى لسكان هذا الإقليم وتعالت الأصوات الموالية
للحكومة العسكرية فى الأرجنتين، مطالبة بضرورة شن الهجوم الأرجنتينية اقتراح شيلى تحكيم بريطانيا فى النزاع وبذلت المحاولات
للتخفيف من حدة هذه الأوضاع الخطيرة، وجرت المفاوضات بين كورت فالدهايم، السكرتير العام للأمم المتحدة، وزعماء الكنيسة
الكاثوليكية فى شيلى والأرجنتين، ابتغاء إقناع كل من الدولتين، بعدم البدء بإطلاق النار كما أشار الرئيس كارتر إلى نزاع
الحدود بين شيلى والأرجنتين، كأحد الأمور البالغة الخطورة التى تتطلب اهتماما خاصا وعاجلا من جانب الولايات المتحدة لتدارك
الأزمة، حتى لا يتطور هذا النزاع إلى حرب مسلحة، تكون لها عواقبها وخيمة على المنطقة كلها واقترحت الولايات المتحدة، تحكيم
منظمة الدول الأمريكية فى النزاع ولكن حملات الإثارة والدعوة إلى الحرب، استمرت فى أعنف صورها فى الدولتين وبدا أن
الأرجنتين مصممة على احتلال الجزر الثلاث، وأن الصراع المسلح لا مفر منه.
وهنا فقط أعلن الفاتيكان قرار البابا جون بول الثانى، إرسال مندوب لهذه المهمة، رئيس لجنة أمريكا اللاتينية السابق أنطونيو
سامورى للبحث عن حل سلمى وعادل لمشكلة الحدود بين الدولتين وفعلا توجه سامورى توا إلى بوينس أيرس، واجتمع بالمسئولين فى
الدولتين ونجح فى أن يجعل الطرفين، يوقعان على اتفاق يتضمن موافقتهما الرسمية على تحكيم الفاتيكان فى النزاع القائم بينهما
والتعهد بعدم استخدام القوة، وعودة القوات المسلحة للدولتين، إلى المواقع التى كانت تحتلها قبل تفاقم النزاع، والتزام
الطرفين بعدم اتخاذ أى إجراء يكون من شأنه تعكير صفو الأمن فى هذه المنطقة.
وقد أعلن البابا جون بول الثانى فى 24 يناير، قبوله التوسط بين الدولتين وهكذا بدأت حدة التوتر تخف تدريجا على الحدود
ويحل محلها استرخاء نسبى فى العلاقات بين الدولتين، انتظارا لما ستسفر عنه هذه الوساطة ولاح الأمل من جديد فى التوصل إلى
تسوية سلمية ونهائية لنزاع استمر قائما لسنوات طوال، وكاد أخيرا أن يتفجر فى صراع دام، قد تمتد آثاره إلى أكثر من حدود
الدولتين المعنيتين، لتشمل دولا أخرى كثيرة من القارة اللاتينية، التى تضطرم بصراعات عديدة، تهدد بالانفجار فى أية لحظة.
وجدير بالذكر، أن هذه هى الوساطة السياسية الأولى لبابا الكاثوليك منذ عام 1885، عندما تدخل ليون الثامن بين ألمانيا
وأسبانيا، بشأن جزر كارولين فى المحيط الهادى.
ويبدو أن البابا الجديد، قد عقد العزم على أن يقوم الفاتيكان بدور فعال فى
امريكا اللاتينية، حيث يوجد ما يقرب من نصف سكان العالم من الكاثوليك، تدهورا خطيرا فجاءت رحلته إلى المكسيك لافتتاح
المؤتمر الثالث لأساقفة أمريكا اللاتينية فى بويبلا، تأكيدا لعزمه على مواجهة المشاكل والتيارات الخطيرة التى تعصف بالكنيسة
فى هذه القارة وقد أثبتت الحفاوة البالغة التى قوبل بها البابا فى القارة اللاتينية، وكذلك الوساطة التى كلف بها من قبل
شيلى والأرجنتين، أن شعوب المنطقة، وحكوماتها العسكرية، مازالت تثق فى الفاتيكان، وتحتفظ بعلاقات طيبة معه
.
وترجع الدوائر السياسية المطلة، أن التسوية بين شيلى والأرجنتين، تتركز أساسا على الحكم البريطانى الذى صدر عام 1977 لصالح
شيلى، والذى بموجبه تصبح الجزر الثلاث ملكا لها على أن تنص التسوية، على إقامة مناطق منزوعة السلاح على الأراضى مثار
النزاع، وأن تعطى للأرجنتين بعض المناطق الحبيسة فى الجزر القريبة من رأس هورن.
أن هذه الجزر الثلاث مثار النزاع بين شيلى والأرجنتين لا أهمية لها فى حد ذاتها فهى جزر مهجورة ذات مناخ قاس تبلغ مساحة كل
منها حوالى 160,200 كيلو متر مربع من الراضى الوعرة المغطاة بالأعشاب والغابات الكثيفة المحطمة التى تعصف بها رياح بالغة
الشدة والعنف فلكى تنمو شجرة فى مثل هذا المناخ تحتاج إلى مئات الأعوام، ولا يوجد من دلائل الحياة على هذه الجزر سوى بعض
الرعاة المتفرقين أن قيمة هذه الجزر لا يمكن أن تكون دافعا لإشعال الحرب بين الدولتين وإنما هى تكأة من أجل تحقيق مصالح
جيوبوليتيكية واستراتيجية أكثر أهمية فمن يملك هذه الجزر يستطيع السيطرة على آلف من الميال المربعة فى مياه يرجح أنها غنية
بالبترول والثروات السمكية أن المصالح الجيوبوليتيكية لدول القارة اللاتينية تقف وراء تعميق منازعات الحدود وتصاعد حدتها
يوما بعد يوم فهذه الحدود لا تمثل فواصل بين جغرافيات متمايزة أو فوارق بين حضارات وقوميات متباينة وإنما خطت اعتسافا حسبما
تراءى لملوك أوروبا اللاتينية فى ذلك الوقت ونجد أن بيرو بدأت تعد عدتها منذ أن تطورت مشكلة بيجيل هذا التطور الخطير للهجوم
على شيلى من الشمال إذا هاجمتها الأرجنتين من الجنوب أملا فى أن تسترد أراضيها الشاسعة إقليم أمريكا التى استولت
عليها شيلى فى حرب الباسفيك عام 1879 واشتدت حملات الدعوة إلى الثأر من شيلى فى بيرو وبوليفيا وقد فقدت هذه الأخيرة الوحيد
على المحيط الهادى (إقليم انتوفاجاستا) فى نفس هذه الحرب وقد قامت الأرجنتين بتدعيم علاقات الصداقة والتعاون مع بوليفيا
و استطاعت إقناعها بقطع علاقاتها مع شيلى الدولة المعتدية وقد كانت للتصريحات التى أدلى بها الرئيسان الأرجنتينى والبوليفى
عقب لقائهما فى منطقة باكيبا على الحدود فى 25 أكتوبر 1978 دلالة هامة ومغزى سياسى واضح ففى الوقت الذى أكد فيه الرئيس
فيديلا مساندة بلاده الكاملة لمطلب بوليفيا العادل بأن يكون لها منفذ على المحيط الهادى، أبدى الرئيس البوليفى استعداد
بلاده التام لمساندة المطالب الأرجنتينية وهذا يفسر إلى حد كبير خوف شيلى وإبقاءها على جزء كبير من قواتها المحتشدة على طول
حدودها الشمالية مع بوليفيا رغم خطر الحرب الذى يتهددها فى الجنوب
.
وتعتمد شيلى فى مواجهة هذا المحور المتكتل ضدها على مساندة البرازيل أقوى دولة فى المنطقة والتى تتنازع معها الأرجنتين على
زعامة القارة اللاتينية وتنافسها فى مجال التفوق فى تطوير الطاقة النووية
وقد أثار التقارب الأرجنتينى البوليفى استياء البرازيل البالغ، فالبرازيل تعتمد على احتياطات بوليفيا من المعادن وحقول
الغاز، وتخشى أن يؤدى هذا التقارب إلى أن تفقد هذا المصدر هذا إلى جانب الخلافات الأرجنتينية البرازيلية حول استغلال مياه
نهر بارانا وإقليم مسيونيز الأرجنتينى الذى يقع على حدود البرازيل الجنوبية، والذى تخشى الأرجنتين أن تفقده نتيجة
لتدفق أعداد غفيرة من البرازيليين إليه
.
ونلاحظ أن كل هذه الخلافات والمنازعات تدفع دول القارة اللاتينية إلى سباق التسلح وتشير بعض المصادر إلى أن نفقات
الاستعدادات العسكرية التى قامت بها الأرجنتين أخيرا توطئه لحسم خلافها مع شيلى قد بلغت حوالى ثلاثة مليارات دولار ولاشك أن
شيلى أنفقت بدورها على التسليح مبالغ طائلة وتأتى بيرو بعد شيلى فى الإنفاق على التسلح
.
وقد راح كل من النظامين العسكريين فى شيلى والأرجنتين يكيل الاتهامات للآخر، فالأرجنتين تتهم شيلى بمحاولاتها المستمرة
للسيطرة على كل إقليم بتاجونيا والسعى إلى السيطرة على المحيط الأطلنطى، وشيلى بدورها تتهم الأرجنتين بالرغبة فى السيطرة
على المحيطين الأطلنطى والهادى.
والأمر الواقع هو أن كلا من النظامين يحاول عن طريق إثارة المشاعر الوطنية وإشعال الحماسة القومية أن يخفى فشله داخليا
وخوفه العميق من المستقبل بعد أن ثبت بما لا يدعو مجالا للشك انهيار النظام الاقتصادى فى هاتين الدولتين، وانعدام التأييد
السياسى للنظامين الحاكمين على الصعيد الداخلى والخارجى على السواء، خاصة وأن سياسة الرئيس كارتر، التى ترتكز أساسا على
مبدأ حقوق الإنسان تدين هذه النظم التى وصلت إلى مقاعد الحكم بالقوة ولذلك يعمد النظام الحاكم فى شيلى والأرجنتين إلى
المبالغة فى الأخطار التى تهدد السيادة الوطنية، فهذه الأخطار هى مبرر طيب لاستمرار هذه النظم العسكرية فى الحكم وسبب جيد
لتحويل انتباه الشعب عن مشاكله الحقيقية، من ركود اقتصادى وتخلف معيشى وردع سياسى وفى مثل هذا الجو المفعم بتهديد الحرب
والاعتداء على أرض الوطن لا تجسر المعارضة على التفوه بكلمة نقد أو احتجاج وإلا اتهمت بالخيانة العظمى
.
حقا أن الأزمة بين شيلى والأرجنتين قد اجتازت مرحلة الخطر المباشر، وساد هدوء نسبى منطقة التغجر ولكن إذا كان خطر انفجار
الحرب قد أمكن تداركه، فإن جوهر المشكلة مازال كما هو، فالأرجنتين تصر على أن الأطلنطى أرجنتينى والهادى شيلى فى حين
تطالب شيلى بجزر بيجيل ومائتى ميل من المياه الإقليمية فى المحيط الأطلنطى طبقا للعرف الدولى المتبع فهل سينجح الفاتيكان
حيث فشلت بريطانيا مرارا؟ وهل ستعين الحدود الجنوبية بين الدولتين نهائيا أم أن هذا الهدوء سيكون مؤقتا إلى أن يشتعل النزاع
مرة أخرى؟ علما بأنه قد تردد أخيرا فى الدوائر السياسية أن شيلى، وهى الطرف الأضعف بسبب صراعاتها الإقليمية الأخرى، قد أبدت
استعدادا أكبر للتفاهم، وعرضت أن تقتصر المساحة البحرية التى ستقع تحت سيطرتها على اثنى عشر ميلا بدلا من مائتى ميل، وذلك
رغبة من جانبها لإيجاد تسوية معقولة ودائمة لهذا الخلاف المزمن.