منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#57527
العلاقات الدبلوماسية والحرب

(1)
على مر التاريخ عرفت جميع الأمم «التمثيل الدبلوماسى المؤقت» تجد ذلك عند قدماء المصريين واليونان والرومان والهند، وهذا «التمثيل المؤقت» كان هو السمة العامة للعلاقات الدولية قديما، ويغنينا عن الاطالة قراءة ما سطره د. أبوهيف فى القانون الدولى، وكذلك العلامة حامد سلطان مستندين إلى وثائق التاريخ العالمى.


فلما نزل القرآن فى القرن الـ 7 الميلادى قفز الإسلام «بالعلاقات الدولية» قفزة نوعية غير مسبوقة، وذلك بتقرير القرآن «لوحدة الأسرة الإسلامية»، وما يترتب على ذلك من ضرورة «دوام تواصل الدول» سعيا إلى التعارف ثم التبادل وانتهاء بالتكامل والتكافل واقرأ قواعد وحدة الإنسانية فى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ..)، كما يوضح القرآن ضرورة فتح أبواب التواصل بين الشعوب لدوام التعارف والتقارب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...) فالتقارب يخلق تصورات صالحة، وينتج ألوانا من الفكر التعاونى والتكاملى بين الشعوب، فالإسلام يعتبر الكرامة الإنسانية «صحة مُعدية» ــ أى أن الحضارة والسلام والأمن مبادئ فطرية عامة تنتقل بين الشعوب تقليدا وتنافسا مثلما تنتشر «الفيروسات المعدية»، لذلك فرض الإسلام على معتنقيه أحمالا ثقيلة «من المصابرة ودوام التواصل وعدم الهجر»، وهذه الأحمال مفروضة فى معاملات الأقارب ثم الأصدقاء والشركاء ثم مع جميع مستويات الجوار (...وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ..)


(2)
والعلاقات الدولية لها آليات كثيرة أشهرها المعاهدات، والتمثيل الدبلوماسى وقد فتح القرآن والسنة النبوية أبواب العلاقات الدولية بأكثر من وسيلة «كالمعاهدات، وبعث واستقبال السفراء والهجرة الدائمة والمؤقتة والسياحة والتبادل التجارى»، وكذلك تقرير حق المسلم فى الزواج من غير المسلمات ــ إذا رغبت المرأة فى ذلك وقبلته ــ مشروطا بضرورة رشدها وسلامة عقلها وحرية إرادتها.

وحينما فتح الإسلام هذه الأبواب العديدة لتواصل الشعوب عبر تعارفها والتبادل فيما بينها سعيا للتكامل ثم التكافل.. فإنما يقصد إحلال السلام الدائم. وإعلان التكافل بين البشر سعيا لعالم آمن يتمتع بالإعمار والرفاهية.لذلك نقرر أن معاهدة «وستفاليا» سنة 1678 المعقودة بين الدول الأوروبية عقب حرب الثلاثين سنة.. تلك المعاهدة التى مهدت للتمثيل الدبلوماسى الدائم (السفارات) على مستوى العالم، تلك المعاهدة قد تأخرت عما جاء به القرآن «عشرة قرون» حيث رأينا إصرار القرآن على التواصل والتعارف مع الحفاظ على كرامة الإنسان.


ومن التوجيهات الأولى الدافعة لفتح أبواب المسلمين لغيرهم بصفة عامة ذلك قول الله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ...) .

(3)
لذلك نقرر باطمئنان أن «التمثيل الدبلوماسى» هو أداة إسلامية من أدوات العلاقات الدولية، وهو أداة واجبة الاحترام والحرص على إستمرارها بأشكال متعددة فى النوع والدرجة، وأجدنى بحاجة إلى إضافة «ضرورة عدم قطع جميع العلاقات مع الأطراف الأخرى خصوصا فى جميع مراحل النزاع».. وليس معنى ذلك القبول والتسليم بجميع ممارسات الطيش والرعونة والعدوان، سواء علينا أو على الجيران أو حتى على أى مظلوم فى الدنيا... فالأصل الذى يتبناه الإسلام هو إحلال السلام لجميع شعوب العالم وإجهاض محاولات العدوان على أى جزء فى العالم، ومساعدة المظلوم فى ردع ظالمة لمنع الظلم والإفساد فى بقاع العالم المسكونة مهما كانت التكاليف وتحمل مسئولية السلام الدولى هو الذى فرض على المسلمين تحمل إعداد القوة العسكرية مع عدم استخدامها إلا لإقرار السلام.