- الاثنين ديسمبر 17, 2012 1:12 pm
#57727
ينتسب تاريخ ألبانيا إلى تاريخ الدول البلقانية بحكم التوسع التركي وانتشار الإسلام في هذه البقاع من جنوب شرق أوربا.
وقد برزت هذه البلاد على الساحة الدولية بعدما كانت غائبة عن الضمير العالمي وترجع هذه الظاهرة إلى النهج الذي اتبعه الحزب الشيوعي في ألبانيا بعد استقراره في الحكم وأخذه في تناول مصير هذه البلاد بواسطة الطرق التي عاشتها دول أوربا الشرقية التي دخلت هي الأخرى في فلك النظام الشيوعي.
لقد عزل أنور خوجة ألبانيا عن العالم ولم يكن أحد يعرف عنها ما عرف عن البلدان المجاورة إلا من خلال علاقاتها الخارجية إما عن طريق بلغراد التي دخلت معها في علاقات وطيدة سنة 1948 أو مع موسكو بعد الانقطاع عن بلغراد إلى سنة 1961 أو مع الصين بعد ذلك.
لقد حدثت تغييرات هائلة في ألبانيا بعد ذهاب النظام الشيوعي الذي أدخلها في وسط بحر م الحكومات الشمولية التي كانت تمثل التبعية التامة للحزب الشيوعي ورئيسه أنور خوجة، ذلك أن فترات متلاحقة من الانغلاق الشيوعي أدى بالضرورة إلى عجز الشعب الألباني التام عن مسايرة التطور العالمي.
وقبل أن نبدأ أحوال المسلمين ومصير الإسلام في البلاد أقدم في عجالة نظرة تاريخية توخيت منها أن تكون إطارا يجسد العلاقة الوطيدة بين التطور التاريخي والتطور الديني في البلاد.
وهذا البحث يحتوي على بابين رئيسين :
الباب الأول يقوم بوظيفة رصد التطور للأحداث التاريخية منذ استقلال البلاد سنة 1912 بالإضافة إلى فترة الحكم الشيوعي.
أما الباب الثاني فيتعلق بدراسة أحوال المسلمين والطوائف الدينية وتطورها وتكوين مؤسساتها والتعرض إلى حقوقها وواجباتها وعلاقتها مع نظام الحكم سواء كان ذلك في عهد الملك " زوغو"أو في عهد الاحتلال الإيطالي ( 1939 ) أو في فترة الاحتلال الألماني سنة 1943. لكن الأهم من هذا هو كيف حصل الانقلاب الذي قام به الشيوعيون ضد الإسلام ومؤسساته التي كانت قائمة الذات راسخة البنيان.
وسوف أقف بسبب ضيق المجال بالنسبة للباب الثاني عندما أختم دراسة وضعية الإسلام والمسلمين عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، على أن أعود في مقال خاص ينصب بالدراسة على وضعية الإسلام إبان العهد الشيوعي.
الباب الأول : نظرة تاريخية، 1912 - 1978
كانت ألبانيا مقاطعة رومانية ثم صارت تابعة لبزنطة ثم تخللتها فترات تاريخية تحت الأمبراطورية البلغارية مرة، وتحت إمبراطورية الصربية مرة أخرى. وقد حكمتها سلالة محلية من سنة 1366 إلى 1421. ورغم مقاومتها بقيادة أسنكربك فقد خضع الألبانيون للسيطرة العثمانية. وفي سنة 1912 حصلت البلاد على استقلالها الداخلي ثم صارت إمارة فجمهورية سنة 1925 ثم مملكة سنة 1928 ثم خضعت للسيطرة الإيطالية سنة 1939 ثم إلى الاحتلال الألماني سنة 1943، وبعد الحرب الكونية الثانية صارت جمهورية شعبية في الثاني من شهر يناير من سنة 1946.
لقد أدى ضعف الإمبراطورية العثمانية في القرن الثامن عشر وسريان مفعول النضال من أجل التحرير الوطني لدى الصرب ( 1 ) واليونان في القرن التاسع عشر بالإضافة إلى الأطماع التوسعية التي أتت بعد ذلك من إيطاليا واليونان وصربيا وروسيا وخاصة أطماع المملكة الثنائية النامسا والمجر التي كانت تسيطر على جزء مهم من منطقة البلقان ( 2 )، أقول أدت هذه المجموعة من العوامل إلى بداية يقظة القومية الألبانية التي برزت بوضوح أثناء انعقاد مؤتمر برلين 1878 ( 3 )، حيث تم تكوين الرابطة الألبانية للدفاع عن حقوق الوطن الألباني وكانت معروفة تحت اسم La ligne des Prizen . حينئذ وبداية من التاريخ المذكور أعلاه برزت البنية الإيديولوجية للقومية الألبانية التي كانت قوية بحكم مزجها بدون تمييز بالديانات الثلاث التي كانت موجودة في البلاد، فقد كانت نسبة المسلمين تفوق 70% وهم منتشرون عبر البلاد كلها ونسبة الأرتودوكس 20% يقطنون الجنوب.أما الكاتوليك فقد كانت حصتهم لا تتجاوز 10% ويستقرون في شمال البلاد. والحديث عن هذه النقطة له أهمية قصوى، فعندما انتشر الإسلام في شبه جزيرة البلقان بعد معركة "قوسوفو" سنة 1389 كانت الكنائس القوية سواء في صربيا أو اليونان أو بلغاريا تشكل الدرع القوي والواقي أمام التيار الجديد، ولذلك يمكن أن نلاحظ أن سياسة الأتراك تجاه هذه البلدان كانت تعتمد على إرسال هجرة تركية مكثفة تكون مهمتها نشر الإسلام في هذه المناطق، الأمر الذي نجده منعدما تماما في ألبانيا وفي البوسنة والهرسك بسبب غياب تلك المؤسسة الدينية القوية أي الكنيسة. ومن هذا المنطلق نرى أن السياسة التركية كانت تريد نشر الإسلام من واقع محلي فوضعت بدل الهجرة التركية سياسة تقوم على تشجيع السكان على الدخول للإسلام. حينئذ نشأت مؤسسة الدفشرمة أو ما أطلق عليه اسم Adjini Oglan . وهذه المؤسسة كان لها دور مباشر في خلق الأجيال الأولى من المسلمين. إن عدم وجود مؤسسة دينية قوية في ألبانيا وتنامي التبعية في الانتماء لدى الألبانيين للكنيسة اليونانية أو الصربية أو البلغارية، كاد أن يؤدي في آخر الأمر إلى بداية الذوبان الحتمي للشعب الألباني، وتبعا لذلك يعتبر بعض الباحثين أن معركة "قوصوفو" كانت بمثابة وضع حد لهذا الذوبان، إذ توقفت سيرورة الانتماء الإثني واللغوي وقام الإسلام بوضع الحد الفاصل لإحضار الشعب الألباني.
كانت الحروب البلقانية ( 4 ) سواء الحرب الأولى أو الحرب الثانية بداية لانهيار الإمبراطورية العثمانية في شبه جزيرة البلقان. وبعد هذه الحروب اتجهت أطماع دول البلقان إلى اقتسام ألبانيا، حيث حاصر الجبل الأسود مدينة Shkoder كما احتل الصرب مدينة Durres الساحلية، وكان جواب الألبانيين على ذلك هو ما تم في الاجتماع المشهور الذي ضم أعيان البلاد بمدينة Vlora، فحمسوا الأمر بإعلان استقلال البلاد سنة 1912 وتشكيل حكومة مؤقتى تحت رئاسة "إسماعيل كمال" وتحت ضغط كل من إيطاليا والنمسا اللتين كانتا تميلان إلى إزاحة الصرب من البحر الأدرياتيكي، اعترفت الدول العظمى بالاستقلال الذاتي لألبانيا يوم 20 دجنبر 1912 وكان الإعلان عن ذلك قد تم في مؤتمر لندن الذي اجتمع لدراسة الأوضاع السياسية والعسكرية بصفة عامة في بلاد البلقان. وبعد انعقاد المؤتمر الثاني في يوم 30 ماي سنة 1913 في لندن قرر المجتمعون ما يلي : 1) تكوين حكومة لتسيير شؤون البلاد، 2) تسند إلى لجنة دولية مهمة لمراقبة لرسم الحدود وتعيينها،3) إعلان ألبانيا إمارة مستقلة تحت وصاية الدول العظمى،وقد قبل عرش الإمارة الألماني William de Wed الذي وصل إلى مدينة Durres في اليوم السابع من شهر مارس سنة 1914.
لكن روح المقاومة هبت من جديد، فتم خلع الأمير الجديد عن عرش الإمارة، حيث غادرها في بداية الحرب العالمية الأولى. وخلال الحرب عرفت البلاد فترات مظلمة من تاريخها وكانت الفوضى تعم أرجاء البلاد والتطاحن على الحكم كان الهدف الأسمى للفئات المتناحرة، التي كانت تتنافس فيما بينها على إرضاء دولة من الدول المجاورة الطامعة. ففي سنة واحدة
( 1914 ) عرفت البلاد ست حكومات، كما عرفت خلال الحرب سلسلة متعاقبة من الاحتلالات التي أتت من الدول المجاورة لها وغير المجاورة. نخص بالذكر منها صربيا والنمسا وإيطاليا وفرنسا واليونان وبلغاريا. وقد وضع برنامج تقسيم ألبانيا في الاتفاق السري الذي تم في لندن يوم 26 أبريل سنة 1915، لكن هذا المشروع تم إبعاده يوم 3 يونيو سنة 1917 عندما أعلن الجنرال Ferrero استقلال البلاد. وقد تم تعيين إدارة دولية بعد الهدنة، وظلت تمارس مسؤوليتها إلى سنة 1920.
وفي مؤتمر السلم تحايلت إيطاليا وتمكنت من أخذ الوصاية على ألبانيا في يوم 20 غشت سنة 1918، وفي سنة 1920 عرفت البلاد فترة استقرار تام بعد وصول "زوغو" إلى الحكم ( 5 ) .
وقد أكد مؤتمر السفراء الذي عقد في لندن في شهر نونبر 1921 استقلال ألبانيا داخل الحدود التي تم تعيينها سنة 1913، لكنه كلف إيطاليا بالسهر على المحافظة على وحدة التراب الألباني ( 6 ) . وبسبب الوضعية الاقتصادية السيئة، اندلعت بين الحين والآخر فتن وقلاقل من طرف الفلاحين الذين كانوا يطالبون بإجراء بعض الإصلاحات الزراعية، كما طالبوا بتنحية الحكومة العاجزة والتي كانت تحت سيطرة أحمد زوغو. ونتيجة لذلك اضطر الملك إلى مغادرة البلاد مع رئيس حكومته وعضوين مسلمين في مجلس الوصاية. وتمت السلطة للأسقف الأرتودوكسي Fan Noli ، زعيم حزب الأحرار وكان ضمن الوفد الألباني في عصبة الأمم، كما كان يتمتع بشعبية كبيرة داخل البلاد. لكن سلطته لم تعمر أكثر من ستة أشهر بسبب عجزه عن تطبيق الإصلاحات المرجوة والمستعجلة. وقد رجع أحمد زوغو إلى البلاد على رأس حملة عسكرية احتلت بواسطتها تيرانا، وغادر Fan Noli البلاد إلى المنفى ( 7 ). وتعتبر الفترة الواقعة بين سنة 1925 إلى قيام الحرب الكونية الثانية وفي غضونها من أهم فترات التاريخ الألباني. ففي يوم 22 يناير سنة 1925 ألغت الجمعية الوطنية نظام الحكم المعتمد على الوصاية، وأعلنت النظام الجمهوري للبلاد، وقد تم انتخاب زوغو بعد أيام من ذلك القرار رئيسا للجمهورية، وكان دستور البلاد يستوحي خطوطه العامة من دستور الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان زوغو قد عاد إلى الحكم بمساعدة يوغوسلافيا فـإنه لم يلبث أن تخلى واتجه إلى إيطاليا ( 8 ) ، وقد انقلب نظام الحكم في البلد من نظام جمهوري إلى نظام ملكي، وكان ذلك في شهر غشت سنة 1928 بعد تعديل الدستور، حيث أصبح زوغو ملكا على البلاد. وبذلك وضعت إيطاليا يدها على ألبانيا عن طريق القروض كالقرض الذي بلغ مائة مليون ليرة ( 9 ) تؤدى على عشر سنوات. وفي سنة 1934 رفض الملك تجديد عقد القرض مع إيطاليا، بل إنه أمر بتأميم بعض المؤسسات الإيطالية وخاصة مؤسسات التعليم. وساعد على مد النفوذ المالي اليوغوسلافي، فقامت إيطاليا بإجراء استعراض بحري في المياه الإقليمية، الأمر الذي أدى إلى استسلام التام من طرف زوغو وخضوعه للشروط الإيطالية ولهذا لم تنضم ألبانيا إلى الاتفاق البلقاني الذي اقترحته فرنسا كما أنها لم تنضم إلى الدول الأوربية لمعاقبة إيطاليا بسبب عدوانها على الحبشة. في سنة 1938 وقبل الغزو بسنة واحدة بلغت مقادير الأموال الإيطالية المستثمرة في ألبانيا( 280.000.000 فرنك فرنسي)، كما كون الإيطاليون شركة كبيرة لتطوير ألبانيا بهدف تحويلها إلى مستعمرة اقتصادية وعسكرية كما تقرر إرسال هجرة إيطالية تقدر بحوالي 300.000 إيطالي، وكل هذا كان تحضيرا للاحتلال التام الذي حدث في شهر أبريل سنة 1939 ( 10 ) . وقد اعتمد الإيطاليون برنامج الاحتلال المذكور عقب الاجتماع الذي حضره وزير الخارجية Ciano الذي اتفق مع موسوليني على النقط الآتية :
1) تعبئة الجيش البري والتنسيق بينه وبين البحرية والطيران.
2) خلال ذلك يكون الملحق العسكري الإيطالي في تيرانا وهو السيد Jacomani يواصل ضغطه على الملك.
3) عندما يقاوم هذا الأخير يتم إرسال البواخر الحربية الإيطالية إلى المياه الإقليمية لألبانيا، ثم يرسل الإنذار النهائي إلى الملك للاستسلام، ثم يقع تحريض المقاومة الداخلية عندما يرفض الملك، ثم تبدأ عملية الإنزال، وبعد الاحتلال ينشأ نظام حكم ملكي جديد، ويقدم عرش البلاد إلى ملك إيطاليا.
كانت موافق الدول الأوربية مختلفة : فيوغوسلافيا كانت تعارض الاحتلال نظرا لمصالحها في منطقة KOSOVO . أما المجر فقد كانت مع الاحتلال، بل إنها قامت بإرسال ست فرق عسكرية إلى حدود يوغوسلافيا لتهديدها. أما إنجلترا فقط ظهر موقفها من خلال التصريح الذي أدلى به تشمبرلن في مجلس العموم ( 11 ) حيث أشار إلى عدم وجود مصالح بريطانية خاصة في ألبانيا.
لقد قامت إيطاليا يوم 12 أبريل 1939 باحتلال البلاد فلجأت العائلة الملكية إلى لندن. ويمكن اعتبار الواقعة بين 1939 و 1944 فترة احتلال تام باستثناء سنة واحدة أي سنة 1943 التي تم فيها غزو ألمانيا للبلاد.
وهكذا صارت ألبانيا جزءا لا تيجزأ من إيطالية، فانقلبت الجمعية الوطنية الألبانية إلى جمعية دستورية، وتقلد الوزارة Cheokiy Bey Verlaci . وبواسطة اتفاقية مالية وجمركية أدمجت البلاد في المنظومة الاقتصادية الإيطالية، وفي 22 أبريل 1939 سمي السفير الإيطالي في تيرانا Francisico Jacomini de savoie نائب الملك.
وفي 30 ماي 1939 تكون الحزب الشيوعي الفاشستي الألباني على غرار ما في إيطاليا. كما تم وضع كل من الجيش والدرك تحت إمرة القيادة الإيطالية ( 12 ) . وقد عارض الشيوعيون الغزو في غضون الحرب الكونية الثانية وقاوموه في السر والعلانية، لكن زعماء الأحزاب السياسية الآخرين الذين كانت تستهويهم تصريحات المسؤولين الإيطاليين بإنشاء ألبانيا العظمى بعد ضم بعض المناطق التي تحت يوغوسلافيا ( 13 ) واليونان قد وضعوا أنفسهم عن طواعية رهن إشارة المحتلين . وإذا كان الاحتلال الإيطالي غير كامل ومكلفا، فإن موسوليني قرر الاحتلال التام بإرسال 130.000 جنديا ثم دخل إلى اليونان ثم انقلبت الآية ببروز المقاومة المسلحة التي انتشرت بسرعة في يوغوسلافيا واليونان وألبانيا، ولذلك نرى بجاية الانتكاس الكبير الذي أصاب الجيش الإيطالي ( 14 ) وكان ذلك سنة 1941.
لقد أصابت الجيش الإيطالي سلسلة من الهزائم والانتكاسات، الأمر الذي دفع بهتلر إلى اجتياح منطقة البلقان برمتها، فأعلن الحرب على اليونان ويوغوسلافيا، وعندما استسلمت إيطاليا سنة 1943 قام الألمان باحتلال ألبانيا، وأعقب ذلك تنفيذ بعض الإجراءات كإلغاء كل القوانين التي صدرت سنة 1939 ، وأعلن حياد ألبانية وتكوين مجلس الوصاية الذي أوكلت إليه السلطات التنفيذية. أما التشريعية فظلت في يد المجلس الدستوري. وفي غضون ذلك تصاعد تيار المقاومة المحلية ضد الاحتلال، إذ لعب المقاومون دورا كبيرا في تحرير البلاد بمساعدة أنصار يوغوسلافيا ( 15 ) .
لكن وابتداءا من هذا التاريخ اختلط تاريخ ألبانيا بتاريخ الحزب الشيوعي الألباني، وقد تحرر التراب الألباني في شهر نونبر سنة 1944.
وعندما نتطرق إلى الفترة الممتدة بين 1945 و 1978 ستكون الدراسة حولها منصبة على العهد الشيوعي. حيث تتم معالجة نظام الحكم الجديد الذي عم بدون استثناء الجزء الشرقي من القارة الأوربية. فقد وقعت ألبانيا في هذه الفترة تحت القبضة الشيوعية. وهذا النظام كان يمثله الحزب الشيوعي الذي صار يحمل اسم حزب العمل الألباني. ولقد مر نظام الحكم في البلاد وفي إطار علاقاته مع الخارج بمراحل ثلاث :
1) 1945 - 1948 ، هذه الفترة كانت العلاقة فيها مع يوغوسلافيا وطيدة جدا بسبب الدعم العسكري والميداني الذي قدمه المارشال تيتو لأنور خوجا أثناء حرب التحرير. ثم صارت هذه العلاقة سيئة عقب وقوع النزاع المشهور بين تيتو وستالين سنة 1948.
2) 1961 - 1961 ، علاقة حسنة مع الاتحاد السوفياتي .
3) 1961 - 1978 ، علاقات وطيدة مع الصين.
للإشارة، فإن موضوع الفترة 1945 - 1978 لا يدخل في مجال بحثنا إلا من خلال علاقة النظام الجديد علاقة النظام الجديد بالدين الإسلامي والمسلمين وبكل الطوائف الدينية كانت مسيحية أو مسلمة.
وقبل أن أدخل في دراسة الباب الثاني المتعلق بوضعية الإسلام والمسلمين في ألبانيا، أشير إلى ما يلي :
1- لقد قسمت هذا الباب لضيق المقام إلى فصلين، الفصل الأول عالجت فيه فترة وضعية الإسلام والمسلمين من سنة 1912 إلى بداية الحرب الكونية الثانية، أي قبل مجيء الشيوعيون وعلى رأسهم أنور خوجة إلى الحكم، ولقد أخرت الفصل الثاني الذي تعرض لدراسة وضعية الإسلام والمسلمين في العهد الشيوعي إلى فرصة أخرى ومقال جديد في المستقبل إن شاء الله.
2- مرت العلاقات الخارجية لألبانيا بثلاث مراحل :
1945-1948 ، كانت فيها العلاقات وطيدة مع يوغوسلافيا.
1948-1961، كانت فيها العلاقات وطيدة مع الاتحاد السوفياتي.
1961-1978 ، كانت فيها العلاقات وطيدة مع الصين.
والغاية من الإشارة إلى ذلك القيام بتفسير وتوضيح علاقة أنور خوجة بالدين، فمن خلال صداقته مع تيتو لم يقم أنور خوجة بفرض الحل النهائي على الدين إسلاميا أم مسيحيا عندما كان صديقا لتيتو. إذ أن هذه الفترة عرفت سياسة جس النبض، وإصدار قوانين تتعلق بالدين ومؤسساته دون التعرض إلى سياسة تطهيرية كاملة. فهل كان ذلك يرجع إلى الخوف من حدوث استياء عام وفتن وثورات داخلية ؟ فالوضع الشيوعي كان في بداية الطريق ولم يكن لأنور خوجة حاميا من الخارج.ذلك إلى سوء التفاهم الذي حدث بين تيتو وستالين سنة 1948 والذي أدى في النهاية إلى القطعية النهائية مع الاتحاد السوفياتي ( 16 ) . كما يرجع كذلك إلى أن الإتجاه الجديد لأنور خوجة في علاقته مع ستالين كان سببا في بداية الحملة الكبيرة ضد الدين في ألبانيا، فقد كان ستالين قدوة في هذا المضمار لأنور خوجة، إذ كان هذا الأخير يستوحي سياسته الجديدة هذه من سياسة ستالين الدينية الهادقة عبر سلسلة القوانين والتشريعات التي سنت ثم طبقت إلى إزاحة الدين ومؤسساته عن الطريق التي رسمها الحكم الشيوعي.
بعد معركة KOSOVO التي اندحر فيها الجيش الصربي سنة 1389 بدأت السيطرة العثمانية تشق الطريق عبر بلاد البلقان، ويرجع استقرار الأتراك إلى عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وبشرية. ويرجح بعض المؤرخين الدور الذي لعبه الألبانيون في تسهيل عملية التوسع التركي، حيث هاجر مئات الآلاف منهم إلى سهل KISOVO الذي كان مركزا حيويا لدولة الصرب في القرون الوسطى. وموجة الهجرة هذه كانت قد تمت بعد نزوح 100.000 صربي إلى المجر سنة 1690 ( 17 ) .
معالجة الفترة الواقعة بين 1912 و 1939 تحتاج إلى وضعها ضمن فترات تاريخية معينة، وذلك حتى يتجنب المرء مشكلة الاختلاط والتكرار.
هذه الفترات هي كالتالي :
1912-1920 ،
1921-1924،
1925-1939.
فترة 1912-1920 :
كان غياب السلطة العثمانية الذي أدى إلى ولادة الدولة المستقلة في ألبانيا وفي دول أخرى مجاورة سببا إضافيا مباشرا لدفع الطائفة المسلمة في البلاد إلى تنظيم صفوفها، فتكونت البنية الدينية وترسخ العقيدة لدى السكان الذين كانوا يطمعون في نزع الاعتراف بالدين من طرف السلطة ( 18 ) ، وقد تم هذا العمل، الأمر الذي كان متعذرا حصوله في البلدان المجاورة لها. وشرح ذلك هو أن المسلمين في غير ألبانيا كانوا أقلية كما هو الشأن في يوغوسلافيا باستثناء البوسنة والهرسك، كما كانوا كذلك أقلية في بلغاريا واليونان ورومانيا ( 19 ) . أما في البلاد التي نحن بصدد دراسة الإسلام فيها فقد كان المسلمون يشكلون أغلبية واسعة. كما يلاحظ بوضوح التلاحم والانسجام اللذين كانا موجودين داخل الطائفة السنية بعد نزوح الأتراك عن البلاد.
ولم يكن بتاتا المشكل القومي والوطني مطروحا لأن المسلمين في ألبانيا كانوا كلهم ألبانيين، ونضيف ظاهرة أخرى مهمة، وهي أن الطائفة المسلمة كانت تتكون من مجموعتين متوازيتين، الطائفة السنية والطائفة البكداشية. وكانت كل طائفة توجه من طرف ممثلها الخاص بها.
وعندما نتعرض لدراسة الطائفة السنية وتنظيمها الإدراي يمكن الاعتقاد بأنها كانت توجه من طرف المفتي الأكبر الذي كان مقره في تيرانا. لكن تدخل الدولة كان حاسما، إذ هي التي كانت تسيطر على المؤسسة الدينية وتحسم في قضية المراتب والدرجات الدينية، بل هي التي كانت تمول هذه الطائفة وتقوم بدفع رواتب المفتي والقضاة. لكن ذلك ليس معناه الاعتراف بالدين كدين للدولة. كانت السلطة الألبانية تتبع النهج القديم في معاملتها لرجال الدين، وكانت مكانة القضاة والمفتين أكبر منها لدى الرهبان والكهنة، وكان من اختصاص القاضي البث في قضايا الزواج والطلاق والإرث والبت في حقوق الأطفال. وكانت مهمة المفتي تنحصر في وظيفة مستشار القاضي، لكنه مع ذلك كانت له صلاحية الإرشاد في أمور الدين وقضايا المذهب والعقيدة. أما الطائفة البكداشية ( 20 ) يمكن القول بأن تنظيمها الإداري لم يكن يختلف عن تنظيم الطائفة السنية، وكان مقرها في Kakkandelem وهي موجودة الآن في منطقة Tetovo في مكدونيا التي كانت تشكل جمهورية داخل النظام الفيدرالي اليوغوسلافي قبل الحرب والانفصال. وقد انفصلت هذه الطائفة عن طائفة البكداشيين في استنبول. ونختم هذه الفترة بالتعرض لبعض الإشارات المتعلقة بالتثقيف الديني والصحافة الإسلامية. إن مركز التثقيف الديني والتعليم كان موجودا في المدرسة المشهورة في مدينة Berat، حيث كانت مدة التعليم فيها تستغرق ثمان سنوات، وكانت تضم سنة 1920 حوالي 120 تلميذا، وذلك قبل الحروب البلقانية. ثم صارت مدرسة المعلمين، وكانت الدراسة فيها تلقن باللغة الألبانية. أما ما تعلق بالمنشورات الدينية والصحافة الإسلامية فإننا نشير إلى بعض الكتب البسيطة التي كانت تعالج القضايا المتعلقة بأركان الإسلام كالصلاة والوضوء والنية والأعياد الدينية والزكاة والصيام والحج، عدد المساجد والتكيات وعدد رجال الدين والموظفين ووضعيتهم، حالة مؤسسات الوقف لدى السنيين والبكداشيين. وقد وقعت محاولات متعددة لتسييس الإسلام من طرف الأتراك بعد ذهاب الخلافة، وكانت جميعة الاتحاد والترقي تحاول استدراج الطائفة الإسلامية إليه لتكون قوة توازن في ألبانيا ومقرا للنفوذ العثماني. وإذا كان الباب العالي لم يعترف بانفصال ألبانيا عن الإمبراطورية، فإنه مع ذلك حاول تأسيس توازن سياسي وعسكري ضد تزايد القوتين الصربية واليونانية. وفي هذا الاتجاه أوحت إستنبول بفكرة تنصيب أمير تركي على رأس الدولة الألبانية، واقترحت تنصيب وزير الحربية عزة باشا وهو من أصل ألباني للإطاحة بالأمير Wed الذي نصبه الأوربيون على البلاد سنة 1913. وخلال هذه الفترة لوحظت حركة غريبة من طرف الكنيسة الكاثوليكية التي حاولت عن طريق المال تنصير المسلمين وكتلكة الأرتدوكس، حيث ثم رصد طائلة تقدر ب 100.000 دولار في البداية، و 50.000 دولار عند كل سنة.
فترة 1921-1924 ، وفيها سنتعرض بالدراسة لوضعية الطائفتين السنية والبكداشية في ألبانيا من خلال بنيتها وتنظيمها الإداري، فقد عرفت هذه الفترة بداية الانقطاع والانفصال عن الباب العالي، كما تميزت هذه الفترة بعقد الطائفة السنية في تيرانا لمؤتمرها المعروف في شهر أبريل سنة 1923، حيث نجد القرارات المهمة الصادرة عنه تتعلق بانفصال الطائفة السنية عن إستنبول، إعلان الاستقلال التام، إلغاء تعدد الزوجات، إلغاء وضع الحجاب. إلى غير ذلك من القرارات الأخرى، وقد أثار ذلك موجة من الاحتجاجات وردود الفعل العربية والأجنبية ( 21 ) . وصرح رئيس مجلس الشريعة لجريدة الأهرام المفتي محمد وهبي ونشر التصريح في نفس الجريدة يوم 20 يونيو ، وكان تصريحه يوضح بعض القضايا المتعلقة بمزاولة وممارسة الشعائر الدينية حيث أدلى ببعض التوضيحات. ونحن نتعرض لذلك بتلخيص شديد لا يخرج عن نطاق الإشارة. كانت التوضيحات تتعلق بتنظيم الطائفة، وإعادة تنظيم و إصلاح مؤسسات الوقف، والأخذ بالعناية والرعاية للمؤسسات الدينية، انتخاب المفتي الأكبر وتعيين المقر في العاصمة، التفرع الوظيفي بواسطة مجموعة المفتين الجهويين الذين يهتمون بالمسائل المالية والإدارية والتفتيش، تأسيس المجلس الأعلى للشريعة ( Haut Conseil du Charia) يشرف عليه المفتي الأكبر، ويتكون هذا المجلس من ستة أعضاء : دكتورين في القانون الشرعي، ومن موظفين مدنيين.
أما فرقة البكداشيين فقد حاولت قطع العلاقة مع البكداشيين في تركيا، وقد تم لها ذلك في المؤتمر الذي عقدوه سنة 1922، هذه الفترة تميزت بظهور ثلاث مجلات تعني بالدراسات الإسلامية ( 22 ) .
الفترة 1925-1939 : تعد هذه الفترة من أهم الفترات التاريخية في البلاد باعتبار الظروف السياسية الطارئة التي كان لها تأثير قوي على الدين في البلاد. في هذه الفترة كان المسلمون يشكلون 71% من السكان، حيث بلغ عدد سكان الاورتودكس 88.987 نسمة مكونين بذلك نسبة 10% من مجموع السكان. وفي هذه الفترة تم إدخال بعض التعديلات والتغييرات التي كانت بمثابة حملة تصحيحية للنظام الهيكلي للطائفتين الإسلاميتين. فقد أعلنت الطائفة السنية عقب المؤتمر الثاني الذي عقد في تيرانا في شهر غشت سنة 1924 القانون الأساسي الذي يضم خمسة محاور يضم خمسة محاور أساسية" 1- الملاحظات الأولية حول الدين في البلاد.
2- تنظيم الطائفة الإسلامية. 3- الإصلاح القضائي. 4- القانون المدني. 5- تطبيق الإصلاح وخاتمة عامة(23) . لكن يبقى هذا الإصلاح الشامل والتنظيم المقنن خاضعا للدستور الرسمي للبلاد.
إن مجال التطبيق الوارد شأنه في النقطة الخامسة التي وردت في الدستور هو عبارة عن مجموعة من المواد والبنود الأساسية التي تغطي بشكل دقيق ومركز عالم النشاط الديني العام، ويقدم خريطة شاملة يبرز فيها التركيز على المجالات التنظيمية والبنيوية، ويدقق في المسؤوليات وفي بدايات ونهايات التدرج فيها، وإذا كانت فترة ما قبل فترة 1925 - 1939 تعطي الانطباع بعدم وجود تنظيم مركز للطائفتين لأسباب سياسية يطول الحديث عنها كالحروب البلقانية التي عصفت بالمنطقة كلها خلال سنتين وغيرت وجه الخريطة السياسية للدول الموجودة هناك، فإننا نرى في الفترة اللاحقة ما بين 1925 - 1939 وجها مغايرا يظهر في ما تم من الانفصال التام عن الباب العالي والانكباب على تنظيم أمور المسلمين من زاوية الاستقلال، لكن يبقى هذا الإصلاح الشامل والتقنين التنظيم يخضعان لروح الدستور الرسمي الصادر عن سنة 1928 وبالأخص للتوجيهات الواردة في المادة الخامسة منه والتي ورد شرحها سابقا.
إن النص التشريعي الذي أرسل إلى الطائفتين الإسلاميتين معا يلزمهما بتطبيق ما جاء في المادة الخامسة من بنود، وسوف أشير إلى ذلك باختصار شديد:
1- إن الطائفة المسلمة تشمل المسلمين جميعهم بغض النظر عن كونهم سنيين أو بكداشيين.
2- تتمتع هذه الطائفة بالشخصية القانونية.
3- تدار الطائفة من طرف مجلس عام أعلى ومن رئيس ومن مجلس دائم ومن مديرية عامة ومفتيين رئيسيين ومفتيين فرعيين ومجالس إقليمية. 4- رئيس الطائفة هو المفتي الأعظم مقره في تيرانا عاصمة ألبانيا، وينتخب من طرف المجلس الأعلى شرط أن تتم المصادقة عليه من طرف
الملك، يعين المفتون الأربعة بنفس الطريقة من طرف المجلس الأعلى ويكون مقر أعمالهم في المدن الأربع الكبرى التالية: Scutari و Koritza وTirana و أخيرا مدينة .Argyro-Kastro
لكن الذي يثير الانتباه هو ما ورد في المادة رقم 30 من الدستور التي توضح بجلاء بداية هيمنة سلطة الحكم على العالم الديني في ألبانيا، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
1- تنفذ القرارات والأوامر الصادرة عن الرئيس وعن المجلس الأعلى بدون تمييز أو اعتراض.
2- تشجيع العلاقة الأخوية بين المسلمين.
3- المساهمة في تقوية الأخوة الوطنية بين الألبانيين بغض النظر عن معتقداتهم. 4- توسيع نطاق النشر والإعلام.
تخضع القواعد الضابطة لميزانية الطائفة المسلمة لقوانين الدولة المالية، كما نجد بنودا خاصة بتسيير موارد الوقف والضرائب المحصلة من طرف المسلمين وأخرى تتعلق بالمساعدات المالية الممكنة التي تقدمها الدولة للطائفة، وفي الأخير نشير إلى تحريم الدولة على الطائفة المسلمة طلب المساعدات المالية من الخارج، إلا أن يكون ذلك بإذن خاص من السلطات. وقد ظلت الأوقاف تحت ملكية الطائفة، لكنها تدار من طرف مديرية عامة التي ورد ذكرها في المادة الخامسة من الدستور.
وقبل أن أختم هذا المقال أسوق في عجالة دراسة مختصرة تتعلق بالتنظيم الخاص بالطائفة البكداشية في فترة 1925 - 1939. فلقد تم انعقاد المؤتمر الثالث للطائفة سنة 1929 في مدينة Korcé وتلا ذلك نشر القوانين المتعلقة بالشريعة والميزانية، وقد تم الانفصال الكلي عن الطائفة السنية وكانت الطائفتان معا تشكلان في السابق كتلة إسلامية واحدة. فصار للطائفة البكداشية الزعيم الروحي الأعظم ومقره في تيرانا، وهو يقابل لقب المفتي Grand Dede . ثم يأتي التسلسل في الوظائف والمسؤوليات، فنجد هيأة تتكون من خمسة زعماء يخضعون للزعيم الروحي الأعظم يوزعون في خمس مدن أساسية، ثم تأتي طبقة رؤساء التكيات ثم طبقة الدراويش وطبقة المحبين،
والمحب هو الذي التحق بالطائفة وبدأ التعلم والاستئناس بتعاليمها، ثم تأتي طبقة العاشقين الذين يحملون بالانتساب وهم كثير، لكنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة الإذن والتعلم والاستئناس بالشعائر البكداشية.
الذي يظل في ملكية الخيال، هو كيف يمكن تطبيق المبدأ العلماني على طوائف دينية مختلفة وعلى مجتمع يسير في حياته على نهج الشريعة الدينية إسلاما ومسيحية. إذ ليس من السهل أن ينقلب مجتمع ديني إلى مجتمع علماني. كما أنه من المستحيل أن تنهار مؤسسات تقليدية وتمحى أسس لها عمقها في جسم المجتمع بواسطة سياسة همها الوحيد هو التغيير السريع. ونحن في حل عن تقديم البرهنة لإسناد قولنا، فالذي يحصل الآن في تركيا وألبانيا غني عن البيان. إن إلغاء نظام الشريعة في تركيا إبان عهد أتاتورك وفي روسيا أثناء العهد الشيوعي، ثم في ألبانيا من خلال دستور 1928 في عهد الملك زوغو كان عبارة عن محاولة لا تخرج عن نطاق النزوة والهوى، ذلك لأن الإصلاح لا يمكن أن يأتي بواسطة قفزات ثورية، أو عن طريق الرعشة السياسية. إنه أولا مبدأ، وهو في الأخير هدف، وبينما طريق شائك، والتأني والتبصر سبيلان إلى ربط المبدأ بالأهداف لتكون النتيجة قد بلغت نهاية المبتغى.
وقد برزت هذه البلاد على الساحة الدولية بعدما كانت غائبة عن الضمير العالمي وترجع هذه الظاهرة إلى النهج الذي اتبعه الحزب الشيوعي في ألبانيا بعد استقراره في الحكم وأخذه في تناول مصير هذه البلاد بواسطة الطرق التي عاشتها دول أوربا الشرقية التي دخلت هي الأخرى في فلك النظام الشيوعي.
لقد عزل أنور خوجة ألبانيا عن العالم ولم يكن أحد يعرف عنها ما عرف عن البلدان المجاورة إلا من خلال علاقاتها الخارجية إما عن طريق بلغراد التي دخلت معها في علاقات وطيدة سنة 1948 أو مع موسكو بعد الانقطاع عن بلغراد إلى سنة 1961 أو مع الصين بعد ذلك.
لقد حدثت تغييرات هائلة في ألبانيا بعد ذهاب النظام الشيوعي الذي أدخلها في وسط بحر م الحكومات الشمولية التي كانت تمثل التبعية التامة للحزب الشيوعي ورئيسه أنور خوجة، ذلك أن فترات متلاحقة من الانغلاق الشيوعي أدى بالضرورة إلى عجز الشعب الألباني التام عن مسايرة التطور العالمي.
وقبل أن نبدأ أحوال المسلمين ومصير الإسلام في البلاد أقدم في عجالة نظرة تاريخية توخيت منها أن تكون إطارا يجسد العلاقة الوطيدة بين التطور التاريخي والتطور الديني في البلاد.
وهذا البحث يحتوي على بابين رئيسين :
الباب الأول يقوم بوظيفة رصد التطور للأحداث التاريخية منذ استقلال البلاد سنة 1912 بالإضافة إلى فترة الحكم الشيوعي.
أما الباب الثاني فيتعلق بدراسة أحوال المسلمين والطوائف الدينية وتطورها وتكوين مؤسساتها والتعرض إلى حقوقها وواجباتها وعلاقتها مع نظام الحكم سواء كان ذلك في عهد الملك " زوغو"أو في عهد الاحتلال الإيطالي ( 1939 ) أو في فترة الاحتلال الألماني سنة 1943. لكن الأهم من هذا هو كيف حصل الانقلاب الذي قام به الشيوعيون ضد الإسلام ومؤسساته التي كانت قائمة الذات راسخة البنيان.
وسوف أقف بسبب ضيق المجال بالنسبة للباب الثاني عندما أختم دراسة وضعية الإسلام والمسلمين عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، على أن أعود في مقال خاص ينصب بالدراسة على وضعية الإسلام إبان العهد الشيوعي.
الباب الأول : نظرة تاريخية، 1912 - 1978
كانت ألبانيا مقاطعة رومانية ثم صارت تابعة لبزنطة ثم تخللتها فترات تاريخية تحت الأمبراطورية البلغارية مرة، وتحت إمبراطورية الصربية مرة أخرى. وقد حكمتها سلالة محلية من سنة 1366 إلى 1421. ورغم مقاومتها بقيادة أسنكربك فقد خضع الألبانيون للسيطرة العثمانية. وفي سنة 1912 حصلت البلاد على استقلالها الداخلي ثم صارت إمارة فجمهورية سنة 1925 ثم مملكة سنة 1928 ثم خضعت للسيطرة الإيطالية سنة 1939 ثم إلى الاحتلال الألماني سنة 1943، وبعد الحرب الكونية الثانية صارت جمهورية شعبية في الثاني من شهر يناير من سنة 1946.
لقد أدى ضعف الإمبراطورية العثمانية في القرن الثامن عشر وسريان مفعول النضال من أجل التحرير الوطني لدى الصرب ( 1 ) واليونان في القرن التاسع عشر بالإضافة إلى الأطماع التوسعية التي أتت بعد ذلك من إيطاليا واليونان وصربيا وروسيا وخاصة أطماع المملكة الثنائية النامسا والمجر التي كانت تسيطر على جزء مهم من منطقة البلقان ( 2 )، أقول أدت هذه المجموعة من العوامل إلى بداية يقظة القومية الألبانية التي برزت بوضوح أثناء انعقاد مؤتمر برلين 1878 ( 3 )، حيث تم تكوين الرابطة الألبانية للدفاع عن حقوق الوطن الألباني وكانت معروفة تحت اسم La ligne des Prizen . حينئذ وبداية من التاريخ المذكور أعلاه برزت البنية الإيديولوجية للقومية الألبانية التي كانت قوية بحكم مزجها بدون تمييز بالديانات الثلاث التي كانت موجودة في البلاد، فقد كانت نسبة المسلمين تفوق 70% وهم منتشرون عبر البلاد كلها ونسبة الأرتودوكس 20% يقطنون الجنوب.أما الكاتوليك فقد كانت حصتهم لا تتجاوز 10% ويستقرون في شمال البلاد. والحديث عن هذه النقطة له أهمية قصوى، فعندما انتشر الإسلام في شبه جزيرة البلقان بعد معركة "قوسوفو" سنة 1389 كانت الكنائس القوية سواء في صربيا أو اليونان أو بلغاريا تشكل الدرع القوي والواقي أمام التيار الجديد، ولذلك يمكن أن نلاحظ أن سياسة الأتراك تجاه هذه البلدان كانت تعتمد على إرسال هجرة تركية مكثفة تكون مهمتها نشر الإسلام في هذه المناطق، الأمر الذي نجده منعدما تماما في ألبانيا وفي البوسنة والهرسك بسبب غياب تلك المؤسسة الدينية القوية أي الكنيسة. ومن هذا المنطلق نرى أن السياسة التركية كانت تريد نشر الإسلام من واقع محلي فوضعت بدل الهجرة التركية سياسة تقوم على تشجيع السكان على الدخول للإسلام. حينئذ نشأت مؤسسة الدفشرمة أو ما أطلق عليه اسم Adjini Oglan . وهذه المؤسسة كان لها دور مباشر في خلق الأجيال الأولى من المسلمين. إن عدم وجود مؤسسة دينية قوية في ألبانيا وتنامي التبعية في الانتماء لدى الألبانيين للكنيسة اليونانية أو الصربية أو البلغارية، كاد أن يؤدي في آخر الأمر إلى بداية الذوبان الحتمي للشعب الألباني، وتبعا لذلك يعتبر بعض الباحثين أن معركة "قوصوفو" كانت بمثابة وضع حد لهذا الذوبان، إذ توقفت سيرورة الانتماء الإثني واللغوي وقام الإسلام بوضع الحد الفاصل لإحضار الشعب الألباني.
كانت الحروب البلقانية ( 4 ) سواء الحرب الأولى أو الحرب الثانية بداية لانهيار الإمبراطورية العثمانية في شبه جزيرة البلقان. وبعد هذه الحروب اتجهت أطماع دول البلقان إلى اقتسام ألبانيا، حيث حاصر الجبل الأسود مدينة Shkoder كما احتل الصرب مدينة Durres الساحلية، وكان جواب الألبانيين على ذلك هو ما تم في الاجتماع المشهور الذي ضم أعيان البلاد بمدينة Vlora، فحمسوا الأمر بإعلان استقلال البلاد سنة 1912 وتشكيل حكومة مؤقتى تحت رئاسة "إسماعيل كمال" وتحت ضغط كل من إيطاليا والنمسا اللتين كانتا تميلان إلى إزاحة الصرب من البحر الأدرياتيكي، اعترفت الدول العظمى بالاستقلال الذاتي لألبانيا يوم 20 دجنبر 1912 وكان الإعلان عن ذلك قد تم في مؤتمر لندن الذي اجتمع لدراسة الأوضاع السياسية والعسكرية بصفة عامة في بلاد البلقان. وبعد انعقاد المؤتمر الثاني في يوم 30 ماي سنة 1913 في لندن قرر المجتمعون ما يلي : 1) تكوين حكومة لتسيير شؤون البلاد، 2) تسند إلى لجنة دولية مهمة لمراقبة لرسم الحدود وتعيينها،3) إعلان ألبانيا إمارة مستقلة تحت وصاية الدول العظمى،وقد قبل عرش الإمارة الألماني William de Wed الذي وصل إلى مدينة Durres في اليوم السابع من شهر مارس سنة 1914.
لكن روح المقاومة هبت من جديد، فتم خلع الأمير الجديد عن عرش الإمارة، حيث غادرها في بداية الحرب العالمية الأولى. وخلال الحرب عرفت البلاد فترات مظلمة من تاريخها وكانت الفوضى تعم أرجاء البلاد والتطاحن على الحكم كان الهدف الأسمى للفئات المتناحرة، التي كانت تتنافس فيما بينها على إرضاء دولة من الدول المجاورة الطامعة. ففي سنة واحدة
( 1914 ) عرفت البلاد ست حكومات، كما عرفت خلال الحرب سلسلة متعاقبة من الاحتلالات التي أتت من الدول المجاورة لها وغير المجاورة. نخص بالذكر منها صربيا والنمسا وإيطاليا وفرنسا واليونان وبلغاريا. وقد وضع برنامج تقسيم ألبانيا في الاتفاق السري الذي تم في لندن يوم 26 أبريل سنة 1915، لكن هذا المشروع تم إبعاده يوم 3 يونيو سنة 1917 عندما أعلن الجنرال Ferrero استقلال البلاد. وقد تم تعيين إدارة دولية بعد الهدنة، وظلت تمارس مسؤوليتها إلى سنة 1920.
وفي مؤتمر السلم تحايلت إيطاليا وتمكنت من أخذ الوصاية على ألبانيا في يوم 20 غشت سنة 1918، وفي سنة 1920 عرفت البلاد فترة استقرار تام بعد وصول "زوغو" إلى الحكم ( 5 ) .
وقد أكد مؤتمر السفراء الذي عقد في لندن في شهر نونبر 1921 استقلال ألبانيا داخل الحدود التي تم تعيينها سنة 1913، لكنه كلف إيطاليا بالسهر على المحافظة على وحدة التراب الألباني ( 6 ) . وبسبب الوضعية الاقتصادية السيئة، اندلعت بين الحين والآخر فتن وقلاقل من طرف الفلاحين الذين كانوا يطالبون بإجراء بعض الإصلاحات الزراعية، كما طالبوا بتنحية الحكومة العاجزة والتي كانت تحت سيطرة أحمد زوغو. ونتيجة لذلك اضطر الملك إلى مغادرة البلاد مع رئيس حكومته وعضوين مسلمين في مجلس الوصاية. وتمت السلطة للأسقف الأرتودوكسي Fan Noli ، زعيم حزب الأحرار وكان ضمن الوفد الألباني في عصبة الأمم، كما كان يتمتع بشعبية كبيرة داخل البلاد. لكن سلطته لم تعمر أكثر من ستة أشهر بسبب عجزه عن تطبيق الإصلاحات المرجوة والمستعجلة. وقد رجع أحمد زوغو إلى البلاد على رأس حملة عسكرية احتلت بواسطتها تيرانا، وغادر Fan Noli البلاد إلى المنفى ( 7 ). وتعتبر الفترة الواقعة بين سنة 1925 إلى قيام الحرب الكونية الثانية وفي غضونها من أهم فترات التاريخ الألباني. ففي يوم 22 يناير سنة 1925 ألغت الجمعية الوطنية نظام الحكم المعتمد على الوصاية، وأعلنت النظام الجمهوري للبلاد، وقد تم انتخاب زوغو بعد أيام من ذلك القرار رئيسا للجمهورية، وكان دستور البلاد يستوحي خطوطه العامة من دستور الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان زوغو قد عاد إلى الحكم بمساعدة يوغوسلافيا فـإنه لم يلبث أن تخلى واتجه إلى إيطاليا ( 8 ) ، وقد انقلب نظام الحكم في البلد من نظام جمهوري إلى نظام ملكي، وكان ذلك في شهر غشت سنة 1928 بعد تعديل الدستور، حيث أصبح زوغو ملكا على البلاد. وبذلك وضعت إيطاليا يدها على ألبانيا عن طريق القروض كالقرض الذي بلغ مائة مليون ليرة ( 9 ) تؤدى على عشر سنوات. وفي سنة 1934 رفض الملك تجديد عقد القرض مع إيطاليا، بل إنه أمر بتأميم بعض المؤسسات الإيطالية وخاصة مؤسسات التعليم. وساعد على مد النفوذ المالي اليوغوسلافي، فقامت إيطاليا بإجراء استعراض بحري في المياه الإقليمية، الأمر الذي أدى إلى استسلام التام من طرف زوغو وخضوعه للشروط الإيطالية ولهذا لم تنضم ألبانيا إلى الاتفاق البلقاني الذي اقترحته فرنسا كما أنها لم تنضم إلى الدول الأوربية لمعاقبة إيطاليا بسبب عدوانها على الحبشة. في سنة 1938 وقبل الغزو بسنة واحدة بلغت مقادير الأموال الإيطالية المستثمرة في ألبانيا( 280.000.000 فرنك فرنسي)، كما كون الإيطاليون شركة كبيرة لتطوير ألبانيا بهدف تحويلها إلى مستعمرة اقتصادية وعسكرية كما تقرر إرسال هجرة إيطالية تقدر بحوالي 300.000 إيطالي، وكل هذا كان تحضيرا للاحتلال التام الذي حدث في شهر أبريل سنة 1939 ( 10 ) . وقد اعتمد الإيطاليون برنامج الاحتلال المذكور عقب الاجتماع الذي حضره وزير الخارجية Ciano الذي اتفق مع موسوليني على النقط الآتية :
1) تعبئة الجيش البري والتنسيق بينه وبين البحرية والطيران.
2) خلال ذلك يكون الملحق العسكري الإيطالي في تيرانا وهو السيد Jacomani يواصل ضغطه على الملك.
3) عندما يقاوم هذا الأخير يتم إرسال البواخر الحربية الإيطالية إلى المياه الإقليمية لألبانيا، ثم يرسل الإنذار النهائي إلى الملك للاستسلام، ثم يقع تحريض المقاومة الداخلية عندما يرفض الملك، ثم تبدأ عملية الإنزال، وبعد الاحتلال ينشأ نظام حكم ملكي جديد، ويقدم عرش البلاد إلى ملك إيطاليا.
كانت موافق الدول الأوربية مختلفة : فيوغوسلافيا كانت تعارض الاحتلال نظرا لمصالحها في منطقة KOSOVO . أما المجر فقد كانت مع الاحتلال، بل إنها قامت بإرسال ست فرق عسكرية إلى حدود يوغوسلافيا لتهديدها. أما إنجلترا فقط ظهر موقفها من خلال التصريح الذي أدلى به تشمبرلن في مجلس العموم ( 11 ) حيث أشار إلى عدم وجود مصالح بريطانية خاصة في ألبانيا.
لقد قامت إيطاليا يوم 12 أبريل 1939 باحتلال البلاد فلجأت العائلة الملكية إلى لندن. ويمكن اعتبار الواقعة بين 1939 و 1944 فترة احتلال تام باستثناء سنة واحدة أي سنة 1943 التي تم فيها غزو ألمانيا للبلاد.
وهكذا صارت ألبانيا جزءا لا تيجزأ من إيطالية، فانقلبت الجمعية الوطنية الألبانية إلى جمعية دستورية، وتقلد الوزارة Cheokiy Bey Verlaci . وبواسطة اتفاقية مالية وجمركية أدمجت البلاد في المنظومة الاقتصادية الإيطالية، وفي 22 أبريل 1939 سمي السفير الإيطالي في تيرانا Francisico Jacomini de savoie نائب الملك.
وفي 30 ماي 1939 تكون الحزب الشيوعي الفاشستي الألباني على غرار ما في إيطاليا. كما تم وضع كل من الجيش والدرك تحت إمرة القيادة الإيطالية ( 12 ) . وقد عارض الشيوعيون الغزو في غضون الحرب الكونية الثانية وقاوموه في السر والعلانية، لكن زعماء الأحزاب السياسية الآخرين الذين كانت تستهويهم تصريحات المسؤولين الإيطاليين بإنشاء ألبانيا العظمى بعد ضم بعض المناطق التي تحت يوغوسلافيا ( 13 ) واليونان قد وضعوا أنفسهم عن طواعية رهن إشارة المحتلين . وإذا كان الاحتلال الإيطالي غير كامل ومكلفا، فإن موسوليني قرر الاحتلال التام بإرسال 130.000 جنديا ثم دخل إلى اليونان ثم انقلبت الآية ببروز المقاومة المسلحة التي انتشرت بسرعة في يوغوسلافيا واليونان وألبانيا، ولذلك نرى بجاية الانتكاس الكبير الذي أصاب الجيش الإيطالي ( 14 ) وكان ذلك سنة 1941.
لقد أصابت الجيش الإيطالي سلسلة من الهزائم والانتكاسات، الأمر الذي دفع بهتلر إلى اجتياح منطقة البلقان برمتها، فأعلن الحرب على اليونان ويوغوسلافيا، وعندما استسلمت إيطاليا سنة 1943 قام الألمان باحتلال ألبانيا، وأعقب ذلك تنفيذ بعض الإجراءات كإلغاء كل القوانين التي صدرت سنة 1939 ، وأعلن حياد ألبانية وتكوين مجلس الوصاية الذي أوكلت إليه السلطات التنفيذية. أما التشريعية فظلت في يد المجلس الدستوري. وفي غضون ذلك تصاعد تيار المقاومة المحلية ضد الاحتلال، إذ لعب المقاومون دورا كبيرا في تحرير البلاد بمساعدة أنصار يوغوسلافيا ( 15 ) .
لكن وابتداءا من هذا التاريخ اختلط تاريخ ألبانيا بتاريخ الحزب الشيوعي الألباني، وقد تحرر التراب الألباني في شهر نونبر سنة 1944.
وعندما نتطرق إلى الفترة الممتدة بين 1945 و 1978 ستكون الدراسة حولها منصبة على العهد الشيوعي. حيث تتم معالجة نظام الحكم الجديد الذي عم بدون استثناء الجزء الشرقي من القارة الأوربية. فقد وقعت ألبانيا في هذه الفترة تحت القبضة الشيوعية. وهذا النظام كان يمثله الحزب الشيوعي الذي صار يحمل اسم حزب العمل الألباني. ولقد مر نظام الحكم في البلاد وفي إطار علاقاته مع الخارج بمراحل ثلاث :
1) 1945 - 1948 ، هذه الفترة كانت العلاقة فيها مع يوغوسلافيا وطيدة جدا بسبب الدعم العسكري والميداني الذي قدمه المارشال تيتو لأنور خوجا أثناء حرب التحرير. ثم صارت هذه العلاقة سيئة عقب وقوع النزاع المشهور بين تيتو وستالين سنة 1948.
2) 1961 - 1961 ، علاقة حسنة مع الاتحاد السوفياتي .
3) 1961 - 1978 ، علاقات وطيدة مع الصين.
للإشارة، فإن موضوع الفترة 1945 - 1978 لا يدخل في مجال بحثنا إلا من خلال علاقة النظام الجديد علاقة النظام الجديد بالدين الإسلامي والمسلمين وبكل الطوائف الدينية كانت مسيحية أو مسلمة.
وقبل أن أدخل في دراسة الباب الثاني المتعلق بوضعية الإسلام والمسلمين في ألبانيا، أشير إلى ما يلي :
1- لقد قسمت هذا الباب لضيق المقام إلى فصلين، الفصل الأول عالجت فيه فترة وضعية الإسلام والمسلمين من سنة 1912 إلى بداية الحرب الكونية الثانية، أي قبل مجيء الشيوعيون وعلى رأسهم أنور خوجة إلى الحكم، ولقد أخرت الفصل الثاني الذي تعرض لدراسة وضعية الإسلام والمسلمين في العهد الشيوعي إلى فرصة أخرى ومقال جديد في المستقبل إن شاء الله.
2- مرت العلاقات الخارجية لألبانيا بثلاث مراحل :
1945-1948 ، كانت فيها العلاقات وطيدة مع يوغوسلافيا.
1948-1961، كانت فيها العلاقات وطيدة مع الاتحاد السوفياتي.
1961-1978 ، كانت فيها العلاقات وطيدة مع الصين.
والغاية من الإشارة إلى ذلك القيام بتفسير وتوضيح علاقة أنور خوجة بالدين، فمن خلال صداقته مع تيتو لم يقم أنور خوجة بفرض الحل النهائي على الدين إسلاميا أم مسيحيا عندما كان صديقا لتيتو. إذ أن هذه الفترة عرفت سياسة جس النبض، وإصدار قوانين تتعلق بالدين ومؤسساته دون التعرض إلى سياسة تطهيرية كاملة. فهل كان ذلك يرجع إلى الخوف من حدوث استياء عام وفتن وثورات داخلية ؟ فالوضع الشيوعي كان في بداية الطريق ولم يكن لأنور خوجة حاميا من الخارج.ذلك إلى سوء التفاهم الذي حدث بين تيتو وستالين سنة 1948 والذي أدى في النهاية إلى القطعية النهائية مع الاتحاد السوفياتي ( 16 ) . كما يرجع كذلك إلى أن الإتجاه الجديد لأنور خوجة في علاقته مع ستالين كان سببا في بداية الحملة الكبيرة ضد الدين في ألبانيا، فقد كان ستالين قدوة في هذا المضمار لأنور خوجة، إذ كان هذا الأخير يستوحي سياسته الجديدة هذه من سياسة ستالين الدينية الهادقة عبر سلسلة القوانين والتشريعات التي سنت ثم طبقت إلى إزاحة الدين ومؤسساته عن الطريق التي رسمها الحكم الشيوعي.
بعد معركة KOSOVO التي اندحر فيها الجيش الصربي سنة 1389 بدأت السيطرة العثمانية تشق الطريق عبر بلاد البلقان، ويرجع استقرار الأتراك إلى عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وبشرية. ويرجح بعض المؤرخين الدور الذي لعبه الألبانيون في تسهيل عملية التوسع التركي، حيث هاجر مئات الآلاف منهم إلى سهل KISOVO الذي كان مركزا حيويا لدولة الصرب في القرون الوسطى. وموجة الهجرة هذه كانت قد تمت بعد نزوح 100.000 صربي إلى المجر سنة 1690 ( 17 ) .
معالجة الفترة الواقعة بين 1912 و 1939 تحتاج إلى وضعها ضمن فترات تاريخية معينة، وذلك حتى يتجنب المرء مشكلة الاختلاط والتكرار.
هذه الفترات هي كالتالي :
1912-1920 ،
1921-1924،
1925-1939.
فترة 1912-1920 :
كان غياب السلطة العثمانية الذي أدى إلى ولادة الدولة المستقلة في ألبانيا وفي دول أخرى مجاورة سببا إضافيا مباشرا لدفع الطائفة المسلمة في البلاد إلى تنظيم صفوفها، فتكونت البنية الدينية وترسخ العقيدة لدى السكان الذين كانوا يطمعون في نزع الاعتراف بالدين من طرف السلطة ( 18 ) ، وقد تم هذا العمل، الأمر الذي كان متعذرا حصوله في البلدان المجاورة لها. وشرح ذلك هو أن المسلمين في غير ألبانيا كانوا أقلية كما هو الشأن في يوغوسلافيا باستثناء البوسنة والهرسك، كما كانوا كذلك أقلية في بلغاريا واليونان ورومانيا ( 19 ) . أما في البلاد التي نحن بصدد دراسة الإسلام فيها فقد كان المسلمون يشكلون أغلبية واسعة. كما يلاحظ بوضوح التلاحم والانسجام اللذين كانا موجودين داخل الطائفة السنية بعد نزوح الأتراك عن البلاد.
ولم يكن بتاتا المشكل القومي والوطني مطروحا لأن المسلمين في ألبانيا كانوا كلهم ألبانيين، ونضيف ظاهرة أخرى مهمة، وهي أن الطائفة المسلمة كانت تتكون من مجموعتين متوازيتين، الطائفة السنية والطائفة البكداشية. وكانت كل طائفة توجه من طرف ممثلها الخاص بها.
وعندما نتعرض لدراسة الطائفة السنية وتنظيمها الإدراي يمكن الاعتقاد بأنها كانت توجه من طرف المفتي الأكبر الذي كان مقره في تيرانا. لكن تدخل الدولة كان حاسما، إذ هي التي كانت تسيطر على المؤسسة الدينية وتحسم في قضية المراتب والدرجات الدينية، بل هي التي كانت تمول هذه الطائفة وتقوم بدفع رواتب المفتي والقضاة. لكن ذلك ليس معناه الاعتراف بالدين كدين للدولة. كانت السلطة الألبانية تتبع النهج القديم في معاملتها لرجال الدين، وكانت مكانة القضاة والمفتين أكبر منها لدى الرهبان والكهنة، وكان من اختصاص القاضي البث في قضايا الزواج والطلاق والإرث والبت في حقوق الأطفال. وكانت مهمة المفتي تنحصر في وظيفة مستشار القاضي، لكنه مع ذلك كانت له صلاحية الإرشاد في أمور الدين وقضايا المذهب والعقيدة. أما الطائفة البكداشية ( 20 ) يمكن القول بأن تنظيمها الإداري لم يكن يختلف عن تنظيم الطائفة السنية، وكان مقرها في Kakkandelem وهي موجودة الآن في منطقة Tetovo في مكدونيا التي كانت تشكل جمهورية داخل النظام الفيدرالي اليوغوسلافي قبل الحرب والانفصال. وقد انفصلت هذه الطائفة عن طائفة البكداشيين في استنبول. ونختم هذه الفترة بالتعرض لبعض الإشارات المتعلقة بالتثقيف الديني والصحافة الإسلامية. إن مركز التثقيف الديني والتعليم كان موجودا في المدرسة المشهورة في مدينة Berat، حيث كانت مدة التعليم فيها تستغرق ثمان سنوات، وكانت تضم سنة 1920 حوالي 120 تلميذا، وذلك قبل الحروب البلقانية. ثم صارت مدرسة المعلمين، وكانت الدراسة فيها تلقن باللغة الألبانية. أما ما تعلق بالمنشورات الدينية والصحافة الإسلامية فإننا نشير إلى بعض الكتب البسيطة التي كانت تعالج القضايا المتعلقة بأركان الإسلام كالصلاة والوضوء والنية والأعياد الدينية والزكاة والصيام والحج، عدد المساجد والتكيات وعدد رجال الدين والموظفين ووضعيتهم، حالة مؤسسات الوقف لدى السنيين والبكداشيين. وقد وقعت محاولات متعددة لتسييس الإسلام من طرف الأتراك بعد ذهاب الخلافة، وكانت جميعة الاتحاد والترقي تحاول استدراج الطائفة الإسلامية إليه لتكون قوة توازن في ألبانيا ومقرا للنفوذ العثماني. وإذا كان الباب العالي لم يعترف بانفصال ألبانيا عن الإمبراطورية، فإنه مع ذلك حاول تأسيس توازن سياسي وعسكري ضد تزايد القوتين الصربية واليونانية. وفي هذا الاتجاه أوحت إستنبول بفكرة تنصيب أمير تركي على رأس الدولة الألبانية، واقترحت تنصيب وزير الحربية عزة باشا وهو من أصل ألباني للإطاحة بالأمير Wed الذي نصبه الأوربيون على البلاد سنة 1913. وخلال هذه الفترة لوحظت حركة غريبة من طرف الكنيسة الكاثوليكية التي حاولت عن طريق المال تنصير المسلمين وكتلكة الأرتدوكس، حيث ثم رصد طائلة تقدر ب 100.000 دولار في البداية، و 50.000 دولار عند كل سنة.
فترة 1921-1924 ، وفيها سنتعرض بالدراسة لوضعية الطائفتين السنية والبكداشية في ألبانيا من خلال بنيتها وتنظيمها الإداري، فقد عرفت هذه الفترة بداية الانقطاع والانفصال عن الباب العالي، كما تميزت هذه الفترة بعقد الطائفة السنية في تيرانا لمؤتمرها المعروف في شهر أبريل سنة 1923، حيث نجد القرارات المهمة الصادرة عنه تتعلق بانفصال الطائفة السنية عن إستنبول، إعلان الاستقلال التام، إلغاء تعدد الزوجات، إلغاء وضع الحجاب. إلى غير ذلك من القرارات الأخرى، وقد أثار ذلك موجة من الاحتجاجات وردود الفعل العربية والأجنبية ( 21 ) . وصرح رئيس مجلس الشريعة لجريدة الأهرام المفتي محمد وهبي ونشر التصريح في نفس الجريدة يوم 20 يونيو ، وكان تصريحه يوضح بعض القضايا المتعلقة بمزاولة وممارسة الشعائر الدينية حيث أدلى ببعض التوضيحات. ونحن نتعرض لذلك بتلخيص شديد لا يخرج عن نطاق الإشارة. كانت التوضيحات تتعلق بتنظيم الطائفة، وإعادة تنظيم و إصلاح مؤسسات الوقف، والأخذ بالعناية والرعاية للمؤسسات الدينية، انتخاب المفتي الأكبر وتعيين المقر في العاصمة، التفرع الوظيفي بواسطة مجموعة المفتين الجهويين الذين يهتمون بالمسائل المالية والإدارية والتفتيش، تأسيس المجلس الأعلى للشريعة ( Haut Conseil du Charia) يشرف عليه المفتي الأكبر، ويتكون هذا المجلس من ستة أعضاء : دكتورين في القانون الشرعي، ومن موظفين مدنيين.
أما فرقة البكداشيين فقد حاولت قطع العلاقة مع البكداشيين في تركيا، وقد تم لها ذلك في المؤتمر الذي عقدوه سنة 1922، هذه الفترة تميزت بظهور ثلاث مجلات تعني بالدراسات الإسلامية ( 22 ) .
الفترة 1925-1939 : تعد هذه الفترة من أهم الفترات التاريخية في البلاد باعتبار الظروف السياسية الطارئة التي كان لها تأثير قوي على الدين في البلاد. في هذه الفترة كان المسلمون يشكلون 71% من السكان، حيث بلغ عدد سكان الاورتودكس 88.987 نسمة مكونين بذلك نسبة 10% من مجموع السكان. وفي هذه الفترة تم إدخال بعض التعديلات والتغييرات التي كانت بمثابة حملة تصحيحية للنظام الهيكلي للطائفتين الإسلاميتين. فقد أعلنت الطائفة السنية عقب المؤتمر الثاني الذي عقد في تيرانا في شهر غشت سنة 1924 القانون الأساسي الذي يضم خمسة محاور يضم خمسة محاور أساسية" 1- الملاحظات الأولية حول الدين في البلاد.
2- تنظيم الطائفة الإسلامية. 3- الإصلاح القضائي. 4- القانون المدني. 5- تطبيق الإصلاح وخاتمة عامة(23) . لكن يبقى هذا الإصلاح الشامل والتنظيم المقنن خاضعا للدستور الرسمي للبلاد.
إن مجال التطبيق الوارد شأنه في النقطة الخامسة التي وردت في الدستور هو عبارة عن مجموعة من المواد والبنود الأساسية التي تغطي بشكل دقيق ومركز عالم النشاط الديني العام، ويقدم خريطة شاملة يبرز فيها التركيز على المجالات التنظيمية والبنيوية، ويدقق في المسؤوليات وفي بدايات ونهايات التدرج فيها، وإذا كانت فترة ما قبل فترة 1925 - 1939 تعطي الانطباع بعدم وجود تنظيم مركز للطائفتين لأسباب سياسية يطول الحديث عنها كالحروب البلقانية التي عصفت بالمنطقة كلها خلال سنتين وغيرت وجه الخريطة السياسية للدول الموجودة هناك، فإننا نرى في الفترة اللاحقة ما بين 1925 - 1939 وجها مغايرا يظهر في ما تم من الانفصال التام عن الباب العالي والانكباب على تنظيم أمور المسلمين من زاوية الاستقلال، لكن يبقى هذا الإصلاح الشامل والتقنين التنظيم يخضعان لروح الدستور الرسمي الصادر عن سنة 1928 وبالأخص للتوجيهات الواردة في المادة الخامسة منه والتي ورد شرحها سابقا.
إن النص التشريعي الذي أرسل إلى الطائفتين الإسلاميتين معا يلزمهما بتطبيق ما جاء في المادة الخامسة من بنود، وسوف أشير إلى ذلك باختصار شديد:
1- إن الطائفة المسلمة تشمل المسلمين جميعهم بغض النظر عن كونهم سنيين أو بكداشيين.
2- تتمتع هذه الطائفة بالشخصية القانونية.
3- تدار الطائفة من طرف مجلس عام أعلى ومن رئيس ومن مجلس دائم ومن مديرية عامة ومفتيين رئيسيين ومفتيين فرعيين ومجالس إقليمية. 4- رئيس الطائفة هو المفتي الأعظم مقره في تيرانا عاصمة ألبانيا، وينتخب من طرف المجلس الأعلى شرط أن تتم المصادقة عليه من طرف
الملك، يعين المفتون الأربعة بنفس الطريقة من طرف المجلس الأعلى ويكون مقر أعمالهم في المدن الأربع الكبرى التالية: Scutari و Koritza وTirana و أخيرا مدينة .Argyro-Kastro
لكن الذي يثير الانتباه هو ما ورد في المادة رقم 30 من الدستور التي توضح بجلاء بداية هيمنة سلطة الحكم على العالم الديني في ألبانيا، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
1- تنفذ القرارات والأوامر الصادرة عن الرئيس وعن المجلس الأعلى بدون تمييز أو اعتراض.
2- تشجيع العلاقة الأخوية بين المسلمين.
3- المساهمة في تقوية الأخوة الوطنية بين الألبانيين بغض النظر عن معتقداتهم. 4- توسيع نطاق النشر والإعلام.
تخضع القواعد الضابطة لميزانية الطائفة المسلمة لقوانين الدولة المالية، كما نجد بنودا خاصة بتسيير موارد الوقف والضرائب المحصلة من طرف المسلمين وأخرى تتعلق بالمساعدات المالية الممكنة التي تقدمها الدولة للطائفة، وفي الأخير نشير إلى تحريم الدولة على الطائفة المسلمة طلب المساعدات المالية من الخارج، إلا أن يكون ذلك بإذن خاص من السلطات. وقد ظلت الأوقاف تحت ملكية الطائفة، لكنها تدار من طرف مديرية عامة التي ورد ذكرها في المادة الخامسة من الدستور.
وقبل أن أختم هذا المقال أسوق في عجالة دراسة مختصرة تتعلق بالتنظيم الخاص بالطائفة البكداشية في فترة 1925 - 1939. فلقد تم انعقاد المؤتمر الثالث للطائفة سنة 1929 في مدينة Korcé وتلا ذلك نشر القوانين المتعلقة بالشريعة والميزانية، وقد تم الانفصال الكلي عن الطائفة السنية وكانت الطائفتان معا تشكلان في السابق كتلة إسلامية واحدة. فصار للطائفة البكداشية الزعيم الروحي الأعظم ومقره في تيرانا، وهو يقابل لقب المفتي Grand Dede . ثم يأتي التسلسل في الوظائف والمسؤوليات، فنجد هيأة تتكون من خمسة زعماء يخضعون للزعيم الروحي الأعظم يوزعون في خمس مدن أساسية، ثم تأتي طبقة رؤساء التكيات ثم طبقة الدراويش وطبقة المحبين،
والمحب هو الذي التحق بالطائفة وبدأ التعلم والاستئناس بتعاليمها، ثم تأتي طبقة العاشقين الذين يحملون بالانتساب وهم كثير، لكنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة الإذن والتعلم والاستئناس بالشعائر البكداشية.
الذي يظل في ملكية الخيال، هو كيف يمكن تطبيق المبدأ العلماني على طوائف دينية مختلفة وعلى مجتمع يسير في حياته على نهج الشريعة الدينية إسلاما ومسيحية. إذ ليس من السهل أن ينقلب مجتمع ديني إلى مجتمع علماني. كما أنه من المستحيل أن تنهار مؤسسات تقليدية وتمحى أسس لها عمقها في جسم المجتمع بواسطة سياسة همها الوحيد هو التغيير السريع. ونحن في حل عن تقديم البرهنة لإسناد قولنا، فالذي يحصل الآن في تركيا وألبانيا غني عن البيان. إن إلغاء نظام الشريعة في تركيا إبان عهد أتاتورك وفي روسيا أثناء العهد الشيوعي، ثم في ألبانيا من خلال دستور 1928 في عهد الملك زوغو كان عبارة عن محاولة لا تخرج عن نطاق النزوة والهوى، ذلك لأن الإصلاح لا يمكن أن يأتي بواسطة قفزات ثورية، أو عن طريق الرعشة السياسية. إنه أولا مبدأ، وهو في الأخير هدف، وبينما طريق شائك، والتأني والتبصر سبيلان إلى ربط المبدأ بالأهداف لتكون النتيجة قد بلغت نهاية المبتغى.