منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

صورة العضو الرمزية
By نهاد
#5775
هذا العالم يخدعنا

في لحظة من اللحظات تتحول همومنا العامة سياسية كانت أم اجتماعية إلى هموم ثقافية وعندما يتعلق الأمر بخصوصية البشر وحرياتهم فإن هذا الهم العام يدخل في جوهر العملية الثقافية ويكون الخطاب الذي يبدو سياسيا في القلب منه خطابا ثقافيا .
ويتبادر إلى الذهن سؤال هام :- هل يمكن أن تصلح الثقافة ما أفسدته السياسة ؟ على أي حال ودون الخوض في جدلية العلاقة بين كل من الثقافة والسياسة يجدر بنا الإشارة إلى أننا نعيش اليوم في ظل عصر تصطبغ فيه السياسة بالصبغة الثقافية. وخير دليل على هذا ما أثاره خطاب" صراع الحضارات " لصموئيل هنتجتون من نقاش حاد بين جموع المفكرين ذوى الانتماءات الثقافية المختلفة ، والذي تتلخص فكرته في ارتكان العلاقات الدولية إلى البعد الثقافي في إطار ما يعرف بالصراع بين الحضارات .

وقد إستوقفتنى الجملة المشار إليها سلفا " هذا العالم يخدعنا" وإن شئت قل أنها شكلت ضغطا فكريا في اتجاه دلالاتها ومفادها.
هذه الجملة صاغها الفرنسي "جان بودريار" هذا الرجل يترك مجالا واسعا من الحيرة في توصيفه كنه أستاذا جامعيا بجامعة نانتير الفرنسية ونظرا لأن أرائه وأفكاره تبتعد عن أنماط التفكير المألوفة فقد تنكرت له بعض الأوساط الأكاديمية لخروجه على التقاليد العلمية الدقيقة خاصة فيما يتعلق بأساليب ومناهج البحث السوسيولوجي. وبهذا ينكر علية أقرانه صفته كعالم في الاجتماع، كما أنه لا يعد فيلسوفا على الرغم من أن أفكاره تكاد تقترب من الفلسفة إلا أنه لا ينتمي إلى أي مدرسة فلسفية أو أي مذهب فلسفي ،كذلك لا يعتبر هو نفسه مفكرا لان من وجهة نظرة أن هذه كلمة واسعة وفضفاضة وتعنى أشياء كثيرة دون أن تعنى شيئا محددا بالذات.
ويترك لنا الرجل حيرة أكبر حين يقف مواقف من التمرد تجاه أفكاره فيقول أنه كان يشعر دائما ببعض المشاعر اللاثقافية إزاء الثقافة على الرغم من إنه إنسان مثقف ينتمي إلى أصول ريفية.

يعتمد أسلوب بودريار على انتقاء الألفاظ والتلاعب بها فهو يشتهر بقدرته الفائقة على التحكم بمقاليد اللغة وسبر أفكاره بأسلوب أقرب إلى الشعر منه إلى الفلسفة أو السوسيولوجيا مما يضطر القارئ إلى الاهتمام باللغة والتراكيب اللغوية بدلا من التركيز على الأفكار.

يعد مفكرنا من أهم نقاد مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي كتبت نهاية الدور الثقافي لباريس عاصمة الثقافة في العالم كله فقد شهدت مرحلة نهاية الخمسينات وبداية الستينات تطورات تكنولوجية أفضت إلى انتهاء دور الفلاسفة والمفكرين والمنظرين الذين اقتصر دورهم على مجرد التنظير للحزب الشيوعي الفرنسي بعدما كانت فلسفتهم تجوب العالم وتلقى الحفاوة في مختلف أرجائه وأصبح المجال لا يتسع إلا للأكاديميين والأساليب العلمية مما أدى إلى حدوث فوضى فكرية أحبطت كثير من الشباب في عدم وجود نظرية يستندون إليها، وتراجعت الفنومنولوجيا التي كانت ترى إمكان الوصول إلى الفهم الخاص المحايد للعالم من خلال الإدراك الفردي، كذلك اكتشف الكثيرون كيف أن الوجودية أدت بهم من الناحية الأخلاقية إلى طريق مسدود دون وجود معيار أخلاقي موضوعي ثابت للسلوك،هذا بالإضافة إلى ما تبدى به الوجه الحقيقي للماركسية خاصة بعد تقرير خروشوف للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي والذي فضح فيه جرائم الستالينية ،ومؤازرة الحزب الشيوعي الفرنسي للعسكريين في حرب الجزائر ومساندته للاعتداء الثلاثي على مصر، تلك الفترة تعد بمثابة مرحلة انتقالية انفجرت فيها المذاهب والفلسفات الفكرية الثورية وأصبح ومن المهم ضرورة العمل على التخلص من "الوهم" في السياسة ،كل هذا أدى إلى ظهور حركات نظرية جديدة مثل البنائية والحداثة وما بعدها،وبدأت تطفو على السطح اهتمامات بأعمال وكتابات سابقة أعيد النظر في كثير منها على سبيل المثال أعمال فرويد وماركس.

يعتمد نقد بودريار على الخروج عن المألوف كما أن تحليلاته تقع على الهامش الفاصل بين النظرية الاجتماعية والثقافية، ومن أشهر أعمالة "مرآة الإنتاج" الذي وجهه فيه هجوما عنيفا للماركسية مما أحدث انقساما في الأوساط الأكاديمية ، ويعد كتابة المثير " أمريكا" والذي أصدره في 1986 من الأعمال التي لاقت اهتماما واسعا بين المثقفين خاصة أنه أعتبر أمريكا ظاهرة متفردة بذاتها ومتميزة ،وأنها تجاوزت أوربا وخلفتها ورائها إلى حد كبير جدا، فأوربا بالنسبة لأمريكا قارة متخلفة وقد تخطاها الزمن وتجاوزتها الأحداث و يشير بودريار إلى جوهر الحرية في كلا الاتجاهين فعلى حين ترتبط الحرية في أمريكا بما هو فيزيقي وبيولوجي وجيولوجي ،تعبر الحرية في أوربا عن القيم السياسية والثقافية أو الفلسفية ،ويضيف قائلا أن هناك الكثير من الشك يتمثل في قدرة أوربا على أن تصبح في أي وقت من الأوقات مجتمعا حديثا بالمعنى السائد في أمريكا ، وإنها سوف تظل دائما قارة "شبه حديثة" كما أنها مجتمع يمثل " التظاهر" و "الإدعاء" بالحداثة بينما أمريكا هي الشيء الحقيقي.

أهتم بودريار بمقومات وخصائص العصر الحالي ، فالعالم الذي يريد بودريار وصفة في أعماله عالم من الوهم والخيال ، فهو يرى أن ما يمر به العالم والإنسان المعاصر من أحداث متسارعة ومتلاطمة وتفاعلات اجتماعية واقتصادية وسياسية بالإضافة إلى سرعة تدفق المعلومات وزيادة استخدام وسائل الاتصال الإليكترونية وغيرها من الأنظمة السيبرناطيقية يجعل الإنسان يسلم بوجودها فمن وجهة نظرة أن هذا الوجود غير حقيقي أو وجود زائف وخادع.
ومن هنا أطلق مقولته" هذا العالم يخدعنا" فما يعاصره الإنسان من تقدم في التقنيات يجعل هناك قدرا هائلا من المعلومات والبيانات المتدفقة وهى تساهم في ذات الوقت بإيقاظ الرغبات . ولكن هذه المعلومات لا توفر له المعرفة الحقيقية كما أن تلك الرغبات تتحول إلى أهداف في ذاتها.وبذلك يتوهم المرء أن المعلومات والبيانات هي المعرفة ، أي أن المعلومات الصماء تحل محل المعرفة الحقيقية ، كما تتوارى الأهداف الحقيقية ولا يبقى سوى الرغبات التي تحل محلها. وكأن ما تقدمة وسائل الإعلام عن طريق الحواس الخمس هو الصدق والحقيقة وهذا ما يعنيه بودريار حين يتكلم عن " وهم الصدق ".

ولبودريار آراء أساسية جددت التفكيك deconstruction وما بعد الحداثة postmodernism والفكر الراديكالي والفنون والنظر إلى عنف العالم. ويشير في تحليله لفكر الإرهاب فيقول: «الإرهاب شيء لا أخلاقي، والضربة الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمي في نيويورك، هذا التحدي الرمزي، لا أخلاقية، وهي جواب على عولمة هي نفسها لا أخلاقية. وإذن فلنكن نحن أيضا لا أخلاقيين، وإذا ما نحن أردنا أن نفهم شيئا فإنه يتوجب علينا أن نمضي إلى ما وراء الخير والشر. ولأننا نجد أنفسنا لأول مرة أمام حدث لا يتحدى الأخلاق فقط، وإنما كل شكل للتفسير أو التحليل، فإنه يتحتم علينا أن نكتسب "ذكاء الشر "، لقد ظللنا نحن الأوروبيين نعتقد بنوع من السذاجة، إن تطور الخير، وانتشاره في كل المجالات (العلوم، التكنولوجيا، الديمقراطية، حقوق الإنسان)، يمكن أن يقود إلى هزيمة الشر. لا يبدو أن هناك أحداً أدرك أن الشر والخير يتقدمان ويتطوران معا، وفي نفس الوقت، وبنفس الحركة، وان انتصار احد منهما لا يؤدي بالضرورة إلى هزيمة الآخر، بل إلى عكس ذلك تماما».

ويعتقد جان بودريار أن الإرهاب هو الفعل الذي يعيد الخصوصية والتميز المتعذر تبسيطهما لقلب نظام التعامل العام. كل الخصوصيات (الأجناس، الأفراد، الثقافات)، الذين دفعوا حياتهم ثمنا لنظام عالمي تقوده قوة واحدة تنتقم اليوم من خلال هذا التحول الإرهابي للوضع». معنى هذا، انه ليس هناك إيديولوجيا وراء كل هذا، بل إرهاب ضد الإرهاب. وإذن ليس هناك تصادم بين الحضارات أو بين الأديان كما يزعم هنتنجتون، وإنما هو تنافس شديد بين قوى متعددة قد تكون الولايات المتحدة الأمريكية والإسلام من بينها، يستهدف العولمة المتطلعة لتحقيق انتصار ساحق في جميع المجالات. ويرى بودريار أن الإرهاب الانتحاري هذا هو أيضا جديد، ففي السابق، كان هذا الشكل من أشكال الانتحار مقترنا بالفقراء وبالمستضعفين في الأرض، أما الآن فهو سلاح الأغنياء، وهذا ما يخيفنا ويرعبنا.
أنك حين تقرأ أفكار بودريار للوهلة الأولى تجدها سلسلة بسيطة لا تحمل سوى المعنى المباشر في السياق ولكنك حين تتأملها تجدها تبطن معاني عميقة تجد نفسك غارقا في التفكير فيها تسترسلها وتسترجعها لتفكر فيها من جديد وكأنك تحاول الولوج إلى عالم بودريار الفكري.فهو يلوى المفردات ليشير إلى ما هو أبعد من المعنى،ومن مقولاته :-
*إن أي كلام لا ينحرف عن معناه هو كلام ما، يشبه الكلام الذي قلناه سابقاً، فمن إحدى عاداتي السيئة، أنني أحب تدمير النفوس كلها من أجل الانكسارات التي نعرفها تماماً.‏
*أعرف جيداً، أن لا مفرّ من الدمار، وأيضاً لا مفرَّ من دمار اللغة للوصول إلى الإبداع –بعد حرب الخليج- واستباحة العراق. بدأت أخاف من الكتابة، لأنها هي التي أمرتني أن أكتبها.‏
*لقد تعلمت من كلمة –إبادة- أن أكون- أممياً-لكي لا تشيخ الأنهار، مع أن أصابعي لا تزال تمارس مهنة التقاط الجمر. لأن الأزهار نفسها ما زالت تصبّ في أجسادنا.‏
آخر تعديل بواسطة نهاد في السبت أغسطس 30, 2008 9:01 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
By د.أحمد وهبان
#5779
لاشئ أعرفه سوى أنه لاشئ أعرفه ،،،، تحيااااااااااااااتي :joker:
صورة العضو الرمزية
By مثايل القحطاني
#5789
مشكوره أخت نهاد عالموضوع....