- الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 10:19 pm
#58477
يتصادف خلال هذا الأسبوع أن يعلن فى كل من أمريكا والصين عن رئيس جديد لكل منهما، وقد تتكرر هذه المصادفة كل عشرين عاما إذا لم تشهد الصين تغيرات جوهرية فى نظام الخلافة السياسية، وفى الغالب لن يحدث، وإذا لم تشهد الولايات المتحدة تغيرات جوهرية فى نظام الانتخابات الرئاسية وأسلوب الحكم، وفى الغالب لن يحدث.
لا أستطيع التقليل من أهمية الحدثين أو بمعنى أدق أهمية الحدث الواحد فى حالتين. لا أستطيع لأسباب موضوعية وأخرى شخصية. أحدها يتعلق بعلاقتى بإحدى الدولتين. أنا شخص مهتم بالصين، ومنحاز لها حسيا وعاطفيا رغم التزامى قدرا محسوبا من الموضوعية عند التعامل مع قضية سياسية أو اجتماعية أو دولية تكون الصين طرفا فيها. كانت فترة الصين فى مسيرتى هى الأشد قسوة، لكنها كانت فى الوقت نفسه من أهم الفترات التى استفدت فيها خبرة وتجربة وثقافة. فرضت الأيام بعدها ابتعادى جسديا عن الصين ومع ذلك استطعت، وإن بصعوبة شديدة، مواصلة الالتصاق بالإنصات والمتابعة والمراقبة. لست نادما على كل حال على أننى كنت دائما واضحا وفى أحيان متهورا فى إعلان اعتقادى بأن الفشل سيكون النصيب المحتوم لجميع محاولات دول الغرب تكبيل الصين وعزلها عن العالم، وهى المحاولات التى بدأت فى القرن التاسع عشر، وكان آخرها وقد عاصرتها فى الصين، فرض الحصار الاقتصادى عليها وحرمانها من ممارسة مسئولياتها كممثل لشعب الصين وكعضو دائم العضوية فى مجلس الأمن.
لا شك أن كلينا، الغرب وأنا، أدركنا مبكرا أن الصين إذا نهضت، اختل توازن القوى العالمى لغير صالح الغرب، وهو التوازن الذى يشكل جوهر السياسة الدولية منذ القرن السابع عشر. لكن بينما أعتقد الغرب أنه المنتصر حتى إعلان نهاية التاريخ كان اعتقادى المتواضع بناء على معايشتى لشعبين عظيمين فى الهند ثم فى الصين أن التاريخ سوف يعود فيميل لصالح الشرق.
●●●
يمنعنى كذلك من التقليل من أهمية الحدثين وهما انتخاب سكرتير عام جديد للحزب الشيوعى الصينى ورئيس جديد لأمريكا، ثقتى الكبيرة فى صدق التقارير التى تتحدث عن حساسية، بل وخطورة، أوضاع الدولتين فى المرحلة الراهنة. إحدى الدولتين، وكانت الدولة الأعظم حتى وقت قريب، يتواصل معدل تراجع مكانتها لاعتبارات عديدة ليس أقلها أهمية عجز قياداتها السياسية ونخبتها المالية عن وقف الكساد وإعادة الاقتصاد إلى حالة أفضل. هذه الدولة، وهى الولايات المتحدة، أصاب نخبتها الحاكمة قلق شديد بسبب تعاظم حركة الاحتياجات الاجتماعية فى دول الغرب والعالم كله. صار أمرا واقعا الخوف السائد فى العواصم الكبرى من تعدد احتمالات نشوب ثورة اجتماعية تهدد استقرار الغرب. تحاول أمريكا قائدة العالم الرأسمالى والنظام الاقتصادى العالمى التنصل مسبقا من مسئولية اشتعالها، وتحميلها لألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام، بينما تحاول دول فى أوروبا تحميل تراجع المكانة الأمريكية هذه المسئولية.
نجحت أمريكا أكثر من مرة فى تفادى نشوب انتفاضات اجتماعية داخلية. استخدمت وسائل شتى بعضها شديد العنف،كما حدث فى حملة السيناتور مكارثى التى ردعت حركات الاحتجاج الاجتماعى فى أمريكا لعقود عديدة. جاء التهديد وقتها من خطر التوسع الشيوعى والسوفييتى. نجحت الحملة بفضل أمور كثيرة كان فى مقدمها الاقتناع الشعبى بأسطورة أبدية الحلم الأمريكى وجاذبيته. هذا الحلم ينحسر الآن تحت ضربات الكساد واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتصاعد نسبة الطبقات الأفقر فى المجتمع الأمريكى.
●●●
الرئيس الأمريكى الجديد، وقد يكون أوباما نفسه، لن يكون فى وضع مريح. إذ يتعين عليه إقناع النخبة الحاكمة فى أمريكا خلال السنوات الأربع القادمة بواقع انحسار مكانة أمريكا إلى درجة قد تدفعها إلى القبول فى أحسن الأحوال، بشراكة مع الصين فى القيادة الدولية. يتعين عليه أيضا إقناعها، وهو الأمر الصعب للغاية، بواقع فشل هذا النوع من الرأسمالية والبحث عن بديل أقل قسوة ووحشية.
●●●
هناك، على الناحية الأخرى، يأتى، أو يستعد ليأتى، شى جينبينج Xl Jinping، سكرتيرا عاما للحزب الشيوعى الصينى، وبعد شهور قليلة يجتمع المؤتمر الشعبى الصينى، أى البرلمان، ليختار رئيسا للجمهورية محل الرئيس الحالى هو جينتاو. نحن امام نمط مختلف فى عملية الخلافة السياسية، جارى العمل به منذ انتهى عهد الرئيس ماو تسى تونج، وبدأ عهد الإصلاح الاقتصادى. يعتمد هذا النمط مبدأ تغيير الرئاسة كل عشر سنوات وتغيير القيادة، أى الجيل الحاكم، كل عشرين سنة. بمعنى آخر، بدءا من هذا الأسبوع، حيث تجرى الانتخابات لاختيار أعضاء مكتب سياسى جديد ربما أقل عددا من أعضاء المكتب الراهن، ومن خلاله اختيار السكرتير العام للحزب، والدعوة لعقد المؤتمر الشعبى فى مارس القادم للتصديق على اسم رئيس الجمهورية الجديد، يكون الحكم قد انتقل سلميا وبهدوء، وبتوازن دقيق للمصالح، إلى جيل جديد فى الصين.
لن تكون مهمة القيادة الجديدة فى الصين يسيرة كما لم تكن مهمة الرئيس دينج فى الثمانينيات يسيرة. تحمل الجيل الأول مسئولية تحرير الاقتصاد وبعض السياسة، ونجح بتفوق تشهد عليه الخريطة السياسية للصين والخريطة الاستراتيجية للعالم. أما الجيل الجديد الذى يجرى انتخابه هذا الأسبوع فسيتولى مسئولية مواجهة الآثار الأربعة السلبية التى أثمرتها عملية النمو الاقتصادى المذهل، وهى الفساد والفجوة فى الدخول والهجرة من الريف وتلوث البيئة. هى نفسها الأسباب التى تدفع الآن ملايين الناس فى الصين للخروج إلى الشوارع والمطالبة بحقوق اجتماعية وسياسية لم تتوافر لهم، يريدون مساكن، ويريدون تعليما راقيا وبخاصة بعد أن تفتحت عيونهم على ثورة معلوماتية ورقمية مذهلة. لم يعد المواطن الصينى العادى يرضى بما حباه به نظام الرئيس ماو من رعاية صحية عند حدها الأدنى، لكن يتمتع بها نسبة كبيرة من المواطنين. يريدون أكثر ويريدون الأفضل ويريدون حرية شخصية سياسية ويريدون شفافية وحقا فى مراقبة سلوكيات النخبة الحاكمة.
●●●
فى الحالتين، الحالة الأمريكية والحالة الصينية، يأتى رئيس ملتزم باتخاذ قرارات مصيرية. الرئيس القادم فى أمريكا مجبر على إعادة صياغة البيئة السيكولوجية والذاتية للشعب الأمريكى ونخبته الحاكمة وأقصد بهذا تغيير تصورهم لأنفسهم ومكانهم فى مجتمع الأمم بحيث يكونون أقدر على استيعاب واقع انحسار دور أمريكا فى العالم والحاجة الماسة لادخال تغيير فى منظومة المؤسسات الدستورية الأمريكية والعلاقات بينها. بمعنى آخر أقل دبلوماسية، رئيس مسئول عن تأمين عملية انحدار المكانة الأمريكية.
الرئيس الصينى القادم ملتزم هو الآخر باتخاذ قرارات مصيرية. بعض هذه القرارات يتعلق بدعم الإنجازات الاقتصادية التى تحققت وتحرير السياسات الداخلية وابتكار وسائل «حزبية» وسياسية لتطهير مؤسسات الحزب الشيوعى أولا بأول وعدم الانتظار إلى مواعيد تغيير الجيل الحاكم. هذا الرئيس الجديد مسئول أيضا عن إعادة صياغة نظام توازن القوى الإقليمى بعد أن صارت الصين الدولة الأعظم القابضة على هذا التوازن. بمعنى آخر أقل دبلوماسية رئيس مسئول عن التمهيد لإحالة اليابان كقوة عالمية إلى الاستيداع وتطوير آليات تضمن التحكم فى مستقبل أستراليا عن بعد. الصين، على عكس أمريكا، تنتظر الرئيس المسئول عن تأمين عملية صعود المكانة الصينية.
لا أستطيع التقليل من أهمية الحدثين أو بمعنى أدق أهمية الحدث الواحد فى حالتين. لا أستطيع لأسباب موضوعية وأخرى شخصية. أحدها يتعلق بعلاقتى بإحدى الدولتين. أنا شخص مهتم بالصين، ومنحاز لها حسيا وعاطفيا رغم التزامى قدرا محسوبا من الموضوعية عند التعامل مع قضية سياسية أو اجتماعية أو دولية تكون الصين طرفا فيها. كانت فترة الصين فى مسيرتى هى الأشد قسوة، لكنها كانت فى الوقت نفسه من أهم الفترات التى استفدت فيها خبرة وتجربة وثقافة. فرضت الأيام بعدها ابتعادى جسديا عن الصين ومع ذلك استطعت، وإن بصعوبة شديدة، مواصلة الالتصاق بالإنصات والمتابعة والمراقبة. لست نادما على كل حال على أننى كنت دائما واضحا وفى أحيان متهورا فى إعلان اعتقادى بأن الفشل سيكون النصيب المحتوم لجميع محاولات دول الغرب تكبيل الصين وعزلها عن العالم، وهى المحاولات التى بدأت فى القرن التاسع عشر، وكان آخرها وقد عاصرتها فى الصين، فرض الحصار الاقتصادى عليها وحرمانها من ممارسة مسئولياتها كممثل لشعب الصين وكعضو دائم العضوية فى مجلس الأمن.
لا شك أن كلينا، الغرب وأنا، أدركنا مبكرا أن الصين إذا نهضت، اختل توازن القوى العالمى لغير صالح الغرب، وهو التوازن الذى يشكل جوهر السياسة الدولية منذ القرن السابع عشر. لكن بينما أعتقد الغرب أنه المنتصر حتى إعلان نهاية التاريخ كان اعتقادى المتواضع بناء على معايشتى لشعبين عظيمين فى الهند ثم فى الصين أن التاريخ سوف يعود فيميل لصالح الشرق.
●●●
يمنعنى كذلك من التقليل من أهمية الحدثين وهما انتخاب سكرتير عام جديد للحزب الشيوعى الصينى ورئيس جديد لأمريكا، ثقتى الكبيرة فى صدق التقارير التى تتحدث عن حساسية، بل وخطورة، أوضاع الدولتين فى المرحلة الراهنة. إحدى الدولتين، وكانت الدولة الأعظم حتى وقت قريب، يتواصل معدل تراجع مكانتها لاعتبارات عديدة ليس أقلها أهمية عجز قياداتها السياسية ونخبتها المالية عن وقف الكساد وإعادة الاقتصاد إلى حالة أفضل. هذه الدولة، وهى الولايات المتحدة، أصاب نخبتها الحاكمة قلق شديد بسبب تعاظم حركة الاحتياجات الاجتماعية فى دول الغرب والعالم كله. صار أمرا واقعا الخوف السائد فى العواصم الكبرى من تعدد احتمالات نشوب ثورة اجتماعية تهدد استقرار الغرب. تحاول أمريكا قائدة العالم الرأسمالى والنظام الاقتصادى العالمى التنصل مسبقا من مسئولية اشتعالها، وتحميلها لألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام، بينما تحاول دول فى أوروبا تحميل تراجع المكانة الأمريكية هذه المسئولية.
نجحت أمريكا أكثر من مرة فى تفادى نشوب انتفاضات اجتماعية داخلية. استخدمت وسائل شتى بعضها شديد العنف،كما حدث فى حملة السيناتور مكارثى التى ردعت حركات الاحتجاج الاجتماعى فى أمريكا لعقود عديدة. جاء التهديد وقتها من خطر التوسع الشيوعى والسوفييتى. نجحت الحملة بفضل أمور كثيرة كان فى مقدمها الاقتناع الشعبى بأسطورة أبدية الحلم الأمريكى وجاذبيته. هذا الحلم ينحسر الآن تحت ضربات الكساد واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتصاعد نسبة الطبقات الأفقر فى المجتمع الأمريكى.
●●●
الرئيس الأمريكى الجديد، وقد يكون أوباما نفسه، لن يكون فى وضع مريح. إذ يتعين عليه إقناع النخبة الحاكمة فى أمريكا خلال السنوات الأربع القادمة بواقع انحسار مكانة أمريكا إلى درجة قد تدفعها إلى القبول فى أحسن الأحوال، بشراكة مع الصين فى القيادة الدولية. يتعين عليه أيضا إقناعها، وهو الأمر الصعب للغاية، بواقع فشل هذا النوع من الرأسمالية والبحث عن بديل أقل قسوة ووحشية.
●●●
هناك، على الناحية الأخرى، يأتى، أو يستعد ليأتى، شى جينبينج Xl Jinping، سكرتيرا عاما للحزب الشيوعى الصينى، وبعد شهور قليلة يجتمع المؤتمر الشعبى الصينى، أى البرلمان، ليختار رئيسا للجمهورية محل الرئيس الحالى هو جينتاو. نحن امام نمط مختلف فى عملية الخلافة السياسية، جارى العمل به منذ انتهى عهد الرئيس ماو تسى تونج، وبدأ عهد الإصلاح الاقتصادى. يعتمد هذا النمط مبدأ تغيير الرئاسة كل عشر سنوات وتغيير القيادة، أى الجيل الحاكم، كل عشرين سنة. بمعنى آخر، بدءا من هذا الأسبوع، حيث تجرى الانتخابات لاختيار أعضاء مكتب سياسى جديد ربما أقل عددا من أعضاء المكتب الراهن، ومن خلاله اختيار السكرتير العام للحزب، والدعوة لعقد المؤتمر الشعبى فى مارس القادم للتصديق على اسم رئيس الجمهورية الجديد، يكون الحكم قد انتقل سلميا وبهدوء، وبتوازن دقيق للمصالح، إلى جيل جديد فى الصين.
لن تكون مهمة القيادة الجديدة فى الصين يسيرة كما لم تكن مهمة الرئيس دينج فى الثمانينيات يسيرة. تحمل الجيل الأول مسئولية تحرير الاقتصاد وبعض السياسة، ونجح بتفوق تشهد عليه الخريطة السياسية للصين والخريطة الاستراتيجية للعالم. أما الجيل الجديد الذى يجرى انتخابه هذا الأسبوع فسيتولى مسئولية مواجهة الآثار الأربعة السلبية التى أثمرتها عملية النمو الاقتصادى المذهل، وهى الفساد والفجوة فى الدخول والهجرة من الريف وتلوث البيئة. هى نفسها الأسباب التى تدفع الآن ملايين الناس فى الصين للخروج إلى الشوارع والمطالبة بحقوق اجتماعية وسياسية لم تتوافر لهم، يريدون مساكن، ويريدون تعليما راقيا وبخاصة بعد أن تفتحت عيونهم على ثورة معلوماتية ورقمية مذهلة. لم يعد المواطن الصينى العادى يرضى بما حباه به نظام الرئيس ماو من رعاية صحية عند حدها الأدنى، لكن يتمتع بها نسبة كبيرة من المواطنين. يريدون أكثر ويريدون الأفضل ويريدون حرية شخصية سياسية ويريدون شفافية وحقا فى مراقبة سلوكيات النخبة الحاكمة.
●●●
فى الحالتين، الحالة الأمريكية والحالة الصينية، يأتى رئيس ملتزم باتخاذ قرارات مصيرية. الرئيس القادم فى أمريكا مجبر على إعادة صياغة البيئة السيكولوجية والذاتية للشعب الأمريكى ونخبته الحاكمة وأقصد بهذا تغيير تصورهم لأنفسهم ومكانهم فى مجتمع الأمم بحيث يكونون أقدر على استيعاب واقع انحسار دور أمريكا فى العالم والحاجة الماسة لادخال تغيير فى منظومة المؤسسات الدستورية الأمريكية والعلاقات بينها. بمعنى آخر أقل دبلوماسية، رئيس مسئول عن تأمين عملية انحدار المكانة الأمريكية.
الرئيس الصينى القادم ملتزم هو الآخر باتخاذ قرارات مصيرية. بعض هذه القرارات يتعلق بدعم الإنجازات الاقتصادية التى تحققت وتحرير السياسات الداخلية وابتكار وسائل «حزبية» وسياسية لتطهير مؤسسات الحزب الشيوعى أولا بأول وعدم الانتظار إلى مواعيد تغيير الجيل الحاكم. هذا الرئيس الجديد مسئول أيضا عن إعادة صياغة نظام توازن القوى الإقليمى بعد أن صارت الصين الدولة الأعظم القابضة على هذا التوازن. بمعنى آخر أقل دبلوماسية رئيس مسئول عن التمهيد لإحالة اليابان كقوة عالمية إلى الاستيداع وتطوير آليات تضمن التحكم فى مستقبل أستراليا عن بعد. الصين، على عكس أمريكا، تنتظر الرئيس المسئول عن تأمين عملية صعود المكانة الصينية.