- الثلاثاء ديسمبر 18, 2012 11:00 pm
#58551
غالبًا ما يقال أن "سقراط" كان يؤمن بأن "المثاليات تنتمي لعالم لا يستطيع فهمه إلا الإنسان الحكيم"، مما يجعل الفيلسوف هو الشخص الوحيد المناسب للتحكم في الآخرين. وفي حوار أفلاطون "الجمهورية"، لم يكن "سقراط" مرنًا أبدًا بخصوص معتقداته فيما يتعلق بالحكومة. فاعترض بشكل صريح على الديمقراطية التي حكمت "أثينا" في ذلك الوقت. ولكنه لم يعترض فقط على الديمقراطية في "أثينا": وإنما اعترض على أي شكل من أشكال الحكومات الذي لا يتواءم مع أفكاره المثالية عن جمهورية كاملة يحكمها الفلاسفة، وقد كانت الحكومة في "أثينا" أبعد ما تكون عن هذه الحال. إلا أن من الممكن أن تكون أقوال "سقراط" المذكورة في حوار أفلاطون "الجمهورية" مصبوغة بآراء أفلاطون نفسه. في السنوات الأخيرة من حياة "سقراط"، كانت أثينا تمر بتغيرات مستمرة نتيجة للاضطرابات السياسية. وأخيرًا أطاحت حكومة "الطغاة الثلاثون"، بالديمقراطية. وكان يقود هذه الحكومة "كريتياس" أحد أقرباء "أفلاطون" والذي كان تلميذًا من تلامذة "سقراط". وظلت حكومة الطغاة تحكم "أثينا" قرابة عام قبل أن تعود الديمقراطية لتتقلد الحكم مرة ثانية، وفي هذا الوقت أعلنت هذه الحكومة العفو العام عن جميع الأفعال التي قامت بها مسبقًا. غالبًا ما تُنكَر معارضة "سقراط" للديمقراطية، كما أن هذه المسألة تعد من الموضوعات الفلسفية المثيرة للجدل عند محاولة تحديد الأفكار التي آمن بها "سقراط" بالفعل. ومن أهم الحجج التي يسوقها هؤلاء الذين يزعمون عدم إيمان "سقراط" بفكرة الحكام الفلاسفة هي أن هذه الفكرة لم يتم التعبير عنها قط قبل حوار "الجمهورية" لـ "أفلاطون"، الذي يعتبر بشكل عام أحد حوارات أفلاطون المتوسطة ولا يمثل آراء "سقراط" التاريخية. علاوة على ذلك، وطبقًا لما ورد في أحد حوارات "أفلاطون" المتقدمة "دفاع "سقراط" أن "سقراط" رفض ممارسة السياسة التقليدية؛ وأقر بشكل متكرر أنه لا يستطيع النظر في شئون الآخرين أو إخبار الناس كيف يعيشون حياتهم في حين إنه لم يستطع حتى الآن فهم كيف يعيش حياته هو. لقد كان "سقراط" يؤمن بأنه فيلسوف همه الأكبر هو السعي وراء الحقيقة، ولم يدع أنه عرفها بشكل كامل. كما أن قبول "سقراط" لحكم الإعدام الذي صدر ضده بعد إدانته من مجلس الشيوخ اليوناني، يمكن أيضًا أن يدعم هذا الرأي. ومن المعتقد غالبًا أن معظم التعاليم المضادة للديمقراطية كانت من "أفلاطون"، الذي لم يتمكن يومًا من التغلب على سخطه عما حدث لمعلمه. على أية حال، من الواضح أن "سقراط" كان يعترض على حكم الطغاة الثلاثين تمامًا كاعتراضه على الديمقراطية؛ وعندما استدعي للمثول أمامهم للمساعدة في القبض على أحد المواطنين من "أثينا"، رفض "سقراط" أن يقوم بهذا وفر من الموت بأعجوبة، وكان هذا قبل أن يطيح الديمقراطيون بجماعة الطغاة. ومع ذلك، فقد تمكن "سقراط" من تأدية واجبه كعضو في مجلس الشيوخ الذي عقد محاكمة لمجموعة من الجنرالات الذين قادوا معركة بحرية مدمرة؛ وحتى عندئذ كان يحتفظ بتوجهه غير المرن؛ إذ كان أحد هؤلاء الذين رفضوا المواصلة بطريقة لا تدعمها القوانين، على الرغم من الضغط الشديد. ومن خلال تصرفاته وأفعاله، نستطيع القول إنه كان ينظر إلى حكم الطغاة الثلاثين بوصفه حكمًا أقل شرعية من مجلس الشيوخ الديمقراطي الذي حَكَم عليه بالإعدام.