منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#58577
بقلمفلاح الضامن








اذا كنت ترتقي درجات السلم ثم ينتابك شعور بضيق في الصدر، أو انتهيت للتو من تناول وجبة طعام كبيرة ولذيذة، وتبدأ بالشعور بإحساس غريب جدا، وكأن شيئا ما يضغط على فكّك، أو كنت مستغرقا في النوم في منتصف الليل ثم تشعر وكأن شيئا يجثم فوق صدرك. في كل تلك المشاهد الثلاثة، فإن واحدا من الأفكار المخيفة الأولى التي تراود ذهنك هي: «هل أنا تعرضت لنوبة قلبية»؟ ربما تكون بالفعل، ولذا عليك التوجه لاستشارة الطبيب فورا. إلا أن هناك احتمالا آخر؛ أنك قد تعرضت لنوبة من الذبحة الصدرية.



النوبة والذبحة .. اين يتقاطعا؟

إن النوبة القلبية heart attack والذبحة الصدرية angina لهما السبب الرئيسي نفسه، وهو أن عضلة القلب التي تقوم بضخ الدم إلى الجسم، لا تحصل نفسها على الدم اللازم لها.

وفي النوبة القلبية، فإن نقص الأكسجين يتسبب في موت أنسجة القلب. والمصطلح الطبي اللاتيني هنا هو «الذبحة القلبية» myocardial infraction، ويرتبط الجزء الأول منه باسم عضلة القلب، فيما يرتبط الجزء الثاني منها بموت الأنسجة بسبب قلة تدفق الدم، ولذلك فإن المصطلح اللاتيني يعني «موت أنسجة عضلة القلب».

أما الذبحة الصدرية، فإنها ليست سوى عرض لحالة نقص تدفق الدم (التروية الدموية) في عضلة القلب، أو في المصطلح الطبي اللاتيني myocardial ischemia (وهو المصطلح الذي يستخدم عند نقص التروية الدموية في أي عضو في الجسم). ولكن ذلك لا يعني أن الذبحة الصدرية غير مهمة، بل العكس، لأنها تمثل عاملا خطرا كبيرا في حدوث النوبة القلبية في المستقبل، كما أنها غالبا ما تعتبر الإشارة الأولى إلى أن مرض تصلب الشرايين قد أصاب الشرايين التاجية التي تحمل الدم إلى القلب.

ويقسم الأطباء الذبحة الصدرية إلى نوعين: الذبحة الصدرية المستقرة والذبحة الصدرية غير المستقرة. وتظهر الذبحة المستقرة عند مزاولة الإنسان المصاب بها نشاطه أو يكون متعرضا للإثارة. أما النوع غير المستقر منها فقد يحدث عند الراحة والاسترخاء.

وقد يجتاح كثيرا من الناس شعور بعدم الراحة، كما هو الحال عند الشعور بالذبحة الصدرية، إلا أن الأمر يظهر بسرعة وهو شيء مختلف تماما ليس له علاقة بالقلب. وكثير، من المصابين بالذبحة الصدرية، لا يشعرون بالأعراض التقليدية لها، مثل آلام الصدر الضاغطة أو الشعور بعدم الراحة في الصدر. وفي تلك الحالات فإنهم يشعرون بصعوبات في التنفس، والغثيان، والإجهاد، والتعرق، والدوران. ويشعر بتلك الأعراض أكثر، النساء، وكذلك الرجال المرضى بداء السكري، والآخرون من كبار السن. معروف أن القلب يوجد في موضع يبتعد قليلا إلى اليسار من وسط الصدر، ويقع خلف عظام الصدر. وللشخص البالغ الذي يتمتع بلياقة بدنية، فإن القلب يدق 70 مرة في الدقيقة ويضخ إلى خارجه نحو ثلاث أونصات (89 مليلترا تقريبا) من الدم مع كل نبضة، أي ما يقابل أكثر من 2000 غالون (7.57 متر مكعب) من الدم يوميا.

وكي ينفذ كل أعماله هذه، فإن القلب يحتاج -هو نفسه- إلى مصدر دائم من الدم، ولذلك فإنه ليس من المصادفة أن تكون الأوعية الدموية التي تغذيه، أي الشريانان التاجيان الأيمن والأيسر، متفرعين من الشريان الأورطي فور خروجه من حجيرة القلب الرئيسية التي تضخ الدم، وهي البطين الأيسر. وعلى الرغم من أن القلب يحصل على جرعات الدم الطازجة الأولى المشبعة بالأكسجين، فإنه ليس شرها، فالقلب المنبسط يحتاج إلى نحو كوب من الدم في الدقيقة. ويتدفق الدم في الشرايين التاجية في هيئة أطوار، إذ يكون التدفق في أعلاه عندما يكون القلب منبسطا وعندما يأخذ البطينان الأيمن والأيسر في الامتلاء بالدم. إن نقص التروية الدموية لعضلة القلب الذي يسبب الذبحة الصدرية، يحدث عندما لا تستلم عضلة القلب كمية الدم التي تحتاجه كي تنفذ مهماتها المطلوبة منها. فالتمارين الرياضية، والغضب، أو الخوف، تتسبب في إفراز كميات متزايدة من هرموني "إيبينيفرين" epinephine (الذي كان يسمى سابقا الأدرينالين)، و"نوريبينيفرين" norepinephrine ويدفع هذان الهرمونان القلب إلى الضخ بقوة وسرعة. ولكي يتمكن القلب من سرعة التكيف فإنه يحتاج إلى طاقة أكثر من إمدادات الأكسجين، والسكر، والدهون، وهي عناصر يحتوي عليها الدم المغذي له. وفي العادة، فإن هذا الأمر يتم بشكل جيد التنسيق: فإن احتاج القلب إلى طاقة أكثر، فإنه يرسل إشاراته، ولذا تتوسع الشرايين لكي يتدفق الدم أكثر.

إلا أن الأمور لا تكون كذلك عندما تتعرض الشرايين إلى التصلب، وهي عملية تتراكم فيها الترسبات على البطانة الناعمة لجدرانها. ولذلك فإن كمية أقل من الدم تتدفق، وعندها تبدأ عضلة القلب بالاستنجاد طالبة كميات أكثر من الأكسجين والمغذيات الأخرى. وفي هذه الأثناء فإن النواتج المتخلفة، مثل حمض اللاكتيك، تتراكم، لأن الدم الجاري لا يتمكن من كسحها. وتكون النتيجة ظهور الذبحة الصدرية، أو ما يقابلها من الأعراض المصاحبة لها.

إلا أن المشكلة تبدأ حقا، عندما تأخذ تلك الترسبات، التي تحمل في داخلها مواد غنية بالكولسترول، بالتفكك والانجراف مع مجرى الدم. ثم تتكون الخثرات، وعندها يتحول الوعاء الدموي الذي كان ضيقا إلى وعاء مسدود. والنتيجة: حالة ذبحة صدرية أكثر خطورة -من النوع غير المستقر- أو، ومن المحتمل جدا، حدوث نوبة قلبية كاملة الأعراض.

كما أن حالات مرضية، عدا تصلب الشرايين atherosclerosis، يمكنها أن تقود إلى نقص التروية الدموية لعضلة القلب. فعندما يجبر القلب على العمل بقوة وبشكل دائم، نتيجة ارتفاع ضغط الدم أو أمراض في صمامات القلب، فإن عضلة القلب تزداد سمكا.

ولهذه الحالة تأثيران: الأول أن عضلة أكبر تحتاج إلى كميات أكثر من الدم ولذلك يزداد طلبها له. والثاني، هو أن القلب المتضخم قد يبطئ من سرعة تدفق الدم عبر الشرايين التاجية، ولذا، فإن تجهيزات الدم تقل. والسبب هنا هو أنه ما أن يزداد سمك عضلة القلب، حتى يجب أن يمر حجم الدم نفسه عبر كل الأوعية الدموية الصغيرة الكثيرة. وهذا ما يشابه ما يحدث عندما تستحم في الحمام تحت الدوش فيما يكون واحدا من أفراد العائلة يستخدم ماء الصنبور في موقع آخر. كما تتعرض الشرايين التاجية إلى تقلصات تؤدي إلى ضيقها، حتى إن لم تحدث فيها عملية تصلب الشرايين. وقد يقود تزايد إفراز هرمون «إيبينيفرين» إلى حدوث مثل هذه التقلصات.

أعراض الذبحة الصدرية

الثقل، والضغط، والعصر، هي الأوصاف المعتادة للشعور بأعراض الذبحة الصدرية. ويبدأ الشعور بعدم الراحة أول ما يبدأ وكأنه قادم من وراء عظام الصدر. كما يمكن له الامتداد إلى أحد الكتفين، والرقبة، والفك، وحتى الأسنان. والسبب في انتشار إشعاعات هذا الشعور يكمن في أن الأعصاب الحسّية لهذه المناطق ترتبط بالمنطقة نفسها الموجودة في النخاع الشوكي التي ترتبط بها أعصاب القلب.

الذبحة المستقرة:

يمكن توصيف الذبحة الصدرية المستقرة بأنها الذبحة «التي يمكن التنبؤ بها»، لأن من خصائصها أن بذل مقدار معين من الجهد، أو حدوث مستوى معين من المشاعر المحتدمة، يقود إلى حدوث نوبتها.

ولبعض الناس، فإن الذبحة الصدرية المستقرة لا تعني سوى تحديد ضئيل لنشاطهم البدني فقط، فعليهم ألا يهرولوا مثلا على درجات السلالم كما كانوا يفعلون سابقا. إلا أن التحديدات للبعض الآخر، قد تطال أي نوع من النشاط البدني الذي يصبح متعبا. كما أن الذبحة الصدرية المستقرة قد تتغير وفقا لأوقات اليوم، ربما بسبب التغيرات في عمل الأوعية الدموية، أي سهولة توسع وانقباض الأوعية.

وفي العادة، فإن الذبحة الصدرية المستقرة تحدث بسبب تصلب الشرايين الذي يؤدي إلى ضيقها، وتكون أعراضها مستقرة، لأن الترسبات الناجمة عن تصلب الشرايين تكون مستقرة. ويمكن للأفراد التعايش مع الذبحة الصدرية المستقرة لسنوات. والراحة، وهدوء المشاعر، أو تناول حبوب النتروغليسرين، تحسن نوباتها عادة.



الذبحة غير المستقرة:

أما الذبحة الصدرية غير المستقرة، فإنها تحدث فجأة ومن دون أي إنذار. فقد تتفكك الترسبات الناجمة عن تصلب الشرايين فجأة مسببة انسدادا كاملا في الأوعية. كما أن أحد الشرايين التاجية قد يتقلص ويحدث الانسداد. وأعراضها هي الأعراض نفسها للذبحة الصدرية المستقرة، إلا أنها قد تحدث من دون بذل أي مجهود، كما أنها تحدث بتكرار أكثر، وتكون أشد، ولذلك فإن الشعور بالثقل والضغط يكون مؤلما أكثر.

وإن كانت الذبحة الصدرية المستقرة حالة يمكن إدارتها ومراقبتها، فإن الذبحة الصدرية غير المستقرة هي حالة إسعافية تتطلب التدخل السريع والذهاب إلى المستشفى لإجراء جملة من الفحوصات. وفي الواقع فإنه يطلق على الذبحة الصدرية غير المستقرة اسم "الذبحة الصدرية ما قبل احتشاء القلب" preinfarction angina، وذلك للتأكيد على أن مخاطر النوبة القلبية تكون عالية أثناء وقوعها.

تشخيص المرض

يبدأ الأطباء تشخيصهم بالسؤال عادة عن عوامل خطر الإصابة بتصلب الشرايين (التدخين، ومرض السكري، ارتفاع ضغط الدم، والتاريخ العائلي للنوبة القلبية). كما ينصتون إلى تلك الأصوات في القلب التي تشير إلى وجود مشكلات في صماماته، أو إلى عجزه.

ويخضع كل مصاب بالذبحة الصدرية تقريبا إلى تخطيط كهربائي للقلب electrocardiogram ECG الذي يسجل النشاط الكهربائي للقلب. ويمكن لهذا التخطيط رصد نقص التروية لعضلة القلب حتى إن كانت لا تسبب الذبحة الصدرية. كما يمكنه أيضا مساعدة الطبيب في اكتشاف عدم انتظام عمل القلب بسبب نقص التروية أو زيادة سمك عضلة القلب الناجمة عن ازدياد مجهوده.

وغالبا ما يجري تخطيط القلب أثناء مشي المريض على دواسة للمشي الكهربائي، أو ركوبه لدراجة ثابتة. واختبارات الجهد هذه هي وسيلة للتعرف على استجابات القلب لدى بذل جهد، في ظروف آمنة ومسيطر عليها. أما حالات نقص التروية التي لم تظهر في تخطيط القلب المرتاح، فقد تظهر في تخطيط القلب المعرّض للجهد. ويلجأ بعض المرضى إلى إجراء تخطيط القلب بواسطة الصدى echocardiogram الذي يوظف الموجات فوق الصوتية لتصوير القلب. كما قد يتوجه آخرون لإجراء فحوصات مخصصة للكشف عن انسداد الشرايين التاجية. وتستخدم بكثرة أجهزة المسح الطبقي المحوري السريعة في هذا الأمر. إلا أن صور عملية إزالة ضيق الشرايين التي تحتاج إلى حقن نوع من الصبغة فيها إضافة إلى استخدام القسطرة تظهر أفضل لدى استخدام الأشعة السينية (أشعة إكس)، وهو الاختبار الفصل لحالات انسداد الشرايين التاجية.

وقد قدم الخبراء وسائل متعددة لتشخيص الذبحة الصدرية، لا مجال لتعدادها. إلا أنه يكفي القول إنه إن كانت الذبحة الصدرية غير مستقرة، فإن الأطباء يطلبون إجراء عدد من الفحوصات بهدف معرفة إن كانت هناك مؤشرات على حدوث نوبة قلبية، أو أنها على وشك أن تحدث. وفي كلتا هاتين الحالتين ينبغي طلب العلاج فورا.

علاج الذبحة الصدرية

المستقرة وغير المستقرة

الذبحة الصدرية المستقرة الخفيفة والمعتدلة تعالجان دوما في الأغلب بالأدوية. ويعتبر النتروجليسرين nitroglycerin على رأس تلك الأدوية ويظل الأسرع في تخفيف نوبتها، على الرغم من أن هناك أيضا أدوية من النترات ذات المفعول الطويل التي يمكن تناولها بانتظام بهدف الوقاية.

والنتروجليسرين موسع قوي للأوعية الدموية، فهو يجعل الشرايين والأوردة مسترخية، ويوسعها، والأوردة المتوسعة تقلل من سرعة عودة الدم إلى القلب، مما يقلل الجهد الذي يتعرض إليه. ويبدأ النتروغليسرين مفعوله خلال دقائق معدودات.

كما توصف للمصابين بالذبحة الصدرية المستقرة في العادة أيضا، أدوية من «حاصرات بيتا» beta blockers، وبتدخلها للتأثير على هرموني «إيبينيفرين» و«نوريبينيفرين»، فإن «حاصرات بيتا» تبطئ عمل القلب، ولذلك تقل حاجته الملحة للدم.

وإن كانت «حاصرات بيتا» غير فعالة أو كانت أعراضها الجانبية متعبة، فالبديل هو «حاصرات قنوات (بوابات) الكالسيوم» calcium channel blockers التي تقوم بتوسيع الشرايين التاجية كما تقلل أيضا من طلبات الطاقة التي يحتاجها القلب.

أما مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين Angiotensin- converting enzyme (ACE) inhibitors وكذلك حاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين angiotensin ـ receptor blockers (ARBs)a فإنها تضبط الطلبات والاحتياجات، وذلك بتقليل ضغط الدم والعمل على استرخاء الشرايين في كل أنحاء الجسم.

والعلاج المضاد للصفائح الدموية، هو أحد التوجهات في استراتيجيات علاج الذبحة الصدرية. والصفائح هي جسيمات مشابهة للخلايا توجد في الدم لمساعدته على التجلط. والعلاج المضاد للصفائح الدموية يهدف إلى جعلها «أقل لزوجة»، وبذلك تقليل تشكيلات كتل وخثرات منها تتسبب في حدوث النوبة القلبية (والسكتة الدماغية).

والأسبرين المجرب حقيقة هو الدواء المضاد للصفائح، إلا أن دواء «كلوبيدوغريل» clopidogrel بلافيكس (Plavix) جاء كبديل قوي، خاصة للأشخاص الذين لا يستجيبون للأسبرين. وهناك عدد متزايد من المصابين بالذبحة الصدرية من الذين يوصف لهم هذان الدواءان.

وأهم عمليات «إعادة توسيع الأوعية» هي إزالة ضيق الشرايين، وإجراء عملية فتح مجاز مواز للشرايين التاجية. وتشمل عملية إزالة ضيق الشرايين استخدام القسطرة لفتح مجرى الشريان ثم وضع دعامة للحفاظ عليه مفتوحا، وهي عملية أقل تدخلا مقارنة بعملية فتح مجاز مواز لتدفق الدم، وتعتبر الخيار الأول لحالات تصلب الشرايين غير الحادة.

أما فتح مجاز مواز للشرايين التاجية، وهي عملية تستخدم فيها أوعية دموية تؤخذ من أجزاء أخرى من الجسم، فإنها تهدف إلى إعادة توجيه مسار مجرى الدم، وهي عملية كبرى لا تجرى إلا عند علاج الحالات التي يكون فيها تصلب الشرايين أكثر حدة وانتشارا.

إلا أن هناك كثيراً من المناقشات حول أفضليات عمليات إزالة ضيق الشرايين أو فتح مجاز مواز لتدفق الدم.

وقد أيدت دراسة نشرت عام 2008 في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» بشكل بسيط، عمليات فتح مجاز مواز بالنسبة للمرضى المصابين بحالات الانسداد المتعدد في الشرايين.، إلا أن نتائج الدراسة ليست حاسمة، إذ تجرى دراسات حالية تهدف إلى توضيح الفروق بين العمليتين.



إشارة:

اعدت هذه المادة بتصرف عن "رسالة هارفارد للصحة"/كمبردج/الولايات المتحدة الأمريكية.