منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

#59293
الحرية عند سقراط وافلاطون


مثلما شغلت الحرية اذهان المفكرين الاسلاميين, فانها شغلت اذهان المفكرين في الجانب الشمالي من الكرة الارضية، وهذه مسألة جد طبيعية نظرا لملازمة الحرية للانسان منذ آدم (ع)، واعتداء قابيل على حرية أخيه هابيل في الحياة والتمتع بما وهبه الله له، ومنذ ذلك التاريخ والانسان يبحث في مفهوم الحرية وحدودها وتطبيقاتها ومصاديقها الموضوعية.

الحرية عند فلاسفة اليونان

وذهب على مذبح الحرية الكثير من الانبياء والعظماء والمفكرين، وفضّل البعض ان يهب حياته ويزهقها على يد اعدائه لئلا يتنازل عن حريته وبما يؤمن، وبما يعتقد بانه حقه في القول والفعل بما يراه حقا، اذ: "ليس هناك شيء اهم من حرية الارادة"

مثلا فضّل سقراط (Socrates)(469-399 ق م) واضع باب التعريف في المنطق القديم، والذي اعطى للناس الثقة بوجدانهم عن فوضى السياسة وتشكيك الجدل ، فضل هذا الفيلسوف في بلد رفع اول ما رفع لواء "الديمقراطية المباشرة" الموت على التنازل عن افكاره وحريته، كانت افكاره وايمانه بحرية التعبير هي السبب وراء محاكمته المشهورة

" ففي سن السبعين قدم سقراط لمحكمة اثينا بتهمة عقوق مبادئ اله اثينا وافساد عقول الشباب من خلال تساؤلاته المستمرة"،

كان يدرك خطورة الموقف وقد:

رأى سقراط انه لن يعامل بتسامح، وحضه اصدقاؤه على الفرار من اثينا فرفض، ولم تكن الا ايام حتى عقد له مجلس مؤلف من 500 قاض لمحاكمته ..

قال سقراط: ليس على الارض انسان له الحق في ان يملي على الاخر ما يجب ان يؤمن به أو يحرمه من حق التفكير كما يهوى .. مادام الانسان على وفاق مع ضميره فانه يستطيع ان يستغني عن رضى اصدقائه وان يستغني عن المال وعن العائلة وعن البيت، ولكن بما انه لا يمكن ان يصل الى نتائج صحيحة بدون ان يفحص المسائل، مالها وما عليها، فحصا تاما فانه يجب ان يترك الناس احرارا، لهم الحرية التامة في مناقشة جميع المسائل بدون ان تتدخل الحكومة في مناقشتهم.

ويضيف الكاتب المصري سلامة موسى (1887-1957م) أن حجج سقراط في دفاعه عن نفسه ورد تهمة الكفر التي اتهم بها كانت قوية الى حد ان خاطبه المجلس في الكف عن تعليم تلاميذه بحيث اذا وعد وعدا صادقا بذلك فان المجلس يعفو عنه،

فكان جواب سقراط على هذه التسوية: كلا، مادام ضميري، هذا الصوت الهادئ الصغير في قلبي، يأمرني بان اسير واعلم الناس طريق العقل الصحيح فاني سأوالي تعليم الناس اصرح لهم بما في عقلي بدون اعتبار النتائج".

واذا كان سقراط قد وصف الحرية بانها حرية الناس في مناقشة جميع المسائل دون رقابة سلطوية فانّ تلميذه افلاطون ()(Plato427-347ق م) اعتبر الحرية مفصلا هاما في حياة الناس:

" وان النفس، بحكمة العلم، أي النظر والتأمل في الحقائق الأبدية، تستطيع ان تنفصل عن الجسم، (وتنحدر) منه، فالنفس تصل الى حريتها عن طريق النظر، والتأمل، والحرية هي الارتقاء بواسطة الجدل العقلي نحو الوجود المطلق".

وافلاطون هنا يعول كثيرا على الحرية، لانه زعم ان الانسان عاش بروحه المثالية قبل ان يعيش ببدنه، في عالم اسماه (عالم المُثُل):

"وهناك عرفت روح الانسان روح الحقائق"

، فهو يرى ان الحرية ضرورية لان يصل الانسان الى ذلك العالم،عالم المثل، فالحرية عنده هي انطلاقة الانسان نحو كماله من دون عوائق او حواجز مرتبطة بشوائب الارض والجسد، ليس هذا على الارض فحسب، فهو يعتقد:

"ان نفوس الفلاسفة الذين يناضلون في حياتهم من اجل ملاحقة الحكمة والسعي وراء نيلها ستتحرر بعد الموت من كل قيود الجسد ولوثاته"

وهذه اشارة واضحة من افلاطون الى ان الانسان سيعود كما جاء الى عالم المثل، ولكن شريطة ان يكون حرا في متابعة الحكمة وان لا يقيد نفسه باواصر الارض والجسد، وبالطبع فان هذه مرحلة متطورة في سلوك الانسان قليل من يرتقي اليها، وعند حديثه عن المدينة الفاضلة التي ينشدها او مدينة الحرية والديمقراطية فانه يشير الى حرية:

"كل انسان في ان يرتب وينظم حياته بالصورة التي تناسبه تحت قانون ينطبق على الجميع"،

ففي المدينة الفاضلة يرى افلاطون: "ان الحرية هي افضل واكمل ما يملكه الناس، ولذلك فهناك مدينة واحدة فقط هي عندما يملك المرء الحرية الطبيعية للعيش بسلام".

ان التأكيد على تجرد الروح في حياة الانسان وحريته نجدها في فلسفة خريج الاكاديمية الافلاطونية في اثينا, الفيلسوف ارسطو (Aristotle) (384-322ق م)، فهو قد وجد ان النفس هي مدار حياة الانسان ونشدانه للحرية والعيش بسلام وطمأنينة.

جزء من مقال للاعلامي والباحث / نضير الخزرجي بعنوان " الحرية عند فلاسفة الغرب .. إضاءات في مدياتها وأشراطها "