- الأحد مارس 31, 2013 6:57 am
#60201
الصين وباكستان.. علاقات وثيقة
رضا محمد هلال
علي الرغم من التباين الأيديولوجي الحاد بين الأطر الدستورية والسياسية الحاكمة للنظامين السياسيين في الصين وباكستان -حيث تتبني الصين الأيديولوجية الشيوعية، بينما تعد باكستان جمهورية إسلامية- فإن البلدين حافظا، طوال الفترة من بداية الخمسينيات من القرن الماضي وحتي نهاية العقد الأول من القرن الحالي، علي مزيج من المصالح والأهداف المشتركة التي تجمع بينهما. ويتضح ذلك من العرض الموجز لمراحل العلاقات بينهما وسمات كل مرحلة منها:
الفترة من 1950 إلي 1960: بعد قيام الدولتين بتبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين في عام 1951، احتفظت الصين وباكستان بعلاقات ثنائية طبيعية بصرف النظر عن التباين الأيديولوجي بين النظامين. غير أنه بعد قيام الولايات المتحدة بطرح مشروع حلف بغداد، والذي ضمت إليه باكستان، أصبحت الأخيرة عضوا رسميا في التحالف الغربي. وقد دعم ذلك توقيع الحكومة الباكستانية عددا من الاتفاقيات الأمنية الثنائية مع الويات المتحدة. من ناحية أخري، توجهت القيادات والنخبة الحاكمة في باكستان إلي إعلاء وتشجيع القيم الإسلامية في الداخل الباكستاني، مما شجع الأقليات المسلمة في الصين بدورها علي التطلع لممارسة حرياتهم وشعائرهم الدينية 'المكبوتة' من جانب السلطات الصينية، وهو ما اعتبرته الصين مساسا بأمنها واستقرارها الداخلي. وقد انعكست هذه العوامل علي العلاقات بين البلدين في هذه الفترة، حيث اتسمت بالفتور والشك المتبادل في أهداف وطموحات كل طرف منهما تجاه الآخر. وقد رفض رئيس وزراء الهند نهرو في نهاية 1959 العرض المقدم من الرئيس الباكستاني أيوب خان بتوقيع اتفاق للدفاع المشترك بين الهند وباكستان في مواجهة الصين -العدو الإقليمي للهند- مقابل قيام الهند بتقديم بعض التنازلات في النزاع الدائر بينهما بشأن كشمير.
المرحلة الثانية 1962-1980: في هذه المرحلة، اتجهت الدولتان إلي إعادة الدفء لمسار العلاقات بينهما من خلال قيامهما ببدء التفاوض حول مشكلات ترسيم الحدود بينهما، وتوقيعهما اتفاقا خاصا بإنهاء هذه المشكلات في مارس 1936. وقامت الصين بتقديم دعم سياسي وعسكري 'سخي' ومساعدات اقتصادية لباكستان، خاصة في ظل توتر علاقات الصين مع الهند، عدوها وعدو باكستان التقليدي. وقد دعم من هذه العلاقات تشجيع إدارة الرئيس الأمريكي نيكسون باكستان علي تحسين علاقاتها بالصين، باعتبار أن هذه العلاقة يمكن أن تكون بوابة الولايات المتحدة لتحسين علاقاتها مع الصين. وكانت الولايات المتحدة تهدف أيضا إلي إبعاد الصين عن التحالف مع الاتحاد السوفيتي السابق، الذي قام في المقابل بتوقيع معاهدة صداقة وتحالف مع الهند، وتجميد علاقاته مع باكستان في عام1971.
واستمرت الصين في تدعيم علاقاتها السياسية والاقتصادية عامة والعسكرية بصفة خاصة مع باكستان عقب أزمة بنجلاديش، حيث أمدت الصين باكستان بنحو ستين طائرة مقاتلة من طراز ميج 19، و100 دبابة، وعدة مئات من قطع المدفعية، وآلاف القطع من الأسلحة الصغيرة، علاوة علي منحها قروضا بنحو 110 ملايين دولار. كما تضامنت الصين مع المطالب الباكستانية المتعلقة بمساندة كفاح شعب كشمير في الحصول علي حقه في تقرير المصير، في أثناء زيارة كل من رئيس وزراء بكستان، ذو الفقار بوتو للصين في مايو 1976، وزيارة الجنرال ضياء الحق الرئيس الباكستاني للصين في ديسمبر 1977.
المرحلة الثالثة التي تمتد منذ عام 1980 وحتي نهاية عام 2010: منذ بداية عام 1980، اتجهت العلاقة بين البلدين إلي المزيد من التعاون والدفء، استنادا إلي المنطق البراجماتي 'الجديد' الذي تبناه الزعيم الصيني دينج شياو بنج في السياسة الخارجية الصينية. كان هدف الصين هو تعزيز جوانب المصلحة والأمن والاستقرار والتنمية في الداخل، وتحقيق السلم في السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بتسوية مشكلات الحدود الصينية مع الاتحاد السوفيتي والهند. وقد أسهمت هذه السياسة في تخفيف حدة التوتر في علاقات الصين مع هاتين الدولتين.
انضمت الصين إلي الدول العربية والإسلامية والغربية في تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لباكستان لتقوم بدورها بإرسالها إلي المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان خلال الفترة من عام 1979 إلي عام 1988. وعقب انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق، وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة علي النظام العالمي الجديد، تزايدت المخاوف الصينية من التهديدات الأمريكية بدرجة أكبر من مخاوفها من أي تهديد قد تشكله روسيا. لذا، اتجهت الصين إلي تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الهند وروسيا لمواجهة الخطر 'الأمريكي'، وهو ما أدي إلي تراجع التأييد الصيني للسياسات والمواقف الباكستانية تجاه قضية كشمير. بالرغم مما سبق، ازدادت العلاقات الصينية مع باكستان رسوخا في مجالات: الطاقة، والنقل، والاتصالات، والتنمية الزراعية، وجذب وتوطين الاستثمارات المتبادلة.
وشهدت العلاقات الصينية - الباكستانية نقلة نوعية أخري، عقب قبول عضوية باكستان كمراقب -إلي جانب كل من إيران والهند- في منظمة شنغهاي للتعاون في بداية عام 2005. شجع ذلك علي تعزيز التعاون الإقليمي بين كل هذه الأقطاب والأطراف الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالأمن والاستقرار في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي. في هذا الإطار، زادت قوة العلاقات الثنائية بين الصين وباكستان، ووقعت الدولتان معاهدة الصداقة والتعاون وحسن علاقات الجوار، بالإضافة إلي 21 اتفاقا في مجالات متعددة بين الدولتين، أثناء زيارة وين جياباو، رئيس وزراء الصين لباكستان في أبريل 2005. ووفقا لهذه المعاهدة، تتعهد الدولتان بمساعدة كل منهما للأخري في جهودها لحماية تكامل ووحدة أراضيها.
رضا محمد هلال
علي الرغم من التباين الأيديولوجي الحاد بين الأطر الدستورية والسياسية الحاكمة للنظامين السياسيين في الصين وباكستان -حيث تتبني الصين الأيديولوجية الشيوعية، بينما تعد باكستان جمهورية إسلامية- فإن البلدين حافظا، طوال الفترة من بداية الخمسينيات من القرن الماضي وحتي نهاية العقد الأول من القرن الحالي، علي مزيج من المصالح والأهداف المشتركة التي تجمع بينهما. ويتضح ذلك من العرض الموجز لمراحل العلاقات بينهما وسمات كل مرحلة منها:
الفترة من 1950 إلي 1960: بعد قيام الدولتين بتبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين في عام 1951، احتفظت الصين وباكستان بعلاقات ثنائية طبيعية بصرف النظر عن التباين الأيديولوجي بين النظامين. غير أنه بعد قيام الولايات المتحدة بطرح مشروع حلف بغداد، والذي ضمت إليه باكستان، أصبحت الأخيرة عضوا رسميا في التحالف الغربي. وقد دعم ذلك توقيع الحكومة الباكستانية عددا من الاتفاقيات الأمنية الثنائية مع الويات المتحدة. من ناحية أخري، توجهت القيادات والنخبة الحاكمة في باكستان إلي إعلاء وتشجيع القيم الإسلامية في الداخل الباكستاني، مما شجع الأقليات المسلمة في الصين بدورها علي التطلع لممارسة حرياتهم وشعائرهم الدينية 'المكبوتة' من جانب السلطات الصينية، وهو ما اعتبرته الصين مساسا بأمنها واستقرارها الداخلي. وقد انعكست هذه العوامل علي العلاقات بين البلدين في هذه الفترة، حيث اتسمت بالفتور والشك المتبادل في أهداف وطموحات كل طرف منهما تجاه الآخر. وقد رفض رئيس وزراء الهند نهرو في نهاية 1959 العرض المقدم من الرئيس الباكستاني أيوب خان بتوقيع اتفاق للدفاع المشترك بين الهند وباكستان في مواجهة الصين -العدو الإقليمي للهند- مقابل قيام الهند بتقديم بعض التنازلات في النزاع الدائر بينهما بشأن كشمير.
المرحلة الثانية 1962-1980: في هذه المرحلة، اتجهت الدولتان إلي إعادة الدفء لمسار العلاقات بينهما من خلال قيامهما ببدء التفاوض حول مشكلات ترسيم الحدود بينهما، وتوقيعهما اتفاقا خاصا بإنهاء هذه المشكلات في مارس 1936. وقامت الصين بتقديم دعم سياسي وعسكري 'سخي' ومساعدات اقتصادية لباكستان، خاصة في ظل توتر علاقات الصين مع الهند، عدوها وعدو باكستان التقليدي. وقد دعم من هذه العلاقات تشجيع إدارة الرئيس الأمريكي نيكسون باكستان علي تحسين علاقاتها بالصين، باعتبار أن هذه العلاقة يمكن أن تكون بوابة الولايات المتحدة لتحسين علاقاتها مع الصين. وكانت الولايات المتحدة تهدف أيضا إلي إبعاد الصين عن التحالف مع الاتحاد السوفيتي السابق، الذي قام في المقابل بتوقيع معاهدة صداقة وتحالف مع الهند، وتجميد علاقاته مع باكستان في عام1971.
واستمرت الصين في تدعيم علاقاتها السياسية والاقتصادية عامة والعسكرية بصفة خاصة مع باكستان عقب أزمة بنجلاديش، حيث أمدت الصين باكستان بنحو ستين طائرة مقاتلة من طراز ميج 19، و100 دبابة، وعدة مئات من قطع المدفعية، وآلاف القطع من الأسلحة الصغيرة، علاوة علي منحها قروضا بنحو 110 ملايين دولار. كما تضامنت الصين مع المطالب الباكستانية المتعلقة بمساندة كفاح شعب كشمير في الحصول علي حقه في تقرير المصير، في أثناء زيارة كل من رئيس وزراء بكستان، ذو الفقار بوتو للصين في مايو 1976، وزيارة الجنرال ضياء الحق الرئيس الباكستاني للصين في ديسمبر 1977.
المرحلة الثالثة التي تمتد منذ عام 1980 وحتي نهاية عام 2010: منذ بداية عام 1980، اتجهت العلاقة بين البلدين إلي المزيد من التعاون والدفء، استنادا إلي المنطق البراجماتي 'الجديد' الذي تبناه الزعيم الصيني دينج شياو بنج في السياسة الخارجية الصينية. كان هدف الصين هو تعزيز جوانب المصلحة والأمن والاستقرار والتنمية في الداخل، وتحقيق السلم في السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بتسوية مشكلات الحدود الصينية مع الاتحاد السوفيتي والهند. وقد أسهمت هذه السياسة في تخفيف حدة التوتر في علاقات الصين مع هاتين الدولتين.
انضمت الصين إلي الدول العربية والإسلامية والغربية في تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لباكستان لتقوم بدورها بإرسالها إلي المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان خلال الفترة من عام 1979 إلي عام 1988. وعقب انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق، وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة علي النظام العالمي الجديد، تزايدت المخاوف الصينية من التهديدات الأمريكية بدرجة أكبر من مخاوفها من أي تهديد قد تشكله روسيا. لذا، اتجهت الصين إلي تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الهند وروسيا لمواجهة الخطر 'الأمريكي'، وهو ما أدي إلي تراجع التأييد الصيني للسياسات والمواقف الباكستانية تجاه قضية كشمير. بالرغم مما سبق، ازدادت العلاقات الصينية مع باكستان رسوخا في مجالات: الطاقة، والنقل، والاتصالات، والتنمية الزراعية، وجذب وتوطين الاستثمارات المتبادلة.
وشهدت العلاقات الصينية - الباكستانية نقلة نوعية أخري، عقب قبول عضوية باكستان كمراقب -إلي جانب كل من إيران والهند- في منظمة شنغهاي للتعاون في بداية عام 2005. شجع ذلك علي تعزيز التعاون الإقليمي بين كل هذه الأقطاب والأطراف الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالأمن والاستقرار في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي. في هذا الإطار، زادت قوة العلاقات الثنائية بين الصين وباكستان، ووقعت الدولتان معاهدة الصداقة والتعاون وحسن علاقات الجوار، بالإضافة إلي 21 اتفاقا في مجالات متعددة بين الدولتين، أثناء زيارة وين جياباو، رئيس وزراء الصين لباكستان في أبريل 2005. ووفقا لهذه المعاهدة، تتعهد الدولتان بمساعدة كل منهما للأخري في جهودها لحماية تكامل ووحدة أراضيها.