- السبت إبريل 06, 2013 8:35 pm
#60307
تخللت جولة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الآسيوية المزيد من التوقعات حول قيام ثنائية جديدة أمريكية - صينية تقود النظام الدولي بدلاً من الثنائية القديمة التي انهارت بانهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي. فمن جهته تحدث أوباما بلغة عززت مثل هذه التوقعات اذ وصف الصين بأنها “شريك استراتيجي” ورحب بدور صيني “أكبر في العالم”. وعندما كرر بعض الانتقادات التقليدية التي توجهها الأوساط الأمريكية النافذة الى الصين والتي تتناول التقصير الصيني في مجال حقوق الإنسان والعلاقات الاقتصادية الصينية-الأمريكية، حيث الصين تصرّ على سعر العملة الصينية المنخفض بالمقارنة مع الدولار والى آثاره على عجز في الميزان التجاري لمصلحة الصين، فقد صاغ هذه الملاحظات بصيغة النصح وليس بصيغة التنديد والتقريع، كما اعتادت أوساط اليمين الأمريكي المتشدد أن تفعل.
هل تعني هذه المقاربة الأمريكية الأوبامية الجديدة أن فكرة مجموعة الاثنين (ج 2) باتت موضع نقاش جدي داخل الإدارة الأمريكية، وأن المرحلة المقبلة قد تشهد قيام هيكلية جديدة للعلاقات الدولية ترتكز الى هذه الفكرة؟ إن هذا التوقع يستمد مسوغاته من وقائع موضوعية وليس فقط من تصريحات القادة الأمريكيين والصينيين. فالقطب الأمريكي الأعظم لم يتمكن من ضمان الامن الدولي، ولا تمكنت التجمعات الدولية التي بادرت واشنطن الى تكوينها (ج. ،7 ج. 7+،1 ج. 20) من تحقيق هذه الغاية. إن قمة الدول العشرين قد توفر غطاء سياسيا لاستراتيجيات تقودها الولايات المتحدة، وقد توفر تمويلاً كافياً لبعض هذه الاستراتيجيات، ولكن هذا وحده لا يكفي، إذ لا بد من توفير قدرات أكثر شمولاً وأبعد تأثيراً من مجرد توفير تغطية سياسية ومالية لهذه السياسات ومن أجل ضبط الأوضاع الدولية المتفاقمة. وتبدو العودة الى الثنائية الدولية فكرة مقبولة بالاستناد الى هذه الوقائع. ولكنها فكرة تصطدم بعقبات جدية.
تأتي في مقدمة هذه العقبات مواقف الأحاديين الأمريكيين الذين خسروا معركة الانتخابات الرئاسية ولكنهم لم يخسروا كافة مواقعهم في السياسة الأمريكية. إن هذه الأوساط التي تحتفظ بنفوذ واسع داخل الحزب الجمهوري وببعض النفوذ داخل الحزب الديمقراطي خاصة بين مؤيدي “إسرائيل” من الديمقراطيين، تسعى الى الحفاظ على النظام الدولي على حاله، بل على تعزيز موقع واشنطن فيه حتى ولو كلف هذا النهج الولايات المتحدة والعالم ثمناً غالياً.
وفي إطار معارضتهم لفكرة الثنائية الدولية يوجه الأحاديون الأمريكيون صواريخ النقد بصورة خاصة الى الصين كشريك محتمل في قيادة النظام الدولي. ويشير هؤلاء الى أن الصين تسعى، بكثير من الحذق الى الاستحواذ على المصالح ومناطق النفوذ الأمريكي في العالم. فقد حلت الصين، كما تقول صحيفة “وول ستريت جورنال”، محل الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لعدد من دول آسيا، وهي تقتحم بقوة واندفاع القارة الآسيوية من أجل الاستفادة من ثرواتها الطبيعية الغنية. ويذكر الأحاديون الأمريكيون على وجه التحديد السياسة الصينية تجاه السودان حيث تقف بكين الى جانب الرئيس السوداني عمر البشير في مواجهة الحملة الدولية التي تقودها واشنطن ضده.
وتتمثل العقبة الثانية في موقف بعض الدول الآسيوية التي تنظر بقلق الى نمو قدرات الصين الاقتصادية والسياسية، ومؤخراً الى نمو عضلاتها العسكرية. ويشير بعض قادة هذه الدول وخاصة في الهند واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية الى الجهود التي تبذلها القيادة الصينية لتطوير سلاح البحرية. وتتردد في عواصم هذه الدول مقارنات هذه الجهود، من جهة، وبين النهج الذي اتبعته ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى عندما سعت الى بناء أسطول بحري قوي تتسلق عبره قمة النظام الدولي ما كان سبباً رئيسياً من أسباب اندلاع الحرب. ويزيد من وزن هذه المخاوف في السياسة الأمريكية وجود علاقة متينة بين الاوساط المناهضة للصين في هذه الدول والأحاديين الأمريكيين. ولقد تلقف الأخيرون باهتمام شديد تصريحات لي كوان يو، رئيس سنغافورة السابق وزعيمها الروحي والمعروف بتشدده الذي خاطب أصحاب الرأي والقرار في الولايات المتحدة قائلا إن بلادهم “لن تبقى على قمة الهرم الدولي اذا خسرت مكانتها في المحيط الأطلسي”.
فضلاً عن هذه المواقف، إن الثنائية الدولية الأمريكية - الصينية لن تلقى أصداء مرحبة في روسيا التي لا تزال تطمح الى استعادة دورها التاريخي، وفي الاتحاد الأوروبي الذي يسعى قادته الى تحويله من عملاق اقتصادي وقزم سياسي الى عملاق في المجالين معاً خلال المرحلة المقبلة عبر انتخاب رئيس للاتحاد وتشكيل وزارة خارجية له تعبر عن سياسة أوروبية خارجية مشتركة إن لم تكن موحدة.
إن هذه العقبات قد لا تضع حداً للتفكير في قيام هذه الثنائية، فمثل هذا النظام الدولي لم ينشأ بقرار مشترك أمريكي - سوفييتي في الماضي، ولا تأسس بعد استئذان الدول الأخرى، ولكنه نشأ بقوة الأمر الواقع. والوقائع الدولية قد تملي تجديد الثنائية الدولية الصينية - الأمريكية. في مطلق الأحوال، أين العرب من هذه التطورات الدولية المحتملة؟ الجانب العربي لا يزال في حال الغياب بل في حال الغيبوبة الدولية، هذا مع العلم بأن الحضور العربي في قلب هذه التطورات العالمية ضروري ليس فقط للدفاع عن المصالح العربية التي يتمحور حولها قسم من الأنشطة والمنازعات والمنافسات الدولية فحسب، ولكن لأن الغياب العربي يشكل ثغرة قوية في موقف دول الجنوب ودول العالم الثالث التي تحتاج الى أطراف وقوى دولية تعبر عن مصالحها وتطلعاتها.
ويبرز القصور العربي على مستويين: الأول هو تفكك الموقف العربي، ومن ثم انعدام التأثير والوزن العربيين في المناقشات والمساعي الرامية الى بناء نظام دولي جديد أو الى إصلاح النظام الدولي الراهن. الثاني، هو غياب وجهة النظر العربية تجاه هذه المسألة. والحقيقة أن مصلحة العرب تتطابق الى أبعد حد مع مصالح المجتمع الإنساني، وهو غير المجتمع الدولي الذي بات تسمية أخرى للدول المهيمنة على النطاق الدولي. إن مصلحة المجتمع الإنساني تتطلب تطوير هيئة الأمم المتحدة عبر تعزيز صلاحيات الجمعية العمومية للمنظمة الدولية وضبط حق استخدام الفيتو بحيث لا يسمح لبعض الأطراف الدولية في استخدامه، كما يحصل الأمر مع الادارة الأمريكية التي أسرفت في استخدام هذا الحق ضد العرب والفلسطينيين، وأكثر دول العالم التي سعت الى ردع العدوانية “الإسرائيلية”. كما تتطلب مصلحة المجتمع الانساني تعزيز وتمكين الأمم المتحدة عن طريق تشكيل قوة للتدخل السريع للحد من النزاعات الإقليمية وتفعيل اللجنة العسكرية التابعة لمجلس الأمن لكي تضطلع بدورها على هذا الصعيد أيضاً. إن العرب هم في مقدمة المستفيدين من هذه الإصلاحات، ولعلهم يفيدون من المناقشات المتعلقة باحتمال قيام ثنائية أمريكية - صينية تتدبر شأن الأسرة الدولية، لكي يطرحوا وجهة نظر هي أقرب الى مصالح وتطلعات المجتمع الإنساني.
هل تعني هذه المقاربة الأمريكية الأوبامية الجديدة أن فكرة مجموعة الاثنين (ج 2) باتت موضع نقاش جدي داخل الإدارة الأمريكية، وأن المرحلة المقبلة قد تشهد قيام هيكلية جديدة للعلاقات الدولية ترتكز الى هذه الفكرة؟ إن هذا التوقع يستمد مسوغاته من وقائع موضوعية وليس فقط من تصريحات القادة الأمريكيين والصينيين. فالقطب الأمريكي الأعظم لم يتمكن من ضمان الامن الدولي، ولا تمكنت التجمعات الدولية التي بادرت واشنطن الى تكوينها (ج. ،7 ج. 7+،1 ج. 20) من تحقيق هذه الغاية. إن قمة الدول العشرين قد توفر غطاء سياسيا لاستراتيجيات تقودها الولايات المتحدة، وقد توفر تمويلاً كافياً لبعض هذه الاستراتيجيات، ولكن هذا وحده لا يكفي، إذ لا بد من توفير قدرات أكثر شمولاً وأبعد تأثيراً من مجرد توفير تغطية سياسية ومالية لهذه السياسات ومن أجل ضبط الأوضاع الدولية المتفاقمة. وتبدو العودة الى الثنائية الدولية فكرة مقبولة بالاستناد الى هذه الوقائع. ولكنها فكرة تصطدم بعقبات جدية.
تأتي في مقدمة هذه العقبات مواقف الأحاديين الأمريكيين الذين خسروا معركة الانتخابات الرئاسية ولكنهم لم يخسروا كافة مواقعهم في السياسة الأمريكية. إن هذه الأوساط التي تحتفظ بنفوذ واسع داخل الحزب الجمهوري وببعض النفوذ داخل الحزب الديمقراطي خاصة بين مؤيدي “إسرائيل” من الديمقراطيين، تسعى الى الحفاظ على النظام الدولي على حاله، بل على تعزيز موقع واشنطن فيه حتى ولو كلف هذا النهج الولايات المتحدة والعالم ثمناً غالياً.
وفي إطار معارضتهم لفكرة الثنائية الدولية يوجه الأحاديون الأمريكيون صواريخ النقد بصورة خاصة الى الصين كشريك محتمل في قيادة النظام الدولي. ويشير هؤلاء الى أن الصين تسعى، بكثير من الحذق الى الاستحواذ على المصالح ومناطق النفوذ الأمريكي في العالم. فقد حلت الصين، كما تقول صحيفة “وول ستريت جورنال”، محل الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لعدد من دول آسيا، وهي تقتحم بقوة واندفاع القارة الآسيوية من أجل الاستفادة من ثرواتها الطبيعية الغنية. ويذكر الأحاديون الأمريكيون على وجه التحديد السياسة الصينية تجاه السودان حيث تقف بكين الى جانب الرئيس السوداني عمر البشير في مواجهة الحملة الدولية التي تقودها واشنطن ضده.
وتتمثل العقبة الثانية في موقف بعض الدول الآسيوية التي تنظر بقلق الى نمو قدرات الصين الاقتصادية والسياسية، ومؤخراً الى نمو عضلاتها العسكرية. ويشير بعض قادة هذه الدول وخاصة في الهند واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية الى الجهود التي تبذلها القيادة الصينية لتطوير سلاح البحرية. وتتردد في عواصم هذه الدول مقارنات هذه الجهود، من جهة، وبين النهج الذي اتبعته ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى عندما سعت الى بناء أسطول بحري قوي تتسلق عبره قمة النظام الدولي ما كان سبباً رئيسياً من أسباب اندلاع الحرب. ويزيد من وزن هذه المخاوف في السياسة الأمريكية وجود علاقة متينة بين الاوساط المناهضة للصين في هذه الدول والأحاديين الأمريكيين. ولقد تلقف الأخيرون باهتمام شديد تصريحات لي كوان يو، رئيس سنغافورة السابق وزعيمها الروحي والمعروف بتشدده الذي خاطب أصحاب الرأي والقرار في الولايات المتحدة قائلا إن بلادهم “لن تبقى على قمة الهرم الدولي اذا خسرت مكانتها في المحيط الأطلسي”.
فضلاً عن هذه المواقف، إن الثنائية الدولية الأمريكية - الصينية لن تلقى أصداء مرحبة في روسيا التي لا تزال تطمح الى استعادة دورها التاريخي، وفي الاتحاد الأوروبي الذي يسعى قادته الى تحويله من عملاق اقتصادي وقزم سياسي الى عملاق في المجالين معاً خلال المرحلة المقبلة عبر انتخاب رئيس للاتحاد وتشكيل وزارة خارجية له تعبر عن سياسة أوروبية خارجية مشتركة إن لم تكن موحدة.
إن هذه العقبات قد لا تضع حداً للتفكير في قيام هذه الثنائية، فمثل هذا النظام الدولي لم ينشأ بقرار مشترك أمريكي - سوفييتي في الماضي، ولا تأسس بعد استئذان الدول الأخرى، ولكنه نشأ بقوة الأمر الواقع. والوقائع الدولية قد تملي تجديد الثنائية الدولية الصينية - الأمريكية. في مطلق الأحوال، أين العرب من هذه التطورات الدولية المحتملة؟ الجانب العربي لا يزال في حال الغياب بل في حال الغيبوبة الدولية، هذا مع العلم بأن الحضور العربي في قلب هذه التطورات العالمية ضروري ليس فقط للدفاع عن المصالح العربية التي يتمحور حولها قسم من الأنشطة والمنازعات والمنافسات الدولية فحسب، ولكن لأن الغياب العربي يشكل ثغرة قوية في موقف دول الجنوب ودول العالم الثالث التي تحتاج الى أطراف وقوى دولية تعبر عن مصالحها وتطلعاتها.
ويبرز القصور العربي على مستويين: الأول هو تفكك الموقف العربي، ومن ثم انعدام التأثير والوزن العربيين في المناقشات والمساعي الرامية الى بناء نظام دولي جديد أو الى إصلاح النظام الدولي الراهن. الثاني، هو غياب وجهة النظر العربية تجاه هذه المسألة. والحقيقة أن مصلحة العرب تتطابق الى أبعد حد مع مصالح المجتمع الإنساني، وهو غير المجتمع الدولي الذي بات تسمية أخرى للدول المهيمنة على النطاق الدولي. إن مصلحة المجتمع الإنساني تتطلب تطوير هيئة الأمم المتحدة عبر تعزيز صلاحيات الجمعية العمومية للمنظمة الدولية وضبط حق استخدام الفيتو بحيث لا يسمح لبعض الأطراف الدولية في استخدامه، كما يحصل الأمر مع الادارة الأمريكية التي أسرفت في استخدام هذا الحق ضد العرب والفلسطينيين، وأكثر دول العالم التي سعت الى ردع العدوانية “الإسرائيلية”. كما تتطلب مصلحة المجتمع الانساني تعزيز وتمكين الأمم المتحدة عن طريق تشكيل قوة للتدخل السريع للحد من النزاعات الإقليمية وتفعيل اللجنة العسكرية التابعة لمجلس الأمن لكي تضطلع بدورها على هذا الصعيد أيضاً. إن العرب هم في مقدمة المستفيدين من هذه الإصلاحات، ولعلهم يفيدون من المناقشات المتعلقة باحتمال قيام ثنائية أمريكية - صينية تتدبر شأن الأسرة الدولية، لكي يطرحوا وجهة نظر هي أقرب الى مصالح وتطلعات المجتمع الإنساني.