- الأحد إبريل 07, 2013 12:07 pm
#60320
الخداع السياسي
"...قال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم "الحرب خدعة" ورسولنا الكريم إذ يأمرنا أن نخادع الطرف الأخر في الحرب فإنه يعني بذلك أن نخادعه ونحاربه سياسيا ونفسيا وعسكريا..."
قال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم "الحرب خدعة" ورسولنا الكريم إذ يأمرنا أن نخادع الطرف الأخر في الحرب فإنه يعني بذلك أن نخادعه ونحاربه سياسيا ونفسيا وعسكريا فهو بذلك يأمرنا بمدارة الأمور والحقائق المجرّدة التي من شأنها أن تكون نكالا ً علينا عوض أن تكون عونا لنا على النصر والنجاح.
والخدعة والسياسة وجهان لعملة ٍ واحدة، عملة تعني حفظ أمور الرعية أو الشأن البشري العام في أمّة ٍمعينة ومجتمعٍ معين بالحكمة ِ والعقل خوف السقوط والضياع، وإذا استخدمت هذه العملة بوجهيها على الوجه المذكور فإنها تكون شرعية وواجبة وتعمل عمل السماء في الأرض حين تمنحها الرحمة والعطف على شكل ِ غيث ٍ وعون.
أما إن استخدمت تلك العملة بوجهيها للكذب والتدليس من أجل الكذب والتدليس فقط، ومن أجل المصالح والأهواء والاستبداد وإلحاق الخراب بالمجتمعات البشرية، فإنها تكون باطلة وغير شرعية وتخالف ما أراده النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، وتكون في عملها تشبه عمل الشيطان في الأرض.
كما أن حديث "الحرب خدعة" لا يعني به الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله (الكذب) في معناه الضيق والباطل -حاشا لله أن يعني نبينا الأعظم ذلك- ولكنه يعني حسن التصرف مع الأحداث والمجريات، يعني الحرص والمفهومية الضمنية لمجريات الأمور وواقع الأشياء وحقيقة البشر، يعني حفظ الأرض والنفس والعرض من العدوان والخراب والدمار.
فالخداع السياسي مشروع إذا استخدم في مكان ٍ وزمان ٍ وجبت فيه الخدعة والسياسة، ويحدد نوعه وحجمه وفق مقتضيات الأزمة واختلاف الظروف، ففي الخدعة شيء من الحكمة وحسن التصرف، وفي السياسة تغليب العقل على القوة، والكيف على الكم.
وكما يحمل الخداع السياسي في وجه عملته السلبية (الرياء والنكران والكذب والخراب)، فهو يحمل في وجه عملته الإيجابية (الحفظ والسلام) وذلك بحجب الحقائق عن الخصم أو العدو أو المبغض بإيهام المراد خدعه بحقيقة ٍ أخرى القصد منها شل قدرته الهجومية التي قد تفوقنا حجما وقوة من التمييز والتأكيد وإلحاق الضرر.
فالخداع السياسي المقصود والمشروع بمعنى مبسّط وواضح هو عملية إيهام يقوم بها طرف ٌ معيّن، أو هو عبارة عن حرب ٍ نفسية تقض من معنويات الطرف الخصم وتخف من حدته و جبروته وثقته بقوته وعتاده، بمعنى ً أخر هو عملية يقوم بها الخادع لإيهام المخدوع لشل قدراته العقلية والنفسية والعسكرية في التمييز والنقد والتحرّك، وردم الهوة بين ظاهر الأمور وباطنها بحيث يرى المخدوع إلى ما يجري وفاقا لما يريد له الخادع أن يراه مع مراعاة إيهام المخدوع بغياب الخدعة أصلاً لئلا يوقظ الخادع في المخدوع الظنون والشكوك، فيستدرك الأمر ويستدرك العقل والقوة والعدّة والعتاد، فيرى الكم والكيفية ومجريات الأمور فيستصغر من أمامه ويظفر به.
وبما أن السياسة بمعناها اللغوي مشتقة من ساس ويسوس، وهي كلمة يونانية الأصل تعني الدولة المدنية، و تعني رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، فهذا يعني أن الدولة هي من تباشر هذه الرعاية عملياً وعلميا، والرعاية في الإسلام تشمل في مفهومها الأول الاهتمام بأمر المسلمين وسوس أمورهم وهذا لا يكون إلا بدفع أذى العدو عنهم وفق سياسة حكيمة تعرف كيف تتعامل مع مستجدات الأمور ومع اختلاف ظروف المكان الزمان المتغيرة (والظروف أحكام كما يقال عندنا) .
إذن فالخداع السياسي الذي يُقدم عليه السائس لدرء الخراب عن أمّته، إنما يقدم عليه بمحض الشرع أولا ومحض أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في الحفاظ على الشأن البشري العام الذي تحت أمرته "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وبالتالي فإن الخداع السياسي في هذه الحالة لا يدخله عيب ولا يشوبه شوب.
ولنتذكر هُنا أن الشفافية لا تعني السذاجة ولا تعني أيضاً أن يضع السائس بين أيدي العدو كل ما بإمكانه أن يمكنه منه ولا تعني أن يقول ويدلي بكل ما يعرف ولكنها تعني أن يعرف كل ما يقول (فما كل شيء يقال).
والواقع هُنا أنني لا أفاضل بين الخداع السياسي والشفافية من أجل التفاضل فقط، علما أن النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يأمرنا بالمفاضلة بينهما في حالة الحرب والنزاع الخارجي والداخلي والأزمات، يأمرنا من أجل أن نعرف متى نكون سرا لا يعلمنا ثالث ومتى نكون أشد وضوحا ً من الشمس، وأيضا ًلكي لا نعطي للعدو فرصة اصطيادنا من مبدأ "من لسانك أدينك" أو (من وضوحك المطلق أهزمك)، ولكني أفاضل بين الخداع والشفافية لنؤثر الأولى على الثانية في أوقات ٍ معينة ذكرتها أعلاه، ذلك أن الأول فن ٌ يقوم على تحكيم العقل في درء الخلافات والمخاطر والتهديدات من أي عدوان ٍ خارجي أو داخلي قام من جراء تضارب المصالح أو لرغبة الخراب والأهواء والفتنة، بينما الثاني قام في وقتٍ لا يجوز فيه ولا يجب أن يستخدم في سياق الحدث لأنه سيفسد أكثر مما سيصلح وسيحبّط أكثر ممّا سيشد الهمّة.
ولمّا كانت الأمة الإسلامية مكلفة شرعاً بحمل الدعوة الإسلامية ونشرها وحمايتها وصد العدوان عنها كان فرضاً على المسلمين كما جاء بالحديث "من بات غير مهتم بأمور المسلمين ليس بمسلم" و "من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم" أن يتصلوا بالعالم اتصالات واعية، وأن يدركوا مشاكله وأن يتزودوا بأسباب النجاح وأسباب النصر، وأن يعوا خلفيات العمل السياسي في العالم اجمع وأن يحفظوه بجميع خططه وأساليبه وفنونه ليكون علمهم بالشيء كالدرع الواقي الذي يجعلهم يصدون الحروب المشنة عليهم وليديرون الأزمات بكل حكمة ٍ وموضوعية وليخرجون منها بكل يسر ٍ وسهولة حتى لا ينال منهم الخصم ظفرا ولا رقبة.
على كل حال، إن الذين يعيبون على حلفائهم أو خصومهم اعتماد الخدعة السياسية بلجوئهم إلى الهجوم لمجرد الهجوم والتكذيب وعدم المصداقية والطعن، هم بالطبع المخدوعون لا الخادعون، بحيث تغدو الخدعة التي غررت بهم سلاحا يلتمسونه في محاولة لتحويل جهلهم لقواعد الحرب والخلاف وإدارة الأزمات إلى انتصار راجف وخسارتهم إلى ربح زائف.
"...قال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم "الحرب خدعة" ورسولنا الكريم إذ يأمرنا أن نخادع الطرف الأخر في الحرب فإنه يعني بذلك أن نخادعه ونحاربه سياسيا ونفسيا وعسكريا..."
قال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم "الحرب خدعة" ورسولنا الكريم إذ يأمرنا أن نخادع الطرف الأخر في الحرب فإنه يعني بذلك أن نخادعه ونحاربه سياسيا ونفسيا وعسكريا فهو بذلك يأمرنا بمدارة الأمور والحقائق المجرّدة التي من شأنها أن تكون نكالا ً علينا عوض أن تكون عونا لنا على النصر والنجاح.
والخدعة والسياسة وجهان لعملة ٍ واحدة، عملة تعني حفظ أمور الرعية أو الشأن البشري العام في أمّة ٍمعينة ومجتمعٍ معين بالحكمة ِ والعقل خوف السقوط والضياع، وإذا استخدمت هذه العملة بوجهيها على الوجه المذكور فإنها تكون شرعية وواجبة وتعمل عمل السماء في الأرض حين تمنحها الرحمة والعطف على شكل ِ غيث ٍ وعون.
أما إن استخدمت تلك العملة بوجهيها للكذب والتدليس من أجل الكذب والتدليس فقط، ومن أجل المصالح والأهواء والاستبداد وإلحاق الخراب بالمجتمعات البشرية، فإنها تكون باطلة وغير شرعية وتخالف ما أراده النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، وتكون في عملها تشبه عمل الشيطان في الأرض.
كما أن حديث "الحرب خدعة" لا يعني به الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله (الكذب) في معناه الضيق والباطل -حاشا لله أن يعني نبينا الأعظم ذلك- ولكنه يعني حسن التصرف مع الأحداث والمجريات، يعني الحرص والمفهومية الضمنية لمجريات الأمور وواقع الأشياء وحقيقة البشر، يعني حفظ الأرض والنفس والعرض من العدوان والخراب والدمار.
فالخداع السياسي مشروع إذا استخدم في مكان ٍ وزمان ٍ وجبت فيه الخدعة والسياسة، ويحدد نوعه وحجمه وفق مقتضيات الأزمة واختلاف الظروف، ففي الخدعة شيء من الحكمة وحسن التصرف، وفي السياسة تغليب العقل على القوة، والكيف على الكم.
وكما يحمل الخداع السياسي في وجه عملته السلبية (الرياء والنكران والكذب والخراب)، فهو يحمل في وجه عملته الإيجابية (الحفظ والسلام) وذلك بحجب الحقائق عن الخصم أو العدو أو المبغض بإيهام المراد خدعه بحقيقة ٍ أخرى القصد منها شل قدرته الهجومية التي قد تفوقنا حجما وقوة من التمييز والتأكيد وإلحاق الضرر.
فالخداع السياسي المقصود والمشروع بمعنى مبسّط وواضح هو عملية إيهام يقوم بها طرف ٌ معيّن، أو هو عبارة عن حرب ٍ نفسية تقض من معنويات الطرف الخصم وتخف من حدته و جبروته وثقته بقوته وعتاده، بمعنى ً أخر هو عملية يقوم بها الخادع لإيهام المخدوع لشل قدراته العقلية والنفسية والعسكرية في التمييز والنقد والتحرّك، وردم الهوة بين ظاهر الأمور وباطنها بحيث يرى المخدوع إلى ما يجري وفاقا لما يريد له الخادع أن يراه مع مراعاة إيهام المخدوع بغياب الخدعة أصلاً لئلا يوقظ الخادع في المخدوع الظنون والشكوك، فيستدرك الأمر ويستدرك العقل والقوة والعدّة والعتاد، فيرى الكم والكيفية ومجريات الأمور فيستصغر من أمامه ويظفر به.
وبما أن السياسة بمعناها اللغوي مشتقة من ساس ويسوس، وهي كلمة يونانية الأصل تعني الدولة المدنية، و تعني رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، فهذا يعني أن الدولة هي من تباشر هذه الرعاية عملياً وعلميا، والرعاية في الإسلام تشمل في مفهومها الأول الاهتمام بأمر المسلمين وسوس أمورهم وهذا لا يكون إلا بدفع أذى العدو عنهم وفق سياسة حكيمة تعرف كيف تتعامل مع مستجدات الأمور ومع اختلاف ظروف المكان الزمان المتغيرة (والظروف أحكام كما يقال عندنا) .
إذن فالخداع السياسي الذي يُقدم عليه السائس لدرء الخراب عن أمّته، إنما يقدم عليه بمحض الشرع أولا ومحض أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في الحفاظ على الشأن البشري العام الذي تحت أمرته "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وبالتالي فإن الخداع السياسي في هذه الحالة لا يدخله عيب ولا يشوبه شوب.
ولنتذكر هُنا أن الشفافية لا تعني السذاجة ولا تعني أيضاً أن يضع السائس بين أيدي العدو كل ما بإمكانه أن يمكنه منه ولا تعني أن يقول ويدلي بكل ما يعرف ولكنها تعني أن يعرف كل ما يقول (فما كل شيء يقال).
والواقع هُنا أنني لا أفاضل بين الخداع السياسي والشفافية من أجل التفاضل فقط، علما أن النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يأمرنا بالمفاضلة بينهما في حالة الحرب والنزاع الخارجي والداخلي والأزمات، يأمرنا من أجل أن نعرف متى نكون سرا لا يعلمنا ثالث ومتى نكون أشد وضوحا ً من الشمس، وأيضا ًلكي لا نعطي للعدو فرصة اصطيادنا من مبدأ "من لسانك أدينك" أو (من وضوحك المطلق أهزمك)، ولكني أفاضل بين الخداع والشفافية لنؤثر الأولى على الثانية في أوقات ٍ معينة ذكرتها أعلاه، ذلك أن الأول فن ٌ يقوم على تحكيم العقل في درء الخلافات والمخاطر والتهديدات من أي عدوان ٍ خارجي أو داخلي قام من جراء تضارب المصالح أو لرغبة الخراب والأهواء والفتنة، بينما الثاني قام في وقتٍ لا يجوز فيه ولا يجب أن يستخدم في سياق الحدث لأنه سيفسد أكثر مما سيصلح وسيحبّط أكثر ممّا سيشد الهمّة.
ولمّا كانت الأمة الإسلامية مكلفة شرعاً بحمل الدعوة الإسلامية ونشرها وحمايتها وصد العدوان عنها كان فرضاً على المسلمين كما جاء بالحديث "من بات غير مهتم بأمور المسلمين ليس بمسلم" و "من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم" أن يتصلوا بالعالم اتصالات واعية، وأن يدركوا مشاكله وأن يتزودوا بأسباب النجاح وأسباب النصر، وأن يعوا خلفيات العمل السياسي في العالم اجمع وأن يحفظوه بجميع خططه وأساليبه وفنونه ليكون علمهم بالشيء كالدرع الواقي الذي يجعلهم يصدون الحروب المشنة عليهم وليديرون الأزمات بكل حكمة ٍ وموضوعية وليخرجون منها بكل يسر ٍ وسهولة حتى لا ينال منهم الخصم ظفرا ولا رقبة.
على كل حال، إن الذين يعيبون على حلفائهم أو خصومهم اعتماد الخدعة السياسية بلجوئهم إلى الهجوم لمجرد الهجوم والتكذيب وعدم المصداقية والطعن، هم بالطبع المخدوعون لا الخادعون، بحيث تغدو الخدعة التي غررت بهم سلاحا يلتمسونه في محاولة لتحويل جهلهم لقواعد الحرب والخلاف وإدارة الأزمات إلى انتصار راجف وخسارتهم إلى ربح زائف.