- الجمعة إبريل 12, 2013 12:41 pm
#60419
مبررات سقوط النظام السوري عاجلاً أم آجلاً
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 4060 - 2013 / 4 / 12 - 10:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ما هي المبررات الموضوعية التي يسوقها بعض المؤرخين والمحللين السياسيين، من ذوي البصر والبصيرة لسقوط النظام السوري عاجلاً أو آجلاً؟
يُسهب المستشرق الألماني كارستين ويلاند في كتابه (سوريا: الاقتراع أم الرصاص؟) ذي العنوان الدال، فيورد عدة أسباب لاحتمال سقوط النظام السوري منها:
1- طفولة المعارضة السورية في السنوات الأولى لحكم بشّار الأسد، مما أفشل الكثير من خطط المعارضة، ضد النظام. وقد عبَّر عن هذه الطفولة الفيلسوف السوري الطيب تيزيني، عندما قال : "كنت في البداية مع حركة المجتمع المدني، لكنني بعد ذلك نأيت بنفسي عنها. كانوا يريدون كل شيء، أو لا شيء." (ص 110). ولكن المعارضة السورية، وبعد مضي أكثر من 12 عاماً على حكم بشّار الأسد، استطاعت أن توقظ الشارع السوري، وتهدد حكم بشّار الأسد، وربما استطاعت الإطاحة به بعد وقت قصير، أو طويل.
2- كان أمام بشّار الأسد عام 2000 أمران أسهلهما صعب: الإصلاح الإداري، أو الإصلاح السياسي. وبما أن حزب البعث، كان يقبض على السلطة بحزم، وقوة، وبمساندة الأجهزة الأمنية المختلفة، فقد كان من الصعب إحداث إصلاح سياسي، وتغيرات سياسية، مما يعني اقتلاع حزب البعث من الحكم، وهو من المستحيلات. فأخذ بشّار الأسد بالإصلاح الإداري، ولكنه لم يحقق نجاحاً يذكر في ذلك، "بسبب ضعف البنية الإدارية، ونقص الأشخاص المؤهلين، وبسبب تراكم الزمن على المشاكل القائمة." (ص112) وهكذا أصبح بشّار الأسد كالمُنْبَتِ. فلا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى. وبذا، ازدادت النقمة على حكمه، واتسع حجم المعارضة. واستطاعت المعارضة أن تنجح أخيراً في عام 2011 من تثوير الشارع السوري، ضد الحكم القائم.
3- كان مشهداً مضحكاً من المشاهد السياسية الكوميديّة، أن يقوم بشّار الأسد مؤخراً بالوعد بعدة إصلاحات سياسية وإدارية منها الانتخابات المبكرة، وكتابة دستور جديد، والدعوة إلى الاعتراف بالمعارضة، والاستعداد لمحاورتها.. الخ. ولكن لنعلم، أن هذه الدعوات والشعارات، لم يتم إطلاقها غير الآن فقط. في حين حكم "آل الأسد" لسوريا منذ 1970، ولم يتم خلال هذه السنوات الطويلة، تحقيق أية دعوة للإصلاح الإداري، أو السياسي، أو الحد من انتشار الفساد. ولكن مثل هذه الدعوات انطلقت الآن تحت ضغط الشارع السوري، وتحت ضغط المجتمع الدولي، وتحت وطأة ما أصبح عليه حال النظام السوري الآن، حيث لا تنفع دعوة الإصلاح بعد "خراب البصرة"، كما يقال. ويؤكد هذه الحقيقة كارستين ويلاند في كتابه المذكور بقوله: "إن الأفعال تفقد قيمتها السياسية، عندما تنجز في اللحظة الأخيرة، أو تحت الضغط." (ص 125).
4- كانت سوريا في عهد حافظ الأسد (1970-2000) تحافظ على استقرار النظام من خلال جهاز أمني كبير وقوي، ورث أساليبه البوليسية من جهاز (الإستازي) الألماني الشرقي في عهد الدكتاتور إريك هونيكر. كما أن الاتحاد السوفيتي حتى عام 1989 وقبل موت حافظ الأسد بعام واحد، كان ما زال قائماً وداعماً، لحكم حافظ الأسد سياسياً، وعسكرياً، ومالياً، بموجب الاتفاقية الاستراتيجية، والتحالف بين نظام الأسد والاتحاد السوفيتي، والذي امتد حتى الآن بين "روسيا الجديدة"، وبين نظام بشّار الأسد، وشهدنا مظاهره من خلال دعم روسيا المتواصل لنظام الأسد ومواقفها الرافضة – مع الصين - لأية إدانة دولية لنظام الأسد في مجلس الأمن. كذلك كان النزاع من خلال الحرب الباردة بين الكتلتين العظميين (أمريكا والاتحاد السوفيتي) قائماً، وكانت كل كتلة حريصة على كسب دول معينة إلى جانبها، وكانت سوريا من أهم البلدان العربية مساحة، وموقعاً، وسكاناً، وإيديولوجية، لكي تكون إلى جانب كتلة الاتحاد السوفيتي، ضد الكتلة الأمريكية – من خلال الشعارات والبيانات والخطابات فقط – ولكن ما أن سقط الاتحاد السوفيتي عام 1989، ونشبت حرب الخليج الثانية 1991، حتى اختار حافظ الأسد الانضمام إلى التحالف الدولي العسكري بقيادة أمريكا، مما أكسبه أموالاً طائلة من الشرق والغرب، ووعداً بحمايته، ودعم نظامه، وإفلات يده في لبنان. وهكذا كانت السياسة الخارجية، واللعب على الحبال السياسية، التي كانت منصوبة لنشر غسيل القوتين العظميين في ذلك الوقت، هي من أسباب "قوة" نظام حافظ الأسد. وقال المحلل السياسي السوري سمير التقي، ورئيس "مركز أبحاث الشرق" : "إن أفضل منتج للتصدير لدى سوريا هو سياستها الخارجية." ("سوريا: الاقتراع أم الرصاص"، ص 127). أما اليوم فقد اختلف العالم، وموازينه، ومقاييسه، وتحالفاته، بعد مضي أكثر من عشر سنوات، على موت حافظ الأسد. وكان خطأ النظام السوري الحالي، محاولة تطبيق سياسة حافظ الأسد، دون وعي وإدراك للمتغيرات الكثيرة، فكانت الثورة السورية الحالية ضد نظام قديم، يدعى العصرية والحداثة. إلا أن المستشرق الألماني كارستين ويلاند، يقول في كتابه المذكور أعلاه: "إن استراتيجية الباب الخلفي في السياسة الخارجية، قللت الحاجة للضغط الاقتصادي، لتنفيذ إصلاحات مؤلمة." (ص 128). ومعنى هذا، أن استمرار اعتماد سوريا على المال من إيران، ومن دول أخرى، وتدفق هذا المال عليها في ظل ظروف دولية وإقليمية معينة، ومنها نصرة ودعم الأحزاب الدينية/السياسية في لبنان، وغزة، وباقي البلدان العربية الأخرى، جعل النظام السوري يُهمل الإصلاح الاقتصادي المأمول، وكذلك الإصلاح السياسي المطلوب.
5- وأخيراً، إن ما وضع نظام الحكم السوري أمام مصيره القاتل والمخيف الآن، هو النظام الفاشي الشعبي على حد تعبير ريموند هينبوشHinnebusch أستاذ العلاقات الدولية، ومدير مركز الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا. فالأنظمة الفاشية الشعبية تحاول حماية استقلالها عن طريق "تحديث دفاعي". ورغم دخولها دائرة النظام الرأسمالي العالمي إلا أنها تحاول بناء صناعة لتقليد البضائع الاستهلاكية الرخيصة ، وانتاجها بهدف تجنب الاعتماد على الاستيراد. (ص128) وقد فشلت هذه المصانع في إقناع المستهلك السوري الذي أصبح يسافر إلى لبنان، ويشتري حاجياته من هناك. زيادة على ذلك، فإن معظم المصانع المنتجة للمواد الاستهلاكية تلك، كانت مملوكة لفئات معينة كآل مخلوف (أخوال بشّار الأسد) وغيرهم. وتُقدر إمبراطورية رامي مخلوف وحده بثلاثة مليارات دولار. ويقول محللون سوريون إنه يجني مليون دولار كل يوم، ويملك شركتي الهاتف الجوّال في سوريا، وعدداً كبيراً من المصانع الرئيسية، والفنادق، والمتاجر المعفاة من الضرائب، والمدارس الخاصة، أو "نصف البلاد كما يقول بعض المواطنين السوريين بحزن واكتئاب كبيرين. (ص129).
وهو ما زاد الطين "بلَّة"، وزاد نقمة الشارع السوري على النظام، منذ ذلك الحين حتى الآن.
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 4060 - 2013 / 4 / 12 - 10:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ما هي المبررات الموضوعية التي يسوقها بعض المؤرخين والمحللين السياسيين، من ذوي البصر والبصيرة لسقوط النظام السوري عاجلاً أو آجلاً؟
يُسهب المستشرق الألماني كارستين ويلاند في كتابه (سوريا: الاقتراع أم الرصاص؟) ذي العنوان الدال، فيورد عدة أسباب لاحتمال سقوط النظام السوري منها:
1- طفولة المعارضة السورية في السنوات الأولى لحكم بشّار الأسد، مما أفشل الكثير من خطط المعارضة، ضد النظام. وقد عبَّر عن هذه الطفولة الفيلسوف السوري الطيب تيزيني، عندما قال : "كنت في البداية مع حركة المجتمع المدني، لكنني بعد ذلك نأيت بنفسي عنها. كانوا يريدون كل شيء، أو لا شيء." (ص 110). ولكن المعارضة السورية، وبعد مضي أكثر من 12 عاماً على حكم بشّار الأسد، استطاعت أن توقظ الشارع السوري، وتهدد حكم بشّار الأسد، وربما استطاعت الإطاحة به بعد وقت قصير، أو طويل.
2- كان أمام بشّار الأسد عام 2000 أمران أسهلهما صعب: الإصلاح الإداري، أو الإصلاح السياسي. وبما أن حزب البعث، كان يقبض على السلطة بحزم، وقوة، وبمساندة الأجهزة الأمنية المختلفة، فقد كان من الصعب إحداث إصلاح سياسي، وتغيرات سياسية، مما يعني اقتلاع حزب البعث من الحكم، وهو من المستحيلات. فأخذ بشّار الأسد بالإصلاح الإداري، ولكنه لم يحقق نجاحاً يذكر في ذلك، "بسبب ضعف البنية الإدارية، ونقص الأشخاص المؤهلين، وبسبب تراكم الزمن على المشاكل القائمة." (ص112) وهكذا أصبح بشّار الأسد كالمُنْبَتِ. فلا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى. وبذا، ازدادت النقمة على حكمه، واتسع حجم المعارضة. واستطاعت المعارضة أن تنجح أخيراً في عام 2011 من تثوير الشارع السوري، ضد الحكم القائم.
3- كان مشهداً مضحكاً من المشاهد السياسية الكوميديّة، أن يقوم بشّار الأسد مؤخراً بالوعد بعدة إصلاحات سياسية وإدارية منها الانتخابات المبكرة، وكتابة دستور جديد، والدعوة إلى الاعتراف بالمعارضة، والاستعداد لمحاورتها.. الخ. ولكن لنعلم، أن هذه الدعوات والشعارات، لم يتم إطلاقها غير الآن فقط. في حين حكم "آل الأسد" لسوريا منذ 1970، ولم يتم خلال هذه السنوات الطويلة، تحقيق أية دعوة للإصلاح الإداري، أو السياسي، أو الحد من انتشار الفساد. ولكن مثل هذه الدعوات انطلقت الآن تحت ضغط الشارع السوري، وتحت ضغط المجتمع الدولي، وتحت وطأة ما أصبح عليه حال النظام السوري الآن، حيث لا تنفع دعوة الإصلاح بعد "خراب البصرة"، كما يقال. ويؤكد هذه الحقيقة كارستين ويلاند في كتابه المذكور بقوله: "إن الأفعال تفقد قيمتها السياسية، عندما تنجز في اللحظة الأخيرة، أو تحت الضغط." (ص 125).
4- كانت سوريا في عهد حافظ الأسد (1970-2000) تحافظ على استقرار النظام من خلال جهاز أمني كبير وقوي، ورث أساليبه البوليسية من جهاز (الإستازي) الألماني الشرقي في عهد الدكتاتور إريك هونيكر. كما أن الاتحاد السوفيتي حتى عام 1989 وقبل موت حافظ الأسد بعام واحد، كان ما زال قائماً وداعماً، لحكم حافظ الأسد سياسياً، وعسكرياً، ومالياً، بموجب الاتفاقية الاستراتيجية، والتحالف بين نظام الأسد والاتحاد السوفيتي، والذي امتد حتى الآن بين "روسيا الجديدة"، وبين نظام بشّار الأسد، وشهدنا مظاهره من خلال دعم روسيا المتواصل لنظام الأسد ومواقفها الرافضة – مع الصين - لأية إدانة دولية لنظام الأسد في مجلس الأمن. كذلك كان النزاع من خلال الحرب الباردة بين الكتلتين العظميين (أمريكا والاتحاد السوفيتي) قائماً، وكانت كل كتلة حريصة على كسب دول معينة إلى جانبها، وكانت سوريا من أهم البلدان العربية مساحة، وموقعاً، وسكاناً، وإيديولوجية، لكي تكون إلى جانب كتلة الاتحاد السوفيتي، ضد الكتلة الأمريكية – من خلال الشعارات والبيانات والخطابات فقط – ولكن ما أن سقط الاتحاد السوفيتي عام 1989، ونشبت حرب الخليج الثانية 1991، حتى اختار حافظ الأسد الانضمام إلى التحالف الدولي العسكري بقيادة أمريكا، مما أكسبه أموالاً طائلة من الشرق والغرب، ووعداً بحمايته، ودعم نظامه، وإفلات يده في لبنان. وهكذا كانت السياسة الخارجية، واللعب على الحبال السياسية، التي كانت منصوبة لنشر غسيل القوتين العظميين في ذلك الوقت، هي من أسباب "قوة" نظام حافظ الأسد. وقال المحلل السياسي السوري سمير التقي، ورئيس "مركز أبحاث الشرق" : "إن أفضل منتج للتصدير لدى سوريا هو سياستها الخارجية." ("سوريا: الاقتراع أم الرصاص"، ص 127). أما اليوم فقد اختلف العالم، وموازينه، ومقاييسه، وتحالفاته، بعد مضي أكثر من عشر سنوات، على موت حافظ الأسد. وكان خطأ النظام السوري الحالي، محاولة تطبيق سياسة حافظ الأسد، دون وعي وإدراك للمتغيرات الكثيرة، فكانت الثورة السورية الحالية ضد نظام قديم، يدعى العصرية والحداثة. إلا أن المستشرق الألماني كارستين ويلاند، يقول في كتابه المذكور أعلاه: "إن استراتيجية الباب الخلفي في السياسة الخارجية، قللت الحاجة للضغط الاقتصادي، لتنفيذ إصلاحات مؤلمة." (ص 128). ومعنى هذا، أن استمرار اعتماد سوريا على المال من إيران، ومن دول أخرى، وتدفق هذا المال عليها في ظل ظروف دولية وإقليمية معينة، ومنها نصرة ودعم الأحزاب الدينية/السياسية في لبنان، وغزة، وباقي البلدان العربية الأخرى، جعل النظام السوري يُهمل الإصلاح الاقتصادي المأمول، وكذلك الإصلاح السياسي المطلوب.
5- وأخيراً، إن ما وضع نظام الحكم السوري أمام مصيره القاتل والمخيف الآن، هو النظام الفاشي الشعبي على حد تعبير ريموند هينبوشHinnebusch أستاذ العلاقات الدولية، ومدير مركز الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا. فالأنظمة الفاشية الشعبية تحاول حماية استقلالها عن طريق "تحديث دفاعي". ورغم دخولها دائرة النظام الرأسمالي العالمي إلا أنها تحاول بناء صناعة لتقليد البضائع الاستهلاكية الرخيصة ، وانتاجها بهدف تجنب الاعتماد على الاستيراد. (ص128) وقد فشلت هذه المصانع في إقناع المستهلك السوري الذي أصبح يسافر إلى لبنان، ويشتري حاجياته من هناك. زيادة على ذلك، فإن معظم المصانع المنتجة للمواد الاستهلاكية تلك، كانت مملوكة لفئات معينة كآل مخلوف (أخوال بشّار الأسد) وغيرهم. وتُقدر إمبراطورية رامي مخلوف وحده بثلاثة مليارات دولار. ويقول محللون سوريون إنه يجني مليون دولار كل يوم، ويملك شركتي الهاتف الجوّال في سوريا، وعدداً كبيراً من المصانع الرئيسية، والفنادق، والمتاجر المعفاة من الضرائب، والمدارس الخاصة، أو "نصف البلاد كما يقول بعض المواطنين السوريين بحزن واكتئاب كبيرين. (ص129).
وهو ما زاد الطين "بلَّة"، وزاد نقمة الشارع السوري على النظام، منذ ذلك الحين حتى الآن.