منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By محمد العمري9
#60908
مفاهيم سياسية
السياسية هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة.

ورعاية شؤون الأمة داخلياً من قبل الدولة تكون بتنفيذ المبدأ في الداخل، وهذه هي السياسة الداخلية. وفهم السياسة الخارجية أمر جوهري لحفظ كيان الدولة والأمة وأمر أساسي للتمكن من حمل الدعوة إلى العالم وعمل لا بد منه لتنظيم علاقة الأمة بغيرها على وجه صحيح.

ولما كانت الأمة الإسلامية مكلفة بحمل الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة، كان لزاماً على المسلمين أن يتصلوا بالعالم اتصالاً واعياً لأحواله، مدركاً لمشاكله، عالماً بدوافع دولة وشعوبه، متتبعاً الأعمال السياسية التي تجري في العالم، ملاحظاً الخطط السياسية للدول في أساليب تنفيذها، وفي كيفية علاقتها بعضها ببعض، وفي المناورات السياسية التي تقوم بها هذه الدول، ولذلك كان لزاماً على المسلمين أن يدركوا حقيقة الموقف في العالم الإسلامي على ضوء فهم الموقف الدولي العالمي، ليتسنى لهم أن يتبينوا أسلوب العمل لإقامة دولتهم وحمل دعوتهم إلى العالم. ومن هنا أصبح من المحتم عليهم معرفة الموقف الدولي معرفة تامة ومعرفة التفاصيل المتعلقة بالموقف الدولي والإحاطة بموقف الدول القائمة في العالم والتي لها شأن يذكر في الموقف الدولي العام.

غير أنه ينبغي أن يكون واضحاً أن الموقف الدولي لا يظل ثابتاً على حال واحد، فهو يتغير حسب تغير الأوضاع الدولية. وأن موقف كل دولة من الدول لا يلزم حالة واحدة من ناحية دولية، وإنما تتداوله حالات متعددة من ناحية القوة أو الضعف، ومن ناحية قوة التأثير أو عدم التأثير، ومن ناحية تفاوت العلاقات القائمة بينها وبين الدول، واختلاف هذه العلاقات. لذلك كان من غير الممكن إعطاء خطوط عريضة ثابتة للموقف الدولي، وإعطاء فكرة ثابتة عن موقف أي دولة من الدول القائمة في العالم. وإنما يمكن إعطاء خط عريض عن الموقف الدولي في فترة ما، مع تصور إمكانية تغيير هذا الموقف. وإعطاء فكرة معينة عن موقف أي دولة في ظروف ما مع إدراك قابلية تبدل هذا الموقف. ولهذا كان لا غنى للسياسي من أن يتتبع الأعمال السياسية القائمة في العالم، وأن يربطها بمعلوماته السياسية السابقة، حتى يتسنى له فهم السياسة فهماً صحيحاً وتتأتى له معرفة ما إذا كان الموقف الدولي لا يزال كما هو، أو تغير، وحتى يتأتى له إدراك موقف كل دولة ومعرفة إذا كان هذا الموقف قد بقى على حاله، أم طرأ عليه تغيير.

وتغيير الموقف الدولي تابع لتغيير موقف بعض الدول من حال إلى حال، أما بقوتها، أو بضعفها، وأما بقوة علاقتها بالدول أو بضعف هذه العلاقة. فينتج حينئذ تغير في الميزان الدولي، لحصول تغير في ميزان القوى القائمة في العالم. ولذلك كان فهم موقف كل دولة من الدول التي لها تأثير في الموقف الدولي أساساً لفهم الموقف الدولي. ومن هنا كانت العناية منصبة على الإحاطة بمعلومات عن كل دولة لأنها الركيزة الأولى للفهم السياسي، وليست معرفة موقف كل دولة متعلقة بموضعها في الموقف الدولي بل هي متعلقة في كل شيء له علاقة بسياستها الداخلية والخارجية. ومن هنا تحتم معرفة الفكرة التي تقوم عليها سياسة الدول القائمة في العالم، والتي لها شأن يذكر في الموقف الدولي ومعرفة الطريقة التي تنفذ بها هذه الفكرة حتى يتعين الموقف الذي ينبغي أن تقفه الأمة الإسلامية منها. كما أنه يتحتم أن تعرف الخطط التي ترسمها هذه الدول لسياستها والأساليب التي تستعملها وأن تقترن معرفة الخطط والأساليب بالتتبع الدائم لها، وبإدراك مدى تغييرها وبالوعي على الدوافع التي حملت على تغييرها أو الأسباب التي اضطرت هذه الدول لتغيير الخطط والأساليب مع المعرفة الصحيحة بالأشياء التي تؤثر على هذه الدول وتحملها على تغيير خططها وأساليبها.

أما الفكرة التي تقوم عليها السياسة فهي الفكرة التي تبني الدولة على أساسها علاقتها بغيرها من الشعوب والأمم. فالدول التي لا مبدأ لها تعتنقه تكون الأفكار لديها مختلفة متباينة، وفيها قابلية التغير، ومثل هذه الدول ينطبق عليها بحث الخطط والأساليب السياسية، ولا ينطبق عليها بحث الفكرة الأساسية. أما الدول التي لها مبدأ تعتنقه، فإن فكرتها ثابتة لا تتغير، وهي نشر المبدأ الذي تعتنقه في العالم بطريقة ثابتة لا تتغير مهما اختلفت الأساليب وتغيرت وينطبق عليها بحث الفكرة السياسية

وهنا قد يرد سؤال هو، كيف يتفق التجرد الذي يكون عليه الواعي سياسياً من حيث التزام الحق، ورؤية الحقائق كما هي، مع نظرته إلى العالم من زاوية خاصة؟ فإذا
ورد مثل هذا السؤال فإنما يرد من النظرة السطحية للأمور، فإذا تعمق المرء في البحث فإنه لا يورد مثل هذا السؤال، وذلك لأن هناك فرقاً بين واقع الأشياء، وبين الحكم عليها، فواقع الأشياء لا يختلف عليها الناس، فإذا كانت متعلقة بالرؤية البصرية، فكل من له بصر يرى الشيء كما هو، إلا أن يخدع ويضلل، وإذا كانت متعلقة بالحس فإن كل من له إحساس يحس بالشيء، سواء بالذوق، كطعم المر، وطعم الحلو، أو باللمس، كالناعم والخشن، أو بالسمع كالأصوات، أو بالشم كالروائح. فالأشياء يحس بها الناس كما هي، مهما حصل من تفاوت ولكن الحكم على الأشياء هو الذي يختلف فيه الناس. فالنظرة إلى العالم من زاوية خاصة متعلقة بالحكم على الأشياء والأفعال، ورؤية الحقائق كما هي متعلقة بالاحساسات والإدراكات، ولذلك لا بد أن يرى الحقائق كما هي ويلتزم جانب الحق، ولا بد أن ينظر إلى العالم، والحوادث والأشياء، من زاوية خاصة.

أما كيف ينطبق ذلك على السياسة العالمية، فإن استعراض بعض الأمثلة يري كيف تسير النظرة للأحداث السياسية من زاوية خاصة، ، وبعض الأمثلة من السياسة في القرون الوسطى،ولنورد بعض الأمثلة من سياسة الرسول كانت الزاوية الخاصة التي ينظر منهاوبعض الأمثلة من السياسة المعاصرة. فالرسول إلى العالم هي نشر الدعوة، فلأن قريشاً كانت هي الدولة الكبرى في الجزيرة، وكانت هي رأس الكفر في الوقوف في وجه الدعوة، فإنه وضع نصب عينيه حصر الأعمال السياسية، والأعمال الحربية فيها، فكان يرسل العيون لترصدها، ويتعرض لتجارتها، ويشتبك معها في معارك الحرب، وكان يكتفي من باقي الدول أي القبائل بالوقوف متفرجين أو كما يقولون بالوقوف على الحياد. فأعماله السياسية والعسكرية كانت تصدر عن النظرة إلى العالم من زاوية خاصة.

حين علم بأن خيبر تتفاوض مع قريش في عقد حلف بينهماوالرسول لمهاجمة المدينة والقضاء على محمد، وسحق الإسلام، حدد زاوية العمل أن يهادن قريشاً، أو يصالحها ويتفرغ لسحق خيبر، ومن هذه الزاوية الخاصة اتخذ سياسة السلم أساساً لأعماله المقبلة، ما دامت تسير في تحقيق غايته. فصارت أعماله كلها في هذه الفترة من ذهابه للعمرة، ورضاه بإعراض قريش عنه، ولينه أمام تعنت قريش، ومخالفته لأصحابه، وغير ذلك، تسير وفق سياسة السلم، فكانت نظرته للأعمال السياسية مع عدوه الذي يركز عليه تصدر من زاوية خاصة، وتتكيف حسب مقتضيات هذه الزاوية الخاصة.

فهذان مثالان من أعمال الرسول عليه السلام، أحدهما عمل عام، وهو التركيز على دولة كبرى هي رأس أعدائه، بناء على زاوية خاصة، والثاني عمل خاص وهو التركيز على هدف معين، فجعله زاوية خاصة وصار ينظر إلى الأعمال السياسية والعسكرية من هذه الزاوية الخاصة. وبذلك يشاهد كيف تسيطر النظرة للأحداث السياسية من زاوية خاصة على الأعمال والتصرفات، وكيف أنه لولا هذه النظرة من زاوية خاصة لكانت الأعمال لا معنى لها.

والدول الكبرى بعد مؤتمر برلين كانت قد اتخذت كلها نهب أملاك الدولة الإسلامية، وهي الدول العثمانية، الزاوية الخاصة لها، وليس القضاء على الدولة العثمانية، مع أنها بحثت الأمرين معاً، وقررت الاتفاق على الثاني، ولكن لم تتخذه الزاوية الخاصة، ولذلك تكيفت جميع أعمالها حسب هذه الزاوية الخاصة، ودخلت في صراع سياسي مع بعضها استمر أكثر من قرن، وهو وإن انتهى بزوال الدولة الإسلامية، ولكن ذلك لم يكن الزاوية الخاصة التي تنظر منها هذه الدول للأحداث والأعمال السياسية، فالزاوية الخاصة التي تنظر منها هي التي تحكمت في سياستها وفي نظرتها للأعمال السياسية.

وأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية قالت ان العالم شركة، وان أمريكا لها أكثر الأسهم في هذه الشركة، فيجب أن تكون إدارة هذه الشركة في يدها، واتخذت هذا القول الزاوية الخاصة التي تنظر منها إلى العالم، فصارت أعمالها تتكيف بهذه الزاوية، وصارت تنظر إلى الأعمال السياسية التي تجري في العالم من هذه الزاوية، والنظرة من هذه الزاوية هي التي جعلتها تتفق بل تتحالف مع الاتحاد السوفياتي، وجعلتها تتنكر لإنجلترا وفرنسا.

هذه هي الكيفية التي تكون عليها النظرة من زاوية خاصة إلى الأحداث السياسية التي تجري في العالم، سواء كانت هذه الزاوية زاوية عامة، كاتخاذ نشر الدعوة أساساً للسياسة الخارجية، أي الزاوية الخاصة التي ينظر إلى العالم منها أو كانت خاصة كحصر العداء في دولة معينة، يمكننا التغلب عليها من الانطلاق في العالم، أو كانت أخص من ذلك كالاشتباك في معركة سياسية معينة من أجل أن ترى الدول الأخرى نموذجاً من معاركنا السياسية. فانطباق النظرة من زاوية خاصة على الأعمال والحوادث السياسية أمر سهل، ولا يحتاج إلا إلى ممارسة السياسة بالفعل، بل يكفي في فهمه استعراض الأحداث السياسية بعمق، ومن هنا يتبين أن تتبع السياسة، وإدراك المفاهيم السياسية يجب أن يؤدي إلى إيجاد الوعي السياسي، وأن هذا الوعي السياسي أمر لا بد منه للعمل السياسي، بل لا بد منه للتأثير في الأحداث السياسية.

وإذا كانت الدول الكبرى قد أصبح الوعي السياسي لديها بديهة من البديهيات، وأصبحت معرفة السياسة الدولية الخبز اليومي للسياسيين، فإن المفروض في أبناء الأمة الإسلامية، وهم أبناء الدولة الإسلامية، أن يكون الوعي السياسي أول ما يجب أن يتحلوا به من المفاهيم السياسية، وأن يكون أساس قيامهم بالأعمال السياسية، وأن يعملوا لأن يصبح شائعاً بين الناس، وبديهة من البديهيات في المجتمع وأن يكون الخبز اليومي للسياسيين، فإن مهمتهم الكبرى، ووظيفتهم الأصلية، هي حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، ونشر الهدى بين الناس، وهذا لا يتأتى إلا إذا كانوا سياسيين، وإلا إذا نظروا إلى العالم من زاوية خاصة، وإلا إذا كان لديهم الوعي السياسي الكامل.

ولأجل أن لا يكبر أمر الوعي السياسي عليهم، وأن لا يظنوه شيئاً ضخماً لا يستطيع أن يتمتع به إلا الأذكياء وإلا المثقفون، فإنهم يجب أن يعرفوا أن الوعي السياسي أمر في منتهى البساطة، وهو ميسور لكل الناس حتى للاميين والعوام، لأن الوعي السياسي لا يعني الإحاطة بما في العالم من أعمال سياسية، ولا الإحاطة بالإسلام كله، أو بما يجب أن يتخذ زاوية خاصة للنظرة إلى العالم، وإنما يعني فقط أن تكون النظرة إلى العالم، مهما كانت معارفه عنه قليلة أو كثيرة، وأن تكون هذه النظرة من زاوية خاصة. فالعبرة فيه هي النظرة العالمية ولو كان عملاً سياسياً واحداً، وأن تكون هذه النظرة العالمية من زاوية خاصة محددة. فمجرد وجود النظرة إلى العالم من زاوية خاصة يكفي للدلالة على الوعي السياسي.