- الأربعاء مايو 01, 2013 10:42 pm
#61580
أدت الإدعاءات الفرنسية والبريطانية وتلك التي جاءت من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين -- والتي تتسم جميعها بمصداقية عالية -- حول استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية إلى زيادة الضغط على إدارة أوباما للرد بشكل أكثر حسماً على الوضع في سوريا، لا سيما العمل بمقتضى تحذير "الخط الأحمر" الخاص بالأسلحة الكيميائية الذي وضعه الرئيس الأمريكي. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تعيد النظر في حالة التردد التي اتصفت بها في السابق. فخلال جلسة استماع عقدتها مؤخراً "لجنة الخدمات المسلحة" في مجلس الشيوخ الأمريكي أعلن وزير الدفاع هيغل أن الولايات المتحدة سوف ترسل نحو 200 من قواتها من الفرقة المدرعة الأولى في "فورت بليس"، تكساس، إلى الأردن للعمل إلى جانب الأفراد الأردنيين من أجل "تحسين الجاهزية والاستعداد لعدد من السيناريوهات" فيما يتعلق بالصراع في سوريا المجاورة. وأفادت صحيفة "لوس انجليس تايمز" أن وزارة الدفاع الأمريكية قد وضعت خططاً لاحتمالية توسيع نشر تلك القوة بشكل كبير.
ورغم ذلك فإن الاحتمالات، في ظل البيئة السياسية الحالية، تشير إلى أن الانخراط الأمريكي في المنطقة لن يكون هائلاً وطويل المدى مثلما حدث في العراق. ويرجح أن تنطوي المساعدات العسكرية الأمريكية على نقل المعدات، وتوزيع الإمدادات الإنسانية، وفرض مناطق حظر الطيران، وتنسيق الهجمات على الإرهابيين أو تنفيذها، ومعاقبة النظام (بطريقة ما) على انتهاكه لـ "الخط الأحمر" الخاص بالأسلحة الكيميائية.
وعندما تلعب الولايات المتحدة دوراً عسكرياً في الصراع السوري، وهو أمر تتزايد احتماليته، فلن يتعين عليها أن تقلق فقط من تعزيز الإسلاميين المحليين دون قصد أو التورط في مستنقع آخر في الشرق الأوسط. يجب عليها أن تنظر أيضاً في التبعات الجيواستراتيجية الهائلة على إيران وروسيا والصين، لا سيما إذا تسبب تدخل الولايات المتحدة في النهاية إلى زوال حليفهم في دمشق. وفي الدبلوماسية، مثلما هو الحال في الفيزياء، فإن لكل فعل رد فعل. وانخراط الولايات المتحدة في سوريا لن يكون بالأمر المختلف، ويجب أن تكون إدارة أوباما مستعدة لذلك.
لإيران وروسيا والصين مصالح عميقة في الحفاظ على نظام الأسد. فإيران تمده بالمساعدات المالية والعسكرية، وتساعده في تنظيم الميليشيات العلوية. وفي المقابل، تحظى طهران بقاعدة عملياتية ضخمة متقدمة في البحر المتوسط يمكن فيها تعديل الأسلحة الإيرانية أو تصنيعها أو إرسالها إلى حلفائها من «حزب الله» في لبنان. لكن الأمر الذي هو على نفس القدر من الأهمية أن التحالف مع سوريا يعزز مزاعم إيران بأنها زعيم في المقاومة ضد إسرائيل وحامي الشيعة في العالم. ونظراً لاقتناع قادة إيران ذوي الدوافع الأيديولوجية بأن الغرب سيسعى لنهايتهم، يرجح ألا يتعاملوا مع سقوط الأسد باستخفاف ويرجح أن يصبحوا أكثر عدوانية. يجب على واشنطن أن تتوقع تقدماً أقل في المفاوضات النووية والمزيد من زعزعة الاستقرار في العراق وزيادة المغامرات الإيرانية غير المتوازنة واندلاع مواجهات جديدة في الخليج، بل وربما تطوير أسلحة نووية متكاملة الأركان.
كما أن للصين وروسيا مصالح أيديولوجية واستراتيجية في الحفاظ على حكم الأسد. فلقد تشبث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كثيراً بسياسته الخارجية الرافضة لتغيير النظام برعاية أمريكية، وهو ما اتضح جلياً من خطاباته المتسقة من كوسوفو إلى ليبيا. أما بكين، الأقل جهراً بمعارضتها، فتتوخى الحذر للحد من الضغط على الدول التي تسير في فلكها، مثلما شاهدنا في كوريا الشمالية. وبالإضافة إلى ذلك، تميل الصين إلى أن تحذو حذو روسيا في العديد من القضايا الدولية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تشارك روسيا نهجها تجاه الولايات المتحدة القائم على مبدأ "فوزك يعني خسارتنا". وعلاوة على ذلك، يبدو أن الصين وروسيا تخشيان من أن تستخدم الولايات المتحدة وشركائها في النهاية تدخلاتهم الناجحة لتأسيس سابقة لتدخل أوسع نطاقاً في شؤونهما الداخلية، سواء كان ذلك في شمال القوقاز أو التبت أو شينجيانغ.
كما أن ميزان القوى في الدول المجاورة لسوريا مباشرة يصب في صالح الولايات المتحدة وأصدقائها لدرجة أن هناك القليل مما تستطيع الصين أو روسيا (أو إيران) فعله لمواجهة الولايات المتحدة بشكل مباشر. لكن استناداً إلى تقاليد القوى العظمى الكلاسيكية التي يعرفونها جيداً، باستطاعة روسيا والصين العمل بما يضر بمصالح الولايات المتحدة واستقرار العالم. أولاً، تستطيع الدولتان أن تجعلا واشنطن تدفع ثمن المساعدة في الإطاحة بالأسد، من خلال فتح أو تكثيف الجبهات الحالية التي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة. وتستطيع روسيا التلاعب في اعتماد أوروبا المستمر على النفط والغاز الروسي، وتعقيد خطط "الناتو" المرتبطة بأفغانستان، كما تستطيع الصين وضع عراقيل أمام المبادرات الأمريكية في مختلف المحافل الدولية. إن مكانة الصين الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتنامية واضحة، وهو الأمر بالنسبة لقدرتها على تحدي الولايات المتحدة في شبه القارة الكورية، ونزاعاتها على الجزر مع اليابان و"دول الأسيان" [اتحاد جنوب شرق آسيا] والعلاقات التجارية مع حلفاء الولايات المتحدة مثل أستراليا.
وتستطيع روسيا والصين أخذ منحنى آخر، من خلال التحالف بشكل أكثر صراحة مع إيران وتسهيل مغامرات طهران المعادية للولايات المتحدة. على سبيل المثال، باستطاعة الصين توسيع نطاق زيادتها المحدودة مؤخراً لمشتريات النفط من إيران، وتحديها بذلك نظام العقوبات الأمريكية. كما تستطيع روسيا إعادة النظر في قرارها بوقف توريد معدات دفاع جوي متقدمة إلى طهران، ومساعدة إيران بشكل آخر في بناء ترسانتها العسكرية أو تجنب العقوبات.
وباستطاعة روسيا والصين تلقين الولايات المتحدة درساً قوياً فيما يتعلق ببرنامج إيران البحثي النووي، الذي يشكل مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة. فمع حالة التغيير المستمر التي تشهدها المنطقة، تستطيع الصين وروسيا التخلي عن معارضتهما التقليدية للانتشار النووي الإيراني وحجب العقوبات التي تدعمها الولايات المتحدة ضد إيران في "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ومجلس الأمن الدولي، أو وضع عراقيل أمام مفاوضات "دول الخمسة زائد واحد". ومن خلال تقويض هذه المساعي الدبلوماسية، تستطيع روسيا والصين منع الولايات المتحدة من الحصول على التفويض الدولي الذي ستحتاجه لاتخاذ إجراء عسكري ضد إيران إذا لزم الأمر. ومن المثير للجدل أن هذا لن يردع الولايات المتحدة في إيران أكثر مما فعل العناد الدولي في إبطاء جهود التحرك ضد العراق في عام 2003. لكن الأوقات مختلفة. فقد أقامت الولايات المتحدة حملتها بالكامل ضد إيران على التضامن الدولي؛ إن فقدان هذا الدعم يمكن أن يقوض التأييد بين الجمهور الأمريكي، الذي لا يزال قلقاً من الدخول في معارك جديدة بعد عقد من حرب "الصدمة والرعب" في العراق. ولنكن أكثر وضوحاً: تحظى إيران والصين وروسيا بنفوذ استراتيجي ودبلوماسي واقتصادي كبير يتجاوز نفوذ العراق في عام 2003، يستطيعون استغلاله ضد الولايات المتحدة.
إن احتمال وقوع رد فعل معاكس من روسيا أو الصين أو إيران لا ينبغي أن يردع واشنطن عن اتخاذ العمل العسكري اللازم في سوريا. فاستقرار الشرق الأوسط يمثل مصلحة أساسية لواشنطن، لذا فإن مساعدة سوريا على الهبوط الآمن قدر الإمكان يمثل عاملاً جوهرياً لدور الولايات المتحدة الأمني، مثلما هو الحال في التمسك بتهديدها الذي وضعت له خطاً أحمر بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية. إن التراجع عن هذه المسؤولية يمكن في واقع الأمر أن يعزز ثقة خصوم الولايات المتحدة بأنفسهم ويمنحهم الجرأة: فإذا نجا الأسد وظل في الحكم فإن صعود مكانة إيران وتراجع مكانة الولايات المتحدة قد يدفع موسكو وبكين، بعد أن عرفوا مواطن ضعف واشنطن، على زيادة الضغوط على الولايات المتحدة. ولهذا تحتاج إدارة أوباما إلى التفكير بطريقة جيواستراتيجية في سوريا، على نحو أكثر شبهاً بطريقة مترنيخ [المستشار النمساوي عام 1815] منه إلى طريقة وودرو ويلسون [الرئيس الأمريكي عام 1919].
إذا تصرفت الولايات المتحدة من موقف القوة -- مشيرة إلى رغبتها في اتخاذ إجراء عسكري -- فربما تشجع روسيا والصين (بل وحتى إيران) على إظهار المزيد من التعاون اليوم، وكذلك في الفترة الفوضوية التي ستتبع سقوط لنظام الأسد. على الولايات المتحدة أن تشاطر موسكو وبكين تفكيرها بشأن سيناريوهات ما بعد سقوط النظام، ويشمل ذلك تحديد ما إذا كان باستطاعتها السماح بإنشاء معقل فعلي للعلويين مثلما هو الحال مع كردستان العراق. إن أي شيء تستطيع واشنطن فعله لطمأنتهم بأنها ونظامها القيمي لا يسعون إلى التحالف مع سوريا بعد سقوط الأسد، من المفترض أن يساعد القوتين على التوافق مع نظام جديد تساعد الولايات المتحدة في إنشائه في دمشق. لكن هذه الطمأنة سوف تتعارض مع الغرائز الفطرية للولايات المتحدة تجاه الدول الفاشلة -- التي تقوم على التدخل إلى أن تتعافى تلك الدول مرة أخرى. وعلى نحو مماثل، فخلال التقدم من منطلق الجاهزية العسكرية تشجع واشنطن التعاون الإيراني في سوريا من خلال مزيد من الانفتاح بشأن العقوبات الاقتصادية التي سترغب في تبادلها بالتنازلات النووية.
لا شك أن الولايات المتحدة تطبق الكثير من هذا النقاش مع موسكو وبكين، لكن السؤال الذي لا يزال مفتوحاً يتعلق بدرجة الوضوح التي أعربت بها الإدارة الأمريكية عن رغبتها في المخاطرة وترتيب أولويات احتياجاتها والتعامل مع الشيطان إذا لزم الأمر. لكن فوق جميع الاعتبارات أو العوامل الأخرى، يجب عليها تجنب التوجهات التي لا تزال تؤثر على الكثير من تفكير السياسة الخارجية لواشنطن وهو: أننا لا نزال نعيش في عالم ما بعد 1989، وانتصار الغرب أمر حتمي، وأن التطور الطبيعي للدول هو أن تصبح ديمقراطيات مستقرة. لكن للأسف، لقد مر ذلك الزمن.
السفير جيمس جيفري هو زميل زائر مميز في زمالة فيليب سولونتز في معهد واشنطن.
ورغم ذلك فإن الاحتمالات، في ظل البيئة السياسية الحالية، تشير إلى أن الانخراط الأمريكي في المنطقة لن يكون هائلاً وطويل المدى مثلما حدث في العراق. ويرجح أن تنطوي المساعدات العسكرية الأمريكية على نقل المعدات، وتوزيع الإمدادات الإنسانية، وفرض مناطق حظر الطيران، وتنسيق الهجمات على الإرهابيين أو تنفيذها، ومعاقبة النظام (بطريقة ما) على انتهاكه لـ "الخط الأحمر" الخاص بالأسلحة الكيميائية.
وعندما تلعب الولايات المتحدة دوراً عسكرياً في الصراع السوري، وهو أمر تتزايد احتماليته، فلن يتعين عليها أن تقلق فقط من تعزيز الإسلاميين المحليين دون قصد أو التورط في مستنقع آخر في الشرق الأوسط. يجب عليها أن تنظر أيضاً في التبعات الجيواستراتيجية الهائلة على إيران وروسيا والصين، لا سيما إذا تسبب تدخل الولايات المتحدة في النهاية إلى زوال حليفهم في دمشق. وفي الدبلوماسية، مثلما هو الحال في الفيزياء، فإن لكل فعل رد فعل. وانخراط الولايات المتحدة في سوريا لن يكون بالأمر المختلف، ويجب أن تكون إدارة أوباما مستعدة لذلك.
لإيران وروسيا والصين مصالح عميقة في الحفاظ على نظام الأسد. فإيران تمده بالمساعدات المالية والعسكرية، وتساعده في تنظيم الميليشيات العلوية. وفي المقابل، تحظى طهران بقاعدة عملياتية ضخمة متقدمة في البحر المتوسط يمكن فيها تعديل الأسلحة الإيرانية أو تصنيعها أو إرسالها إلى حلفائها من «حزب الله» في لبنان. لكن الأمر الذي هو على نفس القدر من الأهمية أن التحالف مع سوريا يعزز مزاعم إيران بأنها زعيم في المقاومة ضد إسرائيل وحامي الشيعة في العالم. ونظراً لاقتناع قادة إيران ذوي الدوافع الأيديولوجية بأن الغرب سيسعى لنهايتهم، يرجح ألا يتعاملوا مع سقوط الأسد باستخفاف ويرجح أن يصبحوا أكثر عدوانية. يجب على واشنطن أن تتوقع تقدماً أقل في المفاوضات النووية والمزيد من زعزعة الاستقرار في العراق وزيادة المغامرات الإيرانية غير المتوازنة واندلاع مواجهات جديدة في الخليج، بل وربما تطوير أسلحة نووية متكاملة الأركان.
كما أن للصين وروسيا مصالح أيديولوجية واستراتيجية في الحفاظ على حكم الأسد. فلقد تشبث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كثيراً بسياسته الخارجية الرافضة لتغيير النظام برعاية أمريكية، وهو ما اتضح جلياً من خطاباته المتسقة من كوسوفو إلى ليبيا. أما بكين، الأقل جهراً بمعارضتها، فتتوخى الحذر للحد من الضغط على الدول التي تسير في فلكها، مثلما شاهدنا في كوريا الشمالية. وبالإضافة إلى ذلك، تميل الصين إلى أن تحذو حذو روسيا في العديد من القضايا الدولية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تشارك روسيا نهجها تجاه الولايات المتحدة القائم على مبدأ "فوزك يعني خسارتنا". وعلاوة على ذلك، يبدو أن الصين وروسيا تخشيان من أن تستخدم الولايات المتحدة وشركائها في النهاية تدخلاتهم الناجحة لتأسيس سابقة لتدخل أوسع نطاقاً في شؤونهما الداخلية، سواء كان ذلك في شمال القوقاز أو التبت أو شينجيانغ.
كما أن ميزان القوى في الدول المجاورة لسوريا مباشرة يصب في صالح الولايات المتحدة وأصدقائها لدرجة أن هناك القليل مما تستطيع الصين أو روسيا (أو إيران) فعله لمواجهة الولايات المتحدة بشكل مباشر. لكن استناداً إلى تقاليد القوى العظمى الكلاسيكية التي يعرفونها جيداً، باستطاعة روسيا والصين العمل بما يضر بمصالح الولايات المتحدة واستقرار العالم. أولاً، تستطيع الدولتان أن تجعلا واشنطن تدفع ثمن المساعدة في الإطاحة بالأسد، من خلال فتح أو تكثيف الجبهات الحالية التي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة. وتستطيع روسيا التلاعب في اعتماد أوروبا المستمر على النفط والغاز الروسي، وتعقيد خطط "الناتو" المرتبطة بأفغانستان، كما تستطيع الصين وضع عراقيل أمام المبادرات الأمريكية في مختلف المحافل الدولية. إن مكانة الصين الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتنامية واضحة، وهو الأمر بالنسبة لقدرتها على تحدي الولايات المتحدة في شبه القارة الكورية، ونزاعاتها على الجزر مع اليابان و"دول الأسيان" [اتحاد جنوب شرق آسيا] والعلاقات التجارية مع حلفاء الولايات المتحدة مثل أستراليا.
وتستطيع روسيا والصين أخذ منحنى آخر، من خلال التحالف بشكل أكثر صراحة مع إيران وتسهيل مغامرات طهران المعادية للولايات المتحدة. على سبيل المثال، باستطاعة الصين توسيع نطاق زيادتها المحدودة مؤخراً لمشتريات النفط من إيران، وتحديها بذلك نظام العقوبات الأمريكية. كما تستطيع روسيا إعادة النظر في قرارها بوقف توريد معدات دفاع جوي متقدمة إلى طهران، ومساعدة إيران بشكل آخر في بناء ترسانتها العسكرية أو تجنب العقوبات.
وباستطاعة روسيا والصين تلقين الولايات المتحدة درساً قوياً فيما يتعلق ببرنامج إيران البحثي النووي، الذي يشكل مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة. فمع حالة التغيير المستمر التي تشهدها المنطقة، تستطيع الصين وروسيا التخلي عن معارضتهما التقليدية للانتشار النووي الإيراني وحجب العقوبات التي تدعمها الولايات المتحدة ضد إيران في "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ومجلس الأمن الدولي، أو وضع عراقيل أمام مفاوضات "دول الخمسة زائد واحد". ومن خلال تقويض هذه المساعي الدبلوماسية، تستطيع روسيا والصين منع الولايات المتحدة من الحصول على التفويض الدولي الذي ستحتاجه لاتخاذ إجراء عسكري ضد إيران إذا لزم الأمر. ومن المثير للجدل أن هذا لن يردع الولايات المتحدة في إيران أكثر مما فعل العناد الدولي في إبطاء جهود التحرك ضد العراق في عام 2003. لكن الأوقات مختلفة. فقد أقامت الولايات المتحدة حملتها بالكامل ضد إيران على التضامن الدولي؛ إن فقدان هذا الدعم يمكن أن يقوض التأييد بين الجمهور الأمريكي، الذي لا يزال قلقاً من الدخول في معارك جديدة بعد عقد من حرب "الصدمة والرعب" في العراق. ولنكن أكثر وضوحاً: تحظى إيران والصين وروسيا بنفوذ استراتيجي ودبلوماسي واقتصادي كبير يتجاوز نفوذ العراق في عام 2003، يستطيعون استغلاله ضد الولايات المتحدة.
إن احتمال وقوع رد فعل معاكس من روسيا أو الصين أو إيران لا ينبغي أن يردع واشنطن عن اتخاذ العمل العسكري اللازم في سوريا. فاستقرار الشرق الأوسط يمثل مصلحة أساسية لواشنطن، لذا فإن مساعدة سوريا على الهبوط الآمن قدر الإمكان يمثل عاملاً جوهرياً لدور الولايات المتحدة الأمني، مثلما هو الحال في التمسك بتهديدها الذي وضعت له خطاً أحمر بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية. إن التراجع عن هذه المسؤولية يمكن في واقع الأمر أن يعزز ثقة خصوم الولايات المتحدة بأنفسهم ويمنحهم الجرأة: فإذا نجا الأسد وظل في الحكم فإن صعود مكانة إيران وتراجع مكانة الولايات المتحدة قد يدفع موسكو وبكين، بعد أن عرفوا مواطن ضعف واشنطن، على زيادة الضغوط على الولايات المتحدة. ولهذا تحتاج إدارة أوباما إلى التفكير بطريقة جيواستراتيجية في سوريا، على نحو أكثر شبهاً بطريقة مترنيخ [المستشار النمساوي عام 1815] منه إلى طريقة وودرو ويلسون [الرئيس الأمريكي عام 1919].
إذا تصرفت الولايات المتحدة من موقف القوة -- مشيرة إلى رغبتها في اتخاذ إجراء عسكري -- فربما تشجع روسيا والصين (بل وحتى إيران) على إظهار المزيد من التعاون اليوم، وكذلك في الفترة الفوضوية التي ستتبع سقوط لنظام الأسد. على الولايات المتحدة أن تشاطر موسكو وبكين تفكيرها بشأن سيناريوهات ما بعد سقوط النظام، ويشمل ذلك تحديد ما إذا كان باستطاعتها السماح بإنشاء معقل فعلي للعلويين مثلما هو الحال مع كردستان العراق. إن أي شيء تستطيع واشنطن فعله لطمأنتهم بأنها ونظامها القيمي لا يسعون إلى التحالف مع سوريا بعد سقوط الأسد، من المفترض أن يساعد القوتين على التوافق مع نظام جديد تساعد الولايات المتحدة في إنشائه في دمشق. لكن هذه الطمأنة سوف تتعارض مع الغرائز الفطرية للولايات المتحدة تجاه الدول الفاشلة -- التي تقوم على التدخل إلى أن تتعافى تلك الدول مرة أخرى. وعلى نحو مماثل، فخلال التقدم من منطلق الجاهزية العسكرية تشجع واشنطن التعاون الإيراني في سوريا من خلال مزيد من الانفتاح بشأن العقوبات الاقتصادية التي سترغب في تبادلها بالتنازلات النووية.
لا شك أن الولايات المتحدة تطبق الكثير من هذا النقاش مع موسكو وبكين، لكن السؤال الذي لا يزال مفتوحاً يتعلق بدرجة الوضوح التي أعربت بها الإدارة الأمريكية عن رغبتها في المخاطرة وترتيب أولويات احتياجاتها والتعامل مع الشيطان إذا لزم الأمر. لكن فوق جميع الاعتبارات أو العوامل الأخرى، يجب عليها تجنب التوجهات التي لا تزال تؤثر على الكثير من تفكير السياسة الخارجية لواشنطن وهو: أننا لا نزال نعيش في عالم ما بعد 1989، وانتصار الغرب أمر حتمي، وأن التطور الطبيعي للدول هو أن تصبح ديمقراطيات مستقرة. لكن للأسف، لقد مر ذلك الزمن.
السفير جيمس جيفري هو زميل زائر مميز في زمالة فيليب سولونتز في معهد واشنطن.