- الخميس مايو 02, 2013 9:32 pm
#61707
شهد "بلير هاوس" [منزل الضيافة الرئاسية في واشنطن] عقد اجتماع في 29 نيسان/أبريل بين لجنة ممثلة عن الجامعة العربية وممثلين عن الحكومة الأمريكية هما وزير الخارجية جون كيري ونائب الرئيس جوزيف بايدن. وقد ترأس وفد الجامعة العربية رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني بمشاركة الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي -- الذي يترأس مع الأمير حمد لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية -- فضلاً عن وزراء خارجية مصر والبحرين والأردن والسفير اللبناني في واشنطن انطوان شديد، كما انضم إليهم ممثل عن السلطة الفلسطينية. وقد مثل المملكة العربية السعودية سفيرها لدى واشنطن عادل جبير (ومن غير الواضح ما إذا كان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل غائباً بسبب اعتلال صحته أو بسبب خلافات بلاده مع قطر القائمة منذ فترة طويلة). وأعاد جميع الأطراف تأكيدهم على دعم مبادرة السلام العربية إلى جانب "تبادل الأراضي" باعتبارها جزء من الاتفاق النهائي للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وأكد آل ثاني أن العرب سيدعمون "تبادل متماثل ومحدود للأراضي يتفق عليه" بين الطرفين. وقد أشاد وزيرة الخارجية الأمريكي جون كيري بما قام به وفد الجامعة العربية ووصف مبادرته بأنها "خطوة كبيرة جداً إلى الأمام". وفي إسرائيل، كان رد الفعل أكثر تبايناً. ففي الملاحظات التي أدلى بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو -- الذي قام بأول زيارة له إلى وزارة الخارجية منذ توليه أيضاً منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة -- قال إن السلام مع الفلسطينيين مهماً لكي تستطيع إسرائيل تجنب إمكانية تحولها إلى "دولة ثنائية القومية". ولكنه لم يشير إلى بيان الجامعة العربية؛ في حين وصفه مسؤولون آخرون، وإن ليس على الملأ، بأنه "اقتراح"، وأكدوا أنه لا ينبغي على المحادثات الاسرائيلية- الفلسطينية أن تتضمن أي شروط مسبقة. ومع ذلك، منح وزيران في الحكومة دعمهما للإقتراحٍ: فقد قالت وزيرة العدل تسيبي ليفني، "من المهم أن يعلم الفلسطينيون أنهم يحظون بدعم من العالم العربي من أجل التوصل إلى اتفاق سلام عن طريق التفاوض يؤدي إلى إنهاء النزاع"، وأضافت، "من الضروري أن يعرف الجمهور الإسرائيلي أن السلام مع الفلسطينيين يعني السلام مع العالم العربي بأسره." وأعرب وزير العلوم يعقوب بيري، وهو عضو في حزب "هناك مستقبل" برئاسة يائير لابيد ورئيس سابق لجهاز "الشاباك" -- جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل -- عن دعمه لفكرة تبادل الأراضي التي يمكن أن تجدد آفاق السلام وتمكّن إسرائيل من الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية.
إن مفهوم تبادل الأراضي هي فكرة وافق عليها ياسر عرفات نيابة عن الفلسطينيين في تسعينات القرن الماضي، حيث أدرك أنه في حين أن أية صفقة نهائية لن تُمثل عودة إلى الحدود الدقيقة التي كانت قائمة قبل حرب عام 1967 إلا أنه يمكن الوصول إلى بديل عن هذه الخطوط من خلال تبادل الأراضي -- تتخلى بموجبها إسرائيل عن الأرض الداخلة في حدود ما قبل 1967 ومن ثم تحتفظ ببعض مستوطنات الضفة الغربية المتاخمة للحدود. واعتباراً من عام 1969، أوضحت خطة روجرز الأمريكية بأنه "بينما يتعين إقامة حدود سياسية معترف بها ومتفق عليها بين الأطراف، فإن أي تغيير في الحدود الموجودة مسبقاً لا ينبغي أن يعكس وزن الاستيلاء وينبغي أن ينحصر في تعديلات غير جوهرية لازمة لتحقيق الأمن المتبادل". وهكذا، فحتى لو لم تكن فكرة تبادل الأراضي جديدة، تستطيع الجامعة العربية الآن تقديم غطاء سياسي للفلسطينيين الراغبين في التعرف على المزيد من الأفكار المبتكرة. ويقرب البيان القطري العرب من رؤية حل الدولتين التي عبر عنها الرئيس أوباما في أيار/مايو 2011 عندما دعا صراحة إلى تبادل الأراضي -- تكون بموجبها حدود ما قبل 1967 خطوط الأساس بدلاً من نقطة النهاية -- كجزء من صفقة مع إسرائيل.
وحتى الآن، قام الوزير كيري بثلاث رحلات إلى إسرائيل والضفة الغربية لكي يستكشف استئناف محادثات السلام والتأكيد من جديد على مبادرة السلام العربية التي يراها ضرورية للمضي قدماً في جهود السلام الإسرائيلية- الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، يأمل كبار المسؤولين الأمريكيين بأن تعزز مبادرة السلام العربية إحياء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين وتضمن أن تكون الدول العربية أكثر دعماً للسلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فعلى الرغم من ترأس قطر للوفد العربي في اجتماع الثامن والعشرين من نيسان/أبريل، إلا أنها تقوم أيضاً بتمويل «حماس» -- الحركة التي تتحدى السلطة الفلسطينية. وفي الوقت الذي قدمت فيه قطر مواد إنشاء بقيمة 400 مليون دولار إلى «حماس» في غزة عن طريق مصر، كانت السلطة الفلسطينية تعاني من مشاكل مالية. وفي شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام، صرح رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض إن "السبب الوحيد في المشكلة المالية التي واجهناها في الأعوام القليلة الماضية هو عدم التزام بعض الدول العربية المانحة بتعهدها بتقديم الدعم وفقاً لقرارات الجامعة العربية". ويقيناً أن المشاكل المالية التي عانت منها السلطة الفلسطينية مؤخراً تعود أيضاً إلى الأموال التي احتجزتها الولايات المتحدة وعائدات الضرائب التي لم تحولها إسرائيل. ويُعتقد بأن كيري قد ناقش أيضاً مع القادة العرب إمكانية إقامة مشاريع كبرى تابعة للقطاعين الخاص والعام توفر فرص عمل للفلسطينيين في الضفة الغربية.
أصل مبادرة السلام العربية
طُرحت مبادرة السلام العربية للمرة الأولى في القمة العربية في بيروت في آذار/مارس 2002. وفي جوهرها الإعلان بأن اثنتين وعشرين دولة عربية سوف تدخل في "علاقات طبيعية" مع إسرائيل إذا وافقت الأخيرة على قيام دولة فلسطينية و "انسحاب إسرائيل بشكل كامل من الأراضي العربية المحتلة منذ حزيران/يونيو 1967" -- أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان. (تشير مبادرة السلام العربية بوجه خاص إلى الانسحاب الكامل من الجولان.) وتنص مبادرة السلام العربية أيضاً على "التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يتفق وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194"، والذي يتذرع به الفلسطينيون في كثير من الأحيان كونه يشرع في إرساء "حق العودة". ولكن هناك مشكلتان في هذا السرد. الأولى: إن قرارات الجمعية العامة ليست ملزمة (بخلاف تلك التي يتخذها مجلس الأمن، حيث يلجأ إلى صلاحياته في بعض الأحيان -- ولكن ليس دائماً -- في إصدار الأحكام). الثانية: ينص القرار رقم 194 على أنه "يجب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى أوطانهم والعيش في سلام مع جيرانهم بالقيام بذلك في أقرب وقت ممكن، كما يلزم دفع تعويض عن الممتلكات لمن يختارون عدم العودة" -- أي بالأحرى أنه يختلف عن "حق العودة". ويأتي التحدث بصورة هامسة في بعض الأحيان عن لفظ "متفق عليه" في نص مبادرة السلام العربية من قبل المسؤولين العرب على أنه يشير بأنه سيكون لإسرائيل حق النقض بشأن عودة اللاجئين، ولكن ذلك لم يرد صراحة في أي وثيقة عربية.
كانت النسخة الأصلية من مبادرة السلام العربية مختلفة عن ذلك نوعاً ما. ففي مقابلة جرت في شباط/فبراير 2002 مع كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، دعا ولي العهد السعودي إلى "تطبيع كامل للعلاقات" مقابل "انسحاب كامل". ولم يتطرق إلى مسألة اللاجئين. وفي الوقت نفسه -- من وجهة نظر محابية -- تجدر الإشارة هنا إلى أن الاختلاف يشكل تبايناً ملحوظاً مع ما جاءت به القمة العربية التي انعقدت في الخرطوم عام 1967، والتي أكدت بأن على الدول العربية الالتزام بالمبادئ الرئيسية المتمثلة بـ "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل". وبالنظر إلى الاحتكاك الحاصل بين إسرائيل والفلسطينيين والثوران الدائر في العالم العربي منذ عام 2002، فإنه لمن المثير للاهتمام أن تكون مبادرة السلام العربية لا تزال قائمة.
لماذا لا تزال مبادرة السلام العربية متعثرة
رغم صورة مبادرة السلام العربية كمساهمة تأسيسية لـ "خارطة الطريق نحو السلام" (2003) و"مؤتمر أنابوليس" (2008)؛ إلا أنها لم تُترجم إلى آلية فعالة للسلام بين العرب وإسرائيل.
وألقى العرب باللائمة على إدارة بوش والحكومة الإسرائيلية في عدم نجاح مبادرة السلام العربية قائلين بأنهم لم يأخذوها على محمل الجد. وقد دُهش الإسرائيليون بأن تأتي مبادرة السلام العربية في نفس اليوم الذي فُجر فيه فندقاً إسرائيلياً أثناء الاحتفال بعيد الفصح الأمر الذي أسفر عن مقتل مدنيين -- وهي مأساة لم تذكر أبداً في القمة العربية في بيروت. وفي الحقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قد أثنى على مبادرة السلام العربية، لكن أريئيل شارون وبنيامين نتنياهو ترددا بشكل أكبر في دعمهما لها بسبب الإشارة إلى القرار رقم 194، والدعوة إلى الانسحاب الكامل على جميع الجبهات إلى خطوط ما قبل عام 1967. وفي الوقت الحالي، لا يستطيع الإسرائيليون التنبؤ بجدوى الانسحاب من هضبة الجولان، ناهيك عن الرغبة في القيام بذلك، بينما تُهلك الحرب الأهلية سوريا. وتشكو إسرائيل من أنه لم يحدث أبداً أن أرسلت الجامعة العربية وفداً كاملاً إليها لمناقشة مبادرة السلام العربية. وبالطبع فإن الاضطراب الإقليمي في الشرق الأوسط الذي بدأ في أوائل 2011، قد أهوى بمبادرة السلام العربية إلى قاع الأولويات منذ الأيام الأولى التي أعقبت حوادث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. أضف إلى ذلك بأن القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في آذار/مارس لم تذكر فكرة "العلاقات الطبيعية" بل نادت بالانسحاب الكامل مقابل السلام. وعارضت القمة فكرة أن "تعلن إسرائيل نفسها كدولة يهودية" كما أن القيادة القَطَرية قد صرحت بأنها ستساهم بمبلغ 250 مليون دولار في صندوق لجمع مليار دولار لكي تستطيع القدس الحفاظ على "هويتها العربية والإسلامية".
كيف يمكن لمبادرة السلام العربية أن تكون أكثر فاعلية
هناك خطوات قليلة يمكن القيام بها لجعل مبادرة السلام العربية أكثر فاعلية. الأولى هي مسألة التسلسل: الدلالات بأن على إسرائيل الانسحاب من كافة الأراضي قبل إقرار مبادرة السلام العربية. وعلى هذا النحو فإن كل خطوة في هذا الانسحاب سوف تُواجَه بضراوة في إسرائيل. ولكي تكون هذه المبادرة مجدية، يتعين على الجميع في إسرائيل والعالم العربي اتخاذ خطوات رداً على تلك التي يتخذها الطرف المقابل -- أي أن تكون مقابلة إذا جاز التعبير. إن طريقة إرجاء الأعباء إلى المراحل النهائية لن تعزز التقدم البطيء بين الأطراف، كما أن طريقة التعجيل بالأعباء في المراحل الأولية هي على نفس القدر من انعدام الواقعية. وحتى لو يُرجح أن تطلب واشنطن من الدول العربية اتخاذ خطوات مؤقتة، فإن ذلك قد يزيد من احتمالية بروز مطالب عربية تجاه إسرائيل والابتعاد عن المفاوضات الثنائية.
الثانية هي مسألة صياغة بنود مبادرة السلام العربية لتكون واضحة ومرنة بشكل أكبر. فنظراً للفوضى الحاصلة في سوريا، من الصعب الاعتقاد بأن أي زعيم عربي سوف يتوقع من إسرائيل الانسحاب من الجولان -- ليس الآن على الأقل. وعلاوة على ذلك، سوف يكون من المفيد أن يعمل العرب على توضيح النقطة المتمثلة بأنه في الوقت الذي يمكن لجميع الفلسطينيين الذهاب إلى دولة فلسطينية، سوف يكون لإسرائيل الحق السيادي في السماح للاجئين بدخول إسرائيل أم لا.
وأخيراً، تنص إحدى فقرات مبادرة السلام العربية بأنه إذا توافرت شروطها، فعندئذ ستقوم الدول العربية باتخاذ عدة خطوات من بينها: "اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام مع إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة". من الحق مطالبة الدول العربية -- حتى تلك التي وقّعت بالفعل على اتفاقيات سلام مع إسرائيل -- بالدخول في نقاش مع إسرائيل بشأن كيفية رؤيتها لـ "الأمن لجميع دول المنطقة" في حال قبول إسرائيل مبادرة السلام العربية.
الخاتمة
إن البيئة الإقليمية المتغيرة سوف تزيد الأمور صعوبة بالنسبة لكيري في إشراك الدول العربية، لا سيما إذا ما نظرنا إلى أولوياتها الأخرى. إن كيري محقاً من حيث المبدأ في أن يعتبر الغطاء السياسي من الدول العربية مفيداً للإسرائيليين والفلسطينيين. ومع ذلك فلكي تكون مبادرة السلام العربية حافزاً للعمل، فهي بحاجة إلى نهج مختلف عما تم محاولته حتى الآن: نهجاً أكثر مباشرة.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.
وأكد آل ثاني أن العرب سيدعمون "تبادل متماثل ومحدود للأراضي يتفق عليه" بين الطرفين. وقد أشاد وزيرة الخارجية الأمريكي جون كيري بما قام به وفد الجامعة العربية ووصف مبادرته بأنها "خطوة كبيرة جداً إلى الأمام". وفي إسرائيل، كان رد الفعل أكثر تبايناً. ففي الملاحظات التي أدلى بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو -- الذي قام بأول زيارة له إلى وزارة الخارجية منذ توليه أيضاً منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة -- قال إن السلام مع الفلسطينيين مهماً لكي تستطيع إسرائيل تجنب إمكانية تحولها إلى "دولة ثنائية القومية". ولكنه لم يشير إلى بيان الجامعة العربية؛ في حين وصفه مسؤولون آخرون، وإن ليس على الملأ، بأنه "اقتراح"، وأكدوا أنه لا ينبغي على المحادثات الاسرائيلية- الفلسطينية أن تتضمن أي شروط مسبقة. ومع ذلك، منح وزيران في الحكومة دعمهما للإقتراحٍ: فقد قالت وزيرة العدل تسيبي ليفني، "من المهم أن يعلم الفلسطينيون أنهم يحظون بدعم من العالم العربي من أجل التوصل إلى اتفاق سلام عن طريق التفاوض يؤدي إلى إنهاء النزاع"، وأضافت، "من الضروري أن يعرف الجمهور الإسرائيلي أن السلام مع الفلسطينيين يعني السلام مع العالم العربي بأسره." وأعرب وزير العلوم يعقوب بيري، وهو عضو في حزب "هناك مستقبل" برئاسة يائير لابيد ورئيس سابق لجهاز "الشاباك" -- جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل -- عن دعمه لفكرة تبادل الأراضي التي يمكن أن تجدد آفاق السلام وتمكّن إسرائيل من الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية.
إن مفهوم تبادل الأراضي هي فكرة وافق عليها ياسر عرفات نيابة عن الفلسطينيين في تسعينات القرن الماضي، حيث أدرك أنه في حين أن أية صفقة نهائية لن تُمثل عودة إلى الحدود الدقيقة التي كانت قائمة قبل حرب عام 1967 إلا أنه يمكن الوصول إلى بديل عن هذه الخطوط من خلال تبادل الأراضي -- تتخلى بموجبها إسرائيل عن الأرض الداخلة في حدود ما قبل 1967 ومن ثم تحتفظ ببعض مستوطنات الضفة الغربية المتاخمة للحدود. واعتباراً من عام 1969، أوضحت خطة روجرز الأمريكية بأنه "بينما يتعين إقامة حدود سياسية معترف بها ومتفق عليها بين الأطراف، فإن أي تغيير في الحدود الموجودة مسبقاً لا ينبغي أن يعكس وزن الاستيلاء وينبغي أن ينحصر في تعديلات غير جوهرية لازمة لتحقيق الأمن المتبادل". وهكذا، فحتى لو لم تكن فكرة تبادل الأراضي جديدة، تستطيع الجامعة العربية الآن تقديم غطاء سياسي للفلسطينيين الراغبين في التعرف على المزيد من الأفكار المبتكرة. ويقرب البيان القطري العرب من رؤية حل الدولتين التي عبر عنها الرئيس أوباما في أيار/مايو 2011 عندما دعا صراحة إلى تبادل الأراضي -- تكون بموجبها حدود ما قبل 1967 خطوط الأساس بدلاً من نقطة النهاية -- كجزء من صفقة مع إسرائيل.
وحتى الآن، قام الوزير كيري بثلاث رحلات إلى إسرائيل والضفة الغربية لكي يستكشف استئناف محادثات السلام والتأكيد من جديد على مبادرة السلام العربية التي يراها ضرورية للمضي قدماً في جهود السلام الإسرائيلية- الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، يأمل كبار المسؤولين الأمريكيين بأن تعزز مبادرة السلام العربية إحياء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين وتضمن أن تكون الدول العربية أكثر دعماً للسلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فعلى الرغم من ترأس قطر للوفد العربي في اجتماع الثامن والعشرين من نيسان/أبريل، إلا أنها تقوم أيضاً بتمويل «حماس» -- الحركة التي تتحدى السلطة الفلسطينية. وفي الوقت الذي قدمت فيه قطر مواد إنشاء بقيمة 400 مليون دولار إلى «حماس» في غزة عن طريق مصر، كانت السلطة الفلسطينية تعاني من مشاكل مالية. وفي شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام، صرح رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض إن "السبب الوحيد في المشكلة المالية التي واجهناها في الأعوام القليلة الماضية هو عدم التزام بعض الدول العربية المانحة بتعهدها بتقديم الدعم وفقاً لقرارات الجامعة العربية". ويقيناً أن المشاكل المالية التي عانت منها السلطة الفلسطينية مؤخراً تعود أيضاً إلى الأموال التي احتجزتها الولايات المتحدة وعائدات الضرائب التي لم تحولها إسرائيل. ويُعتقد بأن كيري قد ناقش أيضاً مع القادة العرب إمكانية إقامة مشاريع كبرى تابعة للقطاعين الخاص والعام توفر فرص عمل للفلسطينيين في الضفة الغربية.
أصل مبادرة السلام العربية
طُرحت مبادرة السلام العربية للمرة الأولى في القمة العربية في بيروت في آذار/مارس 2002. وفي جوهرها الإعلان بأن اثنتين وعشرين دولة عربية سوف تدخل في "علاقات طبيعية" مع إسرائيل إذا وافقت الأخيرة على قيام دولة فلسطينية و "انسحاب إسرائيل بشكل كامل من الأراضي العربية المحتلة منذ حزيران/يونيو 1967" -- أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان. (تشير مبادرة السلام العربية بوجه خاص إلى الانسحاب الكامل من الجولان.) وتنص مبادرة السلام العربية أيضاً على "التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يتفق وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194"، والذي يتذرع به الفلسطينيون في كثير من الأحيان كونه يشرع في إرساء "حق العودة". ولكن هناك مشكلتان في هذا السرد. الأولى: إن قرارات الجمعية العامة ليست ملزمة (بخلاف تلك التي يتخذها مجلس الأمن، حيث يلجأ إلى صلاحياته في بعض الأحيان -- ولكن ليس دائماً -- في إصدار الأحكام). الثانية: ينص القرار رقم 194 على أنه "يجب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى أوطانهم والعيش في سلام مع جيرانهم بالقيام بذلك في أقرب وقت ممكن، كما يلزم دفع تعويض عن الممتلكات لمن يختارون عدم العودة" -- أي بالأحرى أنه يختلف عن "حق العودة". ويأتي التحدث بصورة هامسة في بعض الأحيان عن لفظ "متفق عليه" في نص مبادرة السلام العربية من قبل المسؤولين العرب على أنه يشير بأنه سيكون لإسرائيل حق النقض بشأن عودة اللاجئين، ولكن ذلك لم يرد صراحة في أي وثيقة عربية.
كانت النسخة الأصلية من مبادرة السلام العربية مختلفة عن ذلك نوعاً ما. ففي مقابلة جرت في شباط/فبراير 2002 مع كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، دعا ولي العهد السعودي إلى "تطبيع كامل للعلاقات" مقابل "انسحاب كامل". ولم يتطرق إلى مسألة اللاجئين. وفي الوقت نفسه -- من وجهة نظر محابية -- تجدر الإشارة هنا إلى أن الاختلاف يشكل تبايناً ملحوظاً مع ما جاءت به القمة العربية التي انعقدت في الخرطوم عام 1967، والتي أكدت بأن على الدول العربية الالتزام بالمبادئ الرئيسية المتمثلة بـ "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل". وبالنظر إلى الاحتكاك الحاصل بين إسرائيل والفلسطينيين والثوران الدائر في العالم العربي منذ عام 2002، فإنه لمن المثير للاهتمام أن تكون مبادرة السلام العربية لا تزال قائمة.
لماذا لا تزال مبادرة السلام العربية متعثرة
رغم صورة مبادرة السلام العربية كمساهمة تأسيسية لـ "خارطة الطريق نحو السلام" (2003) و"مؤتمر أنابوليس" (2008)؛ إلا أنها لم تُترجم إلى آلية فعالة للسلام بين العرب وإسرائيل.
وألقى العرب باللائمة على إدارة بوش والحكومة الإسرائيلية في عدم نجاح مبادرة السلام العربية قائلين بأنهم لم يأخذوها على محمل الجد. وقد دُهش الإسرائيليون بأن تأتي مبادرة السلام العربية في نفس اليوم الذي فُجر فيه فندقاً إسرائيلياً أثناء الاحتفال بعيد الفصح الأمر الذي أسفر عن مقتل مدنيين -- وهي مأساة لم تذكر أبداً في القمة العربية في بيروت. وفي الحقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قد أثنى على مبادرة السلام العربية، لكن أريئيل شارون وبنيامين نتنياهو ترددا بشكل أكبر في دعمهما لها بسبب الإشارة إلى القرار رقم 194، والدعوة إلى الانسحاب الكامل على جميع الجبهات إلى خطوط ما قبل عام 1967. وفي الوقت الحالي، لا يستطيع الإسرائيليون التنبؤ بجدوى الانسحاب من هضبة الجولان، ناهيك عن الرغبة في القيام بذلك، بينما تُهلك الحرب الأهلية سوريا. وتشكو إسرائيل من أنه لم يحدث أبداً أن أرسلت الجامعة العربية وفداً كاملاً إليها لمناقشة مبادرة السلام العربية. وبالطبع فإن الاضطراب الإقليمي في الشرق الأوسط الذي بدأ في أوائل 2011، قد أهوى بمبادرة السلام العربية إلى قاع الأولويات منذ الأيام الأولى التي أعقبت حوادث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. أضف إلى ذلك بأن القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في آذار/مارس لم تذكر فكرة "العلاقات الطبيعية" بل نادت بالانسحاب الكامل مقابل السلام. وعارضت القمة فكرة أن "تعلن إسرائيل نفسها كدولة يهودية" كما أن القيادة القَطَرية قد صرحت بأنها ستساهم بمبلغ 250 مليون دولار في صندوق لجمع مليار دولار لكي تستطيع القدس الحفاظ على "هويتها العربية والإسلامية".
كيف يمكن لمبادرة السلام العربية أن تكون أكثر فاعلية
هناك خطوات قليلة يمكن القيام بها لجعل مبادرة السلام العربية أكثر فاعلية. الأولى هي مسألة التسلسل: الدلالات بأن على إسرائيل الانسحاب من كافة الأراضي قبل إقرار مبادرة السلام العربية. وعلى هذا النحو فإن كل خطوة في هذا الانسحاب سوف تُواجَه بضراوة في إسرائيل. ولكي تكون هذه المبادرة مجدية، يتعين على الجميع في إسرائيل والعالم العربي اتخاذ خطوات رداً على تلك التي يتخذها الطرف المقابل -- أي أن تكون مقابلة إذا جاز التعبير. إن طريقة إرجاء الأعباء إلى المراحل النهائية لن تعزز التقدم البطيء بين الأطراف، كما أن طريقة التعجيل بالأعباء في المراحل الأولية هي على نفس القدر من انعدام الواقعية. وحتى لو يُرجح أن تطلب واشنطن من الدول العربية اتخاذ خطوات مؤقتة، فإن ذلك قد يزيد من احتمالية بروز مطالب عربية تجاه إسرائيل والابتعاد عن المفاوضات الثنائية.
الثانية هي مسألة صياغة بنود مبادرة السلام العربية لتكون واضحة ومرنة بشكل أكبر. فنظراً للفوضى الحاصلة في سوريا، من الصعب الاعتقاد بأن أي زعيم عربي سوف يتوقع من إسرائيل الانسحاب من الجولان -- ليس الآن على الأقل. وعلاوة على ذلك، سوف يكون من المفيد أن يعمل العرب على توضيح النقطة المتمثلة بأنه في الوقت الذي يمكن لجميع الفلسطينيين الذهاب إلى دولة فلسطينية، سوف يكون لإسرائيل الحق السيادي في السماح للاجئين بدخول إسرائيل أم لا.
وأخيراً، تنص إحدى فقرات مبادرة السلام العربية بأنه إذا توافرت شروطها، فعندئذ ستقوم الدول العربية باتخاذ عدة خطوات من بينها: "اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام مع إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة". من الحق مطالبة الدول العربية -- حتى تلك التي وقّعت بالفعل على اتفاقيات سلام مع إسرائيل -- بالدخول في نقاش مع إسرائيل بشأن كيفية رؤيتها لـ "الأمن لجميع دول المنطقة" في حال قبول إسرائيل مبادرة السلام العربية.
الخاتمة
إن البيئة الإقليمية المتغيرة سوف تزيد الأمور صعوبة بالنسبة لكيري في إشراك الدول العربية، لا سيما إذا ما نظرنا إلى أولوياتها الأخرى. إن كيري محقاً من حيث المبدأ في أن يعتبر الغطاء السياسي من الدول العربية مفيداً للإسرائيليين والفلسطينيين. ومع ذلك فلكي تكون مبادرة السلام العربية حافزاً للعمل، فهي بحاجة إلى نهج مختلف عما تم محاولته حتى الآن: نهجاً أكثر مباشرة.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.