- الجمعة مايو 03, 2013 6:13 pm
#61838
تكررت في الآونة الأخيرة التصريحات التي يطلقها زعماء وساسة عراقيون حول اتجاه حكومة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي إلى التفرد بالسلطة، ومنها تصريحات السيد مسعود بارازاني رئيس إقليم كردستان، والتي اعتبرها البعض تهديدا ضمنيا بالانفصال عن العراق إذا ما استمرت الحكومة بنهجها الحالي.
والواقع أن هناك على الأرض مصاديق كثيرة تشير إلى الاستئثار بالسلطة من قبل رئيس الوزراء، منها المماطلة والتسويف في عقد المؤتمر الوطني الذي يرتجى منه حل الأزمة السياسية الحادة التي تمر بها البلاد. إذ لا يمكن أن يكون عمر الأزمة الحالي قد تجاوز الأربعة أشهر دون أن يجري تحريك ساكن في اتجاه تقريب وجهات النظر، إن لم يكن في اتجاه إيجاد حلول ناجعة للمشاكل التي باتت مستعصية. وهنا يكمن دور الحكومة في تحريك العملية السياسية بحكم توليها مقاليد السلطة التنفيذية التي تمتلك حرية الحركة والتواصل، بعكس فروع السلطة الأخرى التي تفتقر إلى الأدوات اللازمة لتوفير الأجواء والظروف المناسبة لجمع أطراف العملية السياسية حول طاولة المفاوضات بغية الوصول إلى اتفاقات تخرج البلاد من ظلمة المناحرات السياسية. إن هذا الشلل شبه الكامل في التعامل مع الأزمة السياسة لابد أن يستحيل في آخر الأمر إلى أزمات أمنية واقتصادية واجتماعية تؤثر أولاً وأخيراً على مجمل الشعب العراقي، بغض النظر عن انتماءاتهم ومشاربهم.
على أن نهج حكومة المالكي كان منذ بداية تشكيلها يقوم على الحفاظ على الوضع المتأزم وإدامته بدلا من إيجاد الوسائل لتهدئته. فبعد مرور عامين على تشكيل الحكومة لا تزال الوزارات الأمنية بيد السيد المالكي رغم تصاعد الاستنكار المستمر، على صعيد الأطراف المشاركة في العملية السياسة وكذلك على الصعيد الشعبي. وإذا كنا نسمع في الأشهر الأولى تبريريات حول عدم قبول مرشحي الأحزاب المشاركة في السلطة لهذه الوزارات على اعتبار أنها استحقاقات لها استنادا إلى اتفاقية أربيل، فقد أصبح من النادر اليوم أن يدلي احد من المقربين لرئيس الوزراء أو حزبه الحاكم بتصريح يوضح فيه سبب تمسك المالكي بهذه الوزارات خلافا للاتفاقات التي أفضت إلى تعيينه رئيسا للوزراء.
ويبدو أن هذا النهج المنسق من التسويف والمماطلة وعدم الاكتراث للشركاء الآخرين، فضلا عن الإعراض عن الرأي العام الشعبي وما يتم عرضه عبر وسائل الإعلام المختلفة من أعمدة وكتابات ومقالات رأي مختلفة، قد أدى إلى حالة من خيبة الأمل بين الأوساط الشعبية والنخبوية على السواء، وهو ما يصب في مصلحة السيد المالكي الذي يسعى إلى إسكات أصوات المعارضة بأي طريقة، ولو بطريقة صم الأذان عن سماعها، ولسان حاله يقول: "قولوا ما شئتم، فإني ماض في ما أنا عازم عليه."
من ناحية أخرى، فإن استمرار الأزمات السياسية قد أدى في الكثير من الأحيان إلى صرف النظر عن الفشل الذريع للحكومة في تحقيق أدنى متطلبات الحياة الكريمة للمواطن العراقي، من توفير الخدمات الأساسية إلى إدارة عملية الأعمال المتعثرة، وليس أقلها حل مشاكل الخدمات والسكن والبطالة المزمنة، ولا أوهنها تحريك العملية التنموية التي من شأنها أن تعيد العراق إلى خارطة العالم المتحضر.
ومجرد إلقاء نظرة إلى واقع العراق اليوم تثير في النفس الأسى. فالبلد الذي يحتوي أول أو ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم يستورد المشتقات النفطية من الكويت وإيران وغيرهما. والبلد الذي يمخر عبابه نهران يرويان مساحات شاسعة من أراض عرفت بخصبها من أقدم الأزمان قد صار اليوم سوقا للمنتجات الزراعية من سوريا والأردن ومصر وسواها. ليست هناك صناعة بأية مقاييس محلية أو إقليمية، لا في القطاع الخاص ولا في القطاع العام رغم توفر الكوادر والموارد الهائلة.
القطاع المصرفي يعود إلى قرون مضت، وليست له مساهمة تذكر في أي عملية تنموية، بينما دوائر الدولة شبه معطلة، تزخر بالموظفين ولا تنتج إلا القليل. لو لم يكن لدينا نفط في باطن الأرض لبات معظمنا بلا عشاء.
إذاً من المسؤول عن هذا الواقع المتردي؟ ومن عليه أن يجد له حلولا على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة؟ الحكومة بكل تأكيد. ولكن طالما كانت هناك أزمة سياسية، تنعكس على الواقع الأمني، فإن هناك عذرا في التأخير عن دراسة هذا الواقع ووضع خطة للنهوض به. وطالما كانت هناك مشاكل سياسية، فإن التركيز الإعلامي لن يكون على الفشل الحكومي منقطع النظير بل على خلافات الشركاء ومشاحناتهم. وفي كل مرة تثار فيها قضية حول هذا السياسي أو ذاك فإن الشارع سرعان ما يبدأ بالانقسام بين هذا وذاك. لا يبدو الأمر جديدا، فقد قيل قديما "فرّق تسد".
ربما لا يحدث شيء بعد خطاب بارزاني، كما لم يحدث شيء قبله، رغم تصاعد الأصوات المعارضة. لكن إن اضطرت حكومة إقليم كردستان إلى اتخاذ إجراءات متطرفة، فلن يكون من المجدي إلقاء اللوم على أحد. وإذا كان السيد المالكي لا يقيم وزناً للرأي العام اليوم فإن عليه أن يواجه حكم التاريخ في المستقبل، ونحن نرجو مخلصين أن لا يوصف بأنه "الرجل الذي قسّم العراق"، ليس بعد أن نجونا من هذا الاختبار إبّان الاحتلال الأميركي
والواقع أن هناك على الأرض مصاديق كثيرة تشير إلى الاستئثار بالسلطة من قبل رئيس الوزراء، منها المماطلة والتسويف في عقد المؤتمر الوطني الذي يرتجى منه حل الأزمة السياسية الحادة التي تمر بها البلاد. إذ لا يمكن أن يكون عمر الأزمة الحالي قد تجاوز الأربعة أشهر دون أن يجري تحريك ساكن في اتجاه تقريب وجهات النظر، إن لم يكن في اتجاه إيجاد حلول ناجعة للمشاكل التي باتت مستعصية. وهنا يكمن دور الحكومة في تحريك العملية السياسية بحكم توليها مقاليد السلطة التنفيذية التي تمتلك حرية الحركة والتواصل، بعكس فروع السلطة الأخرى التي تفتقر إلى الأدوات اللازمة لتوفير الأجواء والظروف المناسبة لجمع أطراف العملية السياسية حول طاولة المفاوضات بغية الوصول إلى اتفاقات تخرج البلاد من ظلمة المناحرات السياسية. إن هذا الشلل شبه الكامل في التعامل مع الأزمة السياسة لابد أن يستحيل في آخر الأمر إلى أزمات أمنية واقتصادية واجتماعية تؤثر أولاً وأخيراً على مجمل الشعب العراقي، بغض النظر عن انتماءاتهم ومشاربهم.
على أن نهج حكومة المالكي كان منذ بداية تشكيلها يقوم على الحفاظ على الوضع المتأزم وإدامته بدلا من إيجاد الوسائل لتهدئته. فبعد مرور عامين على تشكيل الحكومة لا تزال الوزارات الأمنية بيد السيد المالكي رغم تصاعد الاستنكار المستمر، على صعيد الأطراف المشاركة في العملية السياسة وكذلك على الصعيد الشعبي. وإذا كنا نسمع في الأشهر الأولى تبريريات حول عدم قبول مرشحي الأحزاب المشاركة في السلطة لهذه الوزارات على اعتبار أنها استحقاقات لها استنادا إلى اتفاقية أربيل، فقد أصبح من النادر اليوم أن يدلي احد من المقربين لرئيس الوزراء أو حزبه الحاكم بتصريح يوضح فيه سبب تمسك المالكي بهذه الوزارات خلافا للاتفاقات التي أفضت إلى تعيينه رئيسا للوزراء.
ويبدو أن هذا النهج المنسق من التسويف والمماطلة وعدم الاكتراث للشركاء الآخرين، فضلا عن الإعراض عن الرأي العام الشعبي وما يتم عرضه عبر وسائل الإعلام المختلفة من أعمدة وكتابات ومقالات رأي مختلفة، قد أدى إلى حالة من خيبة الأمل بين الأوساط الشعبية والنخبوية على السواء، وهو ما يصب في مصلحة السيد المالكي الذي يسعى إلى إسكات أصوات المعارضة بأي طريقة، ولو بطريقة صم الأذان عن سماعها، ولسان حاله يقول: "قولوا ما شئتم، فإني ماض في ما أنا عازم عليه."
من ناحية أخرى، فإن استمرار الأزمات السياسية قد أدى في الكثير من الأحيان إلى صرف النظر عن الفشل الذريع للحكومة في تحقيق أدنى متطلبات الحياة الكريمة للمواطن العراقي، من توفير الخدمات الأساسية إلى إدارة عملية الأعمال المتعثرة، وليس أقلها حل مشاكل الخدمات والسكن والبطالة المزمنة، ولا أوهنها تحريك العملية التنموية التي من شأنها أن تعيد العراق إلى خارطة العالم المتحضر.
ومجرد إلقاء نظرة إلى واقع العراق اليوم تثير في النفس الأسى. فالبلد الذي يحتوي أول أو ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم يستورد المشتقات النفطية من الكويت وإيران وغيرهما. والبلد الذي يمخر عبابه نهران يرويان مساحات شاسعة من أراض عرفت بخصبها من أقدم الأزمان قد صار اليوم سوقا للمنتجات الزراعية من سوريا والأردن ومصر وسواها. ليست هناك صناعة بأية مقاييس محلية أو إقليمية، لا في القطاع الخاص ولا في القطاع العام رغم توفر الكوادر والموارد الهائلة.
القطاع المصرفي يعود إلى قرون مضت، وليست له مساهمة تذكر في أي عملية تنموية، بينما دوائر الدولة شبه معطلة، تزخر بالموظفين ولا تنتج إلا القليل. لو لم يكن لدينا نفط في باطن الأرض لبات معظمنا بلا عشاء.
إذاً من المسؤول عن هذا الواقع المتردي؟ ومن عليه أن يجد له حلولا على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة؟ الحكومة بكل تأكيد. ولكن طالما كانت هناك أزمة سياسية، تنعكس على الواقع الأمني، فإن هناك عذرا في التأخير عن دراسة هذا الواقع ووضع خطة للنهوض به. وطالما كانت هناك مشاكل سياسية، فإن التركيز الإعلامي لن يكون على الفشل الحكومي منقطع النظير بل على خلافات الشركاء ومشاحناتهم. وفي كل مرة تثار فيها قضية حول هذا السياسي أو ذاك فإن الشارع سرعان ما يبدأ بالانقسام بين هذا وذاك. لا يبدو الأمر جديدا، فقد قيل قديما "فرّق تسد".
ربما لا يحدث شيء بعد خطاب بارزاني، كما لم يحدث شيء قبله، رغم تصاعد الأصوات المعارضة. لكن إن اضطرت حكومة إقليم كردستان إلى اتخاذ إجراءات متطرفة، فلن يكون من المجدي إلقاء اللوم على أحد. وإذا كان السيد المالكي لا يقيم وزناً للرأي العام اليوم فإن عليه أن يواجه حكم التاريخ في المستقبل، ونحن نرجو مخلصين أن لا يوصف بأنه "الرجل الذي قسّم العراق"، ليس بعد أن نجونا من هذا الاختبار إبّان الاحتلال الأميركي