- السبت مايو 04, 2013 7:07 pm
#62073
لم يرد لفظ 'السياسة' ولا شيء من مادته في كتاب الله سبحانه وتعالى، وإن جاء الحديث فيه عن الصلاح والإصلاح والأمر والنهي والحكم وغير ذلك من المعاني التي اشتمل عليها لفظ 'السياسة'. وإما السنة فقد جاء قوله صلى الله عليه وسلم: 'كادت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي ...'، وقوله صلى الله عليه وسلم: 'تسوسهم الأنبياء'؛ أي: تتولى أمورهم كما يفعل الأمراء والولاة بالرعية'.
ويتبين بما تقدم أن السياسة في الشريعة استخدمت بمعناها اللغوي. وهي تعني:
القيام على شأن الرعية من قِبَل ولاتهم بما يصلحهم من الأمر والنهي والإرشاد والتهذيب، وما يحتاج إليه ذلك من وضع تنظيمات أو ترتيبات إدارية تؤدي إلى تحقيق مصالح الرعية بجلب المنافع أو الأمور الملائمة، ودفع المضار والشرور أو الأمور المنافية.
وهذا التعريف يبرز الجانب العملي للسياسة، فالسياسة هنا إجراءات وأعمال وتصرفات للإصلاح، وعلى ذلك فإن سياسة الرعية تتطلب القدرة على القيادة الحكيمة التي تتمكن من تحقيق الصلاح عن طريق إتقان التدبير وحسن التأتي لما يراد فعله أو تركه، وهذا بدوره يحتاج إلى معرفة تامة بما تتطلبه القيادة والرئاسة من خبرة وحنكة، وقدرة على استعمال واستغلال الإمكانات المتاحة على الوجه الأمثل الذي يتحقق المراد المطلوب.
وقد جاء من كلام أهل العلم عن السياسة ما يدل لذلك، فمن ذلك: قال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ في بيان السبب الذي من أجله جعل عمر ـ رضي الله عنه ـ أمر الخلافة في الستة الذين اختارهم: 'لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم، والمعرفة بالسياسة؛ ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم'.
وقال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: 'والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها'، ومما ورد في ذلك أيضًا ما جاء في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: 'يا عائشة، لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين؛ باب يدخل الناس، وباب يخرجون'، والذي ترجم له البخاري في صحيحه بقوله: باب من ترك بعض الاختيار مخالفة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه'، قال ابن حجر: 'ويستفاد منه أن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم، ولو كان مفضولاً، ما لم يكن محرمًا'.
والسياسة فيما تقدم مجالها رحب فسيح، فهي ليست مقصورة على شيء أو محجوزة عن شيء؛ إذ هي 'القيام على الشيء ـ بما يحمله لفظ الشيء من العموم والشمول، ـ بما يصلحه'، فيعمل بنا كل صاحب ولاية في تدبير أمر ولايته.
ومن أمثلة السياسة في عصر الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ ما قام به أبو بكر رضي الله عنه من استخلافه لعمر رضي الله عنه، وما قام به عمر من جعل أمر الخلافة شورى في ستة من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لمصلحة الأمة وتجنيبها مضرة الاختلاف، ومن ذلك جمع عثمان رضي الله عنه المسلمين على مصحف واحد، وإحراق ما سواه من المصاحف؛ لأن ذلك يحقق المصلحة من الائتلاف والاتفاق، ويدفع مضرة التفرق والاختلاف، وكذلك ما أمر به عثمان من إمساك ضوال الإبل لما ضعفت الأمانة، وصار تركها مضيعًا لها على أصحابها، ومن ذلك نفي عمر بن الخطاب لنصر بن حجاج لما افتتنت بعض النساء بجماله ـ من غير ذنب أتاه ـ لما كان في ذلك تحقيق مصلحة العفة والطهارة، ودفع مضرة تعلق القلوب به، ومن أمثلة ما تلاهم من عصور تسعير السلع التي يضطر إليها الناس إذا تمالأ التجار على رفع سعرها بغير مسوغ يدعو لذلك، فكان في التسعير دفع مضرة الظلم عن الرعية من غير ظلم للتجار، والأمثلة في هذا كثيرة، والجامع بينها تحقيق المصلحة ودفع المضرة من غير مخالفة للشريعة.
لم يرد لفظ 'السياسة' ولا شيء من مادته في كتاب الله سبحانه وتعالى، وإن جاء الحديث فيه عن الصلاح والإصلاح والأمر والنهي والحكم وغير ذلك من المعاني التي اشتمل عليها لفظ 'السياسة'. وإما السنة فقد جاء قوله صلى الله عليه وسلم: 'كادت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي ...'، وقوله صلى الله عليه وسلم: 'تسوسهم الأنبياء'؛ أي: تتولى أمورهم كما يفعل الأمراء والولاة بالرعية'.
ويتبين بما تقدم أن السياسة في الشريعة استخدمت بمعناها اللغوي. وهي تعني:
القيام على شأن الرعية من قِبَل ولاتهم بما يصلحهم من الأمر والنهي والإرشاد والتهذيب، وما يحتاج إليه ذلك من وضع تنظيمات أو ترتيبات إدارية تؤدي إلى تحقيق مصالح الرعية بجلب المنافع أو الأمور الملائمة، ودفع المضار والشرور أو الأمور المنافية.
وهذا التعريف يبرز الجانب العملي للسياسة، فالسياسة هنا إجراءات وأعمال وتصرفات للإصلاح، وعلى ذلك فإن سياسة الرعية تتطلب القدرة على القيادة الحكيمة التي تتمكن من تحقيق الصلاح عن طريق إتقان التدبير وحسن التأتي لما يراد فعله أو تركه، وهذا بدوره يحتاج إلى معرفة تامة بما تتطلبه القيادة والرئاسة من خبرة وحنكة، وقدرة على استعمال واستغلال الإمكانات المتاحة على الوجه الأمثل الذي يتحقق المراد المطلوب.
وقد جاء من كلام أهل العلم عن السياسة ما يدل لذلك، فمن ذلك: قال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ في بيان السبب الذي من أجله جعل عمر ـ رضي الله عنه ـ أمر الخلافة في الستة الذين اختارهم: 'لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم، والمعرفة بالسياسة؛ ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم'.
وقال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: 'والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها'، ومما ورد في ذلك أيضًا ما جاء في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: 'يا عائشة، لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين؛ باب يدخل الناس، وباب يخرجون'، والذي ترجم له البخاري في صحيحه بقوله: باب من ترك بعض الاختيار مخالفة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه'، قال ابن حجر: 'ويستفاد منه أن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم، ولو كان مفضولاً، ما لم يكن محرمًا'.
والسياسة فيما تقدم مجالها رحب فسيح، فهي ليست مقصورة على شيء أو محجوزة عن شيء؛ إذ هي 'القيام على الشيء ـ بما يحمله لفظ الشيء من العموم والشمول، ـ بما يصلحه'، فيعمل بنا كل صاحب ولاية في تدبير أمر ولايته.
ومن أمثلة السياسة في عصر الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ ما قام به أبو بكر رضي الله عنه من استخلافه لعمر رضي الله عنه، وما قام به عمر من جعل أمر الخلافة شورى في ستة من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لمصلحة الأمة وتجنيبها مضرة الاختلاف، ومن ذلك جمع عثمان رضي الله عنه المسلمين على مصحف واحد، وإحراق ما سواه من المصاحف؛ لأن ذلك يحقق المصلحة من الائتلاف والاتفاق، ويدفع مضرة التفرق والاختلاف، وكذلك ما أمر به عثمان من إمساك ضوال الإبل لما ضعفت الأمانة، وصار تركها مضيعًا لها على أصحابها، ومن ذلك نفي عمر بن الخطاب لنصر بن حجاج لما افتتنت بعض النساء بجماله ـ من غير ذنب أتاه ـ لما كان في ذلك تحقيق مصلحة العفة والطهارة، ودفع مضرة تعلق القلوب به، ومن أمثلة ما تلاهم من عصور تسعير السلع التي يضطر إليها الناس إذا تمالأ التجار على رفع سعرها بغير مسوغ يدعو لذلك، فكان في التسعير دفع مضرة الظلم عن الرعية من غير ظلم للتجار، والأمثلة في هذا كثيرة، والجامع بينها تحقيق المصلحة ودفع المضرة من غير مخالفة للشريعة.