منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By حمدان العنزي5
#62125
الجرائم السياسية


المفهوم القانوني للجرائم السياسية :
انتهجفقهاء القانون الجزائي الوضعي عدة اتجاهات في سبيل تقسيم الجرائم المختلفة وتصنيفها، فرأوا أن هناك جرائم إيجابية وأخرى سلبية . ورأوا أن هناك جرائم تامة وأخرى ناقصةأو مستحيلة ، ورأوا أن هناك جرائم عادية وجرائم سياسية ، كما رأوا أن هناك جرائمبسيطة جرائم اعتياد ، وجرائم آنية وجرائم مستمرة ، هكذا ، والحقيقة أن هذهالتصنيفات كلها مفيدة لكل دارس ولكل باحث في مفاهيم العدالة الجزائية وهي تعمقالفهم الجزائي.
وحديثنا الآن في الجرائم السياسية .
وعندما تحدثفقهاء القانون الجزائي عن هذا النوع من الجرائم ، نظروا إليها من زاويتين : الأولى : طبيعة الحق المعتدى عليه . والثانية : الدافع إلى ارتكاب الجريمة أو الغرض منها .
وقد كان المجرم السياسي في المجتمعات القديمة ينظر إليه على أنه أخطرالمجرمين ،وكانت عقوبته غاية في القسوة حتى يكون عبرة لغيره ‍‍!! لأنهم كانوايصورونه على أنه عدو الشعب والدولة !! وكان عقابه (في روما القديمة مثلا ) الموتبحرمانه من الماء أولا ثم إحراقه بالنار ، وطبعا بعد مصادرة كل أمواله ولصق العاربأسرته إلى الأبد.
وكان المجرم السياسي هو الذي يرتكب أفعالا تهددالامبراطور أو يحاول تغيير نظام الحكم.
وفي العصور الوسطى كان الإجرامالسياسي معاقبا عليه بشراسة وهمجية عجيبة ، والسبب في ذلك ، أن الدكتاتور وطبيعتهالاستبدادية لا تمكنه أن يتحمل فكرة أن هناك من ينازعه السلطان أو يعترض على طريقةحكمه أو يطالب بتغييرها أو تغييره !!.وكانت هناك جريمة سياسية فريدة اسمها ( انتهاكحرمة الولاء نحو الملك )!! وكان الملك في القرون الوسطى يكسو ظلمه وجوره ثوباحقوقيا أو دينيا عن طريق بعض العلماء !! حتى أن أحدهم ، واسمه " ريشليو " يقولهاصراحة : (( من الجرائم ما يجب على أولي الأمر معاقبة فاعلها أولا ثم التحقيق فيهاثانيا !! ومن هذه الجرائم : الاعتداء والنيل من جلالة الملك ، فهي جريمة جد خطيرةلدرجة أنه تجب المعاقبة على مجرد التفكير فيها !!)).
وهذه الجملة ، دفعتمونتسكيو إلى القول تعليقا : (( لو نزلت العبودية إلى الأرض لما تكلمت غير هذهاللغة )).
وريشليو منظر الاضطهاد السياسي في العصور الوسطى ، هو الذي قال :
(( في الجرائم الموجهة ضد الدولة يجب إغلاق باب الرحمة وازدراء شكاياتأرباب المصالح ، وصخب الشعب الجاهل ..)).
ولكن الفلسفة الجزائية الجديدةالتي جاءت مع عصر الأنوار والثورة الفرنسية غيرت الأوضاع والنظرة إلى المجرمالسياسي ، مع شيوع مفاهيم الحرية والديمقراطية وانعكاسها على التشريعالجزائي.
رغم أن الثورة الفرنسية استمرت في البطش بالمعارضين والمجرمينالسياسيين والذين كان معظمهم من الأشراف ورجال الدين.
ونلاحظ أن النظرةللجرائم السياسية تختلف من نظام سياسي إلى آخر . فإن كان النظام السياسي ديمقراطيانجد تشريعه الجزائي متسامح مع المجرمين السياسيين وعقوباته مخففة ، أما في ظلالأنظمة المستبدة فتجد عقوبة المجرم السياسي قاسية ، فضلا عن (العقوبات اللامرئية ) الناجمة عن الاعتقالات التعسفية والتعذيب في السجون مما هو معروفللجميع.
وكان الاتحاد السوفياتي يعاقب المجرم السياسي بعقوبة الموت رميابالرصاص ، وكانت قوانين الاتحاد السوفياتي من القسوة والتشدد في العقاب ضد كل منتسول له نفسه النيل من الثورة ومن القوانين الاشتراكية والماركسية ، حتى أن بعضالجرائم ( ذات الطابع الاقتصادي ) كان يعاقب عليها بالإعدام وعقوبات أخرى قاسية جدا . وقد أنشأت روسيا محاكم خاصة لمحاكمة المجرمين السياسيين ، وكان تعريفها لهذاالصنف من الجرائم واسعا فضفاضا بحيث يشمل كل من يعارض النظام السياسي القائم .
وهذا الكلام أعلاه ينطبق على إيطاليا موسوليني وألمانيا هتلر أيضا ، إذكان ينظر إلى الإجرام السياسي على أنه خطر ضد الدولة يجب استئصاله بأقسى العقوبات .
ففي ألمانيا النازية مثلا : كانت تعتبر إرادة الفوهرر ( إرادة الزعيم ) وكما يقول الأستاذ الألماني " جورج داهم " أن إرادة الفوهرر هي أساس النظام الحقوقي، ولا يجوز التحدث عن تشريع غير صادر عن رغبته .. وسلطته مفروضة على رجل القانونوعلى القاضي )).
وكانت مؤسسة الجستابو تقضي على المجرمين السياسيين حتى قبلوصولهم إلى المحاكم !!
ويمكن تعريف الجريمة السياسية بشكل عام على أنها : (( الفعل الذي يرمي به الجاني بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى تغيير الوضع السياسيللدولة أي إلى إقامة هذا الوضع على صورة تختلف عن صورته القائمة بالفعل والتي يفترضفي الظاهر أن الكثرة الغالبة من المواطنين تقرها ، بحيث يشكل اعتداءا على النظامالسياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي للدولة )). وقد عرفه الأستاذ "روديير " في كتابه " الجريمة السياسية " بأنه : الجرم الذي تدفع فاعله إليه أفكاره السياسية .
فالجريمة السياسية تتميز بأن الباعث على ارتكابها والغرض من اقترافهاكلاهما سياسي ، وتتميز كذلك بأن الحق المعتدى عليه فيها أيضا سياسي .
وقداتسع مفهوم الجرائم السياسية ، وانقسم الرأي فيها إلى مذهبين :
المذهبالشخصي ويكتفي بلون الباعث الذي دفع المجرم إلى ارتكاب جريمته فكلما كان الباعثسياسيا اعتبرت الجريمة سياسية ، وذلك بغض النظر عن موضوعها .
أما المذهبالموضوعي فلا يكتفي لاعتبار الجريمة سياسية بأن يكون الباعث على ارتكابها سياسيا ،وإنما يعتد فوق ذلك بطبيعة موضوع الجريمة أو الحق المعتدى عليه. فالجريمة ، برأيهذا المذهب ، تكون سياسية إذا كان موضوع الاعتداء هو أحد الحقوق السياسية أو أحدأوضاع الدولة السياسية بوصفها سلطة عامة ونظام سياسي .ويرى أنصار المذهب الموضوعيبأن الجريمة تبقى عادية حتى لو الباعث عليها سياسيا إذا كان الحق المعتدى عليه ليسله صفة سياسية ، كأن يعتدى على حقوق الأفراد العادية ( الملكية مثلا ) أو الاعتداءعلى أملاك الدولة الخاصة أو العامة بدون أن يكون لتلك الأملاك أي صفة سياسية أوارتباط بأي وضع سياسي.
ومن الجرائم السياسية : الاعتداء على أمن الدولة ،كالتآمر لتغيير نظام الحكم ، أو العمل على تغيير الدستور ، وجرائم المطبوعات ( جرائم الرأي ) والصحافة التي تتعرض للحقوق السياسية وكجرائم الغش في الانتخاباتمثلا .
والجدير ذكره أن الرأي الغالب في الفقه الجزائي المعاصر يميل إلىإخراج الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي من طائفة الجرائم السياسية كجرائمالخيانة والتجسس والتآمر مع العدو.
إلا أن الاتجاه العالمي يعتبر أنالاعتداء على رئيس الدولة بالاغتيال أو غيره لا يمكن أن يعتبر جريمة سياسية ، لأنحياة رئيس الدولة مصونة كأي إنسان أو فرد في المجتمع ، ولا يمكن القول بأن القتل أوالاغتيال يمكن يكون جرما سياسيا وإنما يندرج ضمن الجرائم العادية.
وقد جاءالاتفاق السوري اللبناني المصدق بتاريخ 17/1/1951 بأنه : لا تعتبر جرائم سياسية ،كل تعد على رئيس الدولتين المتعاقدتين . ونحت هذا المنحى نفسه معاهدة تسليمالمجرمين الموقعة بين دولة الجامعة العربية.
وعليه نقول ، إن تصنيف الجرائمإلى سياسية وأخرى عادية ، هو تصنيف يهدف إلى معاملة ( المجرم السياسي ) معاملة خاصة، باعتبار أنه لم يرتكب جرمه بدافع الكسب أو السرقة أو لدافع إجرامي بحت ، وإنمالهدف سياسي ومن باعث سياسي أيضا .
ولذلك ،فإن الاتجاه العالمي مستقر علىاستثناء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية أي عدم تطبيقها على المجرمين السياسيين، وكذلك عدم تعريضهم للعقوبات التي تترافق مع أشغال شاقة أو الحبس مع الشغل فيالسجون ، فهم يحبسون فقط دون أن يشغلوا ، كما أن المجرمين السياسيين يشملهم العفوأكثر من غيرهم ( في الدول الديمقراطية طبعا )[1] وكذلك فإن أكثر التشريعات تمنعتسليم المجرمين السياسيين .
وكان هذا من نتاج الثورة الفرنسية وتطور النظرةإلى ممارسة الحقوق السياسية والتعامل مع المجرمين ( المعارضة ) السياسيين ،وغيره.
والجدير ذكره ، أن قانون العقوبات السوري أخذ نظريا بكلا المذهبينالشخصي والموضوعي وحاول التوفيق بينهما ، وبالفعل ، فهو استبعد عقوبة الإعدام منالتطبيق على المجرمين السياسيين. كما أن الدستور السوري يمنع تسليم اللاجئين إلىسوريا بسبب مبادئهم السياسية أو دفاعهم عن الحرية !!!!
وقد نصت المادةالرابعة من اتفاقية تسليم المجرمين التي أقرها مجلس الجامعة العربية في العام 1952على : (( لا يجوز التسليم في الجرائم السياسية وتقدير كون الجريمة سياسية متروكللدولة المطلوب إليها التسليم .. وعلى أن يكون التسليم واجبا في جرائم الاعتداء علىالملوك والرؤساء أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم .. وعلى أولياء العهد أيضا .. والجرائم الإرهابية ..))
أما تعليقي الأخير على ما ورد في هذه المادة منالاتفاقية العربية .. فأقول يا نشامى الحكام العرب .. لا داعي للتسليم .. فكل حكومةعربية ستقوم بالواجب .. وخلي عنكم!!!!!!