- الأحد مايو 05, 2013 6:42 pm
#62592
الارتهان للخارج:
السياسات الاقتصادية " المتعثرة" في دول الربيع العربي
ما زالت دول "الربيع العربي" ترزح تحت وطأة الفقر والبطالة وانخفاض معدلات النمو، مما يدفع بوتيرة الاحتجاجات الشعبية إلى ذروتها، في ظل سياسات مالية مضطربة، وقرارات اقتصادية متخبطة، فضلا عن غياب الشفافية المطلوبة في مثل هذه الظروف. وما بين استمرارية أجواء عدم اليقين وتعثر الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتدهور الحالة الأمنية داخليًّا، وبين عوامل خارجية تتمثل في بطء النمو العالمي وارتفاع أسعار الغذاء والوقود عالميًّا؛ وكلها عوامل أدت إلى استمرار ضعف النمو الاقتصادي في دول الربيع العربي خلال عام 2012، وارتفاع معدلات البطالة، مراوحة ما بين 18% إلى ما يزيد عن 30%، فضلا عن تزايد اختلالات أرصدة المالية العامة، في دول الربيع العربي.
موضوعات ذات صلة مرجعية الأزهر... الدور والإمكانيات المستقبلية
إشكاليات الجيوش بعد الثورات العربية في حلقة نقاشية بـ"الإقليمي"
مأزق الشفافية في القروض الدولية للمنطقة بعد الثورات
«القاعدة» و«الإخوان»... ومصير سوريا!
المتغيرات الوسيطة لبروز "العنف الفوضوي" في الدول العربية
وفي ظل بيئة عالية المخاطر، وأجواء مشحونة سياسيًّا، انصرف تركيز القوى السياسية عن الحلول الاقتصادية، وانصب الاهتمام على الأجندات الحزبية، والمصالح السياسية، فضلا عن تواضع أداء الحكومات المتعاقبة، مما قاد اقتصاديات تلك البلدان للواقع الحالي. ورغم سوء الإدارة الاقتصادية لحكومات ما بعد الثورات، إلا أن جانبًا كبيرًا من المشكلات الاقتصادية يرجع إلى فساد الأنظمة السابقة، والتي قادت سياساتها الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات البطالة وسوء الأحوال المعيشية.
بيد أن أنماط السياسات والقرارات الاقتصادية للحكومات الانتقالية مثّل استمرارية للنهج الاقتصادي للنظم السابقة، إضافة إلى غياب استراتيجية متوسطة-طويلة الأمد لإدارة الاقتصاد، مما ساهم في تعميق أثر تلك الأزمات، فضلا عن سيادة أجواء عدم اليقين فيما يتعلق بعملية الانتقال الديمقراطي، والإحجام عن إجراء إصلاحات هيكلية بالأجهزة الأمنية، مما يوفر بيئة طاردة للاستثمار ومهددة للاقتصاد. كما تمثل محدودية قدرة البنية غير المرنة لهيكل الاقتصاد على التفاعل مع التطور على الساحة الديمغرافية تحديًا، خصوصًا فيما يتعلق بالطاقات الشابة التي تمثل ما يقرب من ثلاثة أرباع القوى القادرة على العمل، الأمر الذي يقود إلى تحديات فرعية أخرى تتعلق بجودة النظام التعليمي، وقدرته على الاستجابة لاحتياجات سوق العمل.
مصر.. انتقال متعثر وأزمة اقتصادية متفاقمة
وبحسب أحدث تقرير للتنافسية العالمية (2012-2013) The Global Competitiveness Report (2012-2013) الذي يعده المنتدى الاقتصادي العالمي؛ تراجعت مراكز دول الربيع العربي، حيث تراجعت مصر 13 مركزًا عن العام السابق لتقبع في المركز (107) من أصل (144) دولة، ويرجع التقرير هذا التراجع لتدهور أداء الحكومة، فضلا عن الوضع الأمني المتردي، إلا أن التقرير قد رصد بعض الجوانب الإيجابية فيما يتعلق بانخفاض مظاهر المحسوبية، وتحسن في أخلاقيات العمل.
وبحسب التقرير فإن مصر تواجه عددًا من التحديات لتضع نفسها على مسار التنمية المستدامة؛ إذ تعد القدرة على الاستفادة من الإمكانيات الكامنة في كونها سوقًا كبيرًا، ورفع إمكانياتها الإنتاجية؛ واحدة من التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري. هذا بالإضافة لضرورة مواجهة ثلاثة قضايا أساسية، الأولى تتعلق بتدهور بيئة الاقتصاد الكلي بسبب اتساع هوة العجز المالي، وارتفاع الدين العام، واستمرار ضغط التضخم، وهو ما يتطلب خطة تثبيت جادة لاستعادة توازن الاقتصاد الكلي، وهو ما قد يبدو عسيرًا في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، وما تتكبده الدولة من أموال طائلة في سبيل دعمها، إلا أن توجيهًا أكثر دقة للدعم قد يفي بالغرض، ويحمي الفئات الأقل حظوة. القضية الثانية خاصة بوضع نظام لتكثيف التنافسية المحلية، وهو ما من شأنه تدعيم الكفاءة وتنشيط الاقتصاد ما يسمح بدخول فاعلين جدد. وأخيرًا، فإن العمل على جعل سوق العمل أكثر مرونة وكفاءة سيكون له دور في توفير فرص عمل على المدة المتوسط.
وبشكل عام فإن أي إجراءات اقتصادية قد تلجأ إليها الحكومة المصرية، وخصوصًا ما يتعلق منها بالمساعدات والقروض الخارجية، يجب أن تراعي البعد الاجتماعي، لأنه وبدون إحساس الطبقات الكادحة بالتغيير الإيجابي؛ فإن أفضل الخطط الاقتصادية قد تسقط تحت وطأة الرفض الشعبي، وهو ما يتطلب قدرًا كبيرًا من الشفافية.
ليبيا.. اقتصاد أُحادي ومؤسسات مهلهلة
بينما جاءت ليبيا في المرتبة الثانية بعد مصر (113) من أصل (144)، وتبدو الحالة الليبية مختلفة عن باقي دول الربيع العربي، حيث إنها البلد النفطي الوحيد من بينها، إذ سجلت ليبيا معدلات تنموية مرتفعة، كما أنها تتمتع باحتياطات نقدية جيدة، وكانت صادرات النفط والغاز في 2012 قد سجلت عائدًا يصل إلى 54.9 مليار دولار أمريكي. إلا أن الملاحظة الدقيقة تظهر أن الاقتصاد الليبي يعتمد بشكل أساسي على النفط، ومن ثم فهو سريع التأثر بالتغير في أسعار البترول، فضلا عن عدم قدرة قطاع البترول على توفير عدد كافٍ من الوظائف لصالح الليبيين.
وتعاني ليبيا من ضعف مؤسسي يرجع لطبيعة النظام الليبي في عهد القذافي، علاوة على بنية تحتية مدمرة، وعليه فإن ليبيا بحاجة إلى خبرات فنية، وتصميم البرامج التدريبية لإكساب الليبيين الخبرات اللازمة. وفي تقرير لصندوق النقد الدولي بعنوان "ليبيا بعد الثورة: التحديات والفرص"، حدد الخبراء عددًا من التحديات في وجه النمو الاقتصادي في ليبيا. التحدي الأول تمثل في كيفية إصلاح أوضاع السياسات المالية العامة عن طريق تحديد استراتيجية موحدة متكاملة وتعزيز الشفافية والمحاسبة والمسئولية، وإصلاح منظومة الدعم بحيث يصل لمستحقيه.
كما يمثل بناء قطاع مصرفي قوي متنوع الإيرادات، وبناء هياكل إنتاجية غير مرتبطة بالصناعات النفطية، بما يضمن تنويع الاقتصاد، ما من شأنه توفير فرص عمل لأبناء الشعب الليبي. ويؤكد التقرير أيضًا على ضرورة سيادة مفاهيم الحوكمة، وإجراء إصلاحات قانونية وتشريعية.كما أن الحالة الأمنية في ليبيا وعمليات تجميع السلاح من المليشيات المسلحة، بالإضافة للاضطرابات الإقليمية والدعاوى الانفصالية، تلقي بظلالها على فرص الاستثمار والنهوض بالاقتصاد الليبي.
تونس.. والاعتماد على أوروبا الراكدة
رغم امتلاك الاقتصاد التونسي قاعدة صناعية جيدة، إلا أنها تعتمد في صادراتها على الشراكة الأوروبية، وهو ما يؤثر سلبًا على الاقتصاد التونسي في الفترة الحالية نظرًا للركود الاقتصادي الذي تعاني منه أوروبا حاليًّا. هذا فضلا عما يعانيه قطاع السياحة من تراجع نتيجة لسوء الأحوال الأمنية. كما أن سيادة نوع من "عدم اليقين" نتيجة لإخفاقات الحكومة التونسية الائتلافية يزيد من حدة الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية، خصوصًا مع الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، الأمر الذي سيمتد أثره للتأثير في أسعار السلع والمنتجات الأخرى.
ويعاني قطاع كبير من الشباب التونسي من البطالة، ما يستوجب أن تعمل الحكومة التونسية على اتباع إجراءات لتحفيز الاستثمار، وخلق فرص عمل جديدة. وأبدى بعض المراقبين القلق إزاء الإنفاق الحكومي المتزايد، إلا أن الحكومة التونسية تشير إلى أنها تسعى لإدارة أفضل للموارد في صالح الاستثمار العام في المناطق الأقل حظًّا، ولدعم النمو الاقتصادي قصير المدى.
وفي تقرير للبنك الإفريقي للتنمية بعنوان "تونس: التحديات الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة" Tunisia: Economic & Social Challenge beyond the Revolution، تم التأكيد على عدد من التوصيات للنهوض بالحالة الاقتصادية في تونس، فعلى المدى المتوسط أوصى التقرير بتدعيم الشفافية والمحاسبية، فضلا عن تدعيم النظام المصرفي، علاوة على تنويع القاعدة الصناعية وتدعيم التكامل الإقليمي بما يضمن تنوع الشركاء التجاريين، أما على المدى الطويل فكانت التوصيات بتقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، وتدعيم التنافسية وبيئة الأعمال، بالإضافة لتطوير النظام التعليمي بما يضمن تلبية متطلبات السوق، وكفاءة سوق العمل.
اليمن.. أزمات عميقة بحاجة إلى حل
تقبع اليمن في أدنى تصنيف مؤشر التنافسية، سالف الذكر، في المركز (140) من أصل (144) دولة، فبعد 33 عامًا من الحكم السلطوي، يجد اليمنيون أنفسهم محاطين بعدد من التحديات والعقبات في وجه التنمية.
فعلى الصعيد الأمني تعاني اليمن من تمزق في قيادة أجهزتها الأمنية التي ما زال بعضها يتبع النظام السابق، ويرفض الإصلاح داخلها، فضلا عن خلايا القاعدة، وتمرد الحوثيين. وهو ما يلقي بظلاله على قطاع السياحة، بالإضافة لفرص الاستثمار الخارجي، علاوةً على الأعمال التخريبية التي طالت خطوط النفط والغاز.
ويعد اعتماد ما يقرب من 70% من الإيرادات الحكومية على عائدات النفط، من أبرز التحديات في وجه النمو في اليمن، خاصة وأن التقديرات تشير إلى نضوب النفط باليمن خلال (15-20) عامًا القادمة، وهو ما يتطلب تنويع الاقتصاد اليمني وتطوير سوق العمالة. ويتوقع الخبراء أن تعاني اليمن من أزمة في المياه، فضلا عن الغذاء في ظل الفقر المتنامي في اليمن ومعدلات البطالة المرتفعة التي تصل في بعض التقديرات إلى 35%.
إلا أن الأمل في تحقيق نمو اقتصادي، على غرار النموذج العماني، ما زال معقودًا على قدرة اليمن على استغلال مواردها المعدنية، واستغلال ميناء "عدن" في تحويله لمركز تجاري عالمي ومرسى للسفن، كما كان على مر التاريخ، إلا أن هذا يتطلب قدرًا من الاستقرار والحوار الجاد بين الشمال والجنوب لرأب الصدع وتعزيز الوحدة.
إن قدرة اليمن على بناء اقتصاد مستقر تتوقف على مدى استعدادها لاستغلال مواردها المحدودة على نحو يسمح لها بالاستثمار في بنيتها التحتية واجتذاب فرص الاستثمار والتنمية، بالإضافة للتعاون مع المؤسسات المالية الدولية والدخول في شراكات مع القوى الاقتصادية الصاعدة مثل الصين ودول الآسيان.
إن اللجوء إلى المساعدات والقروض الخارجية لمواجهة التعثر الاقتصادي الذي تواجهه دول الربيع العربي في مرحلة ما بعد الثورات قد يكلف الأنظمة الجديدة تكاليف اجتماعية باهظة ويضع تلك البلدان في حالة الارتهان للخارج ، لاسيما في ظل غياب الشفافية حول اتفاقات القروض وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية لكيفية زيادة الاستثمارات وسياسات العدالة الاجتماعية .
محمد الحسين عبد المنعم
باحث بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية منقول من موقع :
http://rcssmideast.org
السياسات الاقتصادية " المتعثرة" في دول الربيع العربي
ما زالت دول "الربيع العربي" ترزح تحت وطأة الفقر والبطالة وانخفاض معدلات النمو، مما يدفع بوتيرة الاحتجاجات الشعبية إلى ذروتها، في ظل سياسات مالية مضطربة، وقرارات اقتصادية متخبطة، فضلا عن غياب الشفافية المطلوبة في مثل هذه الظروف. وما بين استمرارية أجواء عدم اليقين وتعثر الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتدهور الحالة الأمنية داخليًّا، وبين عوامل خارجية تتمثل في بطء النمو العالمي وارتفاع أسعار الغذاء والوقود عالميًّا؛ وكلها عوامل أدت إلى استمرار ضعف النمو الاقتصادي في دول الربيع العربي خلال عام 2012، وارتفاع معدلات البطالة، مراوحة ما بين 18% إلى ما يزيد عن 30%، فضلا عن تزايد اختلالات أرصدة المالية العامة، في دول الربيع العربي.
موضوعات ذات صلة مرجعية الأزهر... الدور والإمكانيات المستقبلية
إشكاليات الجيوش بعد الثورات العربية في حلقة نقاشية بـ"الإقليمي"
مأزق الشفافية في القروض الدولية للمنطقة بعد الثورات
«القاعدة» و«الإخوان»... ومصير سوريا!
المتغيرات الوسيطة لبروز "العنف الفوضوي" في الدول العربية
وفي ظل بيئة عالية المخاطر، وأجواء مشحونة سياسيًّا، انصرف تركيز القوى السياسية عن الحلول الاقتصادية، وانصب الاهتمام على الأجندات الحزبية، والمصالح السياسية، فضلا عن تواضع أداء الحكومات المتعاقبة، مما قاد اقتصاديات تلك البلدان للواقع الحالي. ورغم سوء الإدارة الاقتصادية لحكومات ما بعد الثورات، إلا أن جانبًا كبيرًا من المشكلات الاقتصادية يرجع إلى فساد الأنظمة السابقة، والتي قادت سياساتها الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات البطالة وسوء الأحوال المعيشية.
بيد أن أنماط السياسات والقرارات الاقتصادية للحكومات الانتقالية مثّل استمرارية للنهج الاقتصادي للنظم السابقة، إضافة إلى غياب استراتيجية متوسطة-طويلة الأمد لإدارة الاقتصاد، مما ساهم في تعميق أثر تلك الأزمات، فضلا عن سيادة أجواء عدم اليقين فيما يتعلق بعملية الانتقال الديمقراطي، والإحجام عن إجراء إصلاحات هيكلية بالأجهزة الأمنية، مما يوفر بيئة طاردة للاستثمار ومهددة للاقتصاد. كما تمثل محدودية قدرة البنية غير المرنة لهيكل الاقتصاد على التفاعل مع التطور على الساحة الديمغرافية تحديًا، خصوصًا فيما يتعلق بالطاقات الشابة التي تمثل ما يقرب من ثلاثة أرباع القوى القادرة على العمل، الأمر الذي يقود إلى تحديات فرعية أخرى تتعلق بجودة النظام التعليمي، وقدرته على الاستجابة لاحتياجات سوق العمل.
مصر.. انتقال متعثر وأزمة اقتصادية متفاقمة
وبحسب أحدث تقرير للتنافسية العالمية (2012-2013) The Global Competitiveness Report (2012-2013) الذي يعده المنتدى الاقتصادي العالمي؛ تراجعت مراكز دول الربيع العربي، حيث تراجعت مصر 13 مركزًا عن العام السابق لتقبع في المركز (107) من أصل (144) دولة، ويرجع التقرير هذا التراجع لتدهور أداء الحكومة، فضلا عن الوضع الأمني المتردي، إلا أن التقرير قد رصد بعض الجوانب الإيجابية فيما يتعلق بانخفاض مظاهر المحسوبية، وتحسن في أخلاقيات العمل.
وبحسب التقرير فإن مصر تواجه عددًا من التحديات لتضع نفسها على مسار التنمية المستدامة؛ إذ تعد القدرة على الاستفادة من الإمكانيات الكامنة في كونها سوقًا كبيرًا، ورفع إمكانياتها الإنتاجية؛ واحدة من التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري. هذا بالإضافة لضرورة مواجهة ثلاثة قضايا أساسية، الأولى تتعلق بتدهور بيئة الاقتصاد الكلي بسبب اتساع هوة العجز المالي، وارتفاع الدين العام، واستمرار ضغط التضخم، وهو ما يتطلب خطة تثبيت جادة لاستعادة توازن الاقتصاد الكلي، وهو ما قد يبدو عسيرًا في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، وما تتكبده الدولة من أموال طائلة في سبيل دعمها، إلا أن توجيهًا أكثر دقة للدعم قد يفي بالغرض، ويحمي الفئات الأقل حظوة. القضية الثانية خاصة بوضع نظام لتكثيف التنافسية المحلية، وهو ما من شأنه تدعيم الكفاءة وتنشيط الاقتصاد ما يسمح بدخول فاعلين جدد. وأخيرًا، فإن العمل على جعل سوق العمل أكثر مرونة وكفاءة سيكون له دور في توفير فرص عمل على المدة المتوسط.
وبشكل عام فإن أي إجراءات اقتصادية قد تلجأ إليها الحكومة المصرية، وخصوصًا ما يتعلق منها بالمساعدات والقروض الخارجية، يجب أن تراعي البعد الاجتماعي، لأنه وبدون إحساس الطبقات الكادحة بالتغيير الإيجابي؛ فإن أفضل الخطط الاقتصادية قد تسقط تحت وطأة الرفض الشعبي، وهو ما يتطلب قدرًا كبيرًا من الشفافية.
ليبيا.. اقتصاد أُحادي ومؤسسات مهلهلة
بينما جاءت ليبيا في المرتبة الثانية بعد مصر (113) من أصل (144)، وتبدو الحالة الليبية مختلفة عن باقي دول الربيع العربي، حيث إنها البلد النفطي الوحيد من بينها، إذ سجلت ليبيا معدلات تنموية مرتفعة، كما أنها تتمتع باحتياطات نقدية جيدة، وكانت صادرات النفط والغاز في 2012 قد سجلت عائدًا يصل إلى 54.9 مليار دولار أمريكي. إلا أن الملاحظة الدقيقة تظهر أن الاقتصاد الليبي يعتمد بشكل أساسي على النفط، ومن ثم فهو سريع التأثر بالتغير في أسعار البترول، فضلا عن عدم قدرة قطاع البترول على توفير عدد كافٍ من الوظائف لصالح الليبيين.
وتعاني ليبيا من ضعف مؤسسي يرجع لطبيعة النظام الليبي في عهد القذافي، علاوة على بنية تحتية مدمرة، وعليه فإن ليبيا بحاجة إلى خبرات فنية، وتصميم البرامج التدريبية لإكساب الليبيين الخبرات اللازمة. وفي تقرير لصندوق النقد الدولي بعنوان "ليبيا بعد الثورة: التحديات والفرص"، حدد الخبراء عددًا من التحديات في وجه النمو الاقتصادي في ليبيا. التحدي الأول تمثل في كيفية إصلاح أوضاع السياسات المالية العامة عن طريق تحديد استراتيجية موحدة متكاملة وتعزيز الشفافية والمحاسبة والمسئولية، وإصلاح منظومة الدعم بحيث يصل لمستحقيه.
كما يمثل بناء قطاع مصرفي قوي متنوع الإيرادات، وبناء هياكل إنتاجية غير مرتبطة بالصناعات النفطية، بما يضمن تنويع الاقتصاد، ما من شأنه توفير فرص عمل لأبناء الشعب الليبي. ويؤكد التقرير أيضًا على ضرورة سيادة مفاهيم الحوكمة، وإجراء إصلاحات قانونية وتشريعية.كما أن الحالة الأمنية في ليبيا وعمليات تجميع السلاح من المليشيات المسلحة، بالإضافة للاضطرابات الإقليمية والدعاوى الانفصالية، تلقي بظلالها على فرص الاستثمار والنهوض بالاقتصاد الليبي.
تونس.. والاعتماد على أوروبا الراكدة
رغم امتلاك الاقتصاد التونسي قاعدة صناعية جيدة، إلا أنها تعتمد في صادراتها على الشراكة الأوروبية، وهو ما يؤثر سلبًا على الاقتصاد التونسي في الفترة الحالية نظرًا للركود الاقتصادي الذي تعاني منه أوروبا حاليًّا. هذا فضلا عما يعانيه قطاع السياحة من تراجع نتيجة لسوء الأحوال الأمنية. كما أن سيادة نوع من "عدم اليقين" نتيجة لإخفاقات الحكومة التونسية الائتلافية يزيد من حدة الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية، خصوصًا مع الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، الأمر الذي سيمتد أثره للتأثير في أسعار السلع والمنتجات الأخرى.
ويعاني قطاع كبير من الشباب التونسي من البطالة، ما يستوجب أن تعمل الحكومة التونسية على اتباع إجراءات لتحفيز الاستثمار، وخلق فرص عمل جديدة. وأبدى بعض المراقبين القلق إزاء الإنفاق الحكومي المتزايد، إلا أن الحكومة التونسية تشير إلى أنها تسعى لإدارة أفضل للموارد في صالح الاستثمار العام في المناطق الأقل حظًّا، ولدعم النمو الاقتصادي قصير المدى.
وفي تقرير للبنك الإفريقي للتنمية بعنوان "تونس: التحديات الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة" Tunisia: Economic & Social Challenge beyond the Revolution، تم التأكيد على عدد من التوصيات للنهوض بالحالة الاقتصادية في تونس، فعلى المدى المتوسط أوصى التقرير بتدعيم الشفافية والمحاسبية، فضلا عن تدعيم النظام المصرفي، علاوة على تنويع القاعدة الصناعية وتدعيم التكامل الإقليمي بما يضمن تنوع الشركاء التجاريين، أما على المدى الطويل فكانت التوصيات بتقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، وتدعيم التنافسية وبيئة الأعمال، بالإضافة لتطوير النظام التعليمي بما يضمن تلبية متطلبات السوق، وكفاءة سوق العمل.
اليمن.. أزمات عميقة بحاجة إلى حل
تقبع اليمن في أدنى تصنيف مؤشر التنافسية، سالف الذكر، في المركز (140) من أصل (144) دولة، فبعد 33 عامًا من الحكم السلطوي، يجد اليمنيون أنفسهم محاطين بعدد من التحديات والعقبات في وجه التنمية.
فعلى الصعيد الأمني تعاني اليمن من تمزق في قيادة أجهزتها الأمنية التي ما زال بعضها يتبع النظام السابق، ويرفض الإصلاح داخلها، فضلا عن خلايا القاعدة، وتمرد الحوثيين. وهو ما يلقي بظلاله على قطاع السياحة، بالإضافة لفرص الاستثمار الخارجي، علاوةً على الأعمال التخريبية التي طالت خطوط النفط والغاز.
ويعد اعتماد ما يقرب من 70% من الإيرادات الحكومية على عائدات النفط، من أبرز التحديات في وجه النمو في اليمن، خاصة وأن التقديرات تشير إلى نضوب النفط باليمن خلال (15-20) عامًا القادمة، وهو ما يتطلب تنويع الاقتصاد اليمني وتطوير سوق العمالة. ويتوقع الخبراء أن تعاني اليمن من أزمة في المياه، فضلا عن الغذاء في ظل الفقر المتنامي في اليمن ومعدلات البطالة المرتفعة التي تصل في بعض التقديرات إلى 35%.
إلا أن الأمل في تحقيق نمو اقتصادي، على غرار النموذج العماني، ما زال معقودًا على قدرة اليمن على استغلال مواردها المعدنية، واستغلال ميناء "عدن" في تحويله لمركز تجاري عالمي ومرسى للسفن، كما كان على مر التاريخ، إلا أن هذا يتطلب قدرًا من الاستقرار والحوار الجاد بين الشمال والجنوب لرأب الصدع وتعزيز الوحدة.
إن قدرة اليمن على بناء اقتصاد مستقر تتوقف على مدى استعدادها لاستغلال مواردها المحدودة على نحو يسمح لها بالاستثمار في بنيتها التحتية واجتذاب فرص الاستثمار والتنمية، بالإضافة للتعاون مع المؤسسات المالية الدولية والدخول في شراكات مع القوى الاقتصادية الصاعدة مثل الصين ودول الآسيان.
إن اللجوء إلى المساعدات والقروض الخارجية لمواجهة التعثر الاقتصادي الذي تواجهه دول الربيع العربي في مرحلة ما بعد الثورات قد يكلف الأنظمة الجديدة تكاليف اجتماعية باهظة ويضع تلك البلدان في حالة الارتهان للخارج ، لاسيما في ظل غياب الشفافية حول اتفاقات القروض وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية لكيفية زيادة الاستثمارات وسياسات العدالة الاجتماعية .
محمد الحسين عبد المنعم
باحث بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية منقول من موقع :
http://rcssmideast.org