- الاثنين مايو 06, 2013 1:32 am
#62929
على الرغم من أننا نضع فى صميم سياستنا علاقاتنا بأفريقيا، فإن اهتمامنا بشئونها لم يزل على غير ماكان ينبغى فليس لدينا اية مجلة متخصصة فى الشئون الأفريقية، ومعهد الدراسات الأفريقية مازال فى حاجة ماسة إلى التعمق فى شئون أفريقيا ومشاكلها، والكتب التى تصدر عن المشاكل الأفريقية وتعالجها معالجة عملية أصيلة قليلة، بل أقل من القليل أما الرأى العام المثقف فى بلادنا فإن اهتماماته فى جملتها تتجه نحو الشمال المتقدم، سواء منه الغربى الرأسمالى أو الشرقى الشيوعى، فى حين أن اهتماماته بالجنوب الفقير أو المتخلف من الكرة الأرضية والذى تقع ضمنه القارة الأفريقية جد ضعيفة.
وقد سبق أن نشرت فى عدد سبتمبر سنة 1968 من مجلة الأهرام الاقتصادى على أثر عودتى من مهمة ببلاد السويد كان الغرض منها إلقاء سلسلة من المحاضرات بمعهد همرشلد للدبلوماسيين الأفريقيين بمدينة اوبسالا أقول أننى نشرت مقالا فحواه أنه فى هذه المدينة الجامعية معهد للدراسات الأفريقية الاقتصادية والسياسية، وأن المعهد فيه مكتبة صغيرة يصل إليها كل عام نحو 750 مجلة أفريقية، أو مجلة تهتم بالشئون الأفريقية، ما بين مجلات أسبوعية وأخرى شهرية، وهذا العدد يبلغ أضعاف أضعاف ما يصل إلينا من مجلات متخصصة فى الشئون الأفريقية وأن هذا المعهد يصدر مؤلفات باللغة السويدية تبين حقائق القضايا الأفريقية للرأى العام فى السويد خاصة، وفى البلاد السكندنافية عامة، وأيضا يصدر مؤلفات باللغة الإنجليزية وأخرى باللغة الفرنسية لهذا الغرض نفسه وقد بلغ مجموع ما أصدره هذا المعهد من مؤلفات منذ إنشائه سنة 1962 حتى سنة 1968 أربعة وعشرين مؤلفا وختمت هذا المقال بقولى: مع أن السويد واقعة فى أقصى الشمال من الكرة الأرضية على مشارف القطب الشمالى، فأنها اكثر منها اهتماما بشئون القارة الأفريقية مع أنها قارتنا، ومع أننا نعيش فيها.
والذى أثار فى نفسى ذكرياتى عن معهد الدراسات الأفريقية بمدينة اوبسالا السويدية هو الكتاب بالذى اعرض له اليوم، والذى أصدره المعهد سنة 1969 على اثر مؤتمر عقده حول موضوع الحدود الأفريقية، ولم يصلنى هذا الكتاب إلا حديثا.
والكتاب صدر باللغة الإنجليزية: ويتضمن عشرة أبحاث من مجموعة الأبحاث التى قدمها المشتركون فى المؤتمر وكتاب هذه الأبحاث هم الأستاذ انتونى الوت أستاذ القانون الأفريقى بجامعة لندن، والأستاذ صمويل شين السويدى الذى يعمل بجامعة ستوكهلم باحثا فى الشئون الأفريقية، والأستاذ اناتولى جروميكو رئيس قسم المشاكل الدولية بالمعهد الأفريقى للأكاديمية القومية للعلوم بموسكو والأستاذ كينيث جروندى الأمريكى، والأستاذ كنوت ايريك اسفندش الأستاذ بجامعة كوبنهاجن، والأستاذ ماريا توفال أستاذ العلوم السياسة بجامعة تل أبيب، والأستاذ سفين تاجيل الأستاذ بجامعة لوند، والأستاذ جوكيكا هادزى فاسيليفيا من بلجراد، والأستاذ وليم زارتمان الأمريكى والذى يعمل بجامعة نيويورك.
وقد رأينا أن نسرد أسماء جميع المشتركين فى وضع هذا الكتاب ليعلم القارئ انه ليس من بينهم أى باحث عربى أو أفريقى، وذلك أما لان المشرفين على المؤتمر لم يجدوا من العرب أو الأفريقيين من يشتركون فى المؤتمر، أو يتقدمون ببحوث جديرة بالنشر، وأما أنه قد يكون من سياستهم عدم إشراك الأفريقيين فى المؤتمر.
ولكن أيا كانت حقيقة الأمر، فإن ذلك أمر جدير بالتأمل، وأن فيه بعض الدلائل على تقصيرنا نحن العرب الأفريقيين، وتقصير الأفريقيين بعامة فى الاهتمام بالدراسات العلمية لمشكلات قارتنا وثمة ملاحظة أخرى هى عمق التحليلات التى تناولت موضوعات هذا الكتاب إلى نعرضه، وكما يقول مقدم الكتاب وإن كان قوله مشوبا بالمبالغة والفخر أن المؤتمر الذى انعقد بمدينة اوبسالا، والذى أسفر عن هذا الكتاب، هو أول مؤتمر دولى ينعقد ليناقش مشكلات الحدود الأفريقية منذ مؤتمر برلين سنة 1885، ذلك المؤتمر المشئوم الذى وضع قواعد لتقسيم القارة الأفريقية بين المستعمرين، وإن كان هناك تشابه بين مؤتمر برلين ومؤتمر اوبسالا فهو خلو كل من المؤتمرين من عنصر الأفريقيين، وإذا كان للأفريقيين عذر فى عدم اشتراكهم فى مؤتمر برلين سنة 1885، فلا عذر لهم، وقد ظفرت أغلب دولهم بالاستقلال، فى إلا يشتركوا فى مؤتمر اوبسالا سنة 1869.
وتبدأ الدراسة الأولى بتبيان الأهمية القانونية للحدود السياسية فى القارة الأفريقية، لأنه إذا كانت الحدود فى أمريكا اللاتينية اقل خطورة بسبب إشراك دولها فى قانون واحد من اصل أسبانى أو برتغالى، فإن الدول الأفريقية تتعدد فيها التشريعات بحكم تسلط استعماريين متعددين عليها، فبعضها تستند فى تشريعها إلى القانون الفرنسى، وبعضها تستند إلى تشريع انجلو سكسونى وبعض منها تستند إلى تشريع أسبانى هذا إلى جانب التشريعات العرفية المحلية ومن هنا تنشا الخطورة القانونية للحدود الأفريقية ويشير البحث الأول أيضا إلى أن الحدود التى تفصل بين الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية كانت أصلا حدودا إدارية داخل مستعمرة واحدة، ولذلك فإنها حدود مطاطة وغير دقيقة، من شأنها أن تثير المنازعات بين الدول المتجاورة.
ويشير البحث كذلك إلى ظاهرة خطيرة فى أفريقيا، وهى أن أربع عشرة دولة أفريقية ليس لأى منها منفذ إلى البحر، وهذه ظاهرة خطيرة تكاد تكون بنسبتها هذه لا مثيل لها فى أى قارة أخرى، مما يتطلب عقد اتفاقات خاصة مع الدول المجاورة لها، حتى تستطيع هذه الدول المغلقة أن يكون لها منفذ إلى البحر.
وينوه البحث بأنه لم تناقش بعد على المستوى الدولى مشكلة الحدود البحرية للدول الأفريقية المطلة على البحار، لأن هذه الدول أما أنها تتبع سياسة حكيمة فى تحديد مياهها الإقليمية بستة أميال، وأما أنها لم تستطع أن تستغل مياهها الإقليمية استغلالا اقتصاديا سليما، غير أنه لو حدث أن اكتشف وجود بترول فى قاع البحار المطلة عليها الدول الأفريقية، أو حدث أن اهتمت هذه الدول باستغلال الثروة المائية استغلالا مجديا لو حدث هذا فالمتوقع أن تثور خلافات شديدة حول الحدود البحرية لهذه الدول.
كذلك ينوه البحث باللجان التى أنشئت لتسوية المنازعات على الحدود، ويذكر أن السودان شكلت لجانا مع كل من تشاد وأثيوبيا لتسوية الخلاف على الحدود ويرى الباحث أنه إذا وقعت خلافات حدودية فى المستقبل، فمن المستبعد أن توافق الدول الأفريقية على إقامة هيئات تحكيم للفصل فى هذه الخلافات، لأن المعروف عنها أنها تؤثر دائما المفاوضات الدبلوماسية المباشرة وسيلة لتسوية ما ينشب من خلاف.
ويختتم البحث بالقول بأن أخطر ما فى مشاكل الحدود هو أنها قد تتخذ ذريعة للتحرش من قبل أى دولة تفكر فى اللجوء إلى هذا الأسلوب ويرى فى النهاية أن حل مشاكل الحدود الأفريقية لا تأتى إلا بجعل هذه الحدود عديمة الجدوى، وذلك بإقامة اتحادات وأسواق مشتركة بين الدول ذات الحدود المشتركة، وأفريقيا فى أشد الحاجة إلى هذه الاتحادات وتلك الأسواق.
أما البحث الثانى فعنوانه مشاكل الحدود ويبدأ كاتبه بعرض التقسيمات المختلفة للحدود من طبيعية، وهى التى تتمثل فى الجبال أو الأنهار أو الصحارى، وهندسية، تستند إلى خطوط العرض أو خطوط الطول، وحدود انتربولوجية تستند إلى الاعتبارات الاقتصادية والثقافية والسكانية، وحدود مركبة تستند إلى كل المعايير السالفة الذكر.
ويشير إلى التقسيم الذى تقدم به الباحث تورمان باوند الذى يجعل النمو الثقافى والحضارى معيارا تقسيما للحدود، فيقول أن هناك حدودا سابقة هى التى كانت قد رسمت قبل أن تنمو المنطقة المراد تحديدها، وحدودا لاحقة هى التى رست فى ظل النمو الثقافى للمنطقة، وحدودا مفروضة هى التى فرضت على المنطقة بعد نموها الحضارى دون أن تأخذ فى الاعتبار ذلك النمو، وحدودا عتيقة هى التى رسمت أبان النمو الحضارى ثم فقدت قيمتها فيما بعد.
وينتقل من هذا إلى الخلافات التى قد تقع بين الدول المتجاورة فيقول أنها حسب رأى العلامة بريسكوت يمكن إرجاعها إلى أربعة أنواع هى: الخلافات الإقليمية التى يكون مصدرها ميزة خاصة بالإقليم تجعل دول أخرى تطمع فيه، والخلافات الخاصة بتخطيط الحدود حيث ينحصر الخلاف فى خط الحدود لا فى الإقليم نفسه، والخلافات الخاصة بوظيفة الحدود، والخلافات الناشئة عن الثروات التى قد تقع فى الأقاليم التى تعينها الحدود.
ومن هنا ينتقل إلى الإجابة عن التساؤل التالى: هل الحدود السياسية هى التى تسبب المنازعات الدولية، أم أنها ليست إلا سببا ظاهريا يخفى وراءه السبب الحقيقى وهو الأطماع المختلفة؟ ويقول فى الإجابة عن هذا التساؤل أنه فى حالات كثيرة يكون تخطيط الحدود هو المصدر الحقيقى للخلافات، ولكن هناك حالات أخرى لا تمت فيها الاشتباكات والمنازعات حول الحدود بصلة حقيقية فى الحدود ذاتها، وقد يكون السبب الحقيقى هو رغبة الدولة فى التوسع الاقتصادى عن طريق الاستيلاء على ثروات فى الدول المجاورة من نحو البترول أو المناجم، أو الرغبة فى الاستيلاء على موقع استراتيجى تعتقد الدولة أنه يمنحها مركزا ممتازا من الناحية العسكرية.
ويرى صاحب هذا البحث أن عنصر الوقت يعتبر من أهم العناصر الفعالة فى استتباب الحدود السياسية، فكلما طال الوقت دون أن تقع بشأن الحدود خلافات أو اشتباكات، زادت تلك الحدود ثباتا واستقرارا ويشير أيضا إلى مختلف الدراسات العلمية التى أجريت بشأن الخلافات على الحدود، والتى تحاول استنباط قواعد ثابتة تحكم تلك الخلافات ومن ذلك إثبات العلاقة بين طول الحدود المشتركة بين دولتين، وعدد الحروب والاشتباكات التى تقع بين الدول التى تفصل بينها هذه الحدود، ومن ذلك أيضا المقارنة بين قوى الدولتين أو الدول المشتركة فى الحدود وعدد الاشتباكات التى تقع بسبب هذه الحدود، وما إلى ذلك من الدراسات.
أما البحث الثالث فأنه خاص بالحدود فى غرب وشرق ووسط أفريقيا، وهى المناطق التى جرى عرف الاستعمار على تسميتها بأفريقيا السوداء ويقول صاحب البحث أن تخطيط هذه الحدود لم يكن نتيجة أطماع اقتصادية أو العمل على الحصول على مكاسب استراتيجية، بقدر ما كان تعبيرا عن سباق جنوبى بين الدول الاستعمارية فى محاولة لكل منها إلى أن تسيطر على أكبر قدر من الأقاليم والأرض ثم يشرح كيف تغير التخطيط السياسى للقارة الأفريقية عقب الحرب العالمية الأولى بعد ضم جميع المستعمرات الألمانية فى أفريقيا إلى الدول المنتصرة، وفى مقدمتها فرنسا وإنجلترا وبلجيكا.
وينتقل بعد هذا إلى دراسة الحركة التكاملية بين كل من تنزانيا وأوغندة وكينيا كتجربة للخلاف من بعض مشاكل الحدود، ويشير أيضا إلى الحركة التكاملية التى ظهرت بين الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية.
أما البحث الرابع فعنوانه منظمة الوحدة الأفريقية والحدود الأفريقية ويبدؤه بقوله أن الدول الأفريقية قد أعلنت أن الحدود التى تفصل بينها حدود مصطنعة غير طبيعية مفروضة من الاستعمار فرضا، ولكن هذه الدول الأفريقية نفسها على الرغم من مرور اكثر من عشر سنوات على ظفرها بالاستقرار لم تفعل شيئا للتخلص من تلك الحدود المصطنعة ثم ينتقل إلى دراسة موقف منظمة الوحدة الأفريقية من المنازعات الحدودية التى وقعت بين الجزائر والمغرب، وبين كينيا والصومال، وبين أثيوبيا والصومال، كما يشير إلى موقفها من الحرب الأهلية التى دارت داخل نيجيريا والتى كانت تهدف إلى إنشاء دولة جديدة ذات حدود جديدة هى دولة بيافرا ويقرر أن المنظمة الأفريقية قد فشلت فى تسوية المنازعات الحدودية هذه كلها.
ثم يتكلم أيضا عن التناقض بين الهدف الأسمى للمنظمة المتمثل فى تحقيق الوحدة الأفريقية، وهذا يقتضى إلغاء جميع الحدود وبين تمسكها بقدسية الحدود واحترامها الذى يتنافى مع حقائق الوحدة.
وإذا كان هذا البحث ينطوى على قسوة على منظمة الوحدة الأفريقية، إلا أنه يستند إلى وقائع وحجج عملية لا سبيل إلى إنكارها.
أما البحث الخامس فعنوانه السياسات الخارجية والعسكرية المتعلقة بمشاكل الحدود الأفريقية ويتصدى كاتبه للاشتباكات العسكرية التى وقعت بين الدول الأفريقية، ليستخلص من دراسة هذه الاشتباكات أن أفريقيا ستمر مستقبلا بفترة هدوء واستقرار فيما يتعلق بالمنازعات الحدودية والمطالب الإقليمية.
أما البحث السادس فعنوانه مصادر الاستقرار فى أفريقيا، ومظاهر الحركات الانفصالية فيها ويبدأ الكاتب بحثه بقوله أن من بين الأربعين دولة الأفريقية لا توجد إلا أربع دول لها مطامع إقليمية وترتب على هذه المطامع قيام سياسات توسعية، وهذه الدول هى: جمهورية الصومال، والمغرب، وغانا، وتوجو أما باقى الدول الأخرى فتعترف بمبدأ قدسية الحدود، وتجعل من مبدأ احترام الوحدة الإقليمية للدول الأفريقية ركنا من أركان سياستها الخارجية، ولكن هذا لم يمنع من وقوع بعض خلافات حول تفاصيل الحدود وتخطيطها، دون أن يتم ذلك عن وجود أطماع توسعية.
ويقول صاحب البحث متسائلا: لم تتبع بعض الدول سياسات توسعية بينما تتمسك دول أخرى بمبدأ قدسية الحدود، وترفض قبول المغامرات التوسعية؟ يجيب عن ذلك بقوله أن الذين يزعمون أن الدول التقدمية ذات الأيديولوجية الثورية هى التى تتبع السياسات التوسعية زعمهم غير صحيح فالمغرب مثلا اتبعت سياسة توسعية، وكانت ذات مطامع فى موريتانيا، ولها مطالب فى الصحراء الأسبانية ومع ذلك فأنها ذات نظام سياسى تقليدى.
والذين يقولون أيضا أن طبيعة الحدود هى التى تبعث على انتهاج السياسات التوسعية، فإن قولهم هذا ليس صحيحا، فأغلب الحدود الأفريقية غير طبيعية، ومع ذلك فأغلب الدول الأفريقية ليست لها سياسات توسعية.
ويرى صاحب هذا البحث أن من أسباب السياسات التوسعية التى تتبعها بعض الدول الأفريقية إيمان هذه الدول بان الحدود التى كانت للدول قبل أن يسيطر عليها الاستعمار ويجرى تعديلا فيها، وهى تريد أن تعيد الحدود إلى ما كانت عليه قبل الاستعمار.
كما أنه من بواعث إثارة المنازعات الحدودية أيضا وجود منافسات سياسية تقوم أحيانا بين بعض رؤساء الدول الأفريقية دون أن تكون لها علاقات مباشرة بالحدود، ولكن تتخذ مجرد ذريعة للخلافات أما الأسباب التى تجعل اغلب الدول الأفريقية تصرف عن تعديل الحدود بغية التوسع على حساب أقاليم الدول الأخرى، فترجع فى رأيه إلى خوف الدول من أن ضم أقاليم جديدة إليها سيؤثر على توازن القوى القبائلى داخل إقليمها، وذلك لأن معظم الدول الأفريقية تتكون شعوبها من مجموعة من القبائل، فإذا أضيفت إليها قبائل جديدة، أو زاد عدد أفراد قبيلة من القبائل المستقرة فى الدولة، فيخشى أن يكون ذلك مصدر قلق وإزعاج للسلطات الحاكمة.
ويختتم بحثه بالوصول إلى نتيجة تشبه النتيجة التى وصل إليها صاحب البحث الذى سبقه، وهو أن المنازعات الحدودية ستفقد أهميتها مستقبلا، وأنه سيسود القارة نوع من الاستقرار بحكم الزمن ويعزز رأيه بإضافة سببين آخرين هما
أولا: دور منظمة الوحدة الأفريقية المهدئ الذى له تأثيره فى تدعيم مبدأ قدسية الحدود، واستنكار الحركات الانفصالية والحركات التوسعية.
وثانيا: أن الدول الأفريقية وجدت أن المنازعات على الحدود مصدر متاعب لها، وأنها تفتح الباب على مصراعيه لتجمع العناصر المعادية لها على حدود الدولة المجاورة لها بإيحاء من هذه الدولة أو تشجيعها وبمعنى آخر فان المنازعات على الحدود أو المطالبة بتعديلها تضر الدولة اكثر مما تفيدها.
والواقع أننا نختلف بعض الشىء مع هذا الباحث والذى قبله فيما وصلا إليه من نتائج، لأنه مادام أن التخلف الاقتصادى، وعدم الاستقرار القبائلى وضعف النظم السياسية هى السمة الغالبة على الدول الأفريقية، فأنها ستظل دائما فى حاجة إلى مغامرات خارجية لجمع شمل قبائلها أو شعوبها، وتخفيف الكبت المسيطر على قياداتها العسكرية، دون نظر إلى ما تتكلفه هذه المغامرات أن الكاتبين يفكران بمنطق غربى حيث يكون لكل تحرك سياسى وزنه وحسابه، وهذا لا يتوافر فى أفريقيا.
أما البحث السابع فإنه لا يتعلق بجوهر مشكلة الحدود السياسية بقدر ما يتعلق بالحدود العسكرية والأيديولوجية التى تفصل بين أفريقيا التى تحررت كليا من الاستعمار، وأفريقيا التى مازالت خاضعة لسيطرة الاستعمار من نحو الاستعمار العنصرى الأبيض فى روديسيا وجنوب أفريقيا والاستعمار البرتغالى فى أنجولا وموزمبيق ويقدم تحليلا دقيقا للاشتباكات التى وقعت بين طلاب التحرر وهؤلاء المستعمرين، ويذيل دراسته هذه بخرائط توضح مناطق هذه الاشتباكات.
أما البحث الثامن فإنه قصير لم يتجاوز أربع صفحات، وهو مع ذلك اضعف من كل البحوث التى سبقت ويعرض كاتبه بتعميم شديد أهم المشاكل التى تعترض الحركة التكاملية فى أفريقيا باعتبارها الحركة التى تهدف إلى إلغاء الحدود السياسية التى تجزئ القارة الأفريقية، وهذه المشاكل فى رأيه هى:
أولا: الحركة التكاملية قائمة بين دول فقيرة ومتخلفة وهذا مما يجعل تحقيقها أصعب كثيرا مما لو كانت بين دول متباينة فى الفقر والغنى.
ثانيا: اقتصاديات الدول الأفريقية أقيمت إصلاح على أساس أنها اقتصاديات متكاملة مع اقتصاديات الدول الأوربية التى كانت تستعمرها.
ثالثا: من العقبات التى تقف فى طريق نجاح الحركة التكاملية أن بعض الدول الأفريقية ناطقة بالفرنسية، وبعضها ناطقة بالإنجليزية.
رابعا: الحدود غير الطبيعية بين الدول الأفريقية، واختلاف النظم الاقتصادية والسياسية بينها.
وقد أورد كل ذلك فى شكل عموميات يجعلها غير قابلة للمناقشة والتحليل.
أما البحث التاسع الذى كتبه الباحث السوفيتى ففيه يرى أن مصدر الخلافات الحدودية بين الدول الأفريقية هو الاستعمار، كما يرى أن تقسيم القارة الأفريقية ليس إلا آثرا من آثار نظرية توازن القوى التى كانت سائدة فى أوربا فى نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحاضر ثم يقول بعد ذلك أن نحو 44 فى المائة من الحدود الأفريقية قائمة على خطوط العرض وخطوط الطول، و 30 فى المائة منها قائمة على خطوط مستقيمة أو دائرية لا علاقة لها بطبيعة الواقع الأفريقى و 26 فى المائة من الحدود فقط هى التى تعتبر حدودا طبيعية تتمثل فى الجبال والأنهار والبحيرات ويقول كذلك أن الاستعمار هو الذى شجع على بقاء النظام القبائلى ليفرض سيطرته ونفوذه على القارة ثم يقول أيضا أنه عقب الحرب العالمية الثانية كان الاتجاه الغالب فى أفريقيا هو إعادة النظر فى الحدود لتعديلها تعديلا يجعلها تتمشى مع الواقع الأفريقى، ولكن بعد قيام منظمة الوحدة الأفريقية اصبح الاتجاه الغالب هو المحافظة على الحدود القائمة ومحاولة تسوية المنازعات على الحدود سلميا داخل منظمة الوحدة الأفريقية ويقول أخيرا أن الخبراء السوفيت يرون أن هذا الاتجاه الجديد فى صالح أفريقيا وصالح القومية الأفريقية، ولكنه يقرر أن هذا الاتجاه يجب إلا ينصب على الخلافات القائمة بين الدول الأفريقية والدول الاستعمارية.
أما البحث العاشر والأخير فإنه يتضمن ملخصا للأبحاث والمناقشات التى دارت فى المؤتمر، كما يتضمن نقدا علميا لبعض الآراء التى تضمنتها بعض الأبحاث، لا سيما البحث السابع، وهو الخاص بالحدود العسكرية والأيديولوجية التى تفصل بين أفريقيا المتحررة وأفريقيا المستعمرة، لأن الباحث فى رأى هذا الناقد قد اغفل كثيرا من الآراء التى نشرت فى المجلات المتخصصة التى تصدر فى جنوب أفريقيا، وآراء الخصم تكون الاعتبار الذى يعلو اعتبار آراء الأصدقاء والأنصار، ويقترح الناقد عدة موضوعات متفرعة عن مشاكل الحدود تصلح لتكون موضع الدائرة والاهتمام من العلماء والباحثين فى الشئون الأفريقية.
وقد سبق أن نشرت فى عدد سبتمبر سنة 1968 من مجلة الأهرام الاقتصادى على أثر عودتى من مهمة ببلاد السويد كان الغرض منها إلقاء سلسلة من المحاضرات بمعهد همرشلد للدبلوماسيين الأفريقيين بمدينة اوبسالا أقول أننى نشرت مقالا فحواه أنه فى هذه المدينة الجامعية معهد للدراسات الأفريقية الاقتصادية والسياسية، وأن المعهد فيه مكتبة صغيرة يصل إليها كل عام نحو 750 مجلة أفريقية، أو مجلة تهتم بالشئون الأفريقية، ما بين مجلات أسبوعية وأخرى شهرية، وهذا العدد يبلغ أضعاف أضعاف ما يصل إلينا من مجلات متخصصة فى الشئون الأفريقية وأن هذا المعهد يصدر مؤلفات باللغة السويدية تبين حقائق القضايا الأفريقية للرأى العام فى السويد خاصة، وفى البلاد السكندنافية عامة، وأيضا يصدر مؤلفات باللغة الإنجليزية وأخرى باللغة الفرنسية لهذا الغرض نفسه وقد بلغ مجموع ما أصدره هذا المعهد من مؤلفات منذ إنشائه سنة 1962 حتى سنة 1968 أربعة وعشرين مؤلفا وختمت هذا المقال بقولى: مع أن السويد واقعة فى أقصى الشمال من الكرة الأرضية على مشارف القطب الشمالى، فأنها اكثر منها اهتماما بشئون القارة الأفريقية مع أنها قارتنا، ومع أننا نعيش فيها.
والذى أثار فى نفسى ذكرياتى عن معهد الدراسات الأفريقية بمدينة اوبسالا السويدية هو الكتاب بالذى اعرض له اليوم، والذى أصدره المعهد سنة 1969 على اثر مؤتمر عقده حول موضوع الحدود الأفريقية، ولم يصلنى هذا الكتاب إلا حديثا.
والكتاب صدر باللغة الإنجليزية: ويتضمن عشرة أبحاث من مجموعة الأبحاث التى قدمها المشتركون فى المؤتمر وكتاب هذه الأبحاث هم الأستاذ انتونى الوت أستاذ القانون الأفريقى بجامعة لندن، والأستاذ صمويل شين السويدى الذى يعمل بجامعة ستوكهلم باحثا فى الشئون الأفريقية، والأستاذ اناتولى جروميكو رئيس قسم المشاكل الدولية بالمعهد الأفريقى للأكاديمية القومية للعلوم بموسكو والأستاذ كينيث جروندى الأمريكى، والأستاذ كنوت ايريك اسفندش الأستاذ بجامعة كوبنهاجن، والأستاذ ماريا توفال أستاذ العلوم السياسة بجامعة تل أبيب، والأستاذ سفين تاجيل الأستاذ بجامعة لوند، والأستاذ جوكيكا هادزى فاسيليفيا من بلجراد، والأستاذ وليم زارتمان الأمريكى والذى يعمل بجامعة نيويورك.
وقد رأينا أن نسرد أسماء جميع المشتركين فى وضع هذا الكتاب ليعلم القارئ انه ليس من بينهم أى باحث عربى أو أفريقى، وذلك أما لان المشرفين على المؤتمر لم يجدوا من العرب أو الأفريقيين من يشتركون فى المؤتمر، أو يتقدمون ببحوث جديرة بالنشر، وأما أنه قد يكون من سياستهم عدم إشراك الأفريقيين فى المؤتمر.
ولكن أيا كانت حقيقة الأمر، فإن ذلك أمر جدير بالتأمل، وأن فيه بعض الدلائل على تقصيرنا نحن العرب الأفريقيين، وتقصير الأفريقيين بعامة فى الاهتمام بالدراسات العلمية لمشكلات قارتنا وثمة ملاحظة أخرى هى عمق التحليلات التى تناولت موضوعات هذا الكتاب إلى نعرضه، وكما يقول مقدم الكتاب وإن كان قوله مشوبا بالمبالغة والفخر أن المؤتمر الذى انعقد بمدينة اوبسالا، والذى أسفر عن هذا الكتاب، هو أول مؤتمر دولى ينعقد ليناقش مشكلات الحدود الأفريقية منذ مؤتمر برلين سنة 1885، ذلك المؤتمر المشئوم الذى وضع قواعد لتقسيم القارة الأفريقية بين المستعمرين، وإن كان هناك تشابه بين مؤتمر برلين ومؤتمر اوبسالا فهو خلو كل من المؤتمرين من عنصر الأفريقيين، وإذا كان للأفريقيين عذر فى عدم اشتراكهم فى مؤتمر برلين سنة 1885، فلا عذر لهم، وقد ظفرت أغلب دولهم بالاستقلال، فى إلا يشتركوا فى مؤتمر اوبسالا سنة 1869.
وتبدأ الدراسة الأولى بتبيان الأهمية القانونية للحدود السياسية فى القارة الأفريقية، لأنه إذا كانت الحدود فى أمريكا اللاتينية اقل خطورة بسبب إشراك دولها فى قانون واحد من اصل أسبانى أو برتغالى، فإن الدول الأفريقية تتعدد فيها التشريعات بحكم تسلط استعماريين متعددين عليها، فبعضها تستند فى تشريعها إلى القانون الفرنسى، وبعضها تستند إلى تشريع انجلو سكسونى وبعض منها تستند إلى تشريع أسبانى هذا إلى جانب التشريعات العرفية المحلية ومن هنا تنشا الخطورة القانونية للحدود الأفريقية ويشير البحث الأول أيضا إلى أن الحدود التى تفصل بين الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية كانت أصلا حدودا إدارية داخل مستعمرة واحدة، ولذلك فإنها حدود مطاطة وغير دقيقة، من شأنها أن تثير المنازعات بين الدول المتجاورة.
ويشير البحث كذلك إلى ظاهرة خطيرة فى أفريقيا، وهى أن أربع عشرة دولة أفريقية ليس لأى منها منفذ إلى البحر، وهذه ظاهرة خطيرة تكاد تكون بنسبتها هذه لا مثيل لها فى أى قارة أخرى، مما يتطلب عقد اتفاقات خاصة مع الدول المجاورة لها، حتى تستطيع هذه الدول المغلقة أن يكون لها منفذ إلى البحر.
وينوه البحث بأنه لم تناقش بعد على المستوى الدولى مشكلة الحدود البحرية للدول الأفريقية المطلة على البحار، لأن هذه الدول أما أنها تتبع سياسة حكيمة فى تحديد مياهها الإقليمية بستة أميال، وأما أنها لم تستطع أن تستغل مياهها الإقليمية استغلالا اقتصاديا سليما، غير أنه لو حدث أن اكتشف وجود بترول فى قاع البحار المطلة عليها الدول الأفريقية، أو حدث أن اهتمت هذه الدول باستغلال الثروة المائية استغلالا مجديا لو حدث هذا فالمتوقع أن تثور خلافات شديدة حول الحدود البحرية لهذه الدول.
كذلك ينوه البحث باللجان التى أنشئت لتسوية المنازعات على الحدود، ويذكر أن السودان شكلت لجانا مع كل من تشاد وأثيوبيا لتسوية الخلاف على الحدود ويرى الباحث أنه إذا وقعت خلافات حدودية فى المستقبل، فمن المستبعد أن توافق الدول الأفريقية على إقامة هيئات تحكيم للفصل فى هذه الخلافات، لأن المعروف عنها أنها تؤثر دائما المفاوضات الدبلوماسية المباشرة وسيلة لتسوية ما ينشب من خلاف.
ويختتم البحث بالقول بأن أخطر ما فى مشاكل الحدود هو أنها قد تتخذ ذريعة للتحرش من قبل أى دولة تفكر فى اللجوء إلى هذا الأسلوب ويرى فى النهاية أن حل مشاكل الحدود الأفريقية لا تأتى إلا بجعل هذه الحدود عديمة الجدوى، وذلك بإقامة اتحادات وأسواق مشتركة بين الدول ذات الحدود المشتركة، وأفريقيا فى أشد الحاجة إلى هذه الاتحادات وتلك الأسواق.
أما البحث الثانى فعنوانه مشاكل الحدود ويبدأ كاتبه بعرض التقسيمات المختلفة للحدود من طبيعية، وهى التى تتمثل فى الجبال أو الأنهار أو الصحارى، وهندسية، تستند إلى خطوط العرض أو خطوط الطول، وحدود انتربولوجية تستند إلى الاعتبارات الاقتصادية والثقافية والسكانية، وحدود مركبة تستند إلى كل المعايير السالفة الذكر.
ويشير إلى التقسيم الذى تقدم به الباحث تورمان باوند الذى يجعل النمو الثقافى والحضارى معيارا تقسيما للحدود، فيقول أن هناك حدودا سابقة هى التى كانت قد رسمت قبل أن تنمو المنطقة المراد تحديدها، وحدودا لاحقة هى التى رست فى ظل النمو الثقافى للمنطقة، وحدودا مفروضة هى التى فرضت على المنطقة بعد نموها الحضارى دون أن تأخذ فى الاعتبار ذلك النمو، وحدودا عتيقة هى التى رسمت أبان النمو الحضارى ثم فقدت قيمتها فيما بعد.
وينتقل من هذا إلى الخلافات التى قد تقع بين الدول المتجاورة فيقول أنها حسب رأى العلامة بريسكوت يمكن إرجاعها إلى أربعة أنواع هى: الخلافات الإقليمية التى يكون مصدرها ميزة خاصة بالإقليم تجعل دول أخرى تطمع فيه، والخلافات الخاصة بتخطيط الحدود حيث ينحصر الخلاف فى خط الحدود لا فى الإقليم نفسه، والخلافات الخاصة بوظيفة الحدود، والخلافات الناشئة عن الثروات التى قد تقع فى الأقاليم التى تعينها الحدود.
ومن هنا ينتقل إلى الإجابة عن التساؤل التالى: هل الحدود السياسية هى التى تسبب المنازعات الدولية، أم أنها ليست إلا سببا ظاهريا يخفى وراءه السبب الحقيقى وهو الأطماع المختلفة؟ ويقول فى الإجابة عن هذا التساؤل أنه فى حالات كثيرة يكون تخطيط الحدود هو المصدر الحقيقى للخلافات، ولكن هناك حالات أخرى لا تمت فيها الاشتباكات والمنازعات حول الحدود بصلة حقيقية فى الحدود ذاتها، وقد يكون السبب الحقيقى هو رغبة الدولة فى التوسع الاقتصادى عن طريق الاستيلاء على ثروات فى الدول المجاورة من نحو البترول أو المناجم، أو الرغبة فى الاستيلاء على موقع استراتيجى تعتقد الدولة أنه يمنحها مركزا ممتازا من الناحية العسكرية.
ويرى صاحب هذا البحث أن عنصر الوقت يعتبر من أهم العناصر الفعالة فى استتباب الحدود السياسية، فكلما طال الوقت دون أن تقع بشأن الحدود خلافات أو اشتباكات، زادت تلك الحدود ثباتا واستقرارا ويشير أيضا إلى مختلف الدراسات العلمية التى أجريت بشأن الخلافات على الحدود، والتى تحاول استنباط قواعد ثابتة تحكم تلك الخلافات ومن ذلك إثبات العلاقة بين طول الحدود المشتركة بين دولتين، وعدد الحروب والاشتباكات التى تقع بين الدول التى تفصل بينها هذه الحدود، ومن ذلك أيضا المقارنة بين قوى الدولتين أو الدول المشتركة فى الحدود وعدد الاشتباكات التى تقع بسبب هذه الحدود، وما إلى ذلك من الدراسات.
أما البحث الثالث فأنه خاص بالحدود فى غرب وشرق ووسط أفريقيا، وهى المناطق التى جرى عرف الاستعمار على تسميتها بأفريقيا السوداء ويقول صاحب البحث أن تخطيط هذه الحدود لم يكن نتيجة أطماع اقتصادية أو العمل على الحصول على مكاسب استراتيجية، بقدر ما كان تعبيرا عن سباق جنوبى بين الدول الاستعمارية فى محاولة لكل منها إلى أن تسيطر على أكبر قدر من الأقاليم والأرض ثم يشرح كيف تغير التخطيط السياسى للقارة الأفريقية عقب الحرب العالمية الأولى بعد ضم جميع المستعمرات الألمانية فى أفريقيا إلى الدول المنتصرة، وفى مقدمتها فرنسا وإنجلترا وبلجيكا.
وينتقل بعد هذا إلى دراسة الحركة التكاملية بين كل من تنزانيا وأوغندة وكينيا كتجربة للخلاف من بعض مشاكل الحدود، ويشير أيضا إلى الحركة التكاملية التى ظهرت بين الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية.
أما البحث الرابع فعنوانه منظمة الوحدة الأفريقية والحدود الأفريقية ويبدؤه بقوله أن الدول الأفريقية قد أعلنت أن الحدود التى تفصل بينها حدود مصطنعة غير طبيعية مفروضة من الاستعمار فرضا، ولكن هذه الدول الأفريقية نفسها على الرغم من مرور اكثر من عشر سنوات على ظفرها بالاستقرار لم تفعل شيئا للتخلص من تلك الحدود المصطنعة ثم ينتقل إلى دراسة موقف منظمة الوحدة الأفريقية من المنازعات الحدودية التى وقعت بين الجزائر والمغرب، وبين كينيا والصومال، وبين أثيوبيا والصومال، كما يشير إلى موقفها من الحرب الأهلية التى دارت داخل نيجيريا والتى كانت تهدف إلى إنشاء دولة جديدة ذات حدود جديدة هى دولة بيافرا ويقرر أن المنظمة الأفريقية قد فشلت فى تسوية المنازعات الحدودية هذه كلها.
ثم يتكلم أيضا عن التناقض بين الهدف الأسمى للمنظمة المتمثل فى تحقيق الوحدة الأفريقية، وهذا يقتضى إلغاء جميع الحدود وبين تمسكها بقدسية الحدود واحترامها الذى يتنافى مع حقائق الوحدة.
وإذا كان هذا البحث ينطوى على قسوة على منظمة الوحدة الأفريقية، إلا أنه يستند إلى وقائع وحجج عملية لا سبيل إلى إنكارها.
أما البحث الخامس فعنوانه السياسات الخارجية والعسكرية المتعلقة بمشاكل الحدود الأفريقية ويتصدى كاتبه للاشتباكات العسكرية التى وقعت بين الدول الأفريقية، ليستخلص من دراسة هذه الاشتباكات أن أفريقيا ستمر مستقبلا بفترة هدوء واستقرار فيما يتعلق بالمنازعات الحدودية والمطالب الإقليمية.
أما البحث السادس فعنوانه مصادر الاستقرار فى أفريقيا، ومظاهر الحركات الانفصالية فيها ويبدأ الكاتب بحثه بقوله أن من بين الأربعين دولة الأفريقية لا توجد إلا أربع دول لها مطامع إقليمية وترتب على هذه المطامع قيام سياسات توسعية، وهذه الدول هى: جمهورية الصومال، والمغرب، وغانا، وتوجو أما باقى الدول الأخرى فتعترف بمبدأ قدسية الحدود، وتجعل من مبدأ احترام الوحدة الإقليمية للدول الأفريقية ركنا من أركان سياستها الخارجية، ولكن هذا لم يمنع من وقوع بعض خلافات حول تفاصيل الحدود وتخطيطها، دون أن يتم ذلك عن وجود أطماع توسعية.
ويقول صاحب البحث متسائلا: لم تتبع بعض الدول سياسات توسعية بينما تتمسك دول أخرى بمبدأ قدسية الحدود، وترفض قبول المغامرات التوسعية؟ يجيب عن ذلك بقوله أن الذين يزعمون أن الدول التقدمية ذات الأيديولوجية الثورية هى التى تتبع السياسات التوسعية زعمهم غير صحيح فالمغرب مثلا اتبعت سياسة توسعية، وكانت ذات مطامع فى موريتانيا، ولها مطالب فى الصحراء الأسبانية ومع ذلك فأنها ذات نظام سياسى تقليدى.
والذين يقولون أيضا أن طبيعة الحدود هى التى تبعث على انتهاج السياسات التوسعية، فإن قولهم هذا ليس صحيحا، فأغلب الحدود الأفريقية غير طبيعية، ومع ذلك فأغلب الدول الأفريقية ليست لها سياسات توسعية.
ويرى صاحب هذا البحث أن من أسباب السياسات التوسعية التى تتبعها بعض الدول الأفريقية إيمان هذه الدول بان الحدود التى كانت للدول قبل أن يسيطر عليها الاستعمار ويجرى تعديلا فيها، وهى تريد أن تعيد الحدود إلى ما كانت عليه قبل الاستعمار.
كما أنه من بواعث إثارة المنازعات الحدودية أيضا وجود منافسات سياسية تقوم أحيانا بين بعض رؤساء الدول الأفريقية دون أن تكون لها علاقات مباشرة بالحدود، ولكن تتخذ مجرد ذريعة للخلافات أما الأسباب التى تجعل اغلب الدول الأفريقية تصرف عن تعديل الحدود بغية التوسع على حساب أقاليم الدول الأخرى، فترجع فى رأيه إلى خوف الدول من أن ضم أقاليم جديدة إليها سيؤثر على توازن القوى القبائلى داخل إقليمها، وذلك لأن معظم الدول الأفريقية تتكون شعوبها من مجموعة من القبائل، فإذا أضيفت إليها قبائل جديدة، أو زاد عدد أفراد قبيلة من القبائل المستقرة فى الدولة، فيخشى أن يكون ذلك مصدر قلق وإزعاج للسلطات الحاكمة.
ويختتم بحثه بالوصول إلى نتيجة تشبه النتيجة التى وصل إليها صاحب البحث الذى سبقه، وهو أن المنازعات الحدودية ستفقد أهميتها مستقبلا، وأنه سيسود القارة نوع من الاستقرار بحكم الزمن ويعزز رأيه بإضافة سببين آخرين هما
أولا: دور منظمة الوحدة الأفريقية المهدئ الذى له تأثيره فى تدعيم مبدأ قدسية الحدود، واستنكار الحركات الانفصالية والحركات التوسعية.
وثانيا: أن الدول الأفريقية وجدت أن المنازعات على الحدود مصدر متاعب لها، وأنها تفتح الباب على مصراعيه لتجمع العناصر المعادية لها على حدود الدولة المجاورة لها بإيحاء من هذه الدولة أو تشجيعها وبمعنى آخر فان المنازعات على الحدود أو المطالبة بتعديلها تضر الدولة اكثر مما تفيدها.
والواقع أننا نختلف بعض الشىء مع هذا الباحث والذى قبله فيما وصلا إليه من نتائج، لأنه مادام أن التخلف الاقتصادى، وعدم الاستقرار القبائلى وضعف النظم السياسية هى السمة الغالبة على الدول الأفريقية، فأنها ستظل دائما فى حاجة إلى مغامرات خارجية لجمع شمل قبائلها أو شعوبها، وتخفيف الكبت المسيطر على قياداتها العسكرية، دون نظر إلى ما تتكلفه هذه المغامرات أن الكاتبين يفكران بمنطق غربى حيث يكون لكل تحرك سياسى وزنه وحسابه، وهذا لا يتوافر فى أفريقيا.
أما البحث السابع فإنه لا يتعلق بجوهر مشكلة الحدود السياسية بقدر ما يتعلق بالحدود العسكرية والأيديولوجية التى تفصل بين أفريقيا التى تحررت كليا من الاستعمار، وأفريقيا التى مازالت خاضعة لسيطرة الاستعمار من نحو الاستعمار العنصرى الأبيض فى روديسيا وجنوب أفريقيا والاستعمار البرتغالى فى أنجولا وموزمبيق ويقدم تحليلا دقيقا للاشتباكات التى وقعت بين طلاب التحرر وهؤلاء المستعمرين، ويذيل دراسته هذه بخرائط توضح مناطق هذه الاشتباكات.
أما البحث الثامن فإنه قصير لم يتجاوز أربع صفحات، وهو مع ذلك اضعف من كل البحوث التى سبقت ويعرض كاتبه بتعميم شديد أهم المشاكل التى تعترض الحركة التكاملية فى أفريقيا باعتبارها الحركة التى تهدف إلى إلغاء الحدود السياسية التى تجزئ القارة الأفريقية، وهذه المشاكل فى رأيه هى:
أولا: الحركة التكاملية قائمة بين دول فقيرة ومتخلفة وهذا مما يجعل تحقيقها أصعب كثيرا مما لو كانت بين دول متباينة فى الفقر والغنى.
ثانيا: اقتصاديات الدول الأفريقية أقيمت إصلاح على أساس أنها اقتصاديات متكاملة مع اقتصاديات الدول الأوربية التى كانت تستعمرها.
ثالثا: من العقبات التى تقف فى طريق نجاح الحركة التكاملية أن بعض الدول الأفريقية ناطقة بالفرنسية، وبعضها ناطقة بالإنجليزية.
رابعا: الحدود غير الطبيعية بين الدول الأفريقية، واختلاف النظم الاقتصادية والسياسية بينها.
وقد أورد كل ذلك فى شكل عموميات يجعلها غير قابلة للمناقشة والتحليل.
أما البحث التاسع الذى كتبه الباحث السوفيتى ففيه يرى أن مصدر الخلافات الحدودية بين الدول الأفريقية هو الاستعمار، كما يرى أن تقسيم القارة الأفريقية ليس إلا آثرا من آثار نظرية توازن القوى التى كانت سائدة فى أوربا فى نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحاضر ثم يقول بعد ذلك أن نحو 44 فى المائة من الحدود الأفريقية قائمة على خطوط العرض وخطوط الطول، و 30 فى المائة منها قائمة على خطوط مستقيمة أو دائرية لا علاقة لها بطبيعة الواقع الأفريقى و 26 فى المائة من الحدود فقط هى التى تعتبر حدودا طبيعية تتمثل فى الجبال والأنهار والبحيرات ويقول كذلك أن الاستعمار هو الذى شجع على بقاء النظام القبائلى ليفرض سيطرته ونفوذه على القارة ثم يقول أيضا أنه عقب الحرب العالمية الثانية كان الاتجاه الغالب فى أفريقيا هو إعادة النظر فى الحدود لتعديلها تعديلا يجعلها تتمشى مع الواقع الأفريقى، ولكن بعد قيام منظمة الوحدة الأفريقية اصبح الاتجاه الغالب هو المحافظة على الحدود القائمة ومحاولة تسوية المنازعات على الحدود سلميا داخل منظمة الوحدة الأفريقية ويقول أخيرا أن الخبراء السوفيت يرون أن هذا الاتجاه الجديد فى صالح أفريقيا وصالح القومية الأفريقية، ولكنه يقرر أن هذا الاتجاه يجب إلا ينصب على الخلافات القائمة بين الدول الأفريقية والدول الاستعمارية.
أما البحث العاشر والأخير فإنه يتضمن ملخصا للأبحاث والمناقشات التى دارت فى المؤتمر، كما يتضمن نقدا علميا لبعض الآراء التى تضمنتها بعض الأبحاث، لا سيما البحث السابع، وهو الخاص بالحدود العسكرية والأيديولوجية التى تفصل بين أفريقيا المتحررة وأفريقيا المستعمرة، لأن الباحث فى رأى هذا الناقد قد اغفل كثيرا من الآراء التى نشرت فى المجلات المتخصصة التى تصدر فى جنوب أفريقيا، وآراء الخصم تكون الاعتبار الذى يعلو اعتبار آراء الأصدقاء والأنصار، ويقترح الناقد عدة موضوعات متفرعة عن مشاكل الحدود تصلح لتكون موضع الدائرة والاهتمام من العلماء والباحثين فى الشئون الأفريقية.