منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#63270
من طبيعة القوانين العضوية هو السعي الدائم لموازنة أستجابة المجتمع لها، وطبيعتها خارج سياق المعنوي والقيم الروحية، ومن تلك الموازنة وأهتماماتها المؤثرة على الأنتماء الاجتماعي، ومن هذه التفاعلات الأجتماعية وكمتطلب حضاري وجد المجتمع المدني، الذي له تأثيره البالغ على حيز السلطة وفاعليتها في الأداء كحكومة تكرس في طبيعتها الأيديولوجية مفهوم الدولة، ومع بدء النهضات السياسية ذات الطابع الفكري والمعرفي، وتأثر نشاط الفرد والجماعة بتلك الأفكار والطروحات التي يغلب عليها مبدأ قيم التحضر والأهتمام الأنساني، بدت ملامح نظرية تبدو بتباين لمفهوم المجتمع المدني، وقد تظهر لهذا المفهوم جل الطاقات الكبرى في الغرب التي سعت الى أيجاد قوة أجتماعية تؤثر على طبيعة الكنيسة السائدة في ذلك الظرف الزمني، وأعطاء الجماهير دوراً ريادياً منظماً في بناء الحياة، عبر التعاون الأجتماعي وقبول النقد وأحترام الاراء.
أن التنظيرات المهمة التي طرحها هيجل ماركس وروسو ولوك وهويز، لابد أن تؤثر في القناعات الأجتماعية رغم السياق التاريخي المربك في جانب تفهم تلك القناعات، وبالفعل جرى ذلك بسبب الحاجة الملحة لتلك الطروحات الأجتماعية ونوعية خطابها التي تراعي الى حد ما الجانب الأنساني وتنميته في نفس المجتمع، وقابليته في تذليل صفة العلاقة بين الفرد والدولة. فكان المجتمع المدني في الفكر الرأسمالي أشبه بخلاصة أنسانية في عدة مجالات، ففي الأقتصاد كانت حرية السوق، وكذلك أستمد المجال السياسي السلطة من أرادة الشعب، ويتأكد فيها مفهوم المواطنة من خلال القانون.
أن ملامح المجتمع المدني وفي شتى الأطر الأجتماعية تتبدل في جوهرها بتبدل الظروف وعلى الأخص في حالة ضمانها الموازنة الموضوعية بين الدولة والفرد، وذلك لما تتضمنه تلك الموازنة من أهمية، وأن التبدل أيضاً تأثر بالطروحات المزامنة والتي تنحصر في حيز تاريخي يكون سلوك القانون في ظرفها يقابله أشمئزاز على أقل تقدير من المنظومة الاجتماعية أن لم يكن ما يسمى عصيان من قبل الدولة، وهو ربما في مرجعيته حق شرعي، لذلك كانت تتوثق العلائق بين الشعب من خلال حسه بأهمية مطلبه وبين الافكار الكبرى التي أعادت صياغة اليوتبيا، باعتبارها أساس فكرة المجتمع المدني ونقطة تفكيره وتأمله.
لقد تركت تعريفات جون لوك ورسائله كبرامج حيوية ومعرفية وكخلاصة مدركة لحيثيات المجتمع المدني وبث قيم مهمة في كيانه، فنجد أن طروحات جون لوك قد ركزت على معايير مهمة وذات طابع أخلاقي من أجل ديمومة التعاقد بين الفرد والمجتمع، ومن أجل أن يتأكد الانتقال من المجتمع الطبيعي الى المجتمع المدني بضمانات وأسس ووسائط منطقية وما قوله (وهكذا فحيث يؤلف عدد من الناس جماعة واحدة ويتخلى كل منهم عن سلطة تنفيذ السنة الطبيعية التي تخصه ويتنازل عنها للمجتمع فينشأ حينذاك فقط مجتمع مدني أو سياسي.
وقد سعى جون لوك لتأكيد معاني مهمة لجعل الفلسفة الفردية محدودة الملامح وكذلك نشاط الدولة وسعة سلطتها لكي يكون المجتمع بأمان بين الفرد والدولة، ومن ذلك المعيار تبدو أهمية المجتمع المدني، وملاءمته للمجتمعات المتحضرة أجتماعياً وسياسياً، والتي لا تعيش تبدلات في البنيتين الأجتماعية والسياسية، وركزت فكرة جون لوك على التنظيم الطوعي، حيث يكون مالكاً لزمام حريته، ويملأ بذلك التنظيم مناطق الفراغ في المجال العام للأسرة والدولة.
أن تبلور الأفكار يشكل أهمية قصوى في بناء المجتمع المدني، وهذا ينصب على فكرة لوك وأهدافها، وتقييمها لفلسفة الذات وحيثياتها وقابلياتها الفطرية في أنشاء مجتمع مدني وربما راعى جون لوك الفكرة الافلاطونية في كون الفرد له حاجات ذاتية، وهناك طابع فطري لاشباع تلك الحاجات ولعدم أستطاعة الفرد ذلك، نشأ المجتمع المدني، أستجابة لتأمين حاجات الفرد وهذا طبعاً ليس تفسيراً مطلقاً، فلابد هناك من دواع أنسانية وأجتماعية أخرى فرضت نفسها على الافراد.
أن جون لوك يطرح خيارات أخلاقية مهمة، ويؤكد أهمية تلك الخيارات، فبدت طروحاته من جانب ما وكأنها دينية، فيما هي طروحات عضوية، ترتكز على معيار مهم في التفسير الأنساني للظواهر، وتنظيم للفطرة الأنسانية والدوافع السلوكية أيضاً، وهو بالتالي تنظيم للعلائق الأجتماعية وأن كان في حيز معين، وأن المجتمع المدني هو الخلاصة الحيوية التي يراها لوك نسقاً تتيح له الصيرورة أنفصالاً للمراقبة أو التمكن من الخيرات والمنافع دون وساطة الحكومة، وهذه أفضل صورة حيوية يمكن أن يرتقي لها الفرد.