منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#63664
العلاقات بين روسيا وايران قائمة، بالأساس، على وحدة المصالح الجيو - سياسية للدولتين. فللبلدين مصلحة في تحجيم النفوذ الأميركي في آسيا الوسطى والقوقاز، وتقليل نفوذ بلدان ثالثة في المنطقة، لا سيما في بحر قزوين، ودعم الاستقرار هناك، والتصدّي لتصاعد الميول الانفصالية في الأراضي الروسية والإيرانية. وازداد بشكل ملحوظ، في هذه الحقبة، نفوذ الصين الاقتصادي في بلدان آسيا الوسطى، حتى أخذ يكتسب طبيعة التوسّع الاقتصادي. وطالما تطمح إيران، شأنها في ذلك شأن روسيا، إلى تعزيز مواقعها في المنطقة نفسها، فقد نشأت لديهما موضوعياً مصلحة في التصدي المشترك لهذا التوسع. كما تتوافق مصالح روسيا وايران في التصدي لمحاولات الولايات المتحدة الرامية إلى تغيير وجهة المسيلات الاقتصادية والتجارية من دول آسيا الوسطى إلى الأسواق الآسيوية، وتحويلها إلى هناك عبر أفغانستان كي لا تمر بشبكات النقل في إيران وروسيا. إلا ان مستوى العلاقات بين روسيا وايران، رغم وحدة الرأي بشأن العديد من القضايا الإقليمية، لا يرقى الى المستوى الذي يصح وصفه بالرفيع والمستقر بشكل كافٍ. فقد تعرضت العلاقات بين البلدين، وكما هو الحال في العقود الماضية، إلى تذبذب كبير. التزمت إيران في الواقع، خلال فترة النزاع مع جورجيا في القوقاز، جانب موسكو العام 2008؛ إلا انها فضلت التريث والانتظار في العام 2009 بشأن الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وفي العام 2010 شهدت علاقة ايران مع روسيا موقفاً سلبياً حينما وافقت موسكو، خلال قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» في طشقند، على كل شروط انتساب الأعضاء الجدد إلى المنظمة؛ والتي تضمنت عدم وجود عقوبات من الأمم المتحدة ضد طالب الانتساب. وعلى الرغم من تأييد معظم أعضاء المنظمة لإدراج بند العقوبات ضمن شروط القبول، فإن الجانب الإيراني يفهم تماماً أن اختيار تلك الشروط تم بناءً على موقف الصين وروسيا. ومع ذلك، ورغم تذبذب مسار العلاقات الثنائية، كان زعماء روسيا وايران يتفهمون ضرورة دفع تلك العلاقات ودعمها.
شراكة اقتصادية
تعد ايران، من الناحية الموضوعية، شريكاً اقتصادياً نافعاً لروسيا يملك إمكانات واسعة وسوقاً داخلياً متطوراً. ورغم الأزمة الكبيرة ونظام العقوبات القاسي، ظلت إيران شريكاً متمكناً يمتلك قدرة شرائية مرموقة. ويفيد آخر تقرير للبنك الدولي للعام 2012 أن المعدل السنوي لنمو الناتج الوطني الإجمالي في إيران للأعوام 2000-2010 بلغ 5,4 %، أي أقل بعض الشيء من معدل السنوات 2000- 2008 وهو 6,0%. ومن حيث تصنيف المراتب الصادر عن البنك الدولي في الأول من يوليو/تموز 2011 تحتل إيران المرتبة التاسعة والعشرين من حيث أحجام الناتج الوطني للعام 2010 (بأسعار الصرف)، والمرتبة الثامنة عشر من حيث تكافؤ القدرات الشرائية. ويعتبر اقتصاد إيران من أكبر اقتصادات دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط، ولا يتقدّم عليه في الواقع سوى اقتصاد تركيا. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي المنشورة في سبتمبر/أيلول 2011 من المتوقع انخفاض الناتج المحلي إلى مستوى 2,5% في 2011-2012، على أن يحدث لاحقاً نمو تدريجي وصولاً إلى 4,6% في العام 2016. وحتى لو وافقنا على هذه التقديرات، التي لم يشكك فيها مركز الإحصاءات الإيراني، بل واستشهد ببعضها، فإنها تدلّ على أن إيران، التي تواجه الأزمة قد تمكنت من تفادي الانهيار الاقتصادي وتجنبت التراجع والانكماش الاقتصادي. ولا يزال مرتفعاً نسبياً (على مستوى 26-27%) معدل الاستثمارات الإجمالية، الأمر الذي يوفر ضمانة لنمو الاقتصاد، خصوصاً اذا أخذنا بالاعتبار التركيبة التكنولوجية الأمثل للاستثمارات المالية، فيما يجري التعويض عن تقلص الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب العقوبات، ونسبتها ليست كبيرة أصلاً، من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة بنتيجة الخصخصة وتنفيذ المشاريع المختلطة. وتفيد توقعات صندوق النقد الدولي أن حصة القطاع الخاص في الاستثمارات الإجمالية ستظل في حدود 18% حتى مارس/آذار 2012، فيما ستشكل في المدخرات الوطنية الإجمالية للفترة 2012-2016 ما بين 35 و37 % من الناتج المحلي الإجمالي. لم تتجاوز الديون الخارجية للفترة 2009-2010 نسبة 6% من الناتج المحلي حسب تقديرات الخبراء الإيرانيين وصندوق النقد الدولي. واعتباراً من الفترة 2010-2011 يبدأ مستوى تلك الديون بالإنخفاض وصولاً إلى نسبة 2,1% بحلول العام 2016.
سيتم تمويل الكثير من المشاريع الإيرانية التي تركتها الشركات الأجنبية من صندوق التنمية النفطية والوطنية الذي تحوّل إليه 20% من صافي عائدات النفط والغاز، وكذلك 50% من متبقيات موازنة صندوق النفط في نهاية كل سنة مالية. وبذلك يصار إلى تقوية قاعدة تطور القطاع الخاص الإيراني وتفعيل نشاطه في دول الجوار. كما يتوسّع القطاع الخاص في الميدان المالي من خلال خصخصة وتمليك البنوك، الأمر الذي يساعد على توسيع الاتصالات مع القطاع الخاص الروسي. وانخفضت حصة مصارف الدولة بنتيجة تلك الإجراءات من 88% إلى 44%. ومن المقرر في السنوات الثلاث المقبلة خصخصة قرابة مئة وخمسين شركة حكومية، الأمر الذي سيساعد على تفعيل النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص الإيراني في الخارج. ولا يزال الاحتياطي الإيراني من الذهب والعملات الصعبة كبيراً بما فيه الكفاية، ففي نهاية العام 2009 بلغ هذا الاحتياطي 131 مليار دولار، ما يعادل أكثر من ثلث الناتج الوطني الإجمالي. وبلغ في بداية العام 2012، حسب التقديرات، 109 مليارات وسبعمئة مليون دولار، مؤمّناً لإيران المرتبة 22 في العالم. في إيران سوق داخلي واسع، بما في ذلك سوق السلع. ويكفي القول إن الأجهزة والمعدات الصناعية شبه الجاهزة تشكل أكثر من 80% من الصادرات الإيرانية. لكل ذلك تجد روسيا مصلحة لها في التجارة مع إيران، لأن المتاجرة معها تؤمن لروسيا فرصة تنويع الاستيراد. بالمقابل تقوم روسيا بتصدير منتجاتها الصناعية وخدماتها العلمية والفنية أساساً إلى إيران، على الرغم من أنها تعتبر مصدّراً للخامات إلى السوق العالمي.
وحسب حصيلة العام 2010 بلغ التداول التجاري الروسي - الإيراني 3,65 مليار دولار، تشكل الصادرات الروسية 3,4 مليار دولار منها. ومع أن حصة إيران في التجارة الخارجية الروسية المقدرة بنحو 0,6% تعد طفيفة للغاية، فمن المهم لروسيا أن صادراتها تفوق استيرادها من إيران بحوالي اثنتي عشرة مرة. أبواب التصدير الروسي الأساسية إلى إيران هي المعادن والمصنوعات المعدنية (حوالى 65%)، والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة (17,5%) والماكينات والتجهيزات والسفن ووسائط النقل والأخشاب والمصنوعات الورقية والسليلوزية. وفي أواخر العام 2010 وقع عقد لتصدير الأسبستوس إلى إيران، ما يعني في الواقع تأمين التشغيل لشركة «تيفا - أسبيست». أما الاستيراد من جمهورية إيران الإسلامية؛ فيتكوّن أساساً من السلع الاستهلاكية (الأنسجة ومصنوعات البلاستيك والسجاد والمصنوعات الزجاجية والأسمدة والمواد الكيمياوية) والمواد الغذائية وكذلك السيارات (طراز «سمند» الإيراني).
علاقات سياسية
اكتسبت العلاقات الاقتصادية مع إيران في السنوات الأخيرة طابعاً سياسياً، ذلك لأنها تؤثر في علاقات روسيا مع الدول الأخرى. ينسحب ذلك، في المقام الأول، على التعاون العسكري والفني مع إيران. فقد نفذت روسيا بالتمام والكمال عقد تزويد إيران بالراجمات الصاروخية الجوية «توب - ميم 1» (توبول)، إلا أنه جرى في العام 2009 في الواقع تجميد إرسال صواريخ «إس - 300» نظراً لموقف إيران بشأن برنامجها النووي.