- الأحد يوليو 21, 2013 11:02 am
#63922
مخاطر العولمة.. الهيمنة الاقتصادية والسياسية
د. احمد عرفات القاضي/ كاتب من مصر ـ جامعة الإمارات
العولمة ظاهرة جديدة لها أوجه متعددة تتصل بحياة الإنسان الاقتصادية والثقافية والسياسية شأنها شأن بقية الظواهر التي يختلف الناس حولها سلبا وإيجابا وقد عرضنا من قبل لموقف المفكرين العرب حول الظاهرة وتقييمهم لها بين القبول والرفض كما أشرنا لموقفهم من سؤال الهوية الثقافية والدينية واليوم نتناول الحديث عن الظاهرة من خلال زاوية أخرى تتصل بواقعنا العربي المعاصر مع بداية القرن الحادي والعشرين وخصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
والذي أصبح العالم العربي والإسلامي ساحة تجارب بعد اتهامه بأنه وراء أحداث سبتمبر/أيلول وأن ثقافته تحض على الإرهاب والعنف وتخاصم الحوار وتؤمن بنظرية المؤامرة التي تفسر تواكلهم وكسلهم في تحقيق نهضة اقتصادية وسياسية وعلمية ملموسة تعبر عن آمال الشعوب المقهورة وآلامها في تنمية مجتمعية بدلا من تفشي ظاهرة البطالة التي تزداد رقعتها يوما بعد يوم وتتحول فيها طاقات الشباب إلى شحنات غضب وانفعال توجه إلى الشر والانتقام بدلا من تحويلها إلى طاقة بناءة تضيف للمجتمع وتسعى لتطويره.
واليوم نتحدث عن الهيمنة السياسية والاقتصادية وخطرها على الأمة ومستقبلها وكيف يمكن تفاديها أو على الأقل تقليل خسائرها.
المخاطر الاقتصادية للعولمة
كان الوجه الاقتصادي من أوائل وجوه ظاهرة العولمة بروزا وقد عبر عن نفسه من خلال الشركات متعددة الجنسيات التي تكتسح في طريقها للانتشار الحواجز والحدود بين الدول والقارات وخصوصا الدول الصغيرة والضعيفة والتي اصطلح على تسميتها دول العالم الثالث والذي ينتمي عالمنا العربي والإسلامي لهذه الدول بامتياز وجدارة والحقيقة أن العولمة تواجه تحديات كبيرة من قبل تيارات كثيرة في الغرب.
وقد حضرت مؤتمر الأحزاب الاشتراكية في بريطانيا في صيف 2001م وشاهدت آلاف المناهضين للظاهرة من مختلف دول أوروبا توافدت لحضور المؤتمر الذي عقد في جامعة لندن آنذاك كما تكرر موقف هؤلاء المعادين للعولمة من قبل في مدينة (سياتل) الأميركية وفي (جنوة) بإيطاليا وفي غيرها حينما يجتمع مجموعة السبعة أو الثمانية الذين يعدون أركان العولمة اقتصاديا والحقيقة أن الظاهرة تسعى لتكريس رأس المال في يد فئة قليلة غير عابئة بمعاناة الأغلبية الساحقة التي تعاني مخاطر الفقر والجوع.
ويكفي أن نشير إلى أن التقارير الاقتصادية التي نشرت توضح زيادة الأغنياء في العالم بنسبة 12في المئة هذا في الوقت الذي يموت فيه سنويا مئات الألوف من الأطفال في إفريقيا وغيرها من الجوع ونقص الطعام أو نتيجة لنقص الدواء كما يحدث في العراق نتيجة للحصار الذي استمر أكثر من اثنى عشر عاما.. ومازال في ظل إدارة الاحتلال الذي لا يعلم أحد إلا الله وحده متى ينتهي خصوصا بعد التصريحات التي تصدر عن بعض عناصر الإدارة الأميركية تؤكد أنها مصممة على البقاء في العراق لأجل غير مسمى، فأين العدل في التوزيع وهو ما يؤكد رؤية مناهضي العولمة والذين يرون فيها تكريسا للظلم وعودة لعصر القهر والعبودية وليس لعصر الرخاء والرفاهية كما يقول بعض المروجين لظاهرة العولمة هنا وهناك.
وقد كان من نتائج الثورة الهائلة في عالم الاتصالات والانفجار المعرفي دور كبير في تسليط الضوء على مثالب العولمة وإبراز عيوبها في المجال الاقتصادي ويكفي أن نشير إلى الكتاب الذي نشره اثنان من الصحفيين الغربيين تحت عنوان فخ العولمة ونشرته سلسلة عالم المعرفة في الكويت بعد ترجمته للغة العربية.
وهو من أوائل الكتب التي تصدت للظاهرة ووضحت مراميها ومخاطرها على الأغلبية التي تعاني من نتائج العولمة التي تسعى لتكريس رأس المال في يد فئة قليلة غير عابئة بهموم الأغلبية وهذا ما تؤكده الإحصائيات التي تشير إلى أن خمسة عشر في المئة من سكان المعمورة تستأثر بأكثر من خمسة وثمانين في المئة من الاقتصاد العالمي وأن أكثر من خمسة وثمانين في المئة من سكان العالم يحصلون على أقل من خمسة عشر في المئة من الدخل فأين العدل والإنصاف.
كما أظهرت الإحصائيات أن رأسمال بعض الشركات يزيد على رأسمال العديد من الدول ليس هذا فقط بل إن رأسمال بعض الأفراد مثل (بيل غيتس) صاحب شركة (مايكروسوفت) يزيد على رأسمال أكثر من عشر دول إفريقية فكيف يتحقق التوازن والاستقرار بين أفراد القرية الكونية وكيف يتحقق الأمن والسلام بين سكان الشمال المتخمين وسكان الجنوب المعدمين.
المخاطر السياسية للعولمة
ومن مخاطر الظاهرة في مجال السياسة أنها تنتقص من سيادة الدولة بالمفهوم القانوني والسياسي للسيادة فمثلا حينما يفرض قانون اقتصادي معين كاتفاقية التجارة الحرة المعروفة بـ(الغات) فإنه يفرض على الدولة الخضوع للقانون وفتح الأبواب لعبور المنتجات والسلع حتى وإن كان في ذلك إغراق للسوق وتهديد للتجارة الداخلية والسلع المحلية.
كما أنها وسيلة لفرض رؤية القوي على الضعيف وهو ما يعرف باسم الهيمنة ومن هنا فكثير من المحللين يطلقون على الظاهرة الأمركة على اعتبار أن أميركا تسعى لفرض هيمنتها على العالم باسم العولمة فمثلا تضغط على المنظمات الدولية لتنفيذ قراراتها وإذا لم تذعن خرجت عن قراراتها وتجاوزتها كما فعلت أميركا في حرب العراق حينما ذهبت للحرب دون تفويض من مجلس الأمن الذي رفض إصدار تفويض يعطي لأميركا الحق باستخدام القوة ضد العراق.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحاول أميركا فرض وصايتها على الجميع فرفضت التوقيع على محكمة الجزاء الدولية وضغطت على أكثر من أربعين دولة منها عدد كبير من الدول العربية التي وقعت على المحكمة بالتوقيع على قرار بعدم ملاحقة الجنود الأميركان أمام تلك المحكمة كمجرمي حرب واستخدمت في ذلك أسلوب التهديد المباشر بقطع المعونة.
وهذا يكرس الحاجز النفسي بين الشعوب وبين الحكومة الأميركية كدولة القطب الواحد والتي يفترض فيها أن تكون قدوة ونموذجا يحتذي بها الآخرون ولكنها تسعى لفرض هيمنتها على العالم وبكل أسف فإن أوروبا التي وقفت ضد الهيمنة الأميركية وهددت بعض دولها باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور قرار من المجلس يتيح لأميركا استخدام القوة ضد العراق كما فعلت فرنسا.
وأيدتها روسيا والصين ودول أخرى ليست عضوا في مجلس الأمن كألمانيا وبلجيكا إلا أن معظم تلك الدول عادت بعد أن فرضت أميركا سيطرتها كقوة احتلال في العراق وتقربت من أميركا وتغاضت عن مواقفها السابقة في معارضة الحرب ووصفها بعدم الشرعية وهو موقف غريب وعجيب من دول عظمى تسعى لتكوين محور وقطب مناويء لأميركا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لكن يبدو أن ذلك هو الأمر الطبيعي في زمن المصالح والمنفعة.
ما العمل؟ وما الحل؟
والسؤال الذي يجب علينا طرحه ما الذي يجب علينا أن نفعله كأمة عربية وإسلامية لمقاومة هذا الخطر الزاحف علينا ويسعى لفرض سطوته وهيمنته سياسيا واقتصاديا؟ بمعنى آخر ما الحل الذي يجب أن نسعى نحوه للتقليل من مخاطر هذه الظاهرة التي أصبحت أمرا واقعا في حياتنا؟ وهل أصبحت العولمة أو الأمركة قدرا لا مفر منه أو قطار النجاة الذي يجب علينا جميعا أن نركبه كما ينادي بعض كتابنا من أنصار الواقعية؟
وهل الحل في مخاصمة أميركا وأن ندير لها ظهورنا أو أن نشجب العولمة ونسمها بكل قبيح رغم أنها أصبحت أمرا واقعا في حياتنا لا يمكن تجاهله ؟ كل هذه الأسئلة وغيرها يجب أن نواجه أنفسنا بها بوضوح وصراحة وهدوء وموضوعية ودون عنترية ومزايدة أو دون تشنج وافتعال حتى يمكن الوصول إلى رؤية واقعية تحافظ على تماسكنا كأمة وعلى مصالحنا الاقتصادية والسياسية وفي نفس الوقت لا تتجاهل الوضع الراهن في المنطقة والعالم بأسره ويمكن أن نوجز ذلك في النقاط التالية:
1 ـ بداية وهذا ليس استسلاما أو تخاذلا يجب أن نعترف أن أميركا القوة الأعظم في عالم اليوم وأن لها مصالح حيوية في المنطقة وبالتالي فمن الحكمة التواصل معها بحوار موضوعي يقوم على معرفة نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف والسعي نحو صيغة مقبولة للتعامل تقوم على احترام حقوقنا كأمة فيما يتصل بخصوصيتنا الثقافية والدينية.
وأن هذه الأمور من الثوابت التي لا يجب العبث بها وتوضيح أن من أسباب سوء الفهم بين شعوبنا العربية والإسلامية والحكومة الأميركية موقفها المنحاز على طول الخط إلى جانب إسرائيل ضد الحق العربي واستخدام ازدواجية في التعامل فيما يخص الصراع العربي (الإسرائيلي) وليس العدل وهو ما يجب أن تسانده الدول العظمى.
2 ـ السعي نحو إقامة تكتل اقتصادي إقليمي عربي فمن أسف أن نعرف أن حجم التجارة البينية بيننا كعرب لا يتجاوز نسبة 8% وهو أمر مخجل بكل المقاييس رغم أننا نمتلك عوامل مشتركة كما توجد في بلادنا كل أنواع الزراعات والصناعات التي تدعم هذا التكتل الاقتصادي علاوة على غنى بلادنا بكل الخيرات من مياه وأرض صالحة للزراعة ومعادن وثروات وشواطيء وغيرها وهو ما تسعى إليه العديد من المنظمات في مختلف أرجاء المعمورة في أوروبا ودول جنوب شرق أسيا ودول أميركا اللاتينية وغيرها.
3 ـ العمل على تركيز رأس المال العربي في البلاد العربية وتوفير البيئة الملائمة للاستثمار والمناخ الصحي الذي يجذب رأس المال من استقرار سياسي واجتماعي وأمني.
4 ـ تنويع الشراكة مع الاتحاد الأوربي ودول أسيا وعدم الاقتصار على الولايات المتحدة الأميركية كشريك وحيد.
5 ـ تفعيل الجامعة العربية ومنظماتها التابعة لها وتشجيعها على ممارسة دور محوري في المرحلة المقبلة بدلا من مهاجمتها لمصلحة أهداف تحاول تقطيع الأواصر والعلاقات العربية العربية.
6 ـ وأخيرا التركيز على بناء المواطن وتنميته باعتباره الأساس لتنمية المجتمع والأمة وذلك لا يكون إلا بضرورة تطوير مناهجنا التعليمية من أسلوب يقوم على التلقين والحشو إلى أسلوب يعتمد على بناء العقل ويدعم استقلال الفرد ويدعو للابتكار والإبداع كما يكون أيضا بضرورة مشاركة الفرد في الحياة السياسية للمجتمع عن طريق مزيد من الحريات والحوار البيني والداخلي من أجل مشاركة حقيقية وليس مجرد شعارات ترفع وقت الضرورة ذرا للرماد في العيون.
هذه أهم النقاط التي يجب أن نسعى بجدية نحوها حتى نستطيع مواجهة طوفان الهيمنة والمخاطر السياسية والاقتصادية التي تقرع أبوابنا بعنف تحت مسمى العولمة وإلا فإنها سوف تنجح في تحقيق أهدافها في تفتيت أمتنا إلى دول فتات صغيرة ومنعزلة كل واحدة عن الأخرى كالجزر التي لا رابط لها حتى تدور في فلكها وتنقطع صلتها بأخواتها.
-----------------
رقم التحضير : 8
الطالب : محمود علواني
الرقم الجامعي : 429107935
المادة : التنمية السياسية (التخلف السياسي)
د. احمد عرفات القاضي/ كاتب من مصر ـ جامعة الإمارات
العولمة ظاهرة جديدة لها أوجه متعددة تتصل بحياة الإنسان الاقتصادية والثقافية والسياسية شأنها شأن بقية الظواهر التي يختلف الناس حولها سلبا وإيجابا وقد عرضنا من قبل لموقف المفكرين العرب حول الظاهرة وتقييمهم لها بين القبول والرفض كما أشرنا لموقفهم من سؤال الهوية الثقافية والدينية واليوم نتناول الحديث عن الظاهرة من خلال زاوية أخرى تتصل بواقعنا العربي المعاصر مع بداية القرن الحادي والعشرين وخصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
والذي أصبح العالم العربي والإسلامي ساحة تجارب بعد اتهامه بأنه وراء أحداث سبتمبر/أيلول وأن ثقافته تحض على الإرهاب والعنف وتخاصم الحوار وتؤمن بنظرية المؤامرة التي تفسر تواكلهم وكسلهم في تحقيق نهضة اقتصادية وسياسية وعلمية ملموسة تعبر عن آمال الشعوب المقهورة وآلامها في تنمية مجتمعية بدلا من تفشي ظاهرة البطالة التي تزداد رقعتها يوما بعد يوم وتتحول فيها طاقات الشباب إلى شحنات غضب وانفعال توجه إلى الشر والانتقام بدلا من تحويلها إلى طاقة بناءة تضيف للمجتمع وتسعى لتطويره.
واليوم نتحدث عن الهيمنة السياسية والاقتصادية وخطرها على الأمة ومستقبلها وكيف يمكن تفاديها أو على الأقل تقليل خسائرها.
المخاطر الاقتصادية للعولمة
كان الوجه الاقتصادي من أوائل وجوه ظاهرة العولمة بروزا وقد عبر عن نفسه من خلال الشركات متعددة الجنسيات التي تكتسح في طريقها للانتشار الحواجز والحدود بين الدول والقارات وخصوصا الدول الصغيرة والضعيفة والتي اصطلح على تسميتها دول العالم الثالث والذي ينتمي عالمنا العربي والإسلامي لهذه الدول بامتياز وجدارة والحقيقة أن العولمة تواجه تحديات كبيرة من قبل تيارات كثيرة في الغرب.
وقد حضرت مؤتمر الأحزاب الاشتراكية في بريطانيا في صيف 2001م وشاهدت آلاف المناهضين للظاهرة من مختلف دول أوروبا توافدت لحضور المؤتمر الذي عقد في جامعة لندن آنذاك كما تكرر موقف هؤلاء المعادين للعولمة من قبل في مدينة (سياتل) الأميركية وفي (جنوة) بإيطاليا وفي غيرها حينما يجتمع مجموعة السبعة أو الثمانية الذين يعدون أركان العولمة اقتصاديا والحقيقة أن الظاهرة تسعى لتكريس رأس المال في يد فئة قليلة غير عابئة بمعاناة الأغلبية الساحقة التي تعاني مخاطر الفقر والجوع.
ويكفي أن نشير إلى أن التقارير الاقتصادية التي نشرت توضح زيادة الأغنياء في العالم بنسبة 12في المئة هذا في الوقت الذي يموت فيه سنويا مئات الألوف من الأطفال في إفريقيا وغيرها من الجوع ونقص الطعام أو نتيجة لنقص الدواء كما يحدث في العراق نتيجة للحصار الذي استمر أكثر من اثنى عشر عاما.. ومازال في ظل إدارة الاحتلال الذي لا يعلم أحد إلا الله وحده متى ينتهي خصوصا بعد التصريحات التي تصدر عن بعض عناصر الإدارة الأميركية تؤكد أنها مصممة على البقاء في العراق لأجل غير مسمى، فأين العدل في التوزيع وهو ما يؤكد رؤية مناهضي العولمة والذين يرون فيها تكريسا للظلم وعودة لعصر القهر والعبودية وليس لعصر الرخاء والرفاهية كما يقول بعض المروجين لظاهرة العولمة هنا وهناك.
وقد كان من نتائج الثورة الهائلة في عالم الاتصالات والانفجار المعرفي دور كبير في تسليط الضوء على مثالب العولمة وإبراز عيوبها في المجال الاقتصادي ويكفي أن نشير إلى الكتاب الذي نشره اثنان من الصحفيين الغربيين تحت عنوان فخ العولمة ونشرته سلسلة عالم المعرفة في الكويت بعد ترجمته للغة العربية.
وهو من أوائل الكتب التي تصدت للظاهرة ووضحت مراميها ومخاطرها على الأغلبية التي تعاني من نتائج العولمة التي تسعى لتكريس رأس المال في يد فئة قليلة غير عابئة بهموم الأغلبية وهذا ما تؤكده الإحصائيات التي تشير إلى أن خمسة عشر في المئة من سكان المعمورة تستأثر بأكثر من خمسة وثمانين في المئة من الاقتصاد العالمي وأن أكثر من خمسة وثمانين في المئة من سكان العالم يحصلون على أقل من خمسة عشر في المئة من الدخل فأين العدل والإنصاف.
كما أظهرت الإحصائيات أن رأسمال بعض الشركات يزيد على رأسمال العديد من الدول ليس هذا فقط بل إن رأسمال بعض الأفراد مثل (بيل غيتس) صاحب شركة (مايكروسوفت) يزيد على رأسمال أكثر من عشر دول إفريقية فكيف يتحقق التوازن والاستقرار بين أفراد القرية الكونية وكيف يتحقق الأمن والسلام بين سكان الشمال المتخمين وسكان الجنوب المعدمين.
المخاطر السياسية للعولمة
ومن مخاطر الظاهرة في مجال السياسة أنها تنتقص من سيادة الدولة بالمفهوم القانوني والسياسي للسيادة فمثلا حينما يفرض قانون اقتصادي معين كاتفاقية التجارة الحرة المعروفة بـ(الغات) فإنه يفرض على الدولة الخضوع للقانون وفتح الأبواب لعبور المنتجات والسلع حتى وإن كان في ذلك إغراق للسوق وتهديد للتجارة الداخلية والسلع المحلية.
كما أنها وسيلة لفرض رؤية القوي على الضعيف وهو ما يعرف باسم الهيمنة ومن هنا فكثير من المحللين يطلقون على الظاهرة الأمركة على اعتبار أن أميركا تسعى لفرض هيمنتها على العالم باسم العولمة فمثلا تضغط على المنظمات الدولية لتنفيذ قراراتها وإذا لم تذعن خرجت عن قراراتها وتجاوزتها كما فعلت أميركا في حرب العراق حينما ذهبت للحرب دون تفويض من مجلس الأمن الذي رفض إصدار تفويض يعطي لأميركا الحق باستخدام القوة ضد العراق.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحاول أميركا فرض وصايتها على الجميع فرفضت التوقيع على محكمة الجزاء الدولية وضغطت على أكثر من أربعين دولة منها عدد كبير من الدول العربية التي وقعت على المحكمة بالتوقيع على قرار بعدم ملاحقة الجنود الأميركان أمام تلك المحكمة كمجرمي حرب واستخدمت في ذلك أسلوب التهديد المباشر بقطع المعونة.
وهذا يكرس الحاجز النفسي بين الشعوب وبين الحكومة الأميركية كدولة القطب الواحد والتي يفترض فيها أن تكون قدوة ونموذجا يحتذي بها الآخرون ولكنها تسعى لفرض هيمنتها على العالم وبكل أسف فإن أوروبا التي وقفت ضد الهيمنة الأميركية وهددت بعض دولها باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور قرار من المجلس يتيح لأميركا استخدام القوة ضد العراق كما فعلت فرنسا.
وأيدتها روسيا والصين ودول أخرى ليست عضوا في مجلس الأمن كألمانيا وبلجيكا إلا أن معظم تلك الدول عادت بعد أن فرضت أميركا سيطرتها كقوة احتلال في العراق وتقربت من أميركا وتغاضت عن مواقفها السابقة في معارضة الحرب ووصفها بعدم الشرعية وهو موقف غريب وعجيب من دول عظمى تسعى لتكوين محور وقطب مناويء لأميركا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لكن يبدو أن ذلك هو الأمر الطبيعي في زمن المصالح والمنفعة.
ما العمل؟ وما الحل؟
والسؤال الذي يجب علينا طرحه ما الذي يجب علينا أن نفعله كأمة عربية وإسلامية لمقاومة هذا الخطر الزاحف علينا ويسعى لفرض سطوته وهيمنته سياسيا واقتصاديا؟ بمعنى آخر ما الحل الذي يجب أن نسعى نحوه للتقليل من مخاطر هذه الظاهرة التي أصبحت أمرا واقعا في حياتنا؟ وهل أصبحت العولمة أو الأمركة قدرا لا مفر منه أو قطار النجاة الذي يجب علينا جميعا أن نركبه كما ينادي بعض كتابنا من أنصار الواقعية؟
وهل الحل في مخاصمة أميركا وأن ندير لها ظهورنا أو أن نشجب العولمة ونسمها بكل قبيح رغم أنها أصبحت أمرا واقعا في حياتنا لا يمكن تجاهله ؟ كل هذه الأسئلة وغيرها يجب أن نواجه أنفسنا بها بوضوح وصراحة وهدوء وموضوعية ودون عنترية ومزايدة أو دون تشنج وافتعال حتى يمكن الوصول إلى رؤية واقعية تحافظ على تماسكنا كأمة وعلى مصالحنا الاقتصادية والسياسية وفي نفس الوقت لا تتجاهل الوضع الراهن في المنطقة والعالم بأسره ويمكن أن نوجز ذلك في النقاط التالية:
1 ـ بداية وهذا ليس استسلاما أو تخاذلا يجب أن نعترف أن أميركا القوة الأعظم في عالم اليوم وأن لها مصالح حيوية في المنطقة وبالتالي فمن الحكمة التواصل معها بحوار موضوعي يقوم على معرفة نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف والسعي نحو صيغة مقبولة للتعامل تقوم على احترام حقوقنا كأمة فيما يتصل بخصوصيتنا الثقافية والدينية.
وأن هذه الأمور من الثوابت التي لا يجب العبث بها وتوضيح أن من أسباب سوء الفهم بين شعوبنا العربية والإسلامية والحكومة الأميركية موقفها المنحاز على طول الخط إلى جانب إسرائيل ضد الحق العربي واستخدام ازدواجية في التعامل فيما يخص الصراع العربي (الإسرائيلي) وليس العدل وهو ما يجب أن تسانده الدول العظمى.
2 ـ السعي نحو إقامة تكتل اقتصادي إقليمي عربي فمن أسف أن نعرف أن حجم التجارة البينية بيننا كعرب لا يتجاوز نسبة 8% وهو أمر مخجل بكل المقاييس رغم أننا نمتلك عوامل مشتركة كما توجد في بلادنا كل أنواع الزراعات والصناعات التي تدعم هذا التكتل الاقتصادي علاوة على غنى بلادنا بكل الخيرات من مياه وأرض صالحة للزراعة ومعادن وثروات وشواطيء وغيرها وهو ما تسعى إليه العديد من المنظمات في مختلف أرجاء المعمورة في أوروبا ودول جنوب شرق أسيا ودول أميركا اللاتينية وغيرها.
3 ـ العمل على تركيز رأس المال العربي في البلاد العربية وتوفير البيئة الملائمة للاستثمار والمناخ الصحي الذي يجذب رأس المال من استقرار سياسي واجتماعي وأمني.
4 ـ تنويع الشراكة مع الاتحاد الأوربي ودول أسيا وعدم الاقتصار على الولايات المتحدة الأميركية كشريك وحيد.
5 ـ تفعيل الجامعة العربية ومنظماتها التابعة لها وتشجيعها على ممارسة دور محوري في المرحلة المقبلة بدلا من مهاجمتها لمصلحة أهداف تحاول تقطيع الأواصر والعلاقات العربية العربية.
6 ـ وأخيرا التركيز على بناء المواطن وتنميته باعتباره الأساس لتنمية المجتمع والأمة وذلك لا يكون إلا بضرورة تطوير مناهجنا التعليمية من أسلوب يقوم على التلقين والحشو إلى أسلوب يعتمد على بناء العقل ويدعم استقلال الفرد ويدعو للابتكار والإبداع كما يكون أيضا بضرورة مشاركة الفرد في الحياة السياسية للمجتمع عن طريق مزيد من الحريات والحوار البيني والداخلي من أجل مشاركة حقيقية وليس مجرد شعارات ترفع وقت الضرورة ذرا للرماد في العيون.
هذه أهم النقاط التي يجب أن نسعى بجدية نحوها حتى نستطيع مواجهة طوفان الهيمنة والمخاطر السياسية والاقتصادية التي تقرع أبوابنا بعنف تحت مسمى العولمة وإلا فإنها سوف تنجح في تحقيق أهدافها في تفتيت أمتنا إلى دول فتات صغيرة ومنعزلة كل واحدة عن الأخرى كالجزر التي لا رابط لها حتى تدور في فلكها وتنقطع صلتها بأخواتها.
-----------------
رقم التحضير : 8
الطالب : محمود علواني
الرقم الجامعي : 429107935
المادة : التنمية السياسية (التخلف السياسي)