- السبت نوفمبر 30, 2013 3:57 am
#66657
بقلم: محمد إبراهيم الدسوقى
فى هدوء تام وبراعة شديدة تمكنت الصين فى غضون فترة وجيزة من الخروج من دائرة العزلة الدولية التى فرضت عليها عقب قمعها بوحشية مظاهرات الطلبة المطالبة بالديمقراطية فى تيان أن مين ـ ميدان السلام السماوى ـ عام 1989.
ولم يكن هذا الخروج سوى مقدمة لظهور صين جديدة أو الأحرى قوة عظمى جديدة على مشارف القرن إلى 21، وهو أمر عبرت عنه بكين بصوت عال مسموع من خلال التغييرات الجذرية التى قامت بها فى بنيتها الاقتصادية والأخذ بنظام السوق الحر، أو السوق الاشتراكى كما تفضل القيادة الصينية أن تطلق عليه، وأصبحت الأولوية للنمو الاقتصادى وليس الأيديولوجية ولكى تتمكن الصين من إدخال سياسة الإصلاح الاقتصادى إلى حيز التنفيذ وتحقق اكثر أحلامها جموحا بأن تصبح قوة اقتصادية كبيرة تمهد لها الطريق لاحتلال مكانة بارزة على السياحة الدولية، فإنها ارتكزت على محورين الأول اقتصادى، والثانى دبلوماسى.
وقبل التطرق إلى هذين المحورين يجب الإشارة إلى نقطتين أولاهما أن الإصلاحات الاقتصادية لم يرتبط بهيا حدوث إصلاحات سياسية من ذلك أن هذه الإصلاحات تمت مع الحفاظ على الشيوعية كإطار لنظامها السياسى وعدم التخلى عنها كما حدث فى روسيا وأوروبا الشرقية التى انهارت أنظمتها الشيوعية.
ثانيهما: أن الذين ينظرون إلى الصين الآن باعتبارها القوة العظمى الأولى فى العالم خلال القرن ألـ21 لا يعتمدون فقط فى أحكامهم على حجمها السكانى ـ اكثر من مليار نسمة ـ وقوتها الاقتصادية النامية فقط، بل يرون أنها تمتلك جميع العناصر الأخرى للقوى العظمى من حيث التسليح الحديث، والقدرة النووية، والنفوذ السياسى، ووجودها ضمن الخمسة الكبار فى مجلس الأمن الدولى الذين لهم حق الاعتراض أو الفيتو.
المحور الاقتصادى:
كانت قرارات المؤتمر ألـ14 للحزب الشيوعى الصينى الذى عقد فى أكتوبر الماضى بمثابة تدشين لسياسة الإصلاح الاقتصادى بصورة رسمية بعد أن تمكنت العناصر الإصلاحية داخل الحزب من تحجيم نفوذ ومعارضة المحافظين لهذه الإصلاحات التى كان من شأنها انتهاج سياسة اقتصادية واضحة المعالم وبرنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يجرى تنفيذه حاليا بثقة وهدوء ليس وليد اليوم، وإنما ترجع بداياته إلى عام 1978 بعد سقوط ما يعرف بعصابة الأربعة والتخلى عن أيديولوجية الثورة الثقافية التى أعلنها الزعيم الصينى الراحل ماوتس تونج وقد رفع راية الانفتاح والإصلاح الزعيم دينج شياوبنج الذى يرى انه من الضرورى الانفتاح على أسواق العالم وتطوراته العلمية وأساليبه التكنولوجية بهدف تحديث الصناعات الصينية والارتقاء بها ويلخص د ينج فلسفته الإصلاحية بقوله ـ لا يهم إذا كان القط رماديا أو اسودا ـ المهم أن يلتهم الفئران، وان المهم ليس الاشتراكية أو الرأسمالية، لكن المهم هو زيادة الإنتاج وتحقيق الرخاء الاقتصادى ومن ثم رفاهية الشعب واللافت للنظر أن تجربة الإصلاح الاقتصادى بدأت فى الريف حيث يعيش 80% من السكان انتقل برنامج الإصلاح للمدن ووقعت عقود بين الحكومة والشركات الصناعية تدفع الشركات بمقتضاها نسبة من ـ الأرباح للحكومة وفقا لنوعية العقد، كما سمح بظهور القطاع الخاص الذى يعمل أساسا فى مجال الخدمات ويشكل 10 % من إجمالى الإنتاج وذلك مع بقاء القطاع العام وقيامه بدوره مع التركيز على رفع مستوى كفاءة العاملين به، خاصة عقب استخدام التكنولوجيا المتطورة وحققت مؤسسات الدولة الكبرى مت جراء ذلك تقدما بسيطا تمثل فى خفض الخسارة التى تعانى منها وقد لعبت الشركات الصينية الموجودة فى الخارج دولى ا بارزا فى التنمية الاقتصادية خاصة إذا علمنا أنها تحقق 100 مليار دولار سنويا، وهو أمر طبيعى فى ظل وجود حوالى 55 مليون صينى بالخارج يشعرون بارتباط قوى بوطنهم الأهم من ذلك أن السلطات الصينية فتحت الأبواب على مصراعيها لاستثمارات الأجنبية وقدمت تسهيلات هائلة للمستثمرين الأجانب ووقعت الصين 40 ألف اتفاقية للاستثمار الأجنبى علم 1992 تصل قيمتها إلى 58 مليار دولار وبلغ حجم الأموال التى استخدمت بالفعل 16 مليارا بزيادة قدرها 50% عن عام 1991 ولشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة حوالى نصف الأموال المستخدمة أو8 مليارات وتشكل القروض النصف الأخر وتعمل حاليا فى الصين اكثر من 70 ألف شركة ومما ساهم فى تنشيط حركة الاستثمارات داخل البلاد إقامة مناطق حرة للتنمية الاقتصادية تعد بمثابة حقول تجارب قابلة للزيادة فقد بدأت هذه المناطق بعدد محدود، سرعان ما زادت ووصلت إلى اكثر من ألفى منطقة مع نهاية العام الماضى، وساعد على هذه الزيادة أن الأقاليم والمقاطعات تمتعت باستقلالية كبيرة فى اتخاذ القرارات الاقتصادية بعيدا عن السلطة المركزية لدرجة انه مع نهاية الثمانينات لم تعد الحكومة المركزية هى المصدر الأول للعملة الصعبة أو المسيطرة عليها سيطرة كاملة عليها إذ اصبح للسلطات المحلية مواردها الخاصة منها بل أن الأمر وصل إلى حد أن بعض المقاطعات أخذت المبادرة فى إقامة بورصات وسن تشريعات للإفلاس خاصة بها وتعد مقاطعة ـ جوانج دونج ـ الواقعة جنوب الصين والمجاورة لهونج كونج خير مثال على ما سبق لأنها حققت طفرة اقتصادية كبيرة خلال فترة قصيرة من عام 1979 ـ 1990 جعلت البعض يصفها بأنها النمر الآسيوى الخاص ويمكن تلخيصها فى الأتى:
(1) إجمالى الناتج السنوى 31 مليار دولار.
(2) معدل النمو الصناعى السنوى 27.2% ولا يزال مستمرا.
(3) تضاعف المرتبات عشر مرات وارتفع متوسط دخل الفرد إلى 100 دولار شهريا مقابل 20 دولار فى المقاطعات المجاورة.
(4) معدل النمو الاقتصادى الشامل 11% سنويا على الرغم من أن الحكومة لا تساهم إلا ب 3% فقط من إجمالى الاستثمارات بالمقاطعة وكانت المحصلة، النهائية لكل هذه التغييرات الجذرية أرقاما وإحصائيات مذهلة، فطبقا لإحصائيات البنك الدولى حققت الصين فى ظل نظمها الاقتصادية الجديدة معدلات عالمية قياسية فخلال حقبة الثمانينات بلغ معدل نمو الإنتاج المحلى الإجمالى 9.7% ومعدل نمو الإنتاج الصناعى 12.6% وتحول هيكل الإنتاج فتراجعت الأهمية النسبية للزراعة من 44% من حجم الإنتاج عام 1965 الـ32 % عام ـ 1989 بينما تقدمت الصناعات الحديثة فاحتلت 48% من حجم الإنتاج وزاد نصيب الفرد من استخدام الطاقة نحو ثلاثة أضعاف ويصف البنك الدولى الأرقام والمعدلات السابقة بأنها على معدلات نمو فى العالم وفى تقرير عن التنمية فى العالم صدر العام الماضى يقول البنك أن اليمين تحتل المركز الثانى فى ترتيب اقتصاديات العالم حيث بلغ متوسط معدلات نمو الناتج المحلى الذى لقيس قيمة السلع والخدمات المنتجة داخل البلاد من 7.7% عام 91 إلى 12% عام 1992 وبلغ 2.34 تريليون ين 4.8 مليارات دولار وارتفع الناتج القومى الذى يشمل الدخل من الخارج إلى 12% أيضا وارتفع حجم التجارة العام الماضى إلى 20% وبلغ 163 مليار دولار وزادت الصادرات 18% وارتفع الإنتاج الصناعى بمعدل 19% والإنتاج الزراعى 3% وقطاع الخدمات 9.4% بينما ارتفع العرض النقدى بمعدل 30% وبمقارنة معدلات النمو الاقتصادى الذى تأمل الحكومة فى زيادتها 4 مرات بحلول عام 2000 ـ فى هذه الفترة نجد أنها توازى 4 أضعاف معدلات النمو فى الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها وتوازى اكثر من ضعف معدلات اليابان ويرى فريق من الخبراء الاقتصاديين أن الصين بعد 20 عاما ستصبح اقوى قوة اقتصادية نى العالم وتزيح الولايات المتحدة من مكان الصدارة الذى احتلته لفترة طويلة يعزز ذلك أن جزيرة هونج كونج ستعود للسيادة الصينية عام 1997 والتى يقدر دخلها القومى ب 40 ملى دولار وتعاملات تجارية تقدر قيمتها ب 60 مليار دولار وبلغ حجم تجارتها المتبادلة مع بكين 80 مليارا العام الماضى فى حين أنها كانت 2.2 مليار عام 1979 علاوة على أن حجم الاستثمارات فى الأصول الثانية بلغ اعلى مستويات منذ عام 1986 ووصل إلى 44.6 مليارا بزيادة 36.3% كما أن الميزان التجارى فى صالح الصين من ذلك أن الفائض التجارى فى النصف الأول من عامى 90 ـ 91 بلغ اكثر من 10 مليارات دولار لكن على الرغم من هذه الإنجازات الاقتصادية الضخمة إلا أن القيادة الصينية تشعر بقلق بالغ إزاء الآثار السلبية التى يمكن أن تنجم عن المرحلة الانتقالية من الاقتصاد المركزى إلى اقتصاد السوق والمتمثلة فى ارتفاع معدل التضخم الذى تشيد الإحصائيات الرسمية إلى انه لا يزال يبلغ حوالى 5% بما قد يؤدى إلى تكرار ما حدث عام 1989 عندما اندلعت مظاهرات طلابية بسبب ارتفاع معدلات التضخم وهو قلق عبرت عنه صحيفة ـ الشعب ـ الناطقة بلسان الحزب الشيوعى بالتحذير من أن الدعوة للإسراع فى التنمية الاقتصادية لا تعنى أن كل واحد يجب أن يقفز للمقدمة ويجب ألا نسلك الطريق القديم بإهمال الكفاءة، وأن نشدد ونتنافس فقط على قيمة الإنتاج فنقيم مشروعات جديدة ونوسع الإنتاج دون تقصيره وقالت إذا لم تنظر إلى الواقع وندرك أن السرعة دون كفاءة لن تدوم طويلا وستخلق فوضى اقتصادية وينتاب المسئولين القلق من أن معظم الاستثمارات الجديدة تدفع من قروض مصرفية فقد قدمت البنك الصينية قروضا قيمتها 22 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الماضى وهو ما يزيد على الحد الذى تستهدفه الحكومة أصلا وتعهد رئيس الوزراء لى بنج بأن القروض التى ستحصل عليها الشركات ستكون قاصرة على تلك المنتجة مما يثير تساؤلا عما إذا كانت الصين قادرة على تحمل المخاطرة السياسية بإعلان إفلاس الشركات الخاسرة التى توظف آلاف العمال والذى أثار هذه النقطة أن الحكومة تلقى بأموالها داخل حفرة سوداء دون أى عائد وذلك فى إشارة للشركات الخاسرة التى تحصل على قروض إضافة لمشكلة هجرة وتسرب العقول الشابة والخبراء المتخصصين للخارج فمنذ عام 78 سافر للخارج 170 ألف مواطن لم يعد أغلبهم كما أرسلت أكاديمية العلوم 7378 باحثا وطالبا لم يعد إلا 3700 منهم فقط وعمل معظمهم فى جامعات أمريكية ويدور حاليا فى الكونجرس الأمريكى مناقشات بصدد منح الإقامة الدائمة لحوالى 80 ألف صينى يدرسون فى الولايات المتحدة ولعل هذا يفسر لنا السر وراء ما تقوم به بكين من تقديم الراءات كثيرة لإقناعهم بالعودة نظرا لحاجتها الماسة لتخصصاتهم التى ستدفع عملية التنمية الاقتصادية للإمام.
المحور الدبلوماسى:
تسببت أحداث ميدان السلام السماوى كما كرنا سابقا فى فرض عزلة دولية على الصين وسعت بكين جاهدة للخروج من طوق هذه العزلة من خلال إعادة ترتيب أولويات وتوجهات سياستها الخارجية وتمثل ذلك فى:
ـ انتهاج أسلوب براجماتى على حساب النهج العقائدى الذى ساد خلال عهد ماو والفترة الانتقالية التى تلت وفاته وكان ابرز معالم هذه البراجماتية أن الصين بدأت تسعى عبر سياستها الخارجية إلى الإفادة واستغلال كافة الأوراق المتاحة فى علاقاتها الدولية والإقليمية بما يحقق لها أقصى قدر ممكن من المنفعة الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية مع تأكيد رفضها بأن تكون مجرد ورقة يمكن استخدامها فى علاقات القوى العظمى ويتفق مع هذه السمة الجديدة تخليها عن التصنيف المبسط للدول والذى يقسمها إلى دون صديقة، وأخرى معادية لأنه لا يوجد أصدقاء بشكل شامل أو أعداء بشكل مطلق وبدأت تركز المجال أمام كسب أصدقاء جدد والتوسع فى العلاقات الثنائية مع كل الدول.
ـ التقليل من حدة التركيز على الجانب الأيديولوجى، أصبحت تدرك أن الانتماء السياسى لدولة أو حزب ما ليس أمرا يعتد به إذا كان هذا التحالف لا يحقق لها مكاسب محددة أو مصالح محددة.
ـ التأكيد على شعار جديد بأن الثورة ليست للتصدير خاصة إزاء دول العالم الثالث وأبرزت فى هذا الإطار مبادئها الخمسة للتعايش السلمى بغض النظر عن الاختلافات فى النظم الاجتماعية والأيديولوجية وهى عدم التدخل فى الشئون الداخلية للآخرين والاحترام المتبادل للسيادة وعدم الاعتداء والمساواة فى التعامل على الصعيد الخارجى والاستفادة المتبادلة ولم تكتف الصين بمجرد تحديد واعين ترتيب أولويات سياستها الخارجية ولكلها أدخلتها على الفور حيز التنفيذ الفعلى، فقام وزير خارجيتا كيان كيشين بحملة دبلوماسية مكثفة تهدف لتحسين علاقاتها مع جيرانها على الجانب الآسيوى ومع أوروبا والقوى الكبرى أثمرت هذه الحملة فى النهاية ففى سبتمبر 1990 قررت بكين إعادة علاقات حسن الجوار مع فيتنام إيذانا بانتهاء الفتور الذى خيم على علاقاتهما الأكثر من عقد بسبب الحرب الصينية الفيتنامية عام 1979 وقامت بتطبيع علاقاتها مع الهند أثناء زيارة بنج لنيودلهى فى ديسمبر 91 فى أول زيارة من نوعها يقوم بها مسئول صينى رفيع المستوى منذ 31 عاما، وزادت علاقاتها تقاربا مع اليابان التى كانت أول دولة صناعية تخفف من العقوبات المفروضة على بكين وساهمت زيارة الإمبراطور اكيهتو العام الماضى لبكين فى إزالة الكثير من الرواسب النفسية والتاريخية الناجمة عن الاحتلال اليابانى للصين خلال فترة الثلاثينات وفى يناير 1991 بدأ الرئيس اصينى جولة شملت سنغافورة وماليزيا وعددا من الدول الآسيوية وتعهد خلالها بفتح أسواق بلاده وفرص الاستثمار أمام الدود الآسيوية وابدى رغبة بكين فى الانضمام إلى التجمع الاقتصادى لدول شرق أسيا بمجرد انتهاء ترتيبات تشكيله وعلى الجانب الأوروبى قام لى بنج بجولة أوروبية لتوثيق العلاقات معها وأصبحت بكين محطة رئيسية لزوار منطقة جنوب شرق أسيا حيث زارها خلال العام الماضى 15 رئيس دولة كان أخرهم روتاى وو الرئيس السابق لكوريا الجنوبية عقب استئناف علاقاتهما الدبلوماسية كما زارها مؤخرا الرئيس الروسى بوريس يلتسين بالإضافة إلى مشاركتها بفاعلية أكثر فى حل القضايا والمشاكل الدولية وتوقيعها معاهدة الحدث من انتشار الأسرة الدولية وحاولت إقناع حليفتها كوريا الشمالية بفتح منشأتها النووية للتفتيش والمشكلة التى تواجه الدبلوماسية الصينية الآن هى توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالنسبة للولايات المتحدة فأن التوتر فى العلاقات معها يعود إلى خلافاتهما التجارية وبيع واشنطن صفقة طائرات مقاتلة من طراز أف ـ 16 لتايوان ـ وهو نفس السبب وراء توتر العلاقات مع فرنسا ـ التى تعتبرها الصين جزءا من أراضها علاوة على انتقادات واشنطن المستمرة لانتهاكات حقوق الإنسان به وربط إدارة الرئيس الأمريكى بيل كلينتون ما بين تحسين علاقاتهما التجارية وتحديد منحها وضع الدولة الأول بالرعاية اقتصاديا واحترام حقوق الإنسان ومنح مزيد من الحريات ويبدو فى الظاهر أن استمرار العلاقات فى مسارها الحالى سيؤدى لمزيد من التوتر بين البلدين ولكن الحقيقة أن هذا لن يحث لسبب بسيط هو أن واشنطن التى تعد أكبر شريك تجارى لبكين حيث يصل قيمة ما تشتريه من الصين إلى 13 مليار دولار فى حين تشترى الصين منها بـ6 مليارات دولار فى حاجه ماسة للأسواق الصينية وحتى إذا لجأت أمريكا للدخول فى صدام معها فأنها تحتاج لمساعدة اليابان وهنان اليابان ستجد أمامها خصما عنيدا قويا وليس ضعيفا ـ كما أن كلينتون الذى يحاول إخراج الاقتصاد الأمريكى من أزمته الحالية يتعرض لضغوط من قبل رجال الأعمال الأمريكيين لتحسين العلاقات تمهيدا لفتح أبواب الاستثمار أمام رؤوس الأموال الأمريكية بالنسبة لبريطانيا، فالخلاف معه تصاعد بسبب خطط كيديس باتن حاكم هونج كونج الخاصة بإجراء إصلاحات سياسية فى الجزيرة وأجواء انتخابات لمجلس تشريعى فى عام 1995 لان هذا يتعارض جذريا مع ما تم الاتفاق عليه بين بكين ولندن فى البيان الختامى المشترك عام 1684 المتعلق بإجراءات انتقال الجزيرة للسيادة الصينية وفى الواقع فأن اعتراض بكين يعود إلى خشيتها من أن يؤدى زرع بذور هذه الإصلاحات إلى عدم قدرتها على التخلص منها وتمسك سكان الجزيرة بها وبالتالى انتقالها لبقية الأراضى الصينية وهو ما لا ترغب فيه وشعور الدوائر الغربية وخاصة الأمريكية منها بالقلق بسبب حجم التحديث الذى يتم حانيا فى الجيش الصينى فى جميع أفرعه لذا نجد أن كلا من واشنطن وطوكيو ـ تضطران إلى اعتبار الصين دوله أولى بالرعاية اقتصاديا وكدم عزلها خشية ما يمكن أن ينجم من وراء هذه العزلة أو قدرتها على الإيذاء، كما قال دبلوماسى غربى، والخوف ثمن انه عندما تصبح قوة اقتصادية فأنها ستبرز هذا عبر سلوك لن يكون فى صالح دول المنطقة خاصة فى ظل وجود خلاف حول سيادة الصين على جزر ـ سبراتلى ـ الواقعة فى بحر الصين الجنوبى ومما جعل دول المنطقة تشعر بضعف فى نقتها إزاء نوايا بكين المستقبلية.
الخاتمة:
وبعد، ومع التسليم بأهمية النتائج التى تمخضت عنها الإصلاحات الاقتصادية فى الصين إلا أن الحقيقة التى لا يمكن إغفالها فى أن شمس الشيوعية ستغيب من سماء بكين التى تدرك جيدا أن الشيوعية كنظام فقدت شرعية تواجدها لدى المواطنين بعد الفشل الذريع فى تطبيقها فى أوروبا الشرقية وغيرها، إضافة إلى أن النجاح والثروة لا يمكن أن تغنى عن الديمقراطية واستنشاق عطرها وقد أثبتت التجربة العملية بالعديد من الدول التى حققت إنجازات اقتصادية هائلة مثل كوريا الجنوبية وتايوان أن توافر المال والسلع لا تغنى عن الديمقراطية ولهذا خرجت شعوبها للشوارع للمطالبة بالديمقراطية والإصلاحات السياسية والسؤال المطروح الآن متى سيحدث ذلك؟.
فى هدوء تام وبراعة شديدة تمكنت الصين فى غضون فترة وجيزة من الخروج من دائرة العزلة الدولية التى فرضت عليها عقب قمعها بوحشية مظاهرات الطلبة المطالبة بالديمقراطية فى تيان أن مين ـ ميدان السلام السماوى ـ عام 1989.
ولم يكن هذا الخروج سوى مقدمة لظهور صين جديدة أو الأحرى قوة عظمى جديدة على مشارف القرن إلى 21، وهو أمر عبرت عنه بكين بصوت عال مسموع من خلال التغييرات الجذرية التى قامت بها فى بنيتها الاقتصادية والأخذ بنظام السوق الحر، أو السوق الاشتراكى كما تفضل القيادة الصينية أن تطلق عليه، وأصبحت الأولوية للنمو الاقتصادى وليس الأيديولوجية ولكى تتمكن الصين من إدخال سياسة الإصلاح الاقتصادى إلى حيز التنفيذ وتحقق اكثر أحلامها جموحا بأن تصبح قوة اقتصادية كبيرة تمهد لها الطريق لاحتلال مكانة بارزة على السياحة الدولية، فإنها ارتكزت على محورين الأول اقتصادى، والثانى دبلوماسى.
وقبل التطرق إلى هذين المحورين يجب الإشارة إلى نقطتين أولاهما أن الإصلاحات الاقتصادية لم يرتبط بهيا حدوث إصلاحات سياسية من ذلك أن هذه الإصلاحات تمت مع الحفاظ على الشيوعية كإطار لنظامها السياسى وعدم التخلى عنها كما حدث فى روسيا وأوروبا الشرقية التى انهارت أنظمتها الشيوعية.
ثانيهما: أن الذين ينظرون إلى الصين الآن باعتبارها القوة العظمى الأولى فى العالم خلال القرن ألـ21 لا يعتمدون فقط فى أحكامهم على حجمها السكانى ـ اكثر من مليار نسمة ـ وقوتها الاقتصادية النامية فقط، بل يرون أنها تمتلك جميع العناصر الأخرى للقوى العظمى من حيث التسليح الحديث، والقدرة النووية، والنفوذ السياسى، ووجودها ضمن الخمسة الكبار فى مجلس الأمن الدولى الذين لهم حق الاعتراض أو الفيتو.
المحور الاقتصادى:
كانت قرارات المؤتمر ألـ14 للحزب الشيوعى الصينى الذى عقد فى أكتوبر الماضى بمثابة تدشين لسياسة الإصلاح الاقتصادى بصورة رسمية بعد أن تمكنت العناصر الإصلاحية داخل الحزب من تحجيم نفوذ ومعارضة المحافظين لهذه الإصلاحات التى كان من شأنها انتهاج سياسة اقتصادية واضحة المعالم وبرنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يجرى تنفيذه حاليا بثقة وهدوء ليس وليد اليوم، وإنما ترجع بداياته إلى عام 1978 بعد سقوط ما يعرف بعصابة الأربعة والتخلى عن أيديولوجية الثورة الثقافية التى أعلنها الزعيم الصينى الراحل ماوتس تونج وقد رفع راية الانفتاح والإصلاح الزعيم دينج شياوبنج الذى يرى انه من الضرورى الانفتاح على أسواق العالم وتطوراته العلمية وأساليبه التكنولوجية بهدف تحديث الصناعات الصينية والارتقاء بها ويلخص د ينج فلسفته الإصلاحية بقوله ـ لا يهم إذا كان القط رماديا أو اسودا ـ المهم أن يلتهم الفئران، وان المهم ليس الاشتراكية أو الرأسمالية، لكن المهم هو زيادة الإنتاج وتحقيق الرخاء الاقتصادى ومن ثم رفاهية الشعب واللافت للنظر أن تجربة الإصلاح الاقتصادى بدأت فى الريف حيث يعيش 80% من السكان انتقل برنامج الإصلاح للمدن ووقعت عقود بين الحكومة والشركات الصناعية تدفع الشركات بمقتضاها نسبة من ـ الأرباح للحكومة وفقا لنوعية العقد، كما سمح بظهور القطاع الخاص الذى يعمل أساسا فى مجال الخدمات ويشكل 10 % من إجمالى الإنتاج وذلك مع بقاء القطاع العام وقيامه بدوره مع التركيز على رفع مستوى كفاءة العاملين به، خاصة عقب استخدام التكنولوجيا المتطورة وحققت مؤسسات الدولة الكبرى مت جراء ذلك تقدما بسيطا تمثل فى خفض الخسارة التى تعانى منها وقد لعبت الشركات الصينية الموجودة فى الخارج دولى ا بارزا فى التنمية الاقتصادية خاصة إذا علمنا أنها تحقق 100 مليار دولار سنويا، وهو أمر طبيعى فى ظل وجود حوالى 55 مليون صينى بالخارج يشعرون بارتباط قوى بوطنهم الأهم من ذلك أن السلطات الصينية فتحت الأبواب على مصراعيها لاستثمارات الأجنبية وقدمت تسهيلات هائلة للمستثمرين الأجانب ووقعت الصين 40 ألف اتفاقية للاستثمار الأجنبى علم 1992 تصل قيمتها إلى 58 مليار دولار وبلغ حجم الأموال التى استخدمت بالفعل 16 مليارا بزيادة قدرها 50% عن عام 1991 ولشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة حوالى نصف الأموال المستخدمة أو8 مليارات وتشكل القروض النصف الأخر وتعمل حاليا فى الصين اكثر من 70 ألف شركة ومما ساهم فى تنشيط حركة الاستثمارات داخل البلاد إقامة مناطق حرة للتنمية الاقتصادية تعد بمثابة حقول تجارب قابلة للزيادة فقد بدأت هذه المناطق بعدد محدود، سرعان ما زادت ووصلت إلى اكثر من ألفى منطقة مع نهاية العام الماضى، وساعد على هذه الزيادة أن الأقاليم والمقاطعات تمتعت باستقلالية كبيرة فى اتخاذ القرارات الاقتصادية بعيدا عن السلطة المركزية لدرجة انه مع نهاية الثمانينات لم تعد الحكومة المركزية هى المصدر الأول للعملة الصعبة أو المسيطرة عليها سيطرة كاملة عليها إذ اصبح للسلطات المحلية مواردها الخاصة منها بل أن الأمر وصل إلى حد أن بعض المقاطعات أخذت المبادرة فى إقامة بورصات وسن تشريعات للإفلاس خاصة بها وتعد مقاطعة ـ جوانج دونج ـ الواقعة جنوب الصين والمجاورة لهونج كونج خير مثال على ما سبق لأنها حققت طفرة اقتصادية كبيرة خلال فترة قصيرة من عام 1979 ـ 1990 جعلت البعض يصفها بأنها النمر الآسيوى الخاص ويمكن تلخيصها فى الأتى:
(1) إجمالى الناتج السنوى 31 مليار دولار.
(2) معدل النمو الصناعى السنوى 27.2% ولا يزال مستمرا.
(3) تضاعف المرتبات عشر مرات وارتفع متوسط دخل الفرد إلى 100 دولار شهريا مقابل 20 دولار فى المقاطعات المجاورة.
(4) معدل النمو الاقتصادى الشامل 11% سنويا على الرغم من أن الحكومة لا تساهم إلا ب 3% فقط من إجمالى الاستثمارات بالمقاطعة وكانت المحصلة، النهائية لكل هذه التغييرات الجذرية أرقاما وإحصائيات مذهلة، فطبقا لإحصائيات البنك الدولى حققت الصين فى ظل نظمها الاقتصادية الجديدة معدلات عالمية قياسية فخلال حقبة الثمانينات بلغ معدل نمو الإنتاج المحلى الإجمالى 9.7% ومعدل نمو الإنتاج الصناعى 12.6% وتحول هيكل الإنتاج فتراجعت الأهمية النسبية للزراعة من 44% من حجم الإنتاج عام 1965 الـ32 % عام ـ 1989 بينما تقدمت الصناعات الحديثة فاحتلت 48% من حجم الإنتاج وزاد نصيب الفرد من استخدام الطاقة نحو ثلاثة أضعاف ويصف البنك الدولى الأرقام والمعدلات السابقة بأنها على معدلات نمو فى العالم وفى تقرير عن التنمية فى العالم صدر العام الماضى يقول البنك أن اليمين تحتل المركز الثانى فى ترتيب اقتصاديات العالم حيث بلغ متوسط معدلات نمو الناتج المحلى الذى لقيس قيمة السلع والخدمات المنتجة داخل البلاد من 7.7% عام 91 إلى 12% عام 1992 وبلغ 2.34 تريليون ين 4.8 مليارات دولار وارتفع الناتج القومى الذى يشمل الدخل من الخارج إلى 12% أيضا وارتفع حجم التجارة العام الماضى إلى 20% وبلغ 163 مليار دولار وزادت الصادرات 18% وارتفع الإنتاج الصناعى بمعدل 19% والإنتاج الزراعى 3% وقطاع الخدمات 9.4% بينما ارتفع العرض النقدى بمعدل 30% وبمقارنة معدلات النمو الاقتصادى الذى تأمل الحكومة فى زيادتها 4 مرات بحلول عام 2000 ـ فى هذه الفترة نجد أنها توازى 4 أضعاف معدلات النمو فى الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها وتوازى اكثر من ضعف معدلات اليابان ويرى فريق من الخبراء الاقتصاديين أن الصين بعد 20 عاما ستصبح اقوى قوة اقتصادية نى العالم وتزيح الولايات المتحدة من مكان الصدارة الذى احتلته لفترة طويلة يعزز ذلك أن جزيرة هونج كونج ستعود للسيادة الصينية عام 1997 والتى يقدر دخلها القومى ب 40 ملى دولار وتعاملات تجارية تقدر قيمتها ب 60 مليار دولار وبلغ حجم تجارتها المتبادلة مع بكين 80 مليارا العام الماضى فى حين أنها كانت 2.2 مليار عام 1979 علاوة على أن حجم الاستثمارات فى الأصول الثانية بلغ اعلى مستويات منذ عام 1986 ووصل إلى 44.6 مليارا بزيادة 36.3% كما أن الميزان التجارى فى صالح الصين من ذلك أن الفائض التجارى فى النصف الأول من عامى 90 ـ 91 بلغ اكثر من 10 مليارات دولار لكن على الرغم من هذه الإنجازات الاقتصادية الضخمة إلا أن القيادة الصينية تشعر بقلق بالغ إزاء الآثار السلبية التى يمكن أن تنجم عن المرحلة الانتقالية من الاقتصاد المركزى إلى اقتصاد السوق والمتمثلة فى ارتفاع معدل التضخم الذى تشيد الإحصائيات الرسمية إلى انه لا يزال يبلغ حوالى 5% بما قد يؤدى إلى تكرار ما حدث عام 1989 عندما اندلعت مظاهرات طلابية بسبب ارتفاع معدلات التضخم وهو قلق عبرت عنه صحيفة ـ الشعب ـ الناطقة بلسان الحزب الشيوعى بالتحذير من أن الدعوة للإسراع فى التنمية الاقتصادية لا تعنى أن كل واحد يجب أن يقفز للمقدمة ويجب ألا نسلك الطريق القديم بإهمال الكفاءة، وأن نشدد ونتنافس فقط على قيمة الإنتاج فنقيم مشروعات جديدة ونوسع الإنتاج دون تقصيره وقالت إذا لم تنظر إلى الواقع وندرك أن السرعة دون كفاءة لن تدوم طويلا وستخلق فوضى اقتصادية وينتاب المسئولين القلق من أن معظم الاستثمارات الجديدة تدفع من قروض مصرفية فقد قدمت البنك الصينية قروضا قيمتها 22 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الماضى وهو ما يزيد على الحد الذى تستهدفه الحكومة أصلا وتعهد رئيس الوزراء لى بنج بأن القروض التى ستحصل عليها الشركات ستكون قاصرة على تلك المنتجة مما يثير تساؤلا عما إذا كانت الصين قادرة على تحمل المخاطرة السياسية بإعلان إفلاس الشركات الخاسرة التى توظف آلاف العمال والذى أثار هذه النقطة أن الحكومة تلقى بأموالها داخل حفرة سوداء دون أى عائد وذلك فى إشارة للشركات الخاسرة التى تحصل على قروض إضافة لمشكلة هجرة وتسرب العقول الشابة والخبراء المتخصصين للخارج فمنذ عام 78 سافر للخارج 170 ألف مواطن لم يعد أغلبهم كما أرسلت أكاديمية العلوم 7378 باحثا وطالبا لم يعد إلا 3700 منهم فقط وعمل معظمهم فى جامعات أمريكية ويدور حاليا فى الكونجرس الأمريكى مناقشات بصدد منح الإقامة الدائمة لحوالى 80 ألف صينى يدرسون فى الولايات المتحدة ولعل هذا يفسر لنا السر وراء ما تقوم به بكين من تقديم الراءات كثيرة لإقناعهم بالعودة نظرا لحاجتها الماسة لتخصصاتهم التى ستدفع عملية التنمية الاقتصادية للإمام.
المحور الدبلوماسى:
تسببت أحداث ميدان السلام السماوى كما كرنا سابقا فى فرض عزلة دولية على الصين وسعت بكين جاهدة للخروج من طوق هذه العزلة من خلال إعادة ترتيب أولويات وتوجهات سياستها الخارجية وتمثل ذلك فى:
ـ انتهاج أسلوب براجماتى على حساب النهج العقائدى الذى ساد خلال عهد ماو والفترة الانتقالية التى تلت وفاته وكان ابرز معالم هذه البراجماتية أن الصين بدأت تسعى عبر سياستها الخارجية إلى الإفادة واستغلال كافة الأوراق المتاحة فى علاقاتها الدولية والإقليمية بما يحقق لها أقصى قدر ممكن من المنفعة الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية مع تأكيد رفضها بأن تكون مجرد ورقة يمكن استخدامها فى علاقات القوى العظمى ويتفق مع هذه السمة الجديدة تخليها عن التصنيف المبسط للدول والذى يقسمها إلى دون صديقة، وأخرى معادية لأنه لا يوجد أصدقاء بشكل شامل أو أعداء بشكل مطلق وبدأت تركز المجال أمام كسب أصدقاء جدد والتوسع فى العلاقات الثنائية مع كل الدول.
ـ التقليل من حدة التركيز على الجانب الأيديولوجى، أصبحت تدرك أن الانتماء السياسى لدولة أو حزب ما ليس أمرا يعتد به إذا كان هذا التحالف لا يحقق لها مكاسب محددة أو مصالح محددة.
ـ التأكيد على شعار جديد بأن الثورة ليست للتصدير خاصة إزاء دول العالم الثالث وأبرزت فى هذا الإطار مبادئها الخمسة للتعايش السلمى بغض النظر عن الاختلافات فى النظم الاجتماعية والأيديولوجية وهى عدم التدخل فى الشئون الداخلية للآخرين والاحترام المتبادل للسيادة وعدم الاعتداء والمساواة فى التعامل على الصعيد الخارجى والاستفادة المتبادلة ولم تكتف الصين بمجرد تحديد واعين ترتيب أولويات سياستها الخارجية ولكلها أدخلتها على الفور حيز التنفيذ الفعلى، فقام وزير خارجيتا كيان كيشين بحملة دبلوماسية مكثفة تهدف لتحسين علاقاتها مع جيرانها على الجانب الآسيوى ومع أوروبا والقوى الكبرى أثمرت هذه الحملة فى النهاية ففى سبتمبر 1990 قررت بكين إعادة علاقات حسن الجوار مع فيتنام إيذانا بانتهاء الفتور الذى خيم على علاقاتهما الأكثر من عقد بسبب الحرب الصينية الفيتنامية عام 1979 وقامت بتطبيع علاقاتها مع الهند أثناء زيارة بنج لنيودلهى فى ديسمبر 91 فى أول زيارة من نوعها يقوم بها مسئول صينى رفيع المستوى منذ 31 عاما، وزادت علاقاتها تقاربا مع اليابان التى كانت أول دولة صناعية تخفف من العقوبات المفروضة على بكين وساهمت زيارة الإمبراطور اكيهتو العام الماضى لبكين فى إزالة الكثير من الرواسب النفسية والتاريخية الناجمة عن الاحتلال اليابانى للصين خلال فترة الثلاثينات وفى يناير 1991 بدأ الرئيس اصينى جولة شملت سنغافورة وماليزيا وعددا من الدول الآسيوية وتعهد خلالها بفتح أسواق بلاده وفرص الاستثمار أمام الدود الآسيوية وابدى رغبة بكين فى الانضمام إلى التجمع الاقتصادى لدول شرق أسيا بمجرد انتهاء ترتيبات تشكيله وعلى الجانب الأوروبى قام لى بنج بجولة أوروبية لتوثيق العلاقات معها وأصبحت بكين محطة رئيسية لزوار منطقة جنوب شرق أسيا حيث زارها خلال العام الماضى 15 رئيس دولة كان أخرهم روتاى وو الرئيس السابق لكوريا الجنوبية عقب استئناف علاقاتهما الدبلوماسية كما زارها مؤخرا الرئيس الروسى بوريس يلتسين بالإضافة إلى مشاركتها بفاعلية أكثر فى حل القضايا والمشاكل الدولية وتوقيعها معاهدة الحدث من انتشار الأسرة الدولية وحاولت إقناع حليفتها كوريا الشمالية بفتح منشأتها النووية للتفتيش والمشكلة التى تواجه الدبلوماسية الصينية الآن هى توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالنسبة للولايات المتحدة فأن التوتر فى العلاقات معها يعود إلى خلافاتهما التجارية وبيع واشنطن صفقة طائرات مقاتلة من طراز أف ـ 16 لتايوان ـ وهو نفس السبب وراء توتر العلاقات مع فرنسا ـ التى تعتبرها الصين جزءا من أراضها علاوة على انتقادات واشنطن المستمرة لانتهاكات حقوق الإنسان به وربط إدارة الرئيس الأمريكى بيل كلينتون ما بين تحسين علاقاتهما التجارية وتحديد منحها وضع الدولة الأول بالرعاية اقتصاديا واحترام حقوق الإنسان ومنح مزيد من الحريات ويبدو فى الظاهر أن استمرار العلاقات فى مسارها الحالى سيؤدى لمزيد من التوتر بين البلدين ولكن الحقيقة أن هذا لن يحث لسبب بسيط هو أن واشنطن التى تعد أكبر شريك تجارى لبكين حيث يصل قيمة ما تشتريه من الصين إلى 13 مليار دولار فى حين تشترى الصين منها بـ6 مليارات دولار فى حاجه ماسة للأسواق الصينية وحتى إذا لجأت أمريكا للدخول فى صدام معها فأنها تحتاج لمساعدة اليابان وهنان اليابان ستجد أمامها خصما عنيدا قويا وليس ضعيفا ـ كما أن كلينتون الذى يحاول إخراج الاقتصاد الأمريكى من أزمته الحالية يتعرض لضغوط من قبل رجال الأعمال الأمريكيين لتحسين العلاقات تمهيدا لفتح أبواب الاستثمار أمام رؤوس الأموال الأمريكية بالنسبة لبريطانيا، فالخلاف معه تصاعد بسبب خطط كيديس باتن حاكم هونج كونج الخاصة بإجراء إصلاحات سياسية فى الجزيرة وأجواء انتخابات لمجلس تشريعى فى عام 1995 لان هذا يتعارض جذريا مع ما تم الاتفاق عليه بين بكين ولندن فى البيان الختامى المشترك عام 1684 المتعلق بإجراءات انتقال الجزيرة للسيادة الصينية وفى الواقع فأن اعتراض بكين يعود إلى خشيتها من أن يؤدى زرع بذور هذه الإصلاحات إلى عدم قدرتها على التخلص منها وتمسك سكان الجزيرة بها وبالتالى انتقالها لبقية الأراضى الصينية وهو ما لا ترغب فيه وشعور الدوائر الغربية وخاصة الأمريكية منها بالقلق بسبب حجم التحديث الذى يتم حانيا فى الجيش الصينى فى جميع أفرعه لذا نجد أن كلا من واشنطن وطوكيو ـ تضطران إلى اعتبار الصين دوله أولى بالرعاية اقتصاديا وكدم عزلها خشية ما يمكن أن ينجم من وراء هذه العزلة أو قدرتها على الإيذاء، كما قال دبلوماسى غربى، والخوف ثمن انه عندما تصبح قوة اقتصادية فأنها ستبرز هذا عبر سلوك لن يكون فى صالح دول المنطقة خاصة فى ظل وجود خلاف حول سيادة الصين على جزر ـ سبراتلى ـ الواقعة فى بحر الصين الجنوبى ومما جعل دول المنطقة تشعر بضعف فى نقتها إزاء نوايا بكين المستقبلية.
الخاتمة:
وبعد، ومع التسليم بأهمية النتائج التى تمخضت عنها الإصلاحات الاقتصادية فى الصين إلا أن الحقيقة التى لا يمكن إغفالها فى أن شمس الشيوعية ستغيب من سماء بكين التى تدرك جيدا أن الشيوعية كنظام فقدت شرعية تواجدها لدى المواطنين بعد الفشل الذريع فى تطبيقها فى أوروبا الشرقية وغيرها، إضافة إلى أن النجاح والثروة لا يمكن أن تغنى عن الديمقراطية واستنشاق عطرها وقد أثبتت التجربة العملية بالعديد من الدول التى حققت إنجازات اقتصادية هائلة مثل كوريا الجنوبية وتايوان أن توافر المال والسلع لا تغنى عن الديمقراطية ولهذا خرجت شعوبها للشوارع للمطالبة بالديمقراطية والإصلاحات السياسية والسؤال المطروح الآن متى سيحدث ذلك؟.