- الأحد ديسمبر 01, 2013 10:04 pm
#67004
ليس من السهولة بمكان تحديد الدوافع التي تدفع بصانعي القرار إلى الأخذ ببعض الخيارات دون غيرها، كما أن صانعي القرار أنفسهم غالبًا لا يكونون على وعي بتلك الدوافع، ويزداد البحث عن دوافع صانعي القرار صعوبة لاستحالة الحصول على بيانات نفسيَّة عن القادة، فمن غير المُحتمَل أن يخضع القادة للاختبارات النفسيَّة، ولا حتى للتحليل النفسي؛ ولذلك يجب الاستفادة من الوسائل غير المباشرة للحصول على تلك المعلومات من خلال تحليل الخُطب، أو استنتاج تلك الخصائص والدوافع من تحليل السلوك، أو من خلال القياس والمقارنة بين الدراسات الإمبيريقية، ومقابلة مساعدي صانعي القرار، وعلى الرغم من صعوبة الملاحظة المباشرة، فإن معظم الأبحاث النفسية التي أُجرِيت حتى الآن تسمح للمرء بالتوصُّل إلى بعض النتائج فيما يتعلَّق بأثر الدوافع النفسيَّة على سلوك الأفراد حينما يَصِلون إلى السلطة.
ومن أهم الدوافع المُحرِّكة لأغلب الزعماء السياسيين - إن لم يكن لكلهم - الحاجة إلى القوة؛ فدراسات عِلم النفس الاجتماعي عن الأفراد الراغبين في القوة تؤكِّد أن هؤلاء الأفراد أكثر تطلُّعًا من غيرهم إلى المراكز القياديَّة، وإلى السيطرة على الآخرين، وأكثر وَلعًا بالجدل وأقل ميلاً نحو الاهتمام بالنواحي الإنسانيَّة، كما أنهم يَنزِعون إلى الشكِّ في الآخرين، وفي الوقت نفسه لا يحبون المخاطرة.
وقد يُمثِّل البحثُ عن القوة لكثير من القادة محاولةً لتعويض الحرمان الذي تعرَّضوا له في طفولتهم، فربما شعروا وهم أطفال بانعدام الحنان بسبب سيطرة الأب أو الأم عليهم، وفي بعض الحالات لم تتكوَّن لهم علاقات جيدة مع رِفاقهم بسبب بعض العيوب الجسدية، فهتلر - على سبيل المثال - كان "صغير الحجم، غير جذاب، وكان في طفولته سقيمًا مُنعدِم الشخصية بسبب غطرسة والده"[1]، وويدرو ويلسون كان طفلاً سقيمًا لم تربِطه علاقة جيدة بوالده، وربما لم يؤثِّر هذا على رغبته في القوة فحسب، ولكنه أسهم في انهياره حينما تحدَّى قراراته الآخرون"[2] [3].
وفي مواجهة الحاجة إلى القوة هناك الحاجة إلى الانتماء، والرغبة في الإنجاز؛ فالشخص ذو الحاجة إلى الإنجاز يَميل إلى قَبُول المخاطرة إن كان في ذلك فرصة لتحقيق الأهداف التي يصبو إليها، ولكنه في الوقت نفسه ليس على استعدادٍ للذَّهاب بالمخاطرة إلى حد بعيد، وإن تطلَّب ذلك الامتناع عن تحقيق تلك الأهداف، أما الشخص ذو الحاجة الشديدة إلى الانتماء، فإنه يحاول جاهدًا الحصول على موافقة الآخرين على ما يفعل، ويَصعُب على هذا الشخص، في مجال العمل السياسي التخلص من مستشاريه، وربما يميل إلى الولاء لهم، حتى وإن اتَّضَح له عدم جدوى هذا الولاء، وربما يُقلِّل هذا الاستعداد المُسبَق من رغبة هذا الشخص في السيطرة بسبب غلبة اهتمامه بالآخرين على الاهتمام بالقضايا الكبرى، كذلك فإن مِثل هذا الشخص يكون غير قادر على اتخاذ القرار بمفرده أو وَفْقًا لرأيه الشخصي.
وقد أظهرت دراسة حول أثر الحاجة للقوة، والانتماء، والرغبة في الإنجاز أُجريتْ على رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين، إن دافع القوة كان مرتبطًا بالميل إلى الدخول في حرب، ومرتبطًا بالفشل في التوصل إلى اتفاقيات الحد من التسلح[4]، وبالعكس، فإن الرؤساء ذوي الحاجة للانتماء وذوي الرغبة في الإنجاز أقل ميلاً إلى التورط في حروب، وأكثر ميلاً نحو اتفاقيات الحد من التسلح، وتتطابَق هذه النتائج مع ما توصَّلت إليه الدراسات التجريبيَّة حول العلاقات بين الأفراد التي أظهرت أن الأفراد الأكثر ميلاً إلى الإنجاز والانتماء هم أيضًا أكثر ميلاً إلى التعاون، أما الأفراد الأكثر ميلاً إلى القوة فنجدهم أيضًا أكثر ميلاً إلى السلوك الاستغلالي والصراعي[5].
وقد وجد مكليلاند - من دراسته للدافع نحو القوَّة والانتماء على المستوى المجتمعي ككل - أنه إن ازداد الدافع نحو القوة في المجتمع - وبالذات إن ازداد على الدافع نحو الانتماء - فإنه من المُحتمَل إلى حدٍّ كبير أن يدخل المجتمع في حرب بعد حوالي خمسة عشر عامًا، كذلك، فقد توصَّل مكليلاند إلى أن الحاجة إلى القوة تزداد في النُّظم الشموليَّة، بينما تنخفض الحاجة إلى الانتماء، وأن ازدياد تلك الحاجة يدفع حتى القادة الإصلاحيين إلى تأييد استعمال العنف باسم التقدم، كذلك فإنه توجَد لدى القادة ذوي الحاجة المنخفضة للانتماء، دوافع إيثار عالية ممزوجة بنزعة حبٍّ للإنسانيَّة عمومًا، كما أنهم أكثر ميلاً إلى الأعمال الحماسية لرفع الغبن عن المظلومين، أضِف إلى ذلك أن الإصلاحيين الذين يهدفون إلى مدِّ مظلَّة حقوق الإنسان إلى الآخرين أو إلى تَمديُن الشعوب الأخرى، ربما يصبحون خطيرين، خاصة حين يحاولون تبرير استخدام العنف لإجبار الآخرين على التفكير والتصرف بطريقتهم هم.
تصوَّر ماكليلاند أيضًا أن الرغبة المتزايدة في الإنجاز ربما تُقدِّم بديلاً للحرب والتوسع الاستعماري[6]، فبدلاً من النظر إلى النزعة السلميَّة البريطانية خلال القرن التاسع عشر على أنها نتيجة آلية لتوازُن القوى، يَفترِض ماكليلاند أن سلام بريطانيا الداخلي والخارجي كان نتيجة انشغالها بالإنجاز في عالم التجارة والصناعة، وقد بلغت حاجة بريطانيا إلى الإنجاز أقصاها منذ عام 1500، بينما بلغت الحاجة إلى القوة أدناها في عام 1600م[7].
وقد أوضحت دراسة أُجريتْ على 36 قائدًا سياسيًّا أمريكيًّا في القرن الحالي أنه إن اجتمعت الحاجة إلى السيطرة مع النزعة الشخصيَّة الانفتاحية، فإن سلوك السياسة الخارجية للقائد السياسي يتأثَّر بشكلٍ مُعيَّن[8]، وتُبيِّن النتائج التي توصَّلت إليها الدراسة، كما هو موضَّح بالجدول رقم 2-1، أن القادة الذين يتَّسِمون بدرجة أعلى من السيطرة على الآخرين أكثر ميلاً إلى التهديد واستخدام القوة العسكرية، كما يَقِل تَعاطُفهم تُجاه سياسة نزع السلاح وإجراءات التحكيم، كما أنهم أكثر ميلاً إلى زعامة الكتل والعالم، أما أولئك القادة الذين يتَّسِمون بدرجة أقل من السيطرة فإنهم أكثر ميلاً إلى استمرار الأوضاع الراهنة، واتباع سياسات توفيقيَّة، ويرتبط ميلُ هؤلاء القادة إلى التغيير بمستوى نزْعتهم الشخصية الانفتاحية، فكلما ازدادت تلك النزعة، ازدادوا ميلاً إلى اتباع سياسات تنطوي على التغيير.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/62964/#ixzz2mFtzXZFu
ومن أهم الدوافع المُحرِّكة لأغلب الزعماء السياسيين - إن لم يكن لكلهم - الحاجة إلى القوة؛ فدراسات عِلم النفس الاجتماعي عن الأفراد الراغبين في القوة تؤكِّد أن هؤلاء الأفراد أكثر تطلُّعًا من غيرهم إلى المراكز القياديَّة، وإلى السيطرة على الآخرين، وأكثر وَلعًا بالجدل وأقل ميلاً نحو الاهتمام بالنواحي الإنسانيَّة، كما أنهم يَنزِعون إلى الشكِّ في الآخرين، وفي الوقت نفسه لا يحبون المخاطرة.
وقد يُمثِّل البحثُ عن القوة لكثير من القادة محاولةً لتعويض الحرمان الذي تعرَّضوا له في طفولتهم، فربما شعروا وهم أطفال بانعدام الحنان بسبب سيطرة الأب أو الأم عليهم، وفي بعض الحالات لم تتكوَّن لهم علاقات جيدة مع رِفاقهم بسبب بعض العيوب الجسدية، فهتلر - على سبيل المثال - كان "صغير الحجم، غير جذاب، وكان في طفولته سقيمًا مُنعدِم الشخصية بسبب غطرسة والده"[1]، وويدرو ويلسون كان طفلاً سقيمًا لم تربِطه علاقة جيدة بوالده، وربما لم يؤثِّر هذا على رغبته في القوة فحسب، ولكنه أسهم في انهياره حينما تحدَّى قراراته الآخرون"[2] [3].
وفي مواجهة الحاجة إلى القوة هناك الحاجة إلى الانتماء، والرغبة في الإنجاز؛ فالشخص ذو الحاجة إلى الإنجاز يَميل إلى قَبُول المخاطرة إن كان في ذلك فرصة لتحقيق الأهداف التي يصبو إليها، ولكنه في الوقت نفسه ليس على استعدادٍ للذَّهاب بالمخاطرة إلى حد بعيد، وإن تطلَّب ذلك الامتناع عن تحقيق تلك الأهداف، أما الشخص ذو الحاجة الشديدة إلى الانتماء، فإنه يحاول جاهدًا الحصول على موافقة الآخرين على ما يفعل، ويَصعُب على هذا الشخص، في مجال العمل السياسي التخلص من مستشاريه، وربما يميل إلى الولاء لهم، حتى وإن اتَّضَح له عدم جدوى هذا الولاء، وربما يُقلِّل هذا الاستعداد المُسبَق من رغبة هذا الشخص في السيطرة بسبب غلبة اهتمامه بالآخرين على الاهتمام بالقضايا الكبرى، كذلك فإن مِثل هذا الشخص يكون غير قادر على اتخاذ القرار بمفرده أو وَفْقًا لرأيه الشخصي.
وقد أظهرت دراسة حول أثر الحاجة للقوة، والانتماء، والرغبة في الإنجاز أُجريتْ على رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين، إن دافع القوة كان مرتبطًا بالميل إلى الدخول في حرب، ومرتبطًا بالفشل في التوصل إلى اتفاقيات الحد من التسلح[4]، وبالعكس، فإن الرؤساء ذوي الحاجة للانتماء وذوي الرغبة في الإنجاز أقل ميلاً إلى التورط في حروب، وأكثر ميلاً نحو اتفاقيات الحد من التسلح، وتتطابَق هذه النتائج مع ما توصَّلت إليه الدراسات التجريبيَّة حول العلاقات بين الأفراد التي أظهرت أن الأفراد الأكثر ميلاً إلى الإنجاز والانتماء هم أيضًا أكثر ميلاً إلى التعاون، أما الأفراد الأكثر ميلاً إلى القوة فنجدهم أيضًا أكثر ميلاً إلى السلوك الاستغلالي والصراعي[5].
وقد وجد مكليلاند - من دراسته للدافع نحو القوَّة والانتماء على المستوى المجتمعي ككل - أنه إن ازداد الدافع نحو القوة في المجتمع - وبالذات إن ازداد على الدافع نحو الانتماء - فإنه من المُحتمَل إلى حدٍّ كبير أن يدخل المجتمع في حرب بعد حوالي خمسة عشر عامًا، كذلك، فقد توصَّل مكليلاند إلى أن الحاجة إلى القوة تزداد في النُّظم الشموليَّة، بينما تنخفض الحاجة إلى الانتماء، وأن ازدياد تلك الحاجة يدفع حتى القادة الإصلاحيين إلى تأييد استعمال العنف باسم التقدم، كذلك فإنه توجَد لدى القادة ذوي الحاجة المنخفضة للانتماء، دوافع إيثار عالية ممزوجة بنزعة حبٍّ للإنسانيَّة عمومًا، كما أنهم أكثر ميلاً إلى الأعمال الحماسية لرفع الغبن عن المظلومين، أضِف إلى ذلك أن الإصلاحيين الذين يهدفون إلى مدِّ مظلَّة حقوق الإنسان إلى الآخرين أو إلى تَمديُن الشعوب الأخرى، ربما يصبحون خطيرين، خاصة حين يحاولون تبرير استخدام العنف لإجبار الآخرين على التفكير والتصرف بطريقتهم هم.
تصوَّر ماكليلاند أيضًا أن الرغبة المتزايدة في الإنجاز ربما تُقدِّم بديلاً للحرب والتوسع الاستعماري[6]، فبدلاً من النظر إلى النزعة السلميَّة البريطانية خلال القرن التاسع عشر على أنها نتيجة آلية لتوازُن القوى، يَفترِض ماكليلاند أن سلام بريطانيا الداخلي والخارجي كان نتيجة انشغالها بالإنجاز في عالم التجارة والصناعة، وقد بلغت حاجة بريطانيا إلى الإنجاز أقصاها منذ عام 1500، بينما بلغت الحاجة إلى القوة أدناها في عام 1600م[7].
وقد أوضحت دراسة أُجريتْ على 36 قائدًا سياسيًّا أمريكيًّا في القرن الحالي أنه إن اجتمعت الحاجة إلى السيطرة مع النزعة الشخصيَّة الانفتاحية، فإن سلوك السياسة الخارجية للقائد السياسي يتأثَّر بشكلٍ مُعيَّن[8]، وتُبيِّن النتائج التي توصَّلت إليها الدراسة، كما هو موضَّح بالجدول رقم 2-1، أن القادة الذين يتَّسِمون بدرجة أعلى من السيطرة على الآخرين أكثر ميلاً إلى التهديد واستخدام القوة العسكرية، كما يَقِل تَعاطُفهم تُجاه سياسة نزع السلاح وإجراءات التحكيم، كما أنهم أكثر ميلاً إلى زعامة الكتل والعالم، أما أولئك القادة الذين يتَّسِمون بدرجة أقل من السيطرة فإنهم أكثر ميلاً إلى استمرار الأوضاع الراهنة، واتباع سياسات توفيقيَّة، ويرتبط ميلُ هؤلاء القادة إلى التغيير بمستوى نزْعتهم الشخصية الانفتاحية، فكلما ازدادت تلك النزعة، ازدادوا ميلاً إلى اتباع سياسات تنطوي على التغيير.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/62964/#ixzz2mFtzXZFu