منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#67015
كتب:السفير السابق : عبدالله بشارة ..
في الوطن الكويتية بتاريخ: الاثنين 4/9/2006 .
تعريف بالكاتب: الممثل الدائم للكويت في الأمم المتحدة لعشرون عاما.
أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي.

المقال:
في لقاء صحافي غير مسبوق، تحدث الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية عن الوضع العربي الراهن، واوجز النقاط في ذلك الحديث المثير:
- تدرس المملكة الوضع العربي المأساوي الذي جعل شعوب المنطقة في حيرة وارتباك حول مصالحها ونظرتها الى العجز الظاهر في تعاطي حكوماتها مع التحديات محذرا من فقدان الهوية العربية، وعلاقاتها بعض الدول العربية مع اطراف على حساب مصلحة العرب انفسهم، وان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وجه حكومته لاعداد الدراسات المطلوبة لتغيير هذا الوضع تمهيدا لعرض الدراسات امام قادة الدول العربية.
- ان التصنيفات التي تسمي الدول العربية الى رجعية، تقدمية، دول صمود وتصد، دول المواجهة، ودول المساعدة، ادت الى شلل العمل العربي المشترك.
- المطلوب الآن هو التقويم الأساسي والموضوعي لدور الجامعة واعضائها وتحديد منهجية العمل المشترك من اجل اصدار قرارات تعالج الوضع بشكل جوهري.
- والمطلوب ايضا تجاوز اجتماعات ردود الفعل: الشجب والاستنكار، وتخطيها الى العمل الايجابي وبما يستجيب لمتطلبات الشعوب العربية.
وهنا يستذكر الامير سعود قواعد العمل العربي في بداية نشأة الجامعة والتناغم بين الدول الاعضاء في ذلك الوقت.
ومن باب الصدف ان تأتي المداخلة المشبعة بالالم من الوضع العام مع تصريحات للسيد سيف الاسلام ـ ابن القذافي ـ الذي نعى فيها حصاد الثورة الليبية في ثلاثين عاما، ومع تصريحات السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي اعترف فيها بأنه لم يتوقع ردة الفعل الاسرائيلي على اختطاف الاسيرين وان واحد بالمائة من الدمار الذي حل في لبنان لا يبرر أسر الجنود الاسرائيليين.
ويتزامن ايضا مع سياسة حافة الهاوية التي يتبناها الرئيس السوداني الذي هدد بالتخلي عن قصر الرئاسة واستبداله بقيادة مقاومة عسكرية ضد أي قوات امنية يقررها مجلس الامن حول دارفور، وتمريغ أنف بريطانيا في التراب كما فعل السودانيون من قبل الذين طردوا المستعمر البريطاني.
ولا نتجاهل صرخة الرئيس محمود عباس «ابومازن» الذي يدعو فيه المنظمات الفلسطينية الى وقف اطلاق الصواريخ التي تأتي للشعب الفلسطيني بالموت والدمار.
جاء قرار الملك عبدالله بوضع دراسة كاملة عن القصور في العمل العربي وسط هذا التشابك من الصراخ والتحدي والارتجال والاعتراف بأخطاء، واتصور ثقل المسؤولية على واضعي هذه الدراسة التي امر بها الملك ليضعها امام القادة العرب لمعالجة النقاط التي اشرت اليها في صدر هذا المقال، والتي لابد لهذه الدراسة ان تشخص المشاكل منذ بداية الخمسينات على الاقل، مع ملاحظة ما يلي:
أولا: خرج العالم العربي منذ بداية الخمسينات من مرجعية العقل الى مرجعية العوام في خطب الميادين التي اعتبرتها زعامات الانقلابات استفتاءات شعبية وشرعية تمنحها التصرف بارادة الشعب وفق قناعة المجموعة العسكرية التي تحتكر الحكم وجاءت بانقلابات غير شرعية.
ادخل الحُكم المصري العسكري الدولة المصرية في صراعات طبقية داخلية متوترة، وادخل في السياسة العربية اساليب التحريض ضد شرعية الدول في ممارسة تخويف وابتزاز وتخوين سببت تصدعات ادت الى تطبيق الحماية الوطنية ضد الهجوم العنيف والسوقي الموجه لقيادات عربية لم تنسجم مع تصورات قيادة مصر، فلجأت هذه القيادة العسكرية الى التحريض والتآمر وكانت حصيلته انقلابات العراق، ليبيا، سورية، اليمن، ومحاولات عنيفة ضد السعودية والمغرب والاردن.
وتولت السلطة في ليبيا وسورية والعراق قيادات غير مؤهلة شاركت مع النظام المصري في دبلوماسية الاثارة والتجريح والدفع نحو حافة الهاوية، مع تقسيم الدول العربية الى رجعية وتقدمية وثورية وخائنة.
خلال تواجدي في الامم المتحدة تعرفت على حجم السخط الامريكي الرسمي وكذلك في مؤسسات الفكر والتحليل والدراسات على مواقف الناصرية من تعهدات امريكية قدمت لاسرائيل للانسحاب من غزة وسيناء عام 1956 مقابل حرية المرور في مضيق تيران، وعلى الغضب الامريكي بسبب دوره في اخراج المحتلين من اراض مصرية، وهو ما سبب الموقف الحاد الذي تبنته واشنطن من احتلال اسرائيل للاراضي المصرية عام 1967، كان هناك شعار دائم وهو لا مكان لسويس اخر في الدبلوماسية الامريكية ولا اعتقد بأن قيادة مصر على اطلاع على حجم الغضب الامريكي من تصرفاتها في مايو 1967 .
سياسة حافة الهاوية، واسترضاء العوام واستفتاء الجماهير اضاعت مصر، واضاعت كذلك سورية فقد استولت مجموعة المندفعين برئاسة صلاح جديد على الحكم عام 1966 وأخذت في التحرش باسرائيل مما ادى الى انفلات الوضع ثم النهاية المؤلمة في حرب 1967 .
نتمنى بأن تتضمن حصيلة الدراسة التي تضعها السعودية تشخيص لتجارب الماضي وابراز الحقائق التي لا يمكن تحاشيها.

ثانيا: وأول هذه الحقائق هو الاذى الذي سببه احتكار القرار بيد شخص واحد او مجموعة عسكرية وما يسمونه بالديكتاتورية العسكرية سواء في حال مصر او ليبيا او السودان، كان الرئيس عبدالناصر ينتظر دائما الانفراج الدبلوماسي الذي قد يأتي من تدخلات دولية مثل ما حصل في عام 1956 وكان يطمح بتكرار التجربة في عام 1967 ويكشف هذا الامل عجز القيادات العسكرية عن فهم المعطيات الدولية وعجزها عن الفهم للعمل الدبلوماسي الدولي وعجزها عن الانسجام والتأقلم مع القواعد التي يقوم عليها نظام الامن العالمي.
ويمكن للدراسة السعودية ان تضع شروطا تقيد الاعتراف العربي داخل الجامعة بالتبدلات غير الشرعية التي قد تحدث بحيث يتم تجميد عضوية الدولة التي تتم فيها انقلابات على شرعيتها ويتم عزلها ومواجهتها.
كما يجب للدراسة ان تتناول كوارث العرب من قبضة الدكتاتوريات العسكرية على شعوبها، لندرس مثلا حالة مصر التي انهكها الحكم العسكري، وليبيا التي افلسها، والسودان التي وترها، وغيرها من الدول العربية.
ثالثا: وهناك شيء آخر في الدكتاتوريات لا يقل خطورة عن الدكتاتوريات العسكرية، وهي دكتاتورية الايدلوجية التحريضية، التي دمرت العراق وادخلتها في حروب مع الجيران، ومع شعب العراق ومع الاسرة العالمية لان العمل السياسي الايدولوجي يسبب التوتر ويخلق الاضطراب ويقسم الشعوب ويثير النعرات الطائفية ويخوف الاقليات، مع عجز كامل عن القراءة الصحيحة للاحداث العالمية ورفض لممارسة التحليل العلمي الموضوعي لها، وتجذير الخوف والهلع داخل طبقات الشعب الواحد مع اللجوء الى وسائل العنف والادوات المخابراتية والاعدامات لتأمين بقاء الحكم.
واذا كان العراق تخلص من التسلط الحزبي الخانق والابادي، تبقى دول اخرى عربية لازالت تعيش تحت قيود الايدولوجية هناك سورية التي تعيش في وضع معقد تتحمل قيادتها الكثير من مسبباته، ابرزها معاناة الشعب من الاحتكار الحزبي للسلطة والارتكاز على آليات الحزب واجهزة المخابرات لتعويم النظام.
وتلجأ سورية الى ايران كحليف استراتيجي يجمعهما هدف المواجهة مع النظام الاقليمي، وربما بسبب هذه الشراكة تمكنت ايران من بناء قواعد سياسية وعسكرية لها عبر حزب الله كشريك في حكم لبنان ومتواجد في جنوبه بأسلحته وبأيدولوجيته.
يتحدث الامير سعود عن الهوية العربية وعلاقات بعض الدول العربية مع اطراف على حساب مصلحة العرب انفسهم، وهنا نشير الى جرأة ايران في طلب حضور اجتماعات وزراء خارجية العرب التي عقدت في بيروت والقاهرة لبحث اوضاع لبنان، والى عدم لياقة وزير خارجية ايران في زيارته الى لبنان ومعارضته للنقاط السبع عند لقائه مع السنيورة رئيس وزراء لبنان، والى طلب ايران من الكويت وربما من دول الخليج الاخرى التنسيق في تقديم المساعدات الى لبنان.
كل ذلك يتم بغطاء بعض العرب سواء في سورية او لبنان او ربما في السودان، لان التوافق الايدولوجي المصلحي يتفوق على قواعد العمل العربي المشترك التي وضعتها الجامعة العربية في بداية حياتها عندما كانت الحكومات تتسلح بالعقل والشرعية والشفافية.
رابعا: يمكن ان يستمع سمو الامير سعود الى اوجاع لبنان مع حزب الله الذي ورط الدولة ودمر قواعدها ويتوصل في الدراسة الى مسببات تلك الاوجاع ومنها العجز العربي عن مجابهة استفرادات حزب الله وتجاوزاته في جنوب لبنان والسكوت العربي عن ممارسة حافة الهاوية وتوظيف الجماهيرية الشعبية كدبلوماسية خانقة للعمل وطاردة للنقد.
ولعل دراسة المملكة القادمة تقول وبصراحة عن مخاطر نشوء دويلات حزبية داخل الدولة الواحدة، بسلاحها وجيشها وايدولوجيتها وتحللها من الاستراتيجية العامة للدولة، واضعاف شرعيتها، ومواجهة مصالحها وتناغمها مع عناصر من الخارج.
في الفترة الماضية كان الحزب الشيوعي في ايطاليا شريكا في الحكومات الائتلافية لكنه لم يملك الجيش ولا الفرق المسلحة ولا يتحدى الامن الوطني للدولة، وتجارب اخرى كثيرة تضم ايدولوجيات بائتلاف ديموقراطي في اطار شرعية راسخة.
خامسا: ونرجو ايضا ان تدخل الدراسة مخاطر الشوفينية القومية الحادة سواء من احزاب مثل البعث او من حركات قومية عنصرية او من منظمات فلسطينية قومية او اسلاموية مثل حماس التي ادت ممارستها الى تجميد احلام الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وتبنت اسلوب التحدي للنظام العالمي برفضها الاتفاقيات المعقودة وقرارات الشرعية الدولية.
دور المجموعة العربية الشرعية التي تمارس مرجعية العقل هو مواجهة مثل هذه المواقف المدمرة سواء من حماس او الجهاد او حزب الله او من الدول التي تدعمها.
خرجت مصر من فصول الدمار منهكة ومتعبة، اعاد الرئيس حسني مبارك الى مصر توازنها وحصنها بالعقلانية وبالحكم الراشد، ويسعى العراق جاهدا الى الانضمام الى كوكب العقلانية مع الاردن والخليج ومصر وتبقى في سورية دائما البراغماتية الشامية التي ستكون العنصر الفاعل في رسم مسيرتها المستقبلية وحتى السودان الصاخب بالتحدي الشعاراتي تخرج منه اصوات العقل والتهدئة وننظر الى ليبيا بعد النعي البليغ لثورتها.
وبهذه الاجواء التفاؤلية ننتظر دراسة الامير سعود حول عودة الروح الى العمل العربي المشترك بقواعد جديدة يرتفع فيها الذوق العربي متخليا عن سوقية البعض.. وتحياتنا الى صوت النقد والصلابة في الدبلوماسية السعودية المتدفقة.
===============

هذا هو الأمير سعود بن الفيصل : أطال الله في عمره، هذا هو راعي الإبل.