منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#67136
لعلاقات الدولية في الإسلام هي العلاقات والصلات الخارجية التي تقيمها الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول والجماعات والأفراد لتحقيق أهداف معينة وفقًا للشريعة الإسلامية.

فقد واجه الإسلام منذ نشأته أوضاعًا سياسية وأحوالاً اقتصادية بالغة التعقيد، ونجح في أن يتعامل معها بأسلوب متميز يختلف عن أساليب الدول السابقة؛ فعقد المعاهدات، واستقبل المستأمنين، وأعان الضعفاء، وراسل الملوك، وبعث الوفود، وتحالف مع القبائل، وفاوض وأقام العلاقات الخارجية؛ كل ذلك بتصوّر إسلاميّ مستمدٌّ من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وحريٌّ بالمسلمين في كل عصر وزمان أن يلتزموا تلك الفاعلية المنتجة المنضبطة بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

أهمية العلاقات الدولية في الإسلام:
الإسلام الرسالة الخاتمة دين أُنزل للبشرية جمعاء، تبدت عالميته في قدرته على التعايش مع كل الجماعات البشرية غير المحاربة؛ من نصارى ويهود، ملوك وفقراء، سود وبيض، إلخ، وفق ضوابط معلومة وقواعد محددة، من أهمها:

- الاعتراف أن الاختلاف بين بني البشر في الدين واقع بمشيئة الله تعالى؛ فقد منح الله البشر الحرية والاختيار في أن يفعل ويدع، أن يؤمن أو يكفر.

- وحدة الأصل الإنساني والكرامة الآدمية: انطلاقًا من قوله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، وقوله عز وجل {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].

- التعارف: لقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وكما ورد في الحديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة: «أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة»(1)؛ فالتعارف أساس دعا إليه القرآن، وضرورة أملَتْها ظروف المشاركة في الدار أو الوطن بالتعبير العصري، وإعمالاً لروح الأخوة الإنسانية بدلاً من إهمالها.

- التعايش: إذ إنّ حياة المتشاركين لا تقوم بغير تعايش سمح: بيعًا وشراءً، قضاءً واقتضاءً، ظعنًا وإقامة، وتاريخ المسلمين حافل بصور التعامل الراقي مع غير المسلمين، وقد حدّد الله سبحانه وتعالى أساس هذا التعايش بقوله: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

- التعاون: كثير من القضايا العامة تشكل قاسمًا مشتركًا بين المسلمين وغيرهم، ويمكن التعاون فيها، كما أنّ الأخطار التي تتهددهم معًا ليست قليلة، ويمكن أن تشكل هذه القواسم المشتركة منطلقًا للتعايش والتعاون، وأهم هذه القواسم المشتركة ما يلي:

1- الإعلاء من شأن القيم الإنسانية والأخلاق الأساسية؛ فالعدل، والحرية، والمساواة، والصدق، والعفة، كلها قيم حضارية تشترك فيها الأديان والحضارات، وترسيخها في المجتمعات هدف مشترك يمكن التعاون عليه.

2- مناصرة المستضعفين في الأرض، وقضايا العدل والحرية ومحاربة الظلم، ومن ذلك اضطهاد السود والملونين في أمريكا، واضطهاد الأقليات الدينية وسائر الشعوب المقهورة، في فلسطين وكوسوفا والشيشان ونحوه؛ فالإسلام يناصر المظلومين من أي جنس ودين.

والرسول صلى الله عليه وسلم قال عن (حلف الفضول) الذي تم في الجاهلية: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحبّ أنّ لي به حُمر النّعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت»(2).

أهداف العلاقات الدولية في الإسلام:
إنَّ صياغة أهداف العلاقات الدولية يجب أن تتم في ضوء المنهج الإسلامي للعلاقات الخارجية الذي حددته الأحكام الشرعية؛ فلا ينبغي أن تضع الدول أهدافها للعلاقات الخارجية في غيبة من الإسلام، ويمكن تفصيل أهداف العلاقات الدولية في الإسلام على النحو التالي:

أولاً: أهداف عامة مشتركة:
1- حماية الدولة: وهو ما يعرف في واقعنا المعاصر بالأمن القومي، ويتطلب سيادة الدولة على أراضيها، وحفظها لحدودها الجغرافية، وبعدها عن تدخل الدول الأخرى عسكريًّا أو سياسيًّا.

2- رعاية المصالح المتبادلة: إذ تسعى كل دولة إلى توفير موارد ذاتية تغنيها عن الحاجة إلى عون خارجيِّ، لكن هذا في واقع الحال صعب المنال؛ لذلك تلجأ الدول إلى أن تكمل نقصها عبر علاقاتها الخارجية، وتبادل المنافع مع الدول الأخرى.

3- الأمن المشترك: فالأمن هو أحد الضروريات التي يحتاجها كل نظام سياسيِّ يسعى إلى الاستقرار، وإذا كان الأمن الداخلي مسألة خاصة بكل دولة فهناك أمن خارجي مشترك بين دول العالم، تحكمه اتفاقيات تضمن عدم اعتداء دولة على أخرى، وقد تتحالف دول معينة وتتفق على التصدي لأي عدوان يهدد دولة في الحلف.

4- السلام العالمي: إنّ الخلافات بين الدول تهدد أمن العالم؛ لذلك اقتضت المصلحة أن يقوم نظام عالمي لرعاية السلام العالميّ، ومنع حدوث خلافات بين الدول، وتوفير آلية لحل الخلافات بينها؛ حفظا للأمن والسلام العالميين، وفي واقعنا المعيش تقوم منظمة الأمم المتحدة وروافدها بهذا الدور.

ثانيًا: أهداف خاصة:
1- نشر الدعوة الإسلامية: فالدولة الإسلامية هي دولة دعوة، تحمل رسالة الإسلام وتبشر بها وتدعو إليها، وتحمل لواء خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة والبلاغ.

2- حماية الأقليّات المسلمة: يطلق على المجموعات التي تعيش في دولة أخرى غير التي تقيم بها اسم (الأقليّات)، والقانون الدولي يعرف الأقليّات القومية، ولا ينظر للأقليّات الدينية مع أنّه حَفِظ لها حقوقها المتعلقة بشعائرها الشخصية، أمّا الإسلام فلا تقف العنصرية أو العرقية حاجزًا أمام الانتماء الأوسع له، ومهمّة الدولة الإسلامية تقتضي حفظ حقوق الأقليات المسلمة دون النظر إلى أصولها العرقية أو العنصرية.

3- درء الأخطار عن الأمة الإسلامية: إنّ الأمة الإسلامية مطالبة بنشر هذا الدين والذود عنه، وحماية معتنقيه والدفاع عن حرماتهم، وإزالة كل العوائق التي تمنعهم من أن يؤدوا فرائض دينهم؛ بل والتي تحول بين غير المسلمين وقبول الإسلام.

مميزات العلاقات الدولية في الإسلام:
1- النظام الإسلامي للعلاقات الدولية يتميز بثبات المصادر (القرآن، والسنة، واجتهاد الفقهاء)، وعدم خضوعها للمتغيّرات والأحداث، كما يتميّز بالمرونة في الاستجابة لمتغيّرات الزمان والمكان والحال.

2- للشريعة الإسلامية أو الدين مكانٌ واضح في مفهوم العلاقات الدولية؛ فالشريعة بمثابة الباعث المحرك لأهداف العلاقات الدولية؛ لذلك لا يتصوّر فصل الدين عن العلاقات الدولية كما يحدث في الديانات الأخرى.

3- العلاقات الدوليّة في الإسلام ليست انفعاليّة بل مبدئيّة تنطلق من قيم العدل والسلام والتسامح والحرية ومساعدة المظلوم والوفاء بالعهود ونحوه.

4- العلاقات الدولية في الإسلام مفهومها متسع، ولا يقتصر على الدول؛ بل يشمل المؤسسات والأفراد؛ إذ يستطيع فرد أن يعطي الأمان لآخر «ويسعى بذمتهم أدناهم».

5- العلاقات الدولية في الإسلام شموليّة تخاطب الناس جميعًا؛ أفرادًا وجماعات، انطلاقًا من شمول الإسلام.

6- وسائل العلاقات الدولية في الإسلام نبيلة سامية، ومبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) لا وجود له في التصور الإسلامي.

7- المصالح العامة للبشرية (كالسلام العالمي) من الأهداف الرئيسية للدولة الإسلاميّة، خلافًا لما عليه الحال في كثير من الدول الغربية التي تقدم مصالحها الذاتية على المصالح العامة للبشرية.

8- الإسلام لا يعرف الازدواجية في العلاقات الدولية، كما يُلاحظ في المؤسسات الدولية العالمية كالأمم المتحدة وروافدها.

9- الإسلام سبق كل النظريات المعاصرة في وجوب مواجهة الطغيان بقوّة تردعه، وهو ما يطلق عليه اليوم (الردع)، أو (القوة الرادعة).

10- العلاقات الدوليّة في الإسلام تنبع من الإسلام، ولا يحكمها أيّ مؤثر خارجي؛ الأمر الذي يوفر لأي دولة استقلالاً كاملاً في اتخاذ مواقفها الخارجية والداخلية.