- الثلاثاء ديسمبر 03, 2013 9:53 pm
#67512
--------------------------------------------------------------------------------
الطائفية في المشهد السوري
عبد العزيز كحيل
منذ اندلاع الثورة السورية قبل عام – وحتى قبل ذلك في الحقيقة – ونحن نلاحظ أن المحللين السياسيين والإعلاميين على اختلاف مشاربهم يتفادَون الحديث عن طائفية النظام الحاكم وعن الضيم الذي يعانيه أهل السنة، وإذا حدث أن تناول متدخّل أو كاتب هذا الموضوع ولو بإشارة سيقت له تهمة الطائفية وصُوّر بمظهر المتآمر على الوطن ووحدته وأمنه واستقراره، فهؤلاء يسوّفون صورة بلد متجانس بعيد عن الوضع الطائفي ينعم فيه الجميع بالمساواة السياسية والقانونية والاجتماعية بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية، وهذه مغالطة كبرى بل هي كذب صريح، فالجميع يعلم أنّ الأقلية النصيرية (التي أصبحت تحمل اسم العلويّين، وهي طائفة شيعية مغالية في معتقداتها بحيث لا تمتّ بصلة إلى الإسلام في نظر المسلمين) التي تنتمي إليها عائلة " الأسد " هي التي تحكم سورية منذ الانقلاب العسكري الذي قام به حافظ الأسد في 1970، فهي تستأثر بمناصب القيادة السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية، وتهيمن على الاقتصاد والاعلام ، أمّا الأغلبية المسلمة من أهل السنة فلا نصيب لها في كلّ هذا سوى مناصب ثانوية تُمنَح لبعض المصلحيّين الذين يدورون مع الحاكم حيث دار ويقنعون بالفُتات المتساقط من موائده، وهذه حقيقة لا يماري فيها أحد لوضوحها وثباتها منذ أربعين سنة، ولأنّ النظام حكم طول هذه الفترة بالحديد والنار فقد جعل من ثوابته إنكار " الطائفية " ،فهو يمارسها على جميع الأصعدة ويلعنُها في تصريحاته، ويعتبرها – من الناحية النظرية – مرفوضة، وهي خطّه السياسي الذي لا يحيد عنه ، والخاسر الأكبر هم أهل السنّة الذين يُشكّلون 80 بالمئة من السكّان أو أكثر ويُعامَلون كأقلّية عليها عن ترضى بالمواطنة من درجة دنيا، إلى درجة أن يصبحوا يتمنّون أن يحضوا بامتيازات الدروز والمسيحيين... فهؤلاء – في مجملهم – حرّاس الطائفية والسياج الواقي للنظام من الأغلبية المسلمة السنية، هكذا كان النظام البعثي ،ولم تغيّر الثورة من ذلك شيئا بل ازداد تقوقعاً على طائفيته ، ومن المؤسف أنّ الأقليّات انحازت للطاغية رغم بطشه وإجرامه ولم تلتحق بالثورة التي لا تنادي بطائفية أخرى وإنّما تدعو إلى الحرية والكرامة وتحرير البلاد من حكم الأسرة المتسلّطة الفاسدة، أجل، رأينا أفراداً من العلويّين والمسيحيّين ينضمّون للثورة، ورأينا بعض المنتمين لأهل السنة يتشبّثون بالنظام المتهاوي رغَبًا ورهبًا، وحرص الشعب الثائر على إعلانها ثورة سلمية وطنية لا مكان فيها للطائفية حتّى لا تُستنسخ خطيئة النظام البعثي مرّة أخرى، وقد خصّصوا إحدى جُمع الاحتجاجات الشعبية لواحد من الرموز الوطنية، " الشيخ صالح العليّ " وهو علوي كان ممّن قادوا المقاومة ضدّ الاحتلال الفرنسي، وضمّ المجلس الوطني السوري ناشطا علويًّا، وأعلنت الفنّانة فدوى سليمان انضماما للثورة، وهي علويّة، فهذه من علامات التماسك الوطني في الثورة السورية التي يعي أبناؤها جدا لعب السلطة الاستبدادية على العنصر الطائفي لتمزيق وحدة المعارضة وتشتيت قواها والتشويش على الانتفاضة السلمية، وقد فهم الجميع الرسائل الضمنية التي يبعث بها النظام للأطراف الداخلية والإقليمية والعالمية، والتي تستبطن التهديد بتفجير المجتمع السوري لتمتدّ الأزمة إلى الجوار المتشكّل – مثل سورية – من طوائف ومذاهب وأديان متعدّدة ، لكنّ الحقيقة المؤسفة أن انخراط العلويّين في الثورة محدود جدّا رغم نداءات العقلاء لهم – من جهات وطنية عدّة – للتنصّل من السلطة المستبدّة والالتحاق بالمطالبين بالحرية والكرامة في ظلّ نظام جديد يتّسم بالتعدّدية والعدل في إطار اللحمة الوطنية التي عاش السوريّون في كنفها زمنًا طويلا ولم يعكّر صفوَها سوى النظام التي حارب كلّ أشكال التعدّدية واختار الطائفية وفرَضها بالقوّة والإكراه على عموم الشعب، وكان المتضرّر الأكبر منها هم أهل السنّة الذين غدوا الأغلبية المقهورة التي يجب عليها تحمّل الوضع بصمت واستكانة، فإذا اشتكت منه شكاية مشروعة اتُّهمت هي بالطائفية، كما هو الحال الآن تمامًا، وقد زاد الأمر خطورة منذ تحالف النظام السوري مع نظيره الإيراني، وبدأ التشيّع يسري في دمشق وغيرها برعاية رسمية – وإن كانت ضمنيّة غير صريحة – وتزامن ذلك مع التضييق الثقافي والدعوي على الأوساط السنيّة، وتحدّثت التقارير والشهادات الحيّة عن الاعتداء على رموز أهل السنّة، فلم ينجُ حتّى الأموات في قبورهم، وطال سوء المعاملة قبري شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم، وقد حدّثني بذلك صديق وقف على ذلك منذ سنوات قليلة.
إنّ أهل السنّة في سورية كما في غيرها من البلاد لا يدعون إطلاقًا إلى " التطهير" المذهبي ،خلافًا لما تزعم الدعاية المغرضة، وإنّما يطالبون بالمساواة في إطار نظام سياسي واجتماعي لا يُظلم ولا يُقصى ولا يقرَّب ولا يطغى فيه أحد بسبب مذهبه، و لا تستأثر فيه الأقلية بالسلطة والامتيازات في حين تُهضم حقوق الأغلبية ، فهذا خلل مجتمعي لا يقرّه دين ولا شرعة عادلة ولا عقل سويّ، فمن حقّ الأغلبية في كلّ مكان أن تكون مرجعيّتُها الحضارية هي السائدة على أن تُحفَظ الخصوصيّات الدينية والثقافية لمختلف الأقليات من أبناء البلد ، فهذا هو الضمان الحقيقي للاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو بالنسبة للمسلمين دين يتعبّدون الله به، فضلا عن أنّ العلاقة بين الأغلبية والأقلية أو الأقليات – سواء كانت دينية أو مذهبية أو سياسية – تحكمها هذه القاعدة في جميع الدول المتحضّرة والملتزمة بأسس العدل ، بينما يغيب هذا الاستقرار وتضطرب العلاقات الاجتماعية حين تستند الدولة إلى " دكتاتورية الأقلية "، ويحدث نفس الشيء حين تتنكّر الأغلبية لحقوق الأقلية وتهضمها وتعمل على طمس هويّتها ، وهو ما يحدث لأهل السنة في إيران، ففي ظل النظام " الإسلامي " الذي أقامه الخميني لم يتبوأ منصب الوزارة مسلم سنيٌ واحد رغم انّ أهل السنّة اقلية كبرى هناك، ولا أعلم أنّ لديهم ممثّلين في البرلمان ، بخلاف اليهود الذين لهم فيه حضور رغم عددهم القليل في البلد ، وقد أصبح معلومًا أنّ طهران هي العاصمة الوحيدة في العالم التي ليس فيها مسجد لأهل السنّة.
يدندن أعداء الثورة السورية حول مخاطر الطائفية ويدعو بعضّهم إلى الالتفاف حول برنامج علماني يُقصي المرجعية الدينية في النظام المستقبلي، ويتصايح كثيرون بالدولة المدنية ، وكلّ هذا يمكن تلخيصه في محاولة زجّ أهل السنة في الركن الضيّق حتى يبقوا أكثرية مغلوبة بل مسحوقة تئنّ تحت رحمة الأقليّات، ولا شكّ أنّ أوضاع العراق لا تعزب عن المسلمين السوريّين وتدعوهم إلى البصيرة والوعي العميق بالتعقيدات السياسية ، فالنظام الذي نصّبه الأمريكان في بغداد طائفي بامتياز ومع ذلك يصمّ الآذان بالتحذير من الطائفية ويتّهم أهل السنة بها، وهم ضحايا سياساته الإقصائية والإجرامية .
إنّ الثورة السورية المباركة ما زالت ملتفّة حول مشروع وطني متماسك يهدف إلى إسقاط الطاغية ونظامه، وهي تعمل يوميّا على استقطاب جميع الطوائف بغضّ النظر عن انتماءاتها ، وهذه مسألة إيجابية تُشكر عليها ، لأن المستقبل لكلّ أبناء البلد الصالحين، والخطوة الحاسمة منتظَرة من الطوائف التي ما زالت متخندقة مع النظام رغم جرائمه البشعة وكأنّها تصغي إلى الذين يُخوّفونها من حملات الانتقام منها عند انتصار الثورة ، وهم يومئون هنا إلى أهل السنة بطبيعة الحال ، رغم أنّ هؤلاء أصحاب دين وأخلاق ومروءة ، تربّوا على الصفح والمسامحة وجمع الشمل والتماس الأعذار للمخطئين، فهل حدثت مذابح في تونس أو مصر او ليبيا استهدفت أنصار الأنظمة البائدة؟ إنّما وقع ذلك في إيران بشكل واسع بعد الإطاحة بالشاه، بإشراف رجال الدين الشيعة ، أمّا علماء أهل السنة فدأبُهم الدعوة إلى الحسنى والتجاوز عن المسيئين واحترام حقوق الانسان والاحتكام إلى القضاء المستقلّ ، فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن ؟ وأهل السنة ليس الغدر من شيَمهم، وقد جرّبهم الناس في ذلك، فغير قليل منهم اصطفّوا مع حزب الله في حرب 2006 ضدّ العدوّ الصهيوني المشترك متناسين الخلافات المذهبية، فكان الجزاء أن حملت ميليشيات حسن نصر الله السلاح- بعد انتهاء تلك الحرب - وشرعت في تطهير بيروت من أهل السنة لتصبح خالصة للشيعة، وقتلت من أبريائهم عددًا كبيرًا، فمن يصدّق بعدَ شواهد الماضي والحاضر والنظرية والتطبيق أنّ أهل السنّة طائفيون؟ أليست الطائفية الشيعية هي التي تجيّش ضدّهم حكومة العراق وإيران وأذرعهما في المنطقة لمحاربة طلاّب الحرية في سورية وحشد التأييد السياسي والعسكري؟ هل تريد بغداد التي يحكمها نظام طائفي بامتياز أن يكرّر تجربتها المأساوية في الشام، وهي التي تظلم أهل السنّة وتضيّق عليهم وتمنعهم حتى من الشكوى تحت طائلة اتهامهم بالطائفية !!!
ستنتصر الثورة السورية بإذن الله ولن تلفظ اليوم ولا غدا إلاّ من أصرّ على تسيير الأغلبية بتسلّط الأقلية، وتمادى في البغي والعدوان.
الطائفية في المشهد السوري
عبد العزيز كحيل
منذ اندلاع الثورة السورية قبل عام – وحتى قبل ذلك في الحقيقة – ونحن نلاحظ أن المحللين السياسيين والإعلاميين على اختلاف مشاربهم يتفادَون الحديث عن طائفية النظام الحاكم وعن الضيم الذي يعانيه أهل السنة، وإذا حدث أن تناول متدخّل أو كاتب هذا الموضوع ولو بإشارة سيقت له تهمة الطائفية وصُوّر بمظهر المتآمر على الوطن ووحدته وأمنه واستقراره، فهؤلاء يسوّفون صورة بلد متجانس بعيد عن الوضع الطائفي ينعم فيه الجميع بالمساواة السياسية والقانونية والاجتماعية بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية، وهذه مغالطة كبرى بل هي كذب صريح، فالجميع يعلم أنّ الأقلية النصيرية (التي أصبحت تحمل اسم العلويّين، وهي طائفة شيعية مغالية في معتقداتها بحيث لا تمتّ بصلة إلى الإسلام في نظر المسلمين) التي تنتمي إليها عائلة " الأسد " هي التي تحكم سورية منذ الانقلاب العسكري الذي قام به حافظ الأسد في 1970، فهي تستأثر بمناصب القيادة السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية، وتهيمن على الاقتصاد والاعلام ، أمّا الأغلبية المسلمة من أهل السنة فلا نصيب لها في كلّ هذا سوى مناصب ثانوية تُمنَح لبعض المصلحيّين الذين يدورون مع الحاكم حيث دار ويقنعون بالفُتات المتساقط من موائده، وهذه حقيقة لا يماري فيها أحد لوضوحها وثباتها منذ أربعين سنة، ولأنّ النظام حكم طول هذه الفترة بالحديد والنار فقد جعل من ثوابته إنكار " الطائفية " ،فهو يمارسها على جميع الأصعدة ويلعنُها في تصريحاته، ويعتبرها – من الناحية النظرية – مرفوضة، وهي خطّه السياسي الذي لا يحيد عنه ، والخاسر الأكبر هم أهل السنّة الذين يُشكّلون 80 بالمئة من السكّان أو أكثر ويُعامَلون كأقلّية عليها عن ترضى بالمواطنة من درجة دنيا، إلى درجة أن يصبحوا يتمنّون أن يحضوا بامتيازات الدروز والمسيحيين... فهؤلاء – في مجملهم – حرّاس الطائفية والسياج الواقي للنظام من الأغلبية المسلمة السنية، هكذا كان النظام البعثي ،ولم تغيّر الثورة من ذلك شيئا بل ازداد تقوقعاً على طائفيته ، ومن المؤسف أنّ الأقليّات انحازت للطاغية رغم بطشه وإجرامه ولم تلتحق بالثورة التي لا تنادي بطائفية أخرى وإنّما تدعو إلى الحرية والكرامة وتحرير البلاد من حكم الأسرة المتسلّطة الفاسدة، أجل، رأينا أفراداً من العلويّين والمسيحيّين ينضمّون للثورة، ورأينا بعض المنتمين لأهل السنة يتشبّثون بالنظام المتهاوي رغَبًا ورهبًا، وحرص الشعب الثائر على إعلانها ثورة سلمية وطنية لا مكان فيها للطائفية حتّى لا تُستنسخ خطيئة النظام البعثي مرّة أخرى، وقد خصّصوا إحدى جُمع الاحتجاجات الشعبية لواحد من الرموز الوطنية، " الشيخ صالح العليّ " وهو علوي كان ممّن قادوا المقاومة ضدّ الاحتلال الفرنسي، وضمّ المجلس الوطني السوري ناشطا علويًّا، وأعلنت الفنّانة فدوى سليمان انضماما للثورة، وهي علويّة، فهذه من علامات التماسك الوطني في الثورة السورية التي يعي أبناؤها جدا لعب السلطة الاستبدادية على العنصر الطائفي لتمزيق وحدة المعارضة وتشتيت قواها والتشويش على الانتفاضة السلمية، وقد فهم الجميع الرسائل الضمنية التي يبعث بها النظام للأطراف الداخلية والإقليمية والعالمية، والتي تستبطن التهديد بتفجير المجتمع السوري لتمتدّ الأزمة إلى الجوار المتشكّل – مثل سورية – من طوائف ومذاهب وأديان متعدّدة ، لكنّ الحقيقة المؤسفة أن انخراط العلويّين في الثورة محدود جدّا رغم نداءات العقلاء لهم – من جهات وطنية عدّة – للتنصّل من السلطة المستبدّة والالتحاق بالمطالبين بالحرية والكرامة في ظلّ نظام جديد يتّسم بالتعدّدية والعدل في إطار اللحمة الوطنية التي عاش السوريّون في كنفها زمنًا طويلا ولم يعكّر صفوَها سوى النظام التي حارب كلّ أشكال التعدّدية واختار الطائفية وفرَضها بالقوّة والإكراه على عموم الشعب، وكان المتضرّر الأكبر منها هم أهل السنّة الذين غدوا الأغلبية المقهورة التي يجب عليها تحمّل الوضع بصمت واستكانة، فإذا اشتكت منه شكاية مشروعة اتُّهمت هي بالطائفية، كما هو الحال الآن تمامًا، وقد زاد الأمر خطورة منذ تحالف النظام السوري مع نظيره الإيراني، وبدأ التشيّع يسري في دمشق وغيرها برعاية رسمية – وإن كانت ضمنيّة غير صريحة – وتزامن ذلك مع التضييق الثقافي والدعوي على الأوساط السنيّة، وتحدّثت التقارير والشهادات الحيّة عن الاعتداء على رموز أهل السنّة، فلم ينجُ حتّى الأموات في قبورهم، وطال سوء المعاملة قبري شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم، وقد حدّثني بذلك صديق وقف على ذلك منذ سنوات قليلة.
إنّ أهل السنّة في سورية كما في غيرها من البلاد لا يدعون إطلاقًا إلى " التطهير" المذهبي ،خلافًا لما تزعم الدعاية المغرضة، وإنّما يطالبون بالمساواة في إطار نظام سياسي واجتماعي لا يُظلم ولا يُقصى ولا يقرَّب ولا يطغى فيه أحد بسبب مذهبه، و لا تستأثر فيه الأقلية بالسلطة والامتيازات في حين تُهضم حقوق الأغلبية ، فهذا خلل مجتمعي لا يقرّه دين ولا شرعة عادلة ولا عقل سويّ، فمن حقّ الأغلبية في كلّ مكان أن تكون مرجعيّتُها الحضارية هي السائدة على أن تُحفَظ الخصوصيّات الدينية والثقافية لمختلف الأقليات من أبناء البلد ، فهذا هو الضمان الحقيقي للاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو بالنسبة للمسلمين دين يتعبّدون الله به، فضلا عن أنّ العلاقة بين الأغلبية والأقلية أو الأقليات – سواء كانت دينية أو مذهبية أو سياسية – تحكمها هذه القاعدة في جميع الدول المتحضّرة والملتزمة بأسس العدل ، بينما يغيب هذا الاستقرار وتضطرب العلاقات الاجتماعية حين تستند الدولة إلى " دكتاتورية الأقلية "، ويحدث نفس الشيء حين تتنكّر الأغلبية لحقوق الأقلية وتهضمها وتعمل على طمس هويّتها ، وهو ما يحدث لأهل السنة في إيران، ففي ظل النظام " الإسلامي " الذي أقامه الخميني لم يتبوأ منصب الوزارة مسلم سنيٌ واحد رغم انّ أهل السنّة اقلية كبرى هناك، ولا أعلم أنّ لديهم ممثّلين في البرلمان ، بخلاف اليهود الذين لهم فيه حضور رغم عددهم القليل في البلد ، وقد أصبح معلومًا أنّ طهران هي العاصمة الوحيدة في العالم التي ليس فيها مسجد لأهل السنّة.
يدندن أعداء الثورة السورية حول مخاطر الطائفية ويدعو بعضّهم إلى الالتفاف حول برنامج علماني يُقصي المرجعية الدينية في النظام المستقبلي، ويتصايح كثيرون بالدولة المدنية ، وكلّ هذا يمكن تلخيصه في محاولة زجّ أهل السنة في الركن الضيّق حتى يبقوا أكثرية مغلوبة بل مسحوقة تئنّ تحت رحمة الأقليّات، ولا شكّ أنّ أوضاع العراق لا تعزب عن المسلمين السوريّين وتدعوهم إلى البصيرة والوعي العميق بالتعقيدات السياسية ، فالنظام الذي نصّبه الأمريكان في بغداد طائفي بامتياز ومع ذلك يصمّ الآذان بالتحذير من الطائفية ويتّهم أهل السنة بها، وهم ضحايا سياساته الإقصائية والإجرامية .
إنّ الثورة السورية المباركة ما زالت ملتفّة حول مشروع وطني متماسك يهدف إلى إسقاط الطاغية ونظامه، وهي تعمل يوميّا على استقطاب جميع الطوائف بغضّ النظر عن انتماءاتها ، وهذه مسألة إيجابية تُشكر عليها ، لأن المستقبل لكلّ أبناء البلد الصالحين، والخطوة الحاسمة منتظَرة من الطوائف التي ما زالت متخندقة مع النظام رغم جرائمه البشعة وكأنّها تصغي إلى الذين يُخوّفونها من حملات الانتقام منها عند انتصار الثورة ، وهم يومئون هنا إلى أهل السنة بطبيعة الحال ، رغم أنّ هؤلاء أصحاب دين وأخلاق ومروءة ، تربّوا على الصفح والمسامحة وجمع الشمل والتماس الأعذار للمخطئين، فهل حدثت مذابح في تونس أو مصر او ليبيا استهدفت أنصار الأنظمة البائدة؟ إنّما وقع ذلك في إيران بشكل واسع بعد الإطاحة بالشاه، بإشراف رجال الدين الشيعة ، أمّا علماء أهل السنة فدأبُهم الدعوة إلى الحسنى والتجاوز عن المسيئين واحترام حقوق الانسان والاحتكام إلى القضاء المستقلّ ، فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن ؟ وأهل السنة ليس الغدر من شيَمهم، وقد جرّبهم الناس في ذلك، فغير قليل منهم اصطفّوا مع حزب الله في حرب 2006 ضدّ العدوّ الصهيوني المشترك متناسين الخلافات المذهبية، فكان الجزاء أن حملت ميليشيات حسن نصر الله السلاح- بعد انتهاء تلك الحرب - وشرعت في تطهير بيروت من أهل السنة لتصبح خالصة للشيعة، وقتلت من أبريائهم عددًا كبيرًا، فمن يصدّق بعدَ شواهد الماضي والحاضر والنظرية والتطبيق أنّ أهل السنّة طائفيون؟ أليست الطائفية الشيعية هي التي تجيّش ضدّهم حكومة العراق وإيران وأذرعهما في المنطقة لمحاربة طلاّب الحرية في سورية وحشد التأييد السياسي والعسكري؟ هل تريد بغداد التي يحكمها نظام طائفي بامتياز أن يكرّر تجربتها المأساوية في الشام، وهي التي تظلم أهل السنّة وتضيّق عليهم وتمنعهم حتى من الشكوى تحت طائلة اتهامهم بالطائفية !!!
ستنتصر الثورة السورية بإذن الله ولن تلفظ اليوم ولا غدا إلاّ من أصرّ على تسيير الأغلبية بتسلّط الأقلية، وتمادى في البغي والعدوان.