منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By فهاد آل حشان 3332
#67819
الجغرافيا السياسية

هي العلاقات التبادلية – التأثيرية بين كل من الجغرافيا والسياسة. حيث تفرض الجغرافيا نفسها على السياسة كقدر لا فكاك منه. ومن هنا سعي السياسة لتخطي العوائق الجغرافية كمثل شق القنوات البحرية (مثل قناة السويس وبنما وغيرها) والانفاق تحت البحار (مثل نفق قطار فرنسا – بريطانيا) والجسـور (جسر اسطنبول الرابط بين آسيا اوروبا وجسر السعودية – البحرين وغيرها..).
هذا وتنسب الجذور الأولى لدراسة الجغرافيا السياسية لأرسطو (383-322 ق.م) الذي كان أول من تحدث عن قوة الدولة المستمدة من توازن ثرواتها مع عدد ساكنيها. وترك أرسطو أفكاراً بالغة الأهمية عن وظائف الدولة ومشكلات الحدود السياسية.
وظلت أفكار ربط الممارسات السياسية بالخصائص الجغرافية تتطور بإسهامات فلسفية متعاقبة. واكتسبت هذه الأفكار دفعة قوية بما كتبه عبد الرحمن بن خلدون (1342-1405م) التي ظهرت في مقدمته الشهيرة. وفضل ابن خلدون يتمثل في تشبيهه الدولة بالإنسان الذي يمر بخمس مراحل حياتية هي الميلاد والصبا والنضج والشيخوخة والموت.
وهذه الدورة الحياتية للدول وارتباطها بمقدرات الدولة أرضاً وسكاناً وموارد.. كانت أبرز ما نقله المفكرون الغربيون فيما بعد حينما تمت بلورة الصياغة العلمية لقيام وسقوط الحضارات.
ومع العقود الأولى للقرن 18 شهدت فرنسا ظهور أفكار جغرافية سياسية رصينة صاغها مونتسكيو (1689-1755) جنباً إلى جنب مع ما قدمه من أفكار اجتماعية وفلسفية وقانونية.
بيد أن اعتقاد مونتسكيو الشديد في الحتمية البيئية نحا به لأن يربط مجمل السلوك السياسي للدولة بالعوامل الطبيعية وعلى رأسها تحكم المناخ والطبوغرافيا مع التقليل من مكانة العوامل السكانية والاقتصادية.
وظل تقييم دور العوامل المكانية (الجغرافية) في تاريخ ومستقبل الدولة السياسي بدون صياغة متكاملة حتى ظهرت في المجتمع الألماني أفكار فردريك راتزل (1844-1904) والذي يرجع إليه الفضل في كتابة أول مؤلف يحمل عنوان “الجغرافيا السياسية” في عام 1897م.
آمن راتزل بأفكار داروين في التطور البيولوجي التي كانت سائدة في نهاية القرن التاسع عشر، وصبغ راتزل صياغته لتحليل قوة الدولة بالأفكار الداروينية التي طبقها الفيلسوف الإنجليزي سبنسر في العلوم الاجتماعية تحت اسم “الداروينية الاجتماعية”.
وأكد راتزل على أن الدولة لا تثبت حدودها السياسية. وكانت الدولة لديه أشبه بإنسان ينمو فتضيق عليه ملابسه عاما بعد عام فيضطر إلى توسيعها، وكذلك ستضطر الدولة إلى زحزحة حدودها السياسية كلما زاد عدد سكانها وتعاظمت مطامحها.
وعلى الجانب الآخر من القارة الأوروبية نجد في هذه الحقبة الجغرافيين اليوغسلاف يطوعون الجغرافيا السياسية لتحقيق أهدافهم القومية. اذ لم يتورعوا معها أن يعبثوا بالخرائط السياسية لتحقيق مآربهم.
وكان المثال الأبرز هو الجغرافي اليوغسلافي الشهير يفيجييتش الذي “زيّف” في خرائط الحدود الإثنية للقومية المقدونية ،مستغلا الثقة الممنوحة له من مؤتمر الصلح في فرساي 1919، لسحب أراض مقدونية وضمها إلى الصرب، وكانت المحصلة إذكاء الروح القومية للصرب وطموحهم للتوسع. ما انتج “البلقنـة” لاحقاً.
وعبر مسيرته تعددت تعريفات الجغرافيا السياسية ومنها:
تعريف الكساندر: القائل بأنها دراسة الأقاليم السياسية التي تنقسم إليها الأرض كظاهرة من مظاهر سطحها سواء كانت الأقاليم صغيرة أو كبيرة.
تعريف بومان: الجغرافيا السياسية هي علم يساعد في فهم السلوك السياسي للإنسان.
تعـريف كوهين: الجغرافيا السياسية هي علم المناهج الجغرافية لدراسة العلاقات الدولية.
هذا وتتقاطع تعريفات الجغرافيا السياسية وشروحاتها عند كونها دراسة الوحدات أو الأقاليم السياسية كظواهر لها مقومات وجودها وتطورها وإكتفائها معتمدة علي خصائص البيئة الجغرافية من حيث قوتها أو ضعفها واستقرارها أو تفككها. وأضيفت الى مهامها لاحقاً دراسة النظم السياسية والاقتصادية. وهي اضافات زادت تداخلها مع الجيوبوليتيك.
مجالات الجغرافيا السياسية
تعالج الجغرافيا السياسية النمط السياسي للعالم وهو نمط معقد إلي حد كبير بسبب التجزئة المتباينة لسطح الأرض إلي وحدات سياسية تتفاوت في الحجم المساحي والسكاني تفاوتاً كبيراً، وتغير الأنماط السياسية في حدودها ومقوماتها ومشكلاتها الناجمة عن أنماط التفاعل مع البيئة التي تنعكس علي أوضاعها الداخلية وتمتد غالباً الى علاقتها الخارجية. كما تهتم الجغرافيا السياسية بمواكبة مظاهر التحول ،السلبية والايجابية، في نطاق الوحدات السياسية. وهو تحول يطال عدد سكان هذه الوحدات ومواردها وعلاقاتها بالدول الأخرى.
هذا وتتسع مهام ومجالات الجغرافيا السياسية مع تعقيد مظاهر التحول السياسي وتنامي دور الفرد فيها بما يدفعها للإتكـاء على العلوم المساهمة في دراسة هذه التحولات وبخاصة منها علوم الانسان وضمناً العلوم السياسية ما يكرس نقاط تقاطعها مع الجيوبوليتيك.
وكي لا نزيد هذا التقاطع غموضاً نعطي مثالاً عملياً يتمثل بمشروع شق قناة السويس بناء على قرار سياسي (بل يقال بناء على مؤامرة سياسية) وهي في هذه الحالة مثال على الجغرافيا السياسية وعلى تأثر الجغرافيا بالسياسة والتضحيات التي تقدمها للتكيف مع ظروف الجغرافيا.
أما لو نظرنا لما تمثله قناة السويس اليوم من شريان حيوي للتجارة العالمية والامدادات النفطية فاننا نجدها أرضاً مؤثرة في الاقتصاد والسياسة العالميين ما يجعل تأمين الحركة الملاحية فيها موضوعاً ينتمي الى صلب الجيوبوليتيك لغاية امكانية تسبب انتظام وأذونات الابحار في هذه القناة باندلاع الحروب. وهو ما حدث العام 1956 ادى اعلان مصر تأميم القناة وبالتالي تحويل قرار الحركة فيها من بريطانيا الى مصر. وكان الرد على التأميم حرب “العدوان الثلاثي” حيث شاركت في الحرب ضد مصر كل من اسرائيل وفرنسا وبريطانيا.