- الأربعاء ديسمبر 04, 2013 9:55 pm
#67844
بدا ظهور المعاهدات الدولية كوسيلة اتصال بين الشعوب مند العصور القديمة ،حيث عرفت مند مصر الفرعونية وبابل وأشور ،حيث كانت في شكل معاهدات تحالف او صلح بحيث كانت تحكم عملية إبرام المعاهدات قواعد العرف الدولي .
لقد سعى العرف الدولي الى وضع قواعد منظمة للإجراءات المتعلقة بالمعاهدات والتي كانت كلها إجراءات عرفية و قد تم تدوين جميع هده الإجراءات ودلك عن طريق لجنة القانون الدولي المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضع مشروع لقانون المعاهدات الدولية عام1969 م و صلب معاهدة فيينا حول قانون المعاهدات و تسمى بـ " اتفاقية فيينا للمعاهدات " و دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ عام 1980م و هي تعتبر اليوم المرجع الأساسي و القاعدة العامة فيما يتعلق بالمعاهدات بين الدول المختلفة من حيث أطرافها ومن موضوعاتها ومن حيث الإجراءات المتبعة بشأنها
لكن هذه المعاهدة أكتفت بتدوين قانون المعاهدات المبرمة بين الدول فقط و لذلك وقع لاحقاً إبرام معاهدتان لاحقتين مكملتين للمعاهدة الأولى و هما معاهدة فيينا حول تعاقب الدول في المعاهدات عام 1978م .
و معاهدة فيينا حول المعاهدات المبرمة بين الدول و المنظمات الدولية و بين المنظمات الدولية فيما بينها عام 1986 م. طبعاً أهمها معاهدة فيينا للمعاهدات عام 1969
وتدور الدراسة الآتية لإبراز تلك الإجراءات المتخذة بشان هده المعاهدات والظروف الدولية الداعية لدلك والمتحكمة في مجرياتها وحقيقة أهدافها .
وعليه ماهي هده الإجراءات و المراحل التي على إثرها تبرم المعاهدة ؟
وتبنى هده الدراسة على ما يخص الموضوع من انواع هده المعاهدات و شروط انعقادها من شروط شكلية المتمثلة في المفاوضات ثم التحرير فالتوقيع والتصديق والتحفظات وأخيرا التسجيل والنشر بجانب الشروط الموضوعية المتطلبة لصحة إبرامها والمتمثلة في الأهلية وسلامة الرضا ومشروعية المحل والسبب ويأتي تطبيق المعاهدات الدولية مثيرا للعديد من المشاكل منها ما يتعلق بالسريان الزماني والمكاني ومن حيث الأشخاص ، ومسالة تعاقب المعاهدات الدولية ، وسمو المعاهدات ومكانتها أمام القاضي الوطني ، وكدا تفسيرها ومراجعتها وتعديلها ،وأخيرا بطلانها او انتهائها او تعليق تنفيذها
وتقسم هده الدراسة وفق الخطة التالية
المبحث الاول : مفهوم المعاهدة
لعبت الاتفاقية الدولية دورا لايمكن إنكاره في تطور القانون الدولي العام في شتى المجلات ابتداء من مسائل الحرب والسلام انتهاء بالتعاون الاقتصادي والمساعدات الفنية لهذا نرى ان المعاهدات الدولية تحتل المكانة الدولية الأولى في تنظيم العلاقات الدولية وعليه فالمعاهدة الدولية عدة أنواع ومبنية على شروط محدد.
المطلب الأول : تعريف المعاهدة وخصائصها .
« ويقصد بالمعاهدة الدولية او الاتفاق الدولي بالمعنى الواسع توافق إرادة شخصين او أكثر من أشخاص القانون الدولي على إحداث آثار قانونية معينة طبقا لقواعد القانون الدولي. »(1)
وتعني المعاهدة الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي سواء تضمنته وثيقة واحدة او وثيقتان واو أكثر .
« تعرف المعاهدة الدولية على انها اتفاق مكتوب يتم بين أشخاص القانون الدولي بقصد ترتيب اثار قانونية معينة وفقا لقواعد القانون الدولي العام » (2)
« وتعرف المعاهدة على انها اتفاق يكون أطرافه الدول او غيرها من أشخاص القانون الدولي ممن يملكون أهلية إبرام المعاهدات ويتضمن الاتفاق إنشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق أطرافه كما يجب ان يكون موضوعه تنظيم علاقة من العلاقات التي يحكمها القانون الدولي »(3)
خصائصها يتضح من هذا التعريف ما يلي:
1ـ أن الاتفاقية أو المعاهدة هي اتفاق يعبر عن التقاء إرادات موقعيها على أمرٍ ما، فهي ذات صفة تعاقدية لغرض إنشاء علاقة قانونية بين الأطراف المتعاقدة. لذلك تخرج عن وصف الاتفاقية الدولية أو المعاهدة الوثائق الدولية التالية:
- المذكرة:هي وثيقة دبلوماسية تحتوي على خلاصة وقائع معينة مثارة بين دولتين أو بين دولة ومنظمة دولية أو ما شابه ذلك.
- الاقتراح:هو وثيقة تتضمن إيجاباً أو عرضاً من دولة لأخرى.
- الكتاب الشفوي:وهو وثيقة غير موقعة تتضمن خلاصة محادثات بشأن حادث معين أو ما شابه ذلك. المحضر: وهو السجل الرسمي لمحاضر اجتماعات مؤتمرٍ ما أو إجراءاته أو النتائج غير الرسمية التي توصل إليها الممثلون المجتمعون. (4)
- التسوية المؤقتة:وهو اتفاق مؤقت يُرغب في استبدال غيره به فيما بعد، باتفاق أكثر دقة ووضوحاً. وتعقد التسوية المؤقتة عندما لاتريد الدولتان الارتباط فوراً بالتزامات دائمة ومطلقة، والغرض منها معالجة الصعوبات الوقتية المستعجلة.
- تبادل المذكرات:وهو أسلوب غير رسمي تحاول الدول بموجبه التعاون على إيجاد تفاهم بينها، أو الاعتراف ببعض الالتزامات الواجبة عليها.
- التصريحات الوحيدة الطرف:هي بيانات تصدرها دولة من جانبها توضح فيها موقفاً معيناً من مسألة ما.
2ـ الاتفاقية أو المعاهدة هي اتفاق مكتوب ولذا لاتعد الاتفاقات الشفوية ولاسيما ما يعرف باتفاقيات الجنتلمان أو ما يسميه بعضهم «اتفاقيات الشرفاء» معاهدات بالمعنى الدقيق للمصطلح مع أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المبرمة عام 1969 لم تنكر ما قد يكون لهذه الاتفاقات الشفوية من قيمة قانونية. ومثال اتفاقات الجنتلمان الاتفاق الشفوي الحاصل عام 1945على توزيع المقاعد غير الدائمة في مجلس الأمن بين دول المناطق الجغرافية المختلفة. وقد عدل باتفاق شفوي آخر في عام 1964 بعدما ارتفع عدد هذه المقاعد غير الدائمة من ستة مقاعد إلى عشرة عقب تعديل الميثاق الذي أصبح نافذاً في 1965.أما إذا كان الاتفاق ين شخصين دوليين أو أكثر مكتوباً فيعدّ اتفاقية دولية مهما كانت الصيغة التي كتب بها ومهما تعددت الوثائق التي تضمنته، بغض النظر عن الاسم الذي يطلق عليه. فقد يسمى معاهدة او اتفاقية أو ميثاقاً أو عهداً أو صكاً أو دستوراً أو شرعة أو غير ذلك بحسب ما يتفق الفرقاء. فمعاهدة المعاهدات لعام 1969 مثلاً سميت «اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات».
-أما تعبير بروتوكول في مجال الاتفاقيات الدولية، فقد يطلق على خلاصة محاضر الاجتماعات التي أدت إلى توقيع المعاهدة، وقد يطلق على ملحق الاتفاقية، وقد يطلق على الاتفاقية ذاتها.
3ـ والاتفاقية الدولية بين شخصين دوليين أو أكثر، وهذا يعني أنها قد تكون بين دول، وقد تكون بين دولة ومنظمة دولية، وقد تكون بين منظمات دولية. وفي حين نظمت اتفاقية فيينة لعام 1969 المعاهدات بين الدول، فإن اتفاقية أخرى أعدتها لجنة القانون الدولي وتم إقرارها في 1989 نظمت المعاهدات التي تكون المنظمات الدولية أحد أطرافها. والمعاهدتان متشابهتان في الجوهر مع مراعاة خصوصية المنظمة الدولية على أنها شخص دولي اعتباري على خلاف الدول التي تُعد تجاوزاً، الشخص الطبيعي في العلاقات الدولية. ويطلق على اتفاقية فيانا لعام 1969 اسم «معاهدة المعاهدات» لأنها الأساس الذي انبنت عليه المعاهدة الثانية.
وعلى هذا الأساس فالمعاهدات المعقودة بين الفاتيكان وإحدى الدول الكاثوليكية والتي تسمى اتفاقيات بابوية (كونك وردات هي معاهدات بالمعنى الصحيح للكلمة، مثلها في ذلك مثل أية معاهدة يعقدها البابا، بوصفه رئيساً لدولة الفاتيكان، مع أية دولة أخرى، بعدما اعترفت له معاهدة لاتران لعام 1969 بالصفة الدنيوية إضافة لصفته الدينية، وألغت بذلك قانون الضمانات الذي حصر صلاحياته بالأمور الدينية.
4ـ والمعاهدة هي الاتفاق الذي من شأنه أن ينشئ حقوقاً والتزامات متبادلة بين الأطراف المرتبطة، يحكمها القانون الدولي العام. (5)
المطلب الثاني أنواع المعاهدات
الفرع الأول: تصنيف المعاهدات من حيث عدد الدول الأطراف
تضف المعاهدات من هذه الناحية الى معاهدات ثنائية ومعاهدات جماعية أو متعددة الأطراف وتعقد بين عدة دول
اولا : معاهدات ثنائية
أدا كانت المعاهدة ثنائية كانت المشكلة الناجمة عن التحفظات قليلة ا ان الطرف الأخر إما ان يبرم الاتفاقية مع التحفظات المضافة إليها وإما ان يرفض إبرامها وبالتالي يقضي عليها .
والراجح فقهيا ان التحفظ على المعاهدات الثنائية من الأمور الجائزة سواء سمحت به المعاهدة موضوع التحفظ ام لم تسمح وانه يعتبر في جميع الأحوال بمثابة إيجاب جديد او اقتراح بالتعديل ومن ثمة يتوقف مصيره بل ومصير المعاهدة بكاملها على موقف الطرف الأخر ان شاء قبلها بصورتها الجديدة وان شاء رفضها مع التحفظ عليها ، ومن المتفق عليه في هدا المجال ان قبول التحفظ كما يتم صراحة قد يتم أيضا بطريقة ضمنية وان السكوت عن رفض التحفظ صراحة يعتبر بعد مضي اثنا عشر شهرا من تاريخ استشارة الدولة بالتحفظ او التاريخ الذي أعلن لبدء نفاد الالزام بمثابة القبول الضمني له . (6)
ثانيا : معاهدات متعددة الأطراف (جماعية)
المعاهدات الجماعية تشترك في ان عدد أطرافها يزيد عن دولتين ،وهي قد تكون من حيث المدى الجغرافي إقليمية وقد تكون دات اتجاه عالمي ،وتنشا المنظمات الدولية عن هدا النوع من المعاهدات الذي تطبق عليه اتفاقية فيينا كما تنطبق على أي معاهدة تعتمد في نطاق منظمة دولية (المادة 5 من اتفاقية فينا ) .
وتعد معاهدة باريس التي وضعت نهاية حرب القرم والمعقود في 30 مارس 1856 اول اتفاقية جماعية تم التفاوض عليها مباشرة وبهده الصفة وقد وقع على الاتفاقية الدول المتحاربة ودولتان محايدتان هما بروسيا والنمسا
وكانت المعاهدات الجماعية تنعقد خلال القرن التاسع شر في مؤتمرات دبلوماسية تلتئم لتنظيم المسائل ذات المصلحة المشتركة ولا تزال هده الطريقة تستخدم حتى الوقت الراهن ولكن أهميتها أصبحت تتراجع امام ظاهرة إعداد المعاهدات الجماعية في نطاق (داخل) المنظمات الدولية ،أي على حد إحدى الهيئات او فرع منظمات التي تمثل فيها الدول الأعضاء او تحت رعاية هده المنظمات
وعدد المعاهدات الجماعية كبير للغاية ،لكنه أقل من المعاهدات الثنائية وهي من حيث الموضوع قد تكون دات طبيعة سياسية أو عسكرية أو حربية أو اجتماعية أو اقتصادية أو قانونية .......
وقد تتعلق بالمجال الدولي غير انها تتضمن في كثير من الأحيان قواعد قانونية موضوعية أو غير شخصية وتنصرف الى مسائل تتصل بالمصلحة العامة لمجموع الدول.
والواقع أنه لا يوجد فارق بين كلا النوعين السابقين من المعاهدات من حيث الاثار القانوني . (7)
الفرع الثاني : تصنيف المعاهدات من حيث الطبيعة.
ابرز بعض الفقهاء مند زمن طويل الوظائف التي تؤديها المعاهدات الدولية وعدم خضوعها لنظام قانوني موحد و يرى هؤلاء ان المعاهدات تنقسم من الناحية المادية أو من حيث المهمة الى معاهدات شارعة عامة ومعاهدات عقدية خاصة (
اولا : المعاهدة الشارعة
هي الاتفاقيات دات الطبيعة الشارعة فهي التي يهدف اطرافها من وراء ابرامها سن قواعد دولية جديدة تنظم العلاقات بين الاشخاص القانون الدولي ولما كانت القاعدة القانونية قاعدة عامة بطبيعتها فمن غير الممكن اعتبارها معاهدة شارعة في ابرامها عدد كبير من الدول
والمعاهدة الشارعة هي وثيقة تعلن الدول بمقتضاها عن ارتضائها بحكم معين من الاحكام القانونية فهده المعاهدات في حقيقتها تشريع اكتسى ثوب المعاهدة لانها لا تستمد قوتها من اتفاق المخاطبين بها ،وانما من صدورها عن مجموعة الدول الكبرى الممارسة للسلطة العليا في المجتمع الدولي نيابة عن الجماعة الدولية ، ومن أمثلة المعاهدات الشارعة ،اتفاقية فيينا سنة 1815 اتفاق البريد العالمي سنة 1874، واتفاق لاهاي 1899،وعصبة الأمم 1920،وميثاق الأمم المتحدة 1945،
وعليه فان المعاهدات الشارعة هي تلك التي يتولد عنها أحداث مراكز قانونية بالنسبة للدول لكونها صادرة عن اجماع دولي فان قواعدها يضفي عليها نوع من الأهمية . (9)
ثانيا :المعاهدات العقدية
فالاتفاقيات التي تعد من العقود هي تلك التي تبرم بين الأشخاص القانون الدولي في امر خاص بهم ،أي بين دولتين او عدد محدد من الدول او بين شخص دولي فرد او هيئة خاصة ،ويراعي ان الأشخاص الدين يبرمون هدا النوع من الوفاق بإرادتهم الخاصة لا يلزم بطبيعة الحال غير المتعاقدين والدي لا يتعدى اثر أساس الدول غير الموقعة عليه لانها ليست طرفا فيه كما ان هده الاتفاقيات تحكمها في مظاهرها الأحكام والقوانين الخاصة ،بمعني أخر ان الأشخاص القانون الدولي لا يستطعون إبرام هده الاتفاقيات الخاصة مالم تكن متفقة في جوهرها مع احكام القانون الدولي والا تعرضت للمسؤولية الدولية ،ومثال المعاهدات العقدية :معاهدات التحالف والصلح ، وتعيين الحدود والمعاهدات التجارية والثقافية وتبادل المجرمين . (10)
الفرع الثالث: تصنيف المعاهدات من حيث إجراءات الإبرام (من حيث الشكل) :
تنقسم المعاهدات من حيث أسلوب التعبير عن الرضا النهائي والالتزام بها الى معاهدات بالمعنى الضيق أو الشكلي ومعاهدات تنفيدية .
اولا : المعاهدات بالمعنى الضيق (معاهدات مطولة او ارتسامية )
وتكون هده المعاهدات شكلية (مطولة) لا تنعقد الا بعد ان تمر بثلاثة مراحل المفاوضة التوقيع والتصديق . (11)
ثانيا : معاهدات مبسطة او تنفيدية
عادة ما يكون الاتفاق التنفيذي في أكثر من أداة قانونية ،فهو يتم التبادل الرسائل او المذكرات او الخطابات او التصريحات أو بالتوقيع على محضر مباحثات ويشترط في ابرامها المرور بمرحلتين فقط المفاوضة والتوقيع ولا يلزم لنفادها التصديق عليها من السلطة المختصة بابرام المعاهدات (رئيس الدولة عادة ) ، بل تنفد بمجرد التوقيع عليها من وزير الخارجية أو الممثلين الدبلوماسيين أو الوزراء الآخرين او الموظفين الكبار في الدولة ولاعتبارات عملية واضحة تزايد عدد الاتفاقيات التنفيذية في الوقت الراهن وربما ياخد أكثر من نصف التعهدات الدولية حاليا هدا الشكل من المعاهدات . (12)
وفي هده المعاهدة المبسطة التي لا تستوجب التصديق لكفاء التوقيع على دخولها حيز النفاد ودلك لا يعني ان الدستور يكون متمثلا من خلال المجلس التشريعي للدولة . (13)
- هذا التصنيف لا يخلو من نقائص متمثلة في الآتي:
ففي معاهدة واحدة يمكن أن نجد في نفس الوقت قواعد شارعة و قواعد عقدية مثلاً : ( في إتفاقية قانون البحار نجد فيها في الآن نفسه قواعد شارعة و قواعد عقدية في آن واحد معاً ، شارعة مثل طريقة ضبط الحدود البحرية بين الدول و العقدية مثل القواعد المتعلقة بالتعاون بين الدول المطلة على البحار و الدول التي ليس لها سواحل ) ، و من ناحية أخرى نجد أنه لا ينتج آثر قانوني معين سواءً كانت شارعة ام عقدية كلها لها نفس الآثر القانوني .(14)
المطلب الثالث : شروط انعقاد المعاهدة
الفرع الأول :الأهلية
يملك أشخاص القانون الدولي العام أي الدول والبابا والمنظمات الدولية أهلية إبرام المعاهدات ، وعلى دلك لا تعتبر معاهدة دولية الأعمال التي يأتيها الأشخاص القانون الداخلي حتى لو اتخذت في بعض الظروف شكل المعاهدات ،وبما ان إبرام المعاهدات هو مظهر من مظاهر السيادة للدولة فان الدولة ناقصة السيادة لا يجوز لها إبرام المعاهدات الا في حدود الأهلية الناقصة وفقا لما تتركه لها علاقة الشعبية من الحقوق لدا يجب دائما الرجوع الى الوثيقة التي تحدد هده العلاقة لمعرفة ما ادا كانت الدولة ناقصة السيادة تملك إبرام معاهدة معينة ،غير انه ادا حدث وأبرمت دولة ناقصة السيادة معاهدة ليست أهلا لإبرامها لا تعتبر هده المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا وإنما تكون فقط قابلة للبطلان بناءا على طلب الدولة صاحبة الولاية على الشؤون الخارجية للدولة التي أبرمت المعاهدة فلها ان شاءت ان تبطلها وان شاءت ان تقرها اما بالنسبة للدول الموضوعية في حالة حياد دائم فلا يجوز لها ان تبرم من المعاهدات ما يتنافى مع تلك الحالة كمعاهدة التحالف والضمان اما الدول الأعضاء في الاتحاد الفدرالي (الولايات ،الأقاليم ،الكاثونات )فيرجع بالنسبة لها الى الدستور الاتحاد المعروف ،لمعرفة ما ادا كانت كل منها تملك إبرام المعاهدات على انفراد ام لا .
وفي العادة لا تجبر الدساتير الاتحادية دلك وإنما تحتكر الحكومة المركزية مثل هده المواضيع .
اما بالنسبة لأشخاص القانون الدولي عدا الدول ،كالبابا والمنظمات الدولية فهم يملكون حق عقد المعاهدات التي تتفق مع الاختصاص المحدد والمعترف به لهم .
اما بالنسبة للسلطة التي تملك إبرام المعاهدات في داخل الدولة فهدا ما يحدده دستور الدولة نفسها . (15)
الفرع الثاني :الرضــــا
من المتفق عليه في النظم القانونية الداخلية ان العقد قوامه الإرادة التي يفصح عنها الأطراف من كامن النفس إلى العالم الخارجي والتي جاءت نتيجة لإحداث اثر قانوني معين والإرادة المقصودة هي الإرادة الحرة السليمة البريئة ،ومع هدا فان الرضا تشوبه عيوب تعرف بعيوب الرضا والمتمثلة في الغلط،، التدليس ، الإكراه ، إفساد ذمة ممثل دولة ،المحل . (16)
أولا : الغــلـــط:
ان إصلاح الغلط في المعاهدات الدولية له معنيان اثنان
الأول الغلط في صياغة نص المعاهدة فادا ما ظهر بعد إضفاء الصفة الرسمية على المعاهدة أنها تحتوي على خطا ، فالإجراءات في هده الحالة هو تصحيح الخطأ .
والثاني هو الغلط في الرضا ادا كان يتصل بواقعة معينة او موقف معين كان من العوامل الأساسية في ارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة . (17)
ثانيا : التدليـــس
يمكن تسمية التدليس او الغش بالتغيير او الخداع وهي من الأسباب المفسدة للرضا التي تدعوا إلى إلغاء والغش والتدليس يفترض وجود عمل ايجابي يدفع احد الأطراف في المعاهدة على فهم امر على غير حقيقة مما يسهل عليه التوقيع على المعاهدة هدا العمل الايجابي يتمثل في سلوك تدليسي بقصد حمل احد الأطراف على فهم امر معين على غير حقيقته ،ومن ثم يكون قبوله للمعاهدة بناءا على هدا الفهم الخاطئ ،أي النتيجة المؤدية لهدا السلوك التدليسي المعتمد أساسا على نية مبينة قائمة على التحايل وادا كان القضاء الدولي قد أخد بالتدليس او الغش كسبب من أسباب بطلان المعاهدات ،الا ان دلك كان محدودا ، ومن الأمثلة على دلكما حكمت به محكمة نورمبورغ العسكرية بخصوص اتفاق ميونخ المبرم بين ألمانيا وفرنسا و بريطانيا سنة 1938حيث قضت المحكمة بان الحكومة الألمانية .
قد سلكت مسلكا تدليسي عند إبرام هدا الاتفاق ولم يكن في نيتها احترامه ،وكان هدفها الأساسي طمأنة بريطانيا وفرنسا حتى تتمكن من ضم بوهيمياو ،مورافيا نتيجة فصلها عن تشيكوسلوفاكيا وقد استندت محكمة نورمبورغ في حكمها على الوثائق الرسمية للحكومة الألمانية سنة1945
وقد اخدت المادة 49 من اتفاقية قيينا لقانون المعاهدات بمبدأ جواز إبطال المعاهدات بسبب الغش او التدليس حيث نصت على« يجوز للدولة التي يدفعها السلوك التدليسي لدولة متفاوضة أخرى إلى إبرام معاهدة أن تستند إلى الغش كسبب لإبطال ارتضاءها الالتزام بالمعاهدة » . (18)
ثالثا : إفساد ذمة ممثل الدولة
يقصد بدلك التأثير على ممثل الدولة بمختلف وسائل الإغراء المادية والمعنوية كي ينصرف وفق رغبات الطرف الأخر صاحب المصلحة في ابرام المعاهدة على نحو معين لم تكن لتقبله الدولة التي يمثلها لو انها كانت على علم بكافة الأوضاع والملابسات المتصلة بالمعاهدة على حقيقتها ومن هده الوسائل تقديم الهدايا المالية والعينية كرشوة ،او دفع المفاوض الى الانغماس في الملذات الشخصية .
ويتميز عيب إفساد ذمة ممثل الدولة عن الغلط والتدليس كون ممثل الدولة ضحية مناورات خارجية أساسها سوء نية الطرف الأخر لحمله الارتضاء بالمعاهدة أما في حالة الإفساد فان ممثل الدولة يدرك ويعلم ان موقفه يتعارض مع مصالح دولته ولكنه يتفاوض عن دلك نتيجة لمقابل يحصل عليه . (19)
رابعا : الإكراه
يؤدي الإكراه إلى إفساد التصرفات القانونية فتنعدم الإرادة الحرة والمستقلة للممثلين فيحملهم الإكراه الذي يمارس على القبول بما يفرض عليهم من الالتزامات الإكراه الذي يقع على الممثلين لا يكون الا بالنسبة الى المعاهدات التي تسري أحكامها من تاريخ التوقيع (20)
كما يصعب اللجوء إلى هدا النوع من من الإكراه بالنسبة إلى المعاهدات التي تشترط التصديق ،هدا الإكراه في الحقيقة هو إكراه غير مباشر يقع على الدولة ويتخذ هنا الإكراه شكل أفعال وتهديدات موجهة الى هؤلاء الممثلين .
وقد نصت اتفاقية فيينا على بطلان المعاهدات التى تبرم نتيجة لإكراه اما الإكراه الذي يقع على الدولة فانه يثير العديد من المسائل لا يترتب على هدا الإكراه إبطال المعاهدات اد أبرمت نتيجة الحرب والإكراه هو وسيلة ضغط تمارسها دولة مفاوضة من اجل إبرام معاهدة والإكراه قد يقع على الممثل او على الدولة ذاتها فالإكراه الذي يمارس على المفاوض من شانه ان يكون سببا في إبطال المعاهدة .
والإكراه الذي يقع على الدولة ياتي مصحوبا بالقوة و هو الأكثر خطورة من الإكراه الذي يقع على ممثليها ، لانه في الغالب يكون بالتهديد . (21)
الفرع الثالث : المــــــحـل
يقصد بمشروعية المحل وسبب المعاهدة بعدم وجود تعرض بين موضوع المعاهدة والفرض منها وبين أي من قواعد القانون الدولي الامرة العامة المقبولة والمعترف بها في الجماعة الدولية كقواعد لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تغييرها الا بقواعد جديدة من قواعد القانون الدولي العام لها دان الصفة فكل معاهدة تتعارض مع هده القواعد تعتبر باطلة ولا يعتد بها Jus cogens
وهدا قد نصت المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 او عام 1986 على « تعتبر المعاهدة لاغيه ادا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة قطعية من قواعد القانون الدولي العام »
وفي تطبيق هده الاتفاقية يراد بالقاعدة القطعية من قواعد القانون الدولي العام اية قاعدة مقبولة ومعترف بها من المجتمع الدولي ككل بوصفها قاعدة لا يسمح بالأشخاص منها ولا يمكن تغييرها الا بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام ويكون لها نفس الطابع وليس دلك فحسب بل ان المادة 64 من ذات الاتفاقية ذهبت الى ابعد من دلك حيث نصت على « ادا ظهرت قاعدة قطعية جديدة في القانون الدولي العام تصبح ايه معاهدة قائمة تخالف هده القاعدة لاغيه ومنتهية »
وهدا عكس الحال في الإسلام حيث ان الشريعة الإسلامية لا تعترف بوجود قواعد أمرة لاحقة بحكم انها صالحة لكل زمان ومكان وثابتة التطبيق والسريان كما ان مسالة عدم مشروعية المعاهدات في الشريعة الإسلامية يتجاوزه القانون الوضعي حيث لا تجبر إبرام معاهدات التحالف والمعاهدات العسكرية مع الكفار لان هدا النوع من المعاهدات يتعارض مع مقاصدها الحقيقية التي ترفض عقد المسلمين لها والأمثلة على عدم مشروعية موضوع المعاهدة حكم احد المحاكم العسكرية المشكلة في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية بأنه ادا كان« لافال » رئيس وزراء فرنسا وسفير حكومة فيشي في برلين قد ابرم مع ألمانيا اتفاقية حول استخدام أسرى الحرب الفرنسيين في المصانع الألمانية فالمحكمة قضت بان الاتفاق يعد باطلا لكونه جاء مخالفا للآداب والأخلاق العامة الدولية.
ومن الأمثلة على عدم مشروعية المعاهدة خاصة ان موضوعها مخالف للآداب العامة الدولية ،الاتفاق الفرنسي الانجليزي و الإسرائيلي المعقود في سيفر والدي كان موضوعه الاعتداء على مص في 29 أكتوبر 1956 . (22)
المبحث الثاني :إبرام المعاهدة وأثارها
يخضع إبرام المعاهدات إلى عديد من الإجراءات و تمر المعاهدة قبل بداية نفاذها بعدة مراحل فلا تعتبر المعاهدة مستوفية لجميع شروطها إلا بعد تعبير الأطراف عن رضاهم النهائي بالالتزام ببنودها و المراحل هي كالآتي
المطلب الأول :إجراءات إبرام المعاهدة
تعتبر المعاهدة تصرف رضائي يتم بشكل معين حتى يمكن وصفها بالمعاهدة الدولية بالمعنى الضيق ، ولدالك فالمعاهدة بهدا المفهوم تمر بعدة مراحل لإبرامها (عقدها) بدءا بمرحة المفاوضة والتحرير مرورا بالتوقيع وانتهاء بالتصديق والتحفظ وقد تمر بمرحة أخرى هي التسجيل والنشر . (23)
الفرع الاول : المفاوضة
وتسبقها مرحلة الاتصالات وهي اتصال الدولتين او العديد من الأطراف للاتفاق مبدئياً على موضوع المعاهد والإجراءات اللازمة لانعقادها. (24) ثم المفاوضة هي تبادل وجهات النظر بين ممثلي دولتين او أكثر والراغبة في ابرام تلك المعاهدة الدولية من اجل محاولة الوصول الى اتفاق فيما بينهما بشان مسالة معينة من المسائل .
ثم ليست للمعاهدة نطاق معين ، فقد يكون موضوعها تنظيم العلاقات السياسية بين الدولتين المتفاوضتين ،وقد يكون موضوعها الشؤون الاقتصادية او العلاقات القانونية القائمة بينها ،وقد تكون موضوع المفاوضة تبادل وجهات النظر بين الدولتين وبالطرق السلمية . (25)
كما ليس للمفاوضة شكل محدد يجب أتباعه ،ثم قد يقوم بالتفاوض رؤساء الدول او رؤساء الحكومات او وزراء الخارجية للدول او بعض المندوبين الدبلوماسيين
وصيغة التفويض تختلف باختلاف الدول وتغاير أحكام الدساتير القائمة فيها ، وهي على وجه العموم مستندا مكتوب صادر من رئيس الدولة ،يحمله المفاوض لإثبات صفته والسلطات التي يخولها له رئيس الدولة في الإفصاح عن وجهة نظر الدولة . (26)
الفرع الثاني : تحرير المعاهدة
بعد التوصل الى اتفاق بشان الأمور والمسائل المتفاوض عنها فانه يتم صياغة كل ما اتفق عليه في شكل مكتوب تمهيدا للتوقيع عليه ، فتحرير تلك المعاهدة يعد شرطا ضروريا للمعاهدة الدولية واثبات الاتفاق الذي من شانه ان يقطع الخلاف في حال وجوده ،ويتكون نص المعاهدة من قسمين أساسيين : (27)
- الـــــديــبــــــاجــة .
- صلب الموضوع .
فالديباجة هي تشمل أسماء الدول المتعاقدة* او أسماء رؤساءها او تحتوي على بيان به أسماء المفوضين عن الدول المتعاقدة وصفاتهم .
وقد عرفت المادة 2/1/ج من اتفاقية فيينا بوثيقة التفويض « الوثيقة الصادرة عن السلطة المختصة في دولة ما بتعيين شخص او أشخاص لتمثيل الدولة في التفاوض بشان نص معاهدة ما او اعتمادها او توقيعها ،او في الإعراب عن موافقة الدولة على الالتزام بمعاهدة او في القيام باي عمل أخر إزاء معاهدة ما. » .
وتعتبر الديباجة وفقا للراي الراجح قسما من اقسام المعاهدة له نفس صفة الإلزام لأحكام المعاهدة .
اما صلب المعاهدة (المنطوق)فيتكون من مجموعة من المواد التي تشكل احكام المعاهدة التي تم الاتفاق عليها وبين أطرافها .
وقد يلحق بالمعاهدة في بعض الأحيان ملاحق تتضمن بعض الأحكام التفصيلية او تنظيم بعض المسائل الفنية ،ولهده الملاحق نفس القوة الملزمة التي تتمتع بها أحكام المعاهدة نفسها . (28)
كما انه أصبح استخدام اللغة في تحرير المعاهدة مسالة لا يختلف بشانها المفاوضون ،اد تجري تحرير نصوص المعاهدة باكثر من لغة ،ولم تعد توجد لغة واحدة في تحرير المعاهدة ولم يعد دلك مشكلة لدى الدول المتعاقدة حيث أصبح بإمكان الدول الموقعة فيي المعاهدة والتي تنتمي الى ثقافة واحدة الى اعتماد اللغة المشتركة للدول المفاوضة ،الا ان المشكلة تبرز ادا كانت الدول مختلفة في ثقافتها ولغتها فهنا تطرح اللغة التي يجري بها التفاوض وبها يتم تحرير المعاهدة . (29)
الفرع الثالث : التـــــوقيـــــــع
بمجرد الانتهاء من مرحلة التفاوض والتحرير ، تاتي المرحلة التالية والمتمثلة في التوقيع على نص هده المعاهدة ،ودلك من قبل المفاوضين لكي يسجلوا ما تم الاتفاق عليه فيما بينهم ويتبنوه ،لدلك فالتوقيع هو المرحلة الأساسية الأولى التي تليها مرحلة التصديق الدستوري . (30)
ويعبر التوقيع عن رضا المفاوضين ، ولا يعني ان المعاهدة أصبحت بدلك نافدة حيث ان التوقيع في المعاهدات الثنائية يفترض موافقة الطرفين ،اما في المعاهدات الجماعية فقاعدة الإجماع لا تطبق ،والموافقة على النص يفرض بالأغلبية. (31)
إلا أن اتفاقية فيينا أوردت حالات استثنائية تكتسب فيها المعاهدة وصف الإلزام بمجرد التوقيع عليها و من دون الحاجة الى التصديق ، حيث نصت المادة 12 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969« موافقة الدول على الالتزام بمعاهدة ما يعبر عنها بتوقيع ممثليها من ما يلي :
- ان يكون للتوقيع هدا الأثر او...
- ثبت بطريقة أخرى ان الدول المتفاوضة متفقة على ان يكون للتوقيع هدا الأثر او...
- تبين عزم الدولة على إضفاء هدا الأثر على التوقيع من وثيقة تفويض او تم التعبير عنه أثناء المفاوضات »(32)
وفي غير هده الحالات لا يكون للتوقيع على المعاهدة أي اثر قانوني ملزم قبل من وقوعها الا بالتصديق عليها وهدا ما يميزها عن الاتفاقيات التنفيذية ذات الشكل المبسط عن المعاهدات بالمعنى الفني الدقيق .
ويتخذ التوقيع شكلين ان يتم بأسماء ممثلي الدول كاملة وقد يكون التوقيع بالأحرف الأولى من أسماء المفاوضين لأسمائهم كاملة وهدا في حالات التردد في الموافقة نهائيا على نص المعاهدة ورغبتهم في العودة الى حكوماتهم قبل التوقيع النهائي . (33)
الفرع الرابع :الـــتصديــــق
يعتبر التصديق على المعاهدة دلك التصرف القانوني الذي يقصد به الحصول على إقرار السلطات المختصة داخل الدولة للمعاهدة التي تم التوقيع عليها /وهده السلطات اما لرئيس الدولة منفردا ، واما لرئيس الدولة مشتركا مع السلطة التشريعية ،واما السلطة التشريعية لوحدها كما لكل دولة إجراءات وطنية تعتمد عليها في عملية التصديق على المعاهدة ،ومع ان النصوص القانونية تختلف اختلافا كبيرا بين دولة وأخرى إلا أنها تشترك في المصادقة على المعاهدة من اجل نفادها . (34)
وقد نصت المادة 2/1/ب من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة1969التصديق بأنه « القبول » ، « الإقرار» ، « الانضمام »
ويعتبر التصديق إحدى الوسائل التي تعبر من خلاله الدولة عن ارتضاءها عن الالتزام بأحكام المعاهدة ،لكن التصديق يعتبر إجراء واجب الإتباع حتى تصبح المعاهدة نافدة ودلك في حالات معينة ،وهدا ما جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدة في المادة 14« تعبر الدولة عن ارتضاءها الالتزام بمعاهدة بالتصديق عليها في الحالات التالية :
- نصت المعاهدة على ان يتم التعبير عن تلك الموافقة بالتصديق ،أو ..
- ثبت بطرقة أخرى ان الدول المتفاوضة قد اتفقت على اقتضاء التصديق ،او..
- وقع ممثل الدولة المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق ،او..
- بينت نية الدولة في توقيع المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق من وثيقة تفويض ممثليها او تم التعبير عنها أثناء المفاوضات .» (35)
ولقد صاغ الفقه ضرورة التصديق على المعاهدات ،لتنفد في الدائرة الدولية بمسوغات عديدة أهمها :
- إعطاء الدولة فرصة أخيرة للتروي وإعادة النظر قبل الالتزام نهائيا بالمعاهدة .
- تجنب ما قد يثور من خلافات حول حقيقة إبعاد التفويض الممنوح للمفوضين عن الدولة في التفاوض وتوقيع المعاهدة.
- إتاحة الفرص لعرض المعاهدة على ممثلي الشعب في الأنظمة الديمقراطية التي تشترط موافقة السلطة التشريعية على كل المعاهدات او على المهمة منها قبل تصديق رئيس الدولة عليها. (36)
الفرع الخامس : التـــحـــفــــضـــات
التحفظ إجراء رسمي يصدر عن إحدى الدول او المنظمات الدولية ، ودلك عند التوقيع او التصديق او الانضمام إلى معاهدة دولية تسعى من ورائه الى تعديل او استبعاد أحكام معينه في تلك المعاهدة .
فالأثر المباشر للتحفظ هو إلغاء الحكم القانوني الوارد في نص او أكثر من معاهدة واعتبار هدا الحكم غير نافد في مواجهة الدولة او المنظمة الدولية التي أبدته او اعتباره نافدا ،ولكن تحت شروط معينة لم ترد في المعاهدة . (37)
فالدولة تبدي ما لها من تحفظات عند التوقيع او التصديق او القبول او الانضمام ، ومن المعلوم ان التحفظات قد ترد على كل من المعاهدات الثنائية ، كما قد ترد أيضا على المعاهدات المتعددة الأطراف ،وان اختلفت وتباينت أثارها واحكامها القانونية . (38)
الفرع السادس : التسجيــــل والنشـــــر
تسجيل المعاهدات الدولية ليس فكرة جديدة أبدا ،كما انه بحكم عمل الدولة الى حد كبير مبدأ الدبلوماسية السوية ،أدي دلك الى البحث عن أسباب الحرب العالمية الأولى الى انتقاد مبدا الدبلوماسية السرية وكان بروز الرئيس الأمريكي ولسن كزعيم لاتجاه لا يحبد الدبلوماسية المكشوفة ويحبد التسجيل المعاهدة كوسيلة لنشر أنباء عقدها وتفاصيلها .
1 – عصبة الأمم :
« نصت المادة 18من عهد العصبة على ان كل معاهدة او ارتباط دولي تعقده دولة عضو في عصبة الامم من الان فصاعدا يجب تسجيله لدى الأمانة العامة ونشره في اقرب وقت ممكن ولن تكون اية معاهدة كما لن يكون أي ارتباد دولي ملزم ما لم يسجل »
ولقد كان السبب في وضع هدا النص هو الرغبة في تفادي النتائج السيئة التي كانت على عقد المعاهدات والمخالفات السرية وحمل الدول على إتباع خطة الدبلوماسية السرية .
2– الأمم المتحدة :
أدى ميثاق الأمم المتحدة الى حسم النقاش الذي كان بين الفقهاء منهم من قال يعني عدم التزام أطراف المعاهدة بها حتى يتم تسجيلها ،وفريق أخر رأى انه يعني عدم جواز تنفيذها جبرا مع جواز تنفيذها اختيارا،والتزام أطرافها بها بمجرد تمام التصديق حول تفسير نص المادة 18من العهد حينما قضت المادة 102من الميثاق « كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة بعد العمل بهدا الاتفاق ، يجب ان يسجل في أمانة الهيئة وان يقوم بنشره بأسرع ما يمكن ، ليس لاي طرف في المعاهدة او اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هده المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة او دلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة . »
ومفاد هدا النص ان عدم التسجيل لا يحول دون قيام المعاهدة بكل ما يترتب عليها من حقوق وواجبات ،وانها تكون ملزمة لأطرافها وقابلة للتنفيذ بينهم وانه يمكن التمسك بها في مواجهة الدول الأخرى . (39)
لقد سعى العرف الدولي الى وضع قواعد منظمة للإجراءات المتعلقة بالمعاهدات والتي كانت كلها إجراءات عرفية و قد تم تدوين جميع هده الإجراءات ودلك عن طريق لجنة القانون الدولي المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضع مشروع لقانون المعاهدات الدولية عام1969 م و صلب معاهدة فيينا حول قانون المعاهدات و تسمى بـ " اتفاقية فيينا للمعاهدات " و دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ عام 1980م و هي تعتبر اليوم المرجع الأساسي و القاعدة العامة فيما يتعلق بالمعاهدات بين الدول المختلفة من حيث أطرافها ومن موضوعاتها ومن حيث الإجراءات المتبعة بشأنها
لكن هذه المعاهدة أكتفت بتدوين قانون المعاهدات المبرمة بين الدول فقط و لذلك وقع لاحقاً إبرام معاهدتان لاحقتين مكملتين للمعاهدة الأولى و هما معاهدة فيينا حول تعاقب الدول في المعاهدات عام 1978م .
و معاهدة فيينا حول المعاهدات المبرمة بين الدول و المنظمات الدولية و بين المنظمات الدولية فيما بينها عام 1986 م. طبعاً أهمها معاهدة فيينا للمعاهدات عام 1969
وتدور الدراسة الآتية لإبراز تلك الإجراءات المتخذة بشان هده المعاهدات والظروف الدولية الداعية لدلك والمتحكمة في مجرياتها وحقيقة أهدافها .
وعليه ماهي هده الإجراءات و المراحل التي على إثرها تبرم المعاهدة ؟
وتبنى هده الدراسة على ما يخص الموضوع من انواع هده المعاهدات و شروط انعقادها من شروط شكلية المتمثلة في المفاوضات ثم التحرير فالتوقيع والتصديق والتحفظات وأخيرا التسجيل والنشر بجانب الشروط الموضوعية المتطلبة لصحة إبرامها والمتمثلة في الأهلية وسلامة الرضا ومشروعية المحل والسبب ويأتي تطبيق المعاهدات الدولية مثيرا للعديد من المشاكل منها ما يتعلق بالسريان الزماني والمكاني ومن حيث الأشخاص ، ومسالة تعاقب المعاهدات الدولية ، وسمو المعاهدات ومكانتها أمام القاضي الوطني ، وكدا تفسيرها ومراجعتها وتعديلها ،وأخيرا بطلانها او انتهائها او تعليق تنفيذها
وتقسم هده الدراسة وفق الخطة التالية
المبحث الاول : مفهوم المعاهدة
لعبت الاتفاقية الدولية دورا لايمكن إنكاره في تطور القانون الدولي العام في شتى المجلات ابتداء من مسائل الحرب والسلام انتهاء بالتعاون الاقتصادي والمساعدات الفنية لهذا نرى ان المعاهدات الدولية تحتل المكانة الدولية الأولى في تنظيم العلاقات الدولية وعليه فالمعاهدة الدولية عدة أنواع ومبنية على شروط محدد.
المطلب الأول : تعريف المعاهدة وخصائصها .
« ويقصد بالمعاهدة الدولية او الاتفاق الدولي بالمعنى الواسع توافق إرادة شخصين او أكثر من أشخاص القانون الدولي على إحداث آثار قانونية معينة طبقا لقواعد القانون الدولي. »(1)
وتعني المعاهدة الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي سواء تضمنته وثيقة واحدة او وثيقتان واو أكثر .
« تعرف المعاهدة الدولية على انها اتفاق مكتوب يتم بين أشخاص القانون الدولي بقصد ترتيب اثار قانونية معينة وفقا لقواعد القانون الدولي العام » (2)
« وتعرف المعاهدة على انها اتفاق يكون أطرافه الدول او غيرها من أشخاص القانون الدولي ممن يملكون أهلية إبرام المعاهدات ويتضمن الاتفاق إنشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق أطرافه كما يجب ان يكون موضوعه تنظيم علاقة من العلاقات التي يحكمها القانون الدولي »(3)
خصائصها يتضح من هذا التعريف ما يلي:
1ـ أن الاتفاقية أو المعاهدة هي اتفاق يعبر عن التقاء إرادات موقعيها على أمرٍ ما، فهي ذات صفة تعاقدية لغرض إنشاء علاقة قانونية بين الأطراف المتعاقدة. لذلك تخرج عن وصف الاتفاقية الدولية أو المعاهدة الوثائق الدولية التالية:
- المذكرة:هي وثيقة دبلوماسية تحتوي على خلاصة وقائع معينة مثارة بين دولتين أو بين دولة ومنظمة دولية أو ما شابه ذلك.
- الاقتراح:هو وثيقة تتضمن إيجاباً أو عرضاً من دولة لأخرى.
- الكتاب الشفوي:وهو وثيقة غير موقعة تتضمن خلاصة محادثات بشأن حادث معين أو ما شابه ذلك. المحضر: وهو السجل الرسمي لمحاضر اجتماعات مؤتمرٍ ما أو إجراءاته أو النتائج غير الرسمية التي توصل إليها الممثلون المجتمعون. (4)
- التسوية المؤقتة:وهو اتفاق مؤقت يُرغب في استبدال غيره به فيما بعد، باتفاق أكثر دقة ووضوحاً. وتعقد التسوية المؤقتة عندما لاتريد الدولتان الارتباط فوراً بالتزامات دائمة ومطلقة، والغرض منها معالجة الصعوبات الوقتية المستعجلة.
- تبادل المذكرات:وهو أسلوب غير رسمي تحاول الدول بموجبه التعاون على إيجاد تفاهم بينها، أو الاعتراف ببعض الالتزامات الواجبة عليها.
- التصريحات الوحيدة الطرف:هي بيانات تصدرها دولة من جانبها توضح فيها موقفاً معيناً من مسألة ما.
2ـ الاتفاقية أو المعاهدة هي اتفاق مكتوب ولذا لاتعد الاتفاقات الشفوية ولاسيما ما يعرف باتفاقيات الجنتلمان أو ما يسميه بعضهم «اتفاقيات الشرفاء» معاهدات بالمعنى الدقيق للمصطلح مع أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المبرمة عام 1969 لم تنكر ما قد يكون لهذه الاتفاقات الشفوية من قيمة قانونية. ومثال اتفاقات الجنتلمان الاتفاق الشفوي الحاصل عام 1945على توزيع المقاعد غير الدائمة في مجلس الأمن بين دول المناطق الجغرافية المختلفة. وقد عدل باتفاق شفوي آخر في عام 1964 بعدما ارتفع عدد هذه المقاعد غير الدائمة من ستة مقاعد إلى عشرة عقب تعديل الميثاق الذي أصبح نافذاً في 1965.أما إذا كان الاتفاق ين شخصين دوليين أو أكثر مكتوباً فيعدّ اتفاقية دولية مهما كانت الصيغة التي كتب بها ومهما تعددت الوثائق التي تضمنته، بغض النظر عن الاسم الذي يطلق عليه. فقد يسمى معاهدة او اتفاقية أو ميثاقاً أو عهداً أو صكاً أو دستوراً أو شرعة أو غير ذلك بحسب ما يتفق الفرقاء. فمعاهدة المعاهدات لعام 1969 مثلاً سميت «اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات».
-أما تعبير بروتوكول في مجال الاتفاقيات الدولية، فقد يطلق على خلاصة محاضر الاجتماعات التي أدت إلى توقيع المعاهدة، وقد يطلق على ملحق الاتفاقية، وقد يطلق على الاتفاقية ذاتها.
3ـ والاتفاقية الدولية بين شخصين دوليين أو أكثر، وهذا يعني أنها قد تكون بين دول، وقد تكون بين دولة ومنظمة دولية، وقد تكون بين منظمات دولية. وفي حين نظمت اتفاقية فيينة لعام 1969 المعاهدات بين الدول، فإن اتفاقية أخرى أعدتها لجنة القانون الدولي وتم إقرارها في 1989 نظمت المعاهدات التي تكون المنظمات الدولية أحد أطرافها. والمعاهدتان متشابهتان في الجوهر مع مراعاة خصوصية المنظمة الدولية على أنها شخص دولي اعتباري على خلاف الدول التي تُعد تجاوزاً، الشخص الطبيعي في العلاقات الدولية. ويطلق على اتفاقية فيانا لعام 1969 اسم «معاهدة المعاهدات» لأنها الأساس الذي انبنت عليه المعاهدة الثانية.
وعلى هذا الأساس فالمعاهدات المعقودة بين الفاتيكان وإحدى الدول الكاثوليكية والتي تسمى اتفاقيات بابوية (كونك وردات هي معاهدات بالمعنى الصحيح للكلمة، مثلها في ذلك مثل أية معاهدة يعقدها البابا، بوصفه رئيساً لدولة الفاتيكان، مع أية دولة أخرى، بعدما اعترفت له معاهدة لاتران لعام 1969 بالصفة الدنيوية إضافة لصفته الدينية، وألغت بذلك قانون الضمانات الذي حصر صلاحياته بالأمور الدينية.
4ـ والمعاهدة هي الاتفاق الذي من شأنه أن ينشئ حقوقاً والتزامات متبادلة بين الأطراف المرتبطة، يحكمها القانون الدولي العام. (5)
المطلب الثاني أنواع المعاهدات
الفرع الأول: تصنيف المعاهدات من حيث عدد الدول الأطراف
تضف المعاهدات من هذه الناحية الى معاهدات ثنائية ومعاهدات جماعية أو متعددة الأطراف وتعقد بين عدة دول
اولا : معاهدات ثنائية
أدا كانت المعاهدة ثنائية كانت المشكلة الناجمة عن التحفظات قليلة ا ان الطرف الأخر إما ان يبرم الاتفاقية مع التحفظات المضافة إليها وإما ان يرفض إبرامها وبالتالي يقضي عليها .
والراجح فقهيا ان التحفظ على المعاهدات الثنائية من الأمور الجائزة سواء سمحت به المعاهدة موضوع التحفظ ام لم تسمح وانه يعتبر في جميع الأحوال بمثابة إيجاب جديد او اقتراح بالتعديل ومن ثمة يتوقف مصيره بل ومصير المعاهدة بكاملها على موقف الطرف الأخر ان شاء قبلها بصورتها الجديدة وان شاء رفضها مع التحفظ عليها ، ومن المتفق عليه في هدا المجال ان قبول التحفظ كما يتم صراحة قد يتم أيضا بطريقة ضمنية وان السكوت عن رفض التحفظ صراحة يعتبر بعد مضي اثنا عشر شهرا من تاريخ استشارة الدولة بالتحفظ او التاريخ الذي أعلن لبدء نفاد الالزام بمثابة القبول الضمني له . (6)
ثانيا : معاهدات متعددة الأطراف (جماعية)
المعاهدات الجماعية تشترك في ان عدد أطرافها يزيد عن دولتين ،وهي قد تكون من حيث المدى الجغرافي إقليمية وقد تكون دات اتجاه عالمي ،وتنشا المنظمات الدولية عن هدا النوع من المعاهدات الذي تطبق عليه اتفاقية فيينا كما تنطبق على أي معاهدة تعتمد في نطاق منظمة دولية (المادة 5 من اتفاقية فينا ) .
وتعد معاهدة باريس التي وضعت نهاية حرب القرم والمعقود في 30 مارس 1856 اول اتفاقية جماعية تم التفاوض عليها مباشرة وبهده الصفة وقد وقع على الاتفاقية الدول المتحاربة ودولتان محايدتان هما بروسيا والنمسا
وكانت المعاهدات الجماعية تنعقد خلال القرن التاسع شر في مؤتمرات دبلوماسية تلتئم لتنظيم المسائل ذات المصلحة المشتركة ولا تزال هده الطريقة تستخدم حتى الوقت الراهن ولكن أهميتها أصبحت تتراجع امام ظاهرة إعداد المعاهدات الجماعية في نطاق (داخل) المنظمات الدولية ،أي على حد إحدى الهيئات او فرع منظمات التي تمثل فيها الدول الأعضاء او تحت رعاية هده المنظمات
وعدد المعاهدات الجماعية كبير للغاية ،لكنه أقل من المعاهدات الثنائية وهي من حيث الموضوع قد تكون دات طبيعة سياسية أو عسكرية أو حربية أو اجتماعية أو اقتصادية أو قانونية .......
وقد تتعلق بالمجال الدولي غير انها تتضمن في كثير من الأحيان قواعد قانونية موضوعية أو غير شخصية وتنصرف الى مسائل تتصل بالمصلحة العامة لمجموع الدول.
والواقع أنه لا يوجد فارق بين كلا النوعين السابقين من المعاهدات من حيث الاثار القانوني . (7)
الفرع الثاني : تصنيف المعاهدات من حيث الطبيعة.
ابرز بعض الفقهاء مند زمن طويل الوظائف التي تؤديها المعاهدات الدولية وعدم خضوعها لنظام قانوني موحد و يرى هؤلاء ان المعاهدات تنقسم من الناحية المادية أو من حيث المهمة الى معاهدات شارعة عامة ومعاهدات عقدية خاصة (
اولا : المعاهدة الشارعة
هي الاتفاقيات دات الطبيعة الشارعة فهي التي يهدف اطرافها من وراء ابرامها سن قواعد دولية جديدة تنظم العلاقات بين الاشخاص القانون الدولي ولما كانت القاعدة القانونية قاعدة عامة بطبيعتها فمن غير الممكن اعتبارها معاهدة شارعة في ابرامها عدد كبير من الدول
والمعاهدة الشارعة هي وثيقة تعلن الدول بمقتضاها عن ارتضائها بحكم معين من الاحكام القانونية فهده المعاهدات في حقيقتها تشريع اكتسى ثوب المعاهدة لانها لا تستمد قوتها من اتفاق المخاطبين بها ،وانما من صدورها عن مجموعة الدول الكبرى الممارسة للسلطة العليا في المجتمع الدولي نيابة عن الجماعة الدولية ، ومن أمثلة المعاهدات الشارعة ،اتفاقية فيينا سنة 1815 اتفاق البريد العالمي سنة 1874، واتفاق لاهاي 1899،وعصبة الأمم 1920،وميثاق الأمم المتحدة 1945،
وعليه فان المعاهدات الشارعة هي تلك التي يتولد عنها أحداث مراكز قانونية بالنسبة للدول لكونها صادرة عن اجماع دولي فان قواعدها يضفي عليها نوع من الأهمية . (9)
ثانيا :المعاهدات العقدية
فالاتفاقيات التي تعد من العقود هي تلك التي تبرم بين الأشخاص القانون الدولي في امر خاص بهم ،أي بين دولتين او عدد محدد من الدول او بين شخص دولي فرد او هيئة خاصة ،ويراعي ان الأشخاص الدين يبرمون هدا النوع من الوفاق بإرادتهم الخاصة لا يلزم بطبيعة الحال غير المتعاقدين والدي لا يتعدى اثر أساس الدول غير الموقعة عليه لانها ليست طرفا فيه كما ان هده الاتفاقيات تحكمها في مظاهرها الأحكام والقوانين الخاصة ،بمعني أخر ان الأشخاص القانون الدولي لا يستطعون إبرام هده الاتفاقيات الخاصة مالم تكن متفقة في جوهرها مع احكام القانون الدولي والا تعرضت للمسؤولية الدولية ،ومثال المعاهدات العقدية :معاهدات التحالف والصلح ، وتعيين الحدود والمعاهدات التجارية والثقافية وتبادل المجرمين . (10)
الفرع الثالث: تصنيف المعاهدات من حيث إجراءات الإبرام (من حيث الشكل) :
تنقسم المعاهدات من حيث أسلوب التعبير عن الرضا النهائي والالتزام بها الى معاهدات بالمعنى الضيق أو الشكلي ومعاهدات تنفيدية .
اولا : المعاهدات بالمعنى الضيق (معاهدات مطولة او ارتسامية )
وتكون هده المعاهدات شكلية (مطولة) لا تنعقد الا بعد ان تمر بثلاثة مراحل المفاوضة التوقيع والتصديق . (11)
ثانيا : معاهدات مبسطة او تنفيدية
عادة ما يكون الاتفاق التنفيذي في أكثر من أداة قانونية ،فهو يتم التبادل الرسائل او المذكرات او الخطابات او التصريحات أو بالتوقيع على محضر مباحثات ويشترط في ابرامها المرور بمرحلتين فقط المفاوضة والتوقيع ولا يلزم لنفادها التصديق عليها من السلطة المختصة بابرام المعاهدات (رئيس الدولة عادة ) ، بل تنفد بمجرد التوقيع عليها من وزير الخارجية أو الممثلين الدبلوماسيين أو الوزراء الآخرين او الموظفين الكبار في الدولة ولاعتبارات عملية واضحة تزايد عدد الاتفاقيات التنفيذية في الوقت الراهن وربما ياخد أكثر من نصف التعهدات الدولية حاليا هدا الشكل من المعاهدات . (12)
وفي هده المعاهدة المبسطة التي لا تستوجب التصديق لكفاء التوقيع على دخولها حيز النفاد ودلك لا يعني ان الدستور يكون متمثلا من خلال المجلس التشريعي للدولة . (13)
- هذا التصنيف لا يخلو من نقائص متمثلة في الآتي:
ففي معاهدة واحدة يمكن أن نجد في نفس الوقت قواعد شارعة و قواعد عقدية مثلاً : ( في إتفاقية قانون البحار نجد فيها في الآن نفسه قواعد شارعة و قواعد عقدية في آن واحد معاً ، شارعة مثل طريقة ضبط الحدود البحرية بين الدول و العقدية مثل القواعد المتعلقة بالتعاون بين الدول المطلة على البحار و الدول التي ليس لها سواحل ) ، و من ناحية أخرى نجد أنه لا ينتج آثر قانوني معين سواءً كانت شارعة ام عقدية كلها لها نفس الآثر القانوني .(14)
المطلب الثالث : شروط انعقاد المعاهدة
الفرع الأول :الأهلية
يملك أشخاص القانون الدولي العام أي الدول والبابا والمنظمات الدولية أهلية إبرام المعاهدات ، وعلى دلك لا تعتبر معاهدة دولية الأعمال التي يأتيها الأشخاص القانون الداخلي حتى لو اتخذت في بعض الظروف شكل المعاهدات ،وبما ان إبرام المعاهدات هو مظهر من مظاهر السيادة للدولة فان الدولة ناقصة السيادة لا يجوز لها إبرام المعاهدات الا في حدود الأهلية الناقصة وفقا لما تتركه لها علاقة الشعبية من الحقوق لدا يجب دائما الرجوع الى الوثيقة التي تحدد هده العلاقة لمعرفة ما ادا كانت الدولة ناقصة السيادة تملك إبرام معاهدة معينة ،غير انه ادا حدث وأبرمت دولة ناقصة السيادة معاهدة ليست أهلا لإبرامها لا تعتبر هده المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا وإنما تكون فقط قابلة للبطلان بناءا على طلب الدولة صاحبة الولاية على الشؤون الخارجية للدولة التي أبرمت المعاهدة فلها ان شاءت ان تبطلها وان شاءت ان تقرها اما بالنسبة للدول الموضوعية في حالة حياد دائم فلا يجوز لها ان تبرم من المعاهدات ما يتنافى مع تلك الحالة كمعاهدة التحالف والضمان اما الدول الأعضاء في الاتحاد الفدرالي (الولايات ،الأقاليم ،الكاثونات )فيرجع بالنسبة لها الى الدستور الاتحاد المعروف ،لمعرفة ما ادا كانت كل منها تملك إبرام المعاهدات على انفراد ام لا .
وفي العادة لا تجبر الدساتير الاتحادية دلك وإنما تحتكر الحكومة المركزية مثل هده المواضيع .
اما بالنسبة لأشخاص القانون الدولي عدا الدول ،كالبابا والمنظمات الدولية فهم يملكون حق عقد المعاهدات التي تتفق مع الاختصاص المحدد والمعترف به لهم .
اما بالنسبة للسلطة التي تملك إبرام المعاهدات في داخل الدولة فهدا ما يحدده دستور الدولة نفسها . (15)
الفرع الثاني :الرضــــا
من المتفق عليه في النظم القانونية الداخلية ان العقد قوامه الإرادة التي يفصح عنها الأطراف من كامن النفس إلى العالم الخارجي والتي جاءت نتيجة لإحداث اثر قانوني معين والإرادة المقصودة هي الإرادة الحرة السليمة البريئة ،ومع هدا فان الرضا تشوبه عيوب تعرف بعيوب الرضا والمتمثلة في الغلط،، التدليس ، الإكراه ، إفساد ذمة ممثل دولة ،المحل . (16)
أولا : الغــلـــط:
ان إصلاح الغلط في المعاهدات الدولية له معنيان اثنان
الأول الغلط في صياغة نص المعاهدة فادا ما ظهر بعد إضفاء الصفة الرسمية على المعاهدة أنها تحتوي على خطا ، فالإجراءات في هده الحالة هو تصحيح الخطأ .
والثاني هو الغلط في الرضا ادا كان يتصل بواقعة معينة او موقف معين كان من العوامل الأساسية في ارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة . (17)
ثانيا : التدليـــس
يمكن تسمية التدليس او الغش بالتغيير او الخداع وهي من الأسباب المفسدة للرضا التي تدعوا إلى إلغاء والغش والتدليس يفترض وجود عمل ايجابي يدفع احد الأطراف في المعاهدة على فهم امر على غير حقيقة مما يسهل عليه التوقيع على المعاهدة هدا العمل الايجابي يتمثل في سلوك تدليسي بقصد حمل احد الأطراف على فهم امر معين على غير حقيقته ،ومن ثم يكون قبوله للمعاهدة بناءا على هدا الفهم الخاطئ ،أي النتيجة المؤدية لهدا السلوك التدليسي المعتمد أساسا على نية مبينة قائمة على التحايل وادا كان القضاء الدولي قد أخد بالتدليس او الغش كسبب من أسباب بطلان المعاهدات ،الا ان دلك كان محدودا ، ومن الأمثلة على دلكما حكمت به محكمة نورمبورغ العسكرية بخصوص اتفاق ميونخ المبرم بين ألمانيا وفرنسا و بريطانيا سنة 1938حيث قضت المحكمة بان الحكومة الألمانية .
قد سلكت مسلكا تدليسي عند إبرام هدا الاتفاق ولم يكن في نيتها احترامه ،وكان هدفها الأساسي طمأنة بريطانيا وفرنسا حتى تتمكن من ضم بوهيمياو ،مورافيا نتيجة فصلها عن تشيكوسلوفاكيا وقد استندت محكمة نورمبورغ في حكمها على الوثائق الرسمية للحكومة الألمانية سنة1945
وقد اخدت المادة 49 من اتفاقية قيينا لقانون المعاهدات بمبدأ جواز إبطال المعاهدات بسبب الغش او التدليس حيث نصت على« يجوز للدولة التي يدفعها السلوك التدليسي لدولة متفاوضة أخرى إلى إبرام معاهدة أن تستند إلى الغش كسبب لإبطال ارتضاءها الالتزام بالمعاهدة » . (18)
ثالثا : إفساد ذمة ممثل الدولة
يقصد بدلك التأثير على ممثل الدولة بمختلف وسائل الإغراء المادية والمعنوية كي ينصرف وفق رغبات الطرف الأخر صاحب المصلحة في ابرام المعاهدة على نحو معين لم تكن لتقبله الدولة التي يمثلها لو انها كانت على علم بكافة الأوضاع والملابسات المتصلة بالمعاهدة على حقيقتها ومن هده الوسائل تقديم الهدايا المالية والعينية كرشوة ،او دفع المفاوض الى الانغماس في الملذات الشخصية .
ويتميز عيب إفساد ذمة ممثل الدولة عن الغلط والتدليس كون ممثل الدولة ضحية مناورات خارجية أساسها سوء نية الطرف الأخر لحمله الارتضاء بالمعاهدة أما في حالة الإفساد فان ممثل الدولة يدرك ويعلم ان موقفه يتعارض مع مصالح دولته ولكنه يتفاوض عن دلك نتيجة لمقابل يحصل عليه . (19)
رابعا : الإكراه
يؤدي الإكراه إلى إفساد التصرفات القانونية فتنعدم الإرادة الحرة والمستقلة للممثلين فيحملهم الإكراه الذي يمارس على القبول بما يفرض عليهم من الالتزامات الإكراه الذي يقع على الممثلين لا يكون الا بالنسبة الى المعاهدات التي تسري أحكامها من تاريخ التوقيع (20)
كما يصعب اللجوء إلى هدا النوع من من الإكراه بالنسبة إلى المعاهدات التي تشترط التصديق ،هدا الإكراه في الحقيقة هو إكراه غير مباشر يقع على الدولة ويتخذ هنا الإكراه شكل أفعال وتهديدات موجهة الى هؤلاء الممثلين .
وقد نصت اتفاقية فيينا على بطلان المعاهدات التى تبرم نتيجة لإكراه اما الإكراه الذي يقع على الدولة فانه يثير العديد من المسائل لا يترتب على هدا الإكراه إبطال المعاهدات اد أبرمت نتيجة الحرب والإكراه هو وسيلة ضغط تمارسها دولة مفاوضة من اجل إبرام معاهدة والإكراه قد يقع على الممثل او على الدولة ذاتها فالإكراه الذي يمارس على المفاوض من شانه ان يكون سببا في إبطال المعاهدة .
والإكراه الذي يقع على الدولة ياتي مصحوبا بالقوة و هو الأكثر خطورة من الإكراه الذي يقع على ممثليها ، لانه في الغالب يكون بالتهديد . (21)
الفرع الثالث : المــــــحـل
يقصد بمشروعية المحل وسبب المعاهدة بعدم وجود تعرض بين موضوع المعاهدة والفرض منها وبين أي من قواعد القانون الدولي الامرة العامة المقبولة والمعترف بها في الجماعة الدولية كقواعد لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تغييرها الا بقواعد جديدة من قواعد القانون الدولي العام لها دان الصفة فكل معاهدة تتعارض مع هده القواعد تعتبر باطلة ولا يعتد بها Jus cogens
وهدا قد نصت المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 او عام 1986 على « تعتبر المعاهدة لاغيه ادا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة قطعية من قواعد القانون الدولي العام »
وفي تطبيق هده الاتفاقية يراد بالقاعدة القطعية من قواعد القانون الدولي العام اية قاعدة مقبولة ومعترف بها من المجتمع الدولي ككل بوصفها قاعدة لا يسمح بالأشخاص منها ولا يمكن تغييرها الا بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام ويكون لها نفس الطابع وليس دلك فحسب بل ان المادة 64 من ذات الاتفاقية ذهبت الى ابعد من دلك حيث نصت على « ادا ظهرت قاعدة قطعية جديدة في القانون الدولي العام تصبح ايه معاهدة قائمة تخالف هده القاعدة لاغيه ومنتهية »
وهدا عكس الحال في الإسلام حيث ان الشريعة الإسلامية لا تعترف بوجود قواعد أمرة لاحقة بحكم انها صالحة لكل زمان ومكان وثابتة التطبيق والسريان كما ان مسالة عدم مشروعية المعاهدات في الشريعة الإسلامية يتجاوزه القانون الوضعي حيث لا تجبر إبرام معاهدات التحالف والمعاهدات العسكرية مع الكفار لان هدا النوع من المعاهدات يتعارض مع مقاصدها الحقيقية التي ترفض عقد المسلمين لها والأمثلة على عدم مشروعية موضوع المعاهدة حكم احد المحاكم العسكرية المشكلة في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية بأنه ادا كان« لافال » رئيس وزراء فرنسا وسفير حكومة فيشي في برلين قد ابرم مع ألمانيا اتفاقية حول استخدام أسرى الحرب الفرنسيين في المصانع الألمانية فالمحكمة قضت بان الاتفاق يعد باطلا لكونه جاء مخالفا للآداب والأخلاق العامة الدولية.
ومن الأمثلة على عدم مشروعية المعاهدة خاصة ان موضوعها مخالف للآداب العامة الدولية ،الاتفاق الفرنسي الانجليزي و الإسرائيلي المعقود في سيفر والدي كان موضوعه الاعتداء على مص في 29 أكتوبر 1956 . (22)
المبحث الثاني :إبرام المعاهدة وأثارها
يخضع إبرام المعاهدات إلى عديد من الإجراءات و تمر المعاهدة قبل بداية نفاذها بعدة مراحل فلا تعتبر المعاهدة مستوفية لجميع شروطها إلا بعد تعبير الأطراف عن رضاهم النهائي بالالتزام ببنودها و المراحل هي كالآتي
المطلب الأول :إجراءات إبرام المعاهدة
تعتبر المعاهدة تصرف رضائي يتم بشكل معين حتى يمكن وصفها بالمعاهدة الدولية بالمعنى الضيق ، ولدالك فالمعاهدة بهدا المفهوم تمر بعدة مراحل لإبرامها (عقدها) بدءا بمرحة المفاوضة والتحرير مرورا بالتوقيع وانتهاء بالتصديق والتحفظ وقد تمر بمرحة أخرى هي التسجيل والنشر . (23)
الفرع الاول : المفاوضة
وتسبقها مرحلة الاتصالات وهي اتصال الدولتين او العديد من الأطراف للاتفاق مبدئياً على موضوع المعاهد والإجراءات اللازمة لانعقادها. (24) ثم المفاوضة هي تبادل وجهات النظر بين ممثلي دولتين او أكثر والراغبة في ابرام تلك المعاهدة الدولية من اجل محاولة الوصول الى اتفاق فيما بينهما بشان مسالة معينة من المسائل .
ثم ليست للمعاهدة نطاق معين ، فقد يكون موضوعها تنظيم العلاقات السياسية بين الدولتين المتفاوضتين ،وقد يكون موضوعها الشؤون الاقتصادية او العلاقات القانونية القائمة بينها ،وقد تكون موضوع المفاوضة تبادل وجهات النظر بين الدولتين وبالطرق السلمية . (25)
كما ليس للمفاوضة شكل محدد يجب أتباعه ،ثم قد يقوم بالتفاوض رؤساء الدول او رؤساء الحكومات او وزراء الخارجية للدول او بعض المندوبين الدبلوماسيين
وصيغة التفويض تختلف باختلاف الدول وتغاير أحكام الدساتير القائمة فيها ، وهي على وجه العموم مستندا مكتوب صادر من رئيس الدولة ،يحمله المفاوض لإثبات صفته والسلطات التي يخولها له رئيس الدولة في الإفصاح عن وجهة نظر الدولة . (26)
الفرع الثاني : تحرير المعاهدة
بعد التوصل الى اتفاق بشان الأمور والمسائل المتفاوض عنها فانه يتم صياغة كل ما اتفق عليه في شكل مكتوب تمهيدا للتوقيع عليه ، فتحرير تلك المعاهدة يعد شرطا ضروريا للمعاهدة الدولية واثبات الاتفاق الذي من شانه ان يقطع الخلاف في حال وجوده ،ويتكون نص المعاهدة من قسمين أساسيين : (27)
- الـــــديــبــــــاجــة .
- صلب الموضوع .
فالديباجة هي تشمل أسماء الدول المتعاقدة* او أسماء رؤساءها او تحتوي على بيان به أسماء المفوضين عن الدول المتعاقدة وصفاتهم .
وقد عرفت المادة 2/1/ج من اتفاقية فيينا بوثيقة التفويض « الوثيقة الصادرة عن السلطة المختصة في دولة ما بتعيين شخص او أشخاص لتمثيل الدولة في التفاوض بشان نص معاهدة ما او اعتمادها او توقيعها ،او في الإعراب عن موافقة الدولة على الالتزام بمعاهدة او في القيام باي عمل أخر إزاء معاهدة ما. » .
وتعتبر الديباجة وفقا للراي الراجح قسما من اقسام المعاهدة له نفس صفة الإلزام لأحكام المعاهدة .
اما صلب المعاهدة (المنطوق)فيتكون من مجموعة من المواد التي تشكل احكام المعاهدة التي تم الاتفاق عليها وبين أطرافها .
وقد يلحق بالمعاهدة في بعض الأحيان ملاحق تتضمن بعض الأحكام التفصيلية او تنظيم بعض المسائل الفنية ،ولهده الملاحق نفس القوة الملزمة التي تتمتع بها أحكام المعاهدة نفسها . (28)
كما انه أصبح استخدام اللغة في تحرير المعاهدة مسالة لا يختلف بشانها المفاوضون ،اد تجري تحرير نصوص المعاهدة باكثر من لغة ،ولم تعد توجد لغة واحدة في تحرير المعاهدة ولم يعد دلك مشكلة لدى الدول المتعاقدة حيث أصبح بإمكان الدول الموقعة فيي المعاهدة والتي تنتمي الى ثقافة واحدة الى اعتماد اللغة المشتركة للدول المفاوضة ،الا ان المشكلة تبرز ادا كانت الدول مختلفة في ثقافتها ولغتها فهنا تطرح اللغة التي يجري بها التفاوض وبها يتم تحرير المعاهدة . (29)
الفرع الثالث : التـــــوقيـــــــع
بمجرد الانتهاء من مرحلة التفاوض والتحرير ، تاتي المرحلة التالية والمتمثلة في التوقيع على نص هده المعاهدة ،ودلك من قبل المفاوضين لكي يسجلوا ما تم الاتفاق عليه فيما بينهم ويتبنوه ،لدلك فالتوقيع هو المرحلة الأساسية الأولى التي تليها مرحلة التصديق الدستوري . (30)
ويعبر التوقيع عن رضا المفاوضين ، ولا يعني ان المعاهدة أصبحت بدلك نافدة حيث ان التوقيع في المعاهدات الثنائية يفترض موافقة الطرفين ،اما في المعاهدات الجماعية فقاعدة الإجماع لا تطبق ،والموافقة على النص يفرض بالأغلبية. (31)
إلا أن اتفاقية فيينا أوردت حالات استثنائية تكتسب فيها المعاهدة وصف الإلزام بمجرد التوقيع عليها و من دون الحاجة الى التصديق ، حيث نصت المادة 12 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969« موافقة الدول على الالتزام بمعاهدة ما يعبر عنها بتوقيع ممثليها من ما يلي :
- ان يكون للتوقيع هدا الأثر او...
- ثبت بطريقة أخرى ان الدول المتفاوضة متفقة على ان يكون للتوقيع هدا الأثر او...
- تبين عزم الدولة على إضفاء هدا الأثر على التوقيع من وثيقة تفويض او تم التعبير عنه أثناء المفاوضات »(32)
وفي غير هده الحالات لا يكون للتوقيع على المعاهدة أي اثر قانوني ملزم قبل من وقوعها الا بالتصديق عليها وهدا ما يميزها عن الاتفاقيات التنفيذية ذات الشكل المبسط عن المعاهدات بالمعنى الفني الدقيق .
ويتخذ التوقيع شكلين ان يتم بأسماء ممثلي الدول كاملة وقد يكون التوقيع بالأحرف الأولى من أسماء المفاوضين لأسمائهم كاملة وهدا في حالات التردد في الموافقة نهائيا على نص المعاهدة ورغبتهم في العودة الى حكوماتهم قبل التوقيع النهائي . (33)
الفرع الرابع :الـــتصديــــق
يعتبر التصديق على المعاهدة دلك التصرف القانوني الذي يقصد به الحصول على إقرار السلطات المختصة داخل الدولة للمعاهدة التي تم التوقيع عليها /وهده السلطات اما لرئيس الدولة منفردا ، واما لرئيس الدولة مشتركا مع السلطة التشريعية ،واما السلطة التشريعية لوحدها كما لكل دولة إجراءات وطنية تعتمد عليها في عملية التصديق على المعاهدة ،ومع ان النصوص القانونية تختلف اختلافا كبيرا بين دولة وأخرى إلا أنها تشترك في المصادقة على المعاهدة من اجل نفادها . (34)
وقد نصت المادة 2/1/ب من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة1969التصديق بأنه « القبول » ، « الإقرار» ، « الانضمام »
ويعتبر التصديق إحدى الوسائل التي تعبر من خلاله الدولة عن ارتضاءها عن الالتزام بأحكام المعاهدة ،لكن التصديق يعتبر إجراء واجب الإتباع حتى تصبح المعاهدة نافدة ودلك في حالات معينة ،وهدا ما جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدة في المادة 14« تعبر الدولة عن ارتضاءها الالتزام بمعاهدة بالتصديق عليها في الحالات التالية :
- نصت المعاهدة على ان يتم التعبير عن تلك الموافقة بالتصديق ،أو ..
- ثبت بطرقة أخرى ان الدول المتفاوضة قد اتفقت على اقتضاء التصديق ،او..
- وقع ممثل الدولة المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق ،او..
- بينت نية الدولة في توقيع المعاهدة مع جعلها مرهونة بالتصديق من وثيقة تفويض ممثليها او تم التعبير عنها أثناء المفاوضات .» (35)
ولقد صاغ الفقه ضرورة التصديق على المعاهدات ،لتنفد في الدائرة الدولية بمسوغات عديدة أهمها :
- إعطاء الدولة فرصة أخيرة للتروي وإعادة النظر قبل الالتزام نهائيا بالمعاهدة .
- تجنب ما قد يثور من خلافات حول حقيقة إبعاد التفويض الممنوح للمفوضين عن الدولة في التفاوض وتوقيع المعاهدة.
- إتاحة الفرص لعرض المعاهدة على ممثلي الشعب في الأنظمة الديمقراطية التي تشترط موافقة السلطة التشريعية على كل المعاهدات او على المهمة منها قبل تصديق رئيس الدولة عليها. (36)
الفرع الخامس : التـــحـــفــــضـــات
التحفظ إجراء رسمي يصدر عن إحدى الدول او المنظمات الدولية ، ودلك عند التوقيع او التصديق او الانضمام إلى معاهدة دولية تسعى من ورائه الى تعديل او استبعاد أحكام معينه في تلك المعاهدة .
فالأثر المباشر للتحفظ هو إلغاء الحكم القانوني الوارد في نص او أكثر من معاهدة واعتبار هدا الحكم غير نافد في مواجهة الدولة او المنظمة الدولية التي أبدته او اعتباره نافدا ،ولكن تحت شروط معينة لم ترد في المعاهدة . (37)
فالدولة تبدي ما لها من تحفظات عند التوقيع او التصديق او القبول او الانضمام ، ومن المعلوم ان التحفظات قد ترد على كل من المعاهدات الثنائية ، كما قد ترد أيضا على المعاهدات المتعددة الأطراف ،وان اختلفت وتباينت أثارها واحكامها القانونية . (38)
الفرع السادس : التسجيــــل والنشـــــر
تسجيل المعاهدات الدولية ليس فكرة جديدة أبدا ،كما انه بحكم عمل الدولة الى حد كبير مبدأ الدبلوماسية السوية ،أدي دلك الى البحث عن أسباب الحرب العالمية الأولى الى انتقاد مبدا الدبلوماسية السرية وكان بروز الرئيس الأمريكي ولسن كزعيم لاتجاه لا يحبد الدبلوماسية المكشوفة ويحبد التسجيل المعاهدة كوسيلة لنشر أنباء عقدها وتفاصيلها .
1 – عصبة الأمم :
« نصت المادة 18من عهد العصبة على ان كل معاهدة او ارتباط دولي تعقده دولة عضو في عصبة الامم من الان فصاعدا يجب تسجيله لدى الأمانة العامة ونشره في اقرب وقت ممكن ولن تكون اية معاهدة كما لن يكون أي ارتباد دولي ملزم ما لم يسجل »
ولقد كان السبب في وضع هدا النص هو الرغبة في تفادي النتائج السيئة التي كانت على عقد المعاهدات والمخالفات السرية وحمل الدول على إتباع خطة الدبلوماسية السرية .
2– الأمم المتحدة :
أدى ميثاق الأمم المتحدة الى حسم النقاش الذي كان بين الفقهاء منهم من قال يعني عدم التزام أطراف المعاهدة بها حتى يتم تسجيلها ،وفريق أخر رأى انه يعني عدم جواز تنفيذها جبرا مع جواز تنفيذها اختيارا،والتزام أطرافها بها بمجرد تمام التصديق حول تفسير نص المادة 18من العهد حينما قضت المادة 102من الميثاق « كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة بعد العمل بهدا الاتفاق ، يجب ان يسجل في أمانة الهيئة وان يقوم بنشره بأسرع ما يمكن ، ليس لاي طرف في المعاهدة او اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هده المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة او دلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة . »
ومفاد هدا النص ان عدم التسجيل لا يحول دون قيام المعاهدة بكل ما يترتب عليها من حقوق وواجبات ،وانها تكون ملزمة لأطرافها وقابلة للتنفيذ بينهم وانه يمكن التمسك بها في مواجهة الدول الأخرى . (39)