منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#67970
عن: الايكونوميست، 22 تشرين الاول 2013

ترجمة: علاء خالد غزالة

اكتسب وجه عزام علوش سمرة داكنة، بينما تقشر انفه كما كان يحدث دائما منذ ان كان صبيا هائما في الحادية عشرة من عمره. يقول: "ان فخور بنفحة الشمس على وجهي"، وقد وصل مؤخرا الى مدينة البصرة، الميناء الجنوبي في العراق، بعد ان امضى شهرا في ترحاله بثلاثة قوارب تقليدية من منبع نهر دجلة في جنوب شرقي تركيا. السيد علوش داعية بيئي، وقد ارادت منظمته غير الحكومية، واسمها "طبيعة العراق"، ان تحافظ على تراث بلادها من خلال جلب الاهتمام الى تضاؤل مستوى المياه في هذا النهر.

على الرغم من كون اجزاء واسعة من العراق مناطق صحراوية، فانه يمتلك ممرين مائيين يغذيان المزارع والاهوار التي تغص بالجاموس. وقد اطلق الاغريقيون على العراق تسمية "ميسوبوتاميا"، التي تعني "ما بين النهرين". وهنا بدأت اولى عمليات الزراعة، واضحى نهرا دجلة والفرات تاريخيا شريان التجارة بين العرب والاكراد والاتراك. واليوم، خفّضت سلسلة من السدود، التي انشأت في تركيا منذ ستينيات القرن الماضي، مستوى المياه فيهما وزادت من ملوحتهما، الامر الذي ساهم في تفاقم الجفاف والتصحر. وهناك خطط لبناء سد اكبر في قرية اليسو التركية لغرض توليد الكهرباء لتركيا، ولكنه سوف يستنفد موارد العراق المائية اكثر فاكثر. يقول السيد علوش بأسى: "سوف تموت الزراعة في المكان الذي ولدت فيه."

وهكذا قرر مع زملائه العمل على بناء ثلاثة قوارب. فقد تم صناعة (الكفة)، التي لا تعيش في العادة اكثر من رحلة نهرية واحدة، من القصب المحاك حول اغصان الرمان، وتم تحصينه من تسرب الماء عن طريق طلائه بالقار. وصنع (الطراده)، وهو قارب طويل نحيف، احد صانعي القوارب في البصرة، وهو من بين القلائل المتبقين الذين يعرفون طريقة صنعه. اما (الكلك) فهو رمث مرتبط بقربة منفوخة من جلد الماعز، وتمت صناعته في مدينة حسنكيف التركية، بالقرب من منبع دجلة. وقد علّم احد المعمرين المحليين، الذي يدعي انه خاض اولى رحلاته الى البصرة عام 1927، كيفية قيادة قاربهم.

تظهر الصور التي يعود تاريخها الى قرن مضى في العراق ضفاف المدن وهي تعج بتلك القوارب. ولكنها اليوم مشهدا غير مألوف، ما استدعى استقبالا مختلط المشاعر. شق الاسطول الصغير طريقه وسط القوارب الحديثة نحو الحدود التركية مع سوريا، حيث تم رفع القوارب من الماء لتنقل برا تجنبا للقتال الدائر هناك. بعدها عاد المرتحلون الى النهر في العراق، لكنهم ما لبثوا ان رفعوا قواربهم لدى وصولهم الى سد الموصل المنهك. ولما منعوا من عبور بحيرة (الثرثار) اضطروا الى تحميل قواربهم على الشاحنات متجهين الى بغداد، حيث واجهوا طوفانا من البيروقراطية قبل ان يُسمح لهم بالابحار في النهر. ولكنهم وجدوا ترحيبا اكبر لدى تغلغلهم في مناطق الجنوب، حيث جلسوا مع المزارعين لمناقشة مشاكل الجفاف. يخطط السيد علوش، الذي يفضل التفاوض مع تركيا بهذا الشأن، لاصطحاب نفر من الفلاحين الى العاصمة لملاقاة السياسيين. ويقول: "عليهم ان يعلموا انهم بينما يتجادلون في بغداد حول قضايا الامن وتشارك السلطة، فان العراق في خطر."