- السبت ديسمبر 07, 2013 11:00 am
#68140
خمسة أيام فقط فصلت بين كلمة ألقتها مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في معهد «أسبن»، انتقدت فيها المسار السياسي الحالي في مصر لأنه وفق رأيها ليس شاملاً، وبين كلمة وزير الخارجية جون كيري أمام المجلس الاستشاري للأمن الخارجي في وزارته التي هاجم فيها جماعة «الإخوان» وقال إنها «سرقت الثورة» التي صنعها شباب ميدان التحرير.
ولم تكن هاتان الكلمتان اللتان تعاقبتا في 15 و 20 نوفمبر الماضي المؤشر الوحيد على وجود خلاف شديد بين مؤسسات صنع السياسة الخارجية الأميركية بشأن كيفية التعامل مع الوضع الجديد في مصر بعد انتفاضة 30 يونيو وفي ظل خريطة الطريق التي أُعلنت في 3 يوليو الماضي. فقد كانت الدلائل على هذا الخلاف ظاهرة قبل أن يعبر اثنان من أكبر المسؤولين الأميركيين عن توجههما المختلفين في أسبوع واحد.
وكان مفهوماً عندما طال أمد دراسة موقف الإدارة الأميركية تجاه الوضع الجديد في مصر، أن تحديد هذا الموقف ليس سهلاً في ظل وجود خلاف بين عدد من صانعي السياسة الخارجية. فقد ظل السؤال عما إذا كان ما حدث في مصر يعتبر تغييراً مشروعاً أم انقلاباً على الشرعية مثيراً لجدل في واشنطن على مدى عدة أسابيع. وهذه فترة طويلة إلا في حالة وجود خلاف يستدعي التريث واتخاذ موقف انتظاري قام على تجنب وصف ما حدث في مصر بأنه انقلاب وعدم اعتباره تغييراً مشروعاً في الوقت نفسه.
ويبدو أن اضطرار الحكومة المصرية لاستخدام القوة في فض تجمعي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس الماضي، بعد أن تجاوز منظموهما كل قواعد الاعتصام السلمي، دعّم موقف المسؤولين الأميركيين المتحفظين على التغيير الذي حدث في مصر. لذلك أسرع أوباما إلى إعلان أن إدارته ستراجع العلاقات مع مصر بدءاً بإلغاء مناورات «النجم الساطع» المشتركة متوقعاً أن هذه العلاقات قد لا تعود إلى ما كانت عليه.
غير أنه كان على أوباما أن يوازن بين اتجاهين أخذا يتبلوران في فترة التقييم التي امتدت حتى أوائل أكتوبر الماضي. فقد قادت رايس وفريق مستشاري الأمن القومي الاتجاه الذي يرى ضرورة اتخاذ موقف ضد التغيير الذي حدث في مصر، وانضم إليها جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية وسمانثا باور مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة وعدد من مستشاري أوباما وفي مقدمتهم فاليري جاريت التي تربطها به صلات عائلية وثيقة منذ سنوات طويلة وتقوم بدور كبير في صنع السياسة الخارجية إلى حد أن البعض يطلق عليها «راسبوتين أوباما».
وفي المقابل قاد كيري الاتجاه الأكثر واقعية في تقييم ما يحدث في مصر، والأوفر معرفة بتفاصيله، والذي يرى ضرورة الحفاظ على العلاقات مع الإدارة الانتقالية ودعم خريطة الطريق مع متابعة تنفيذها سعياً لأن تقود إلى نظام ديمقراطي. وشمل هذا الاتجاه تشاك هاجل وزير الدفاع وكبار قادة البنتاجون.
ورغم ما هو معروف عن أوباما، وهو أنه أكثر تأثراً بمستشاريه الذين يلتقيهم أكثر من غيرهم، فقد حرص على -أو ربما اضطر إلى- اتخاذ موقف متوازن بين الاتجاهين المختلفين بشأن كيفية التعامل مع الوضع في مصر. وظهر هذا التوازن في القرار الذي أعلنه في 10 أكتوبر الماضي، وهو تجميد معظم برامج المعونات العسكرية السنوية لمصر، مع مواصلة تقييم الوضع لتبين كيفية تنفيذ خريطة الطريق ومدى ما تحققه من نجاح في إقامة سلطة ديمقراطية مدنية في نهاية المرحلة الانتقالية الراهنة.
وكان مغزى ذلك القرار هو حسم الجدل حول وصف التغيير الذي حدث في مصر واستبعاد فرضية الانقلاب. ولم يكن ممكناً اتخاذ مثل هذا القرار لو ظلت تلك الفرضية قائمة، لأن القانون الأميركي يحظر تقديم أية مساعدة إلى بلد يحدث فيه انقلاب. كما أن الطابع الجزئي والمؤقت لقرار تجميد المساعدات جاء بمثابة حل وسط بين الاتجاهين المختلفين داخل الإدارة الأميركية. وهذا ما حرص ثلاثة مسؤولين كبار على تأكيده في جلسة مهمة عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب في 31 أكتوبر الماضي للاستماع إلى شهاداتهم، وهم ديريك تشالو مساعد وزير الدفاع، واليزابيث جونز القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وإلينا رومانوسكي نائبة المدير المساعد لمكتب الشرق الأوسط بهيئة المعونة الأميركية.
وكان أهم ما أظهرته تلك الجلسة هو أن الاتجاه الغالب في الحزبين الرئيسين، الديمقراطي والجمهوري، يؤيد الحفاظ على العلاقات مع مصر ويفضل استمرار المعونة العسكرية لها، ويرى أن هذا هو السبيل لتحقيق المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
غير أنه رغم وجود قدر كبير من التوافق بين الحزبين داخل مجلس النواب بصفة خاصة، مازال الخلاف بين أركان الإدارة مستمراً وقوياً، كما ظهر في كلمتي رايس وكيري اللتين عبّرتا عن المسافة التي ما برحت واسعة بين الاتجاهين المختلفين داخل هذه الإدارة. وتزامن ذلك مع تسرب، أو ربما تسريب، معلومات إلى الإعلام عن تجاهل كيري خلال زيارته إلى القاهرة في 3 نوفمبر الماضي نصيحة رايس بأن يتخذ موقفاً قوياً بشأن محاكمة الرئيس السابق محمد مرسي التي عُقدت جلستها الأولى في اليوم التالي لتلك الزيارة.
وليس متصوراً أن يصل الخلاف داخل الإدارة الأميركية إلى هذا المستوى، وأن ينتقل إلى العلن ويثير جدلاً واسعاً، لو أن هناك فرصة لحله في المدى القصير. غير أن إصرار كل من الاتجاهين على موقفه لا يعني بالضرورة استحالة تجاوز انقسام يمكن أن يربك السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط بوجه عام. لذلك فالأرجح أن ينتقل حسم هذا الخلاف من الإدارة إلى الكونجرس في حالة تعذر إيجاد تسوية بين موقفي رايس وكيري اللذين يقودان الاتجاهين المختلفين. فمن شأن بناء توافق واسع في الكونجرس يمتد إلى مجلس الشيوخ، ولا يقتصر على مجلس النواب، أن يؤثر في موقف الإدارة بدءاً باتخاذ القرار النهائي حول مستقبل المعونات العسكرية لمصر. وهذا قرار يستطيع الكونجرس أن يقوم بدور رئيسي في اتخاذه حال توفر توافق واسع داخله.
والأرجح أيضاً أن يكون هذا القرار هو إنهاء تجميد تلك المعونات مع استمرار متابعة تطور الوضع في مصر والتأكد من تطوره في اتجاه نظام ديمقراطي مدني. وهذا هو القرار الذي ينسجم مع مرتكزات العلاقات المصرية الأميركية. فقد ثبت على مدى أربعة عقود أن هذه العلاقات راسخة وعابرة للإدارات والحكومات، كما أن التحديات التي تواجه الدولتين في الفترة المقبلة تفرض تدعيم هذه العلاقات وليس العكس.
--------------------
ولم تكن هاتان الكلمتان اللتان تعاقبتا في 15 و 20 نوفمبر الماضي المؤشر الوحيد على وجود خلاف شديد بين مؤسسات صنع السياسة الخارجية الأميركية بشأن كيفية التعامل مع الوضع الجديد في مصر بعد انتفاضة 30 يونيو وفي ظل خريطة الطريق التي أُعلنت في 3 يوليو الماضي. فقد كانت الدلائل على هذا الخلاف ظاهرة قبل أن يعبر اثنان من أكبر المسؤولين الأميركيين عن توجههما المختلفين في أسبوع واحد.
وكان مفهوماً عندما طال أمد دراسة موقف الإدارة الأميركية تجاه الوضع الجديد في مصر، أن تحديد هذا الموقف ليس سهلاً في ظل وجود خلاف بين عدد من صانعي السياسة الخارجية. فقد ظل السؤال عما إذا كان ما حدث في مصر يعتبر تغييراً مشروعاً أم انقلاباً على الشرعية مثيراً لجدل في واشنطن على مدى عدة أسابيع. وهذه فترة طويلة إلا في حالة وجود خلاف يستدعي التريث واتخاذ موقف انتظاري قام على تجنب وصف ما حدث في مصر بأنه انقلاب وعدم اعتباره تغييراً مشروعاً في الوقت نفسه.
ويبدو أن اضطرار الحكومة المصرية لاستخدام القوة في فض تجمعي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس الماضي، بعد أن تجاوز منظموهما كل قواعد الاعتصام السلمي، دعّم موقف المسؤولين الأميركيين المتحفظين على التغيير الذي حدث في مصر. لذلك أسرع أوباما إلى إعلان أن إدارته ستراجع العلاقات مع مصر بدءاً بإلغاء مناورات «النجم الساطع» المشتركة متوقعاً أن هذه العلاقات قد لا تعود إلى ما كانت عليه.
غير أنه كان على أوباما أن يوازن بين اتجاهين أخذا يتبلوران في فترة التقييم التي امتدت حتى أوائل أكتوبر الماضي. فقد قادت رايس وفريق مستشاري الأمن القومي الاتجاه الذي يرى ضرورة اتخاذ موقف ضد التغيير الذي حدث في مصر، وانضم إليها جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية وسمانثا باور مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة وعدد من مستشاري أوباما وفي مقدمتهم فاليري جاريت التي تربطها به صلات عائلية وثيقة منذ سنوات طويلة وتقوم بدور كبير في صنع السياسة الخارجية إلى حد أن البعض يطلق عليها «راسبوتين أوباما».
وفي المقابل قاد كيري الاتجاه الأكثر واقعية في تقييم ما يحدث في مصر، والأوفر معرفة بتفاصيله، والذي يرى ضرورة الحفاظ على العلاقات مع الإدارة الانتقالية ودعم خريطة الطريق مع متابعة تنفيذها سعياً لأن تقود إلى نظام ديمقراطي. وشمل هذا الاتجاه تشاك هاجل وزير الدفاع وكبار قادة البنتاجون.
ورغم ما هو معروف عن أوباما، وهو أنه أكثر تأثراً بمستشاريه الذين يلتقيهم أكثر من غيرهم، فقد حرص على -أو ربما اضطر إلى- اتخاذ موقف متوازن بين الاتجاهين المختلفين بشأن كيفية التعامل مع الوضع في مصر. وظهر هذا التوازن في القرار الذي أعلنه في 10 أكتوبر الماضي، وهو تجميد معظم برامج المعونات العسكرية السنوية لمصر، مع مواصلة تقييم الوضع لتبين كيفية تنفيذ خريطة الطريق ومدى ما تحققه من نجاح في إقامة سلطة ديمقراطية مدنية في نهاية المرحلة الانتقالية الراهنة.
وكان مغزى ذلك القرار هو حسم الجدل حول وصف التغيير الذي حدث في مصر واستبعاد فرضية الانقلاب. ولم يكن ممكناً اتخاذ مثل هذا القرار لو ظلت تلك الفرضية قائمة، لأن القانون الأميركي يحظر تقديم أية مساعدة إلى بلد يحدث فيه انقلاب. كما أن الطابع الجزئي والمؤقت لقرار تجميد المساعدات جاء بمثابة حل وسط بين الاتجاهين المختلفين داخل الإدارة الأميركية. وهذا ما حرص ثلاثة مسؤولين كبار على تأكيده في جلسة مهمة عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب في 31 أكتوبر الماضي للاستماع إلى شهاداتهم، وهم ديريك تشالو مساعد وزير الدفاع، واليزابيث جونز القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وإلينا رومانوسكي نائبة المدير المساعد لمكتب الشرق الأوسط بهيئة المعونة الأميركية.
وكان أهم ما أظهرته تلك الجلسة هو أن الاتجاه الغالب في الحزبين الرئيسين، الديمقراطي والجمهوري، يؤيد الحفاظ على العلاقات مع مصر ويفضل استمرار المعونة العسكرية لها، ويرى أن هذا هو السبيل لتحقيق المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
غير أنه رغم وجود قدر كبير من التوافق بين الحزبين داخل مجلس النواب بصفة خاصة، مازال الخلاف بين أركان الإدارة مستمراً وقوياً، كما ظهر في كلمتي رايس وكيري اللتين عبّرتا عن المسافة التي ما برحت واسعة بين الاتجاهين المختلفين داخل هذه الإدارة. وتزامن ذلك مع تسرب، أو ربما تسريب، معلومات إلى الإعلام عن تجاهل كيري خلال زيارته إلى القاهرة في 3 نوفمبر الماضي نصيحة رايس بأن يتخذ موقفاً قوياً بشأن محاكمة الرئيس السابق محمد مرسي التي عُقدت جلستها الأولى في اليوم التالي لتلك الزيارة.
وليس متصوراً أن يصل الخلاف داخل الإدارة الأميركية إلى هذا المستوى، وأن ينتقل إلى العلن ويثير جدلاً واسعاً، لو أن هناك فرصة لحله في المدى القصير. غير أن إصرار كل من الاتجاهين على موقفه لا يعني بالضرورة استحالة تجاوز انقسام يمكن أن يربك السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط بوجه عام. لذلك فالأرجح أن ينتقل حسم هذا الخلاف من الإدارة إلى الكونجرس في حالة تعذر إيجاد تسوية بين موقفي رايس وكيري اللذين يقودان الاتجاهين المختلفين. فمن شأن بناء توافق واسع في الكونجرس يمتد إلى مجلس الشيوخ، ولا يقتصر على مجلس النواب، أن يؤثر في موقف الإدارة بدءاً باتخاذ القرار النهائي حول مستقبل المعونات العسكرية لمصر. وهذا قرار يستطيع الكونجرس أن يقوم بدور رئيسي في اتخاذه حال توفر توافق واسع داخله.
والأرجح أيضاً أن يكون هذا القرار هو إنهاء تجميد تلك المعونات مع استمرار متابعة تطور الوضع في مصر والتأكد من تطوره في اتجاه نظام ديمقراطي مدني. وهذا هو القرار الذي ينسجم مع مرتكزات العلاقات المصرية الأميركية. فقد ثبت على مدى أربعة عقود أن هذه العلاقات راسخة وعابرة للإدارات والحكومات، كما أن التحديات التي تواجه الدولتين في الفترة المقبلة تفرض تدعيم هذه العلاقات وليس العكس.
--------------------