منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمعاهدات والمواثيق الدولية
By سليمان الفراج 3332
#68305
موقفي بخصوص تصنيف «أنصار الشريعة» كجماعة ارهابية هو موقف ينطلق من مبدإ أساسي هو ذاتية شخصية الفعل الذي يرتكبه الإنسان فلا يمكن توسيع نسبة الفعل الخاص إلى المجموعة التي ينتمي إليها ذلك الفاعل وبالتالي فانه لا يمكن سحب آثار وتبعات جريمة فرد أو بعض أفراد على الفئة التي أعلنوا انتماءهم إليها سواء كانت منظمة مدنية أو حزب سياسي إذ لا يعقل مثلا انه اذا تواطأ بعض الأفراد من حزب حركة «النهضة» على ارتكاب جريمة ارهابية أن توصف حركتهم بكونها ارهابية وان يوصم كل منتم إلى حركة «النهضة» بالصفة نفسها أي بالإرهابي وكذلك الأمر لو ارتكبت مجموعة من أفراد حزب «نداء تونس »ودبرت لجريمة قتل فهل من المعقول اعتبار حزب «نداء تونس» حزبا إرهابيا؟ وبمثل ذلك يقع القياس على كل منظمة مدنية وحزب سياسي لأن الجهة الوحيدة المخول لها أن تصف فعلا بكونه إرهابيا وبأن تصف انسانا بتلك الصفة هي جهة القضاء لا غير وهذا لا يكون إلا بعد أن يصبح الحكم باتا غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن. أما ما جرى في الأيام الأخيرة في تونس من خلال قرار رئيس الحكومة اعتبار «أنصار الشريعة» جماعة إرهابية وبمساندة مما جاء على لسان وزير الداخلية فانه الظلم بعينه لان هذا الفعل يحرم الموصومين بكونهم ارهابيين من أعظم حق من حقوق الإنسان وهو التمتع بقرينة البراءة دائما إلى أن يثبت عكسها . أما ماجاء به رئيس الحكومة ووزير الداخلية فانه قلب للموازين والقيم وضياع للحق الإنساني وأصبح تبعا لذلك كل منتم إلى «أنصار الشريعة» متهما ابتداء إلى أن تثبت براءته وهذا اعتداء على قيم العدل وفيه انتصار لقيم التمييز بين الناس وقيم الظلم وليس في هذا دفاع عن «أنصار الشريعة» بل هو دفاع عن قيم العدل التي من حقهم أن يتمتعوا بها قبل وعند محاكمتهم اذا ما توفرت في جانبهم أركان التهم التي يمكن أن تنسب إليهم .
ما غفل عنه رئيس الحكومة ووزير الداخلية عندما خاض كل منهما في تصنيف «أنصار الشريعة» واعتبارهم جماعة ارهابية سيكون مدعاة في المستقبل لتوجيه التهمة إليهم كلما وقعت جريمة ارهابية وإبعاد التهمة عن غيرهم أي أن ذلك التصنيف وسع في حماية فئات اخرى وجماعات اخرى من الاتهام بل وفيه إعانة للفئات الأخرى على إمكانية الإقدام على ارتكاب جرائم ارهابية ماداموا مطمئنين إلى كون الأعين ستغض عنهم النظر وتلتفت إلى اتهام «أنصار الشريعة» ومادام رئيس الحكومة ووزير الداخلية قد شرعا بذلك التصنيف إلى مثل هذا التصرف وفي هذا هدم لقيم العدل وإعلاء لصرح قيم الظلم وبهذا تقع تونس في نفس ما وقعت فيه الولايات المتحدة الامريكية بعد احداث سبتمبر 2001عندما أخذت في توجيه تهمة اقتراف الجرائم الإرهابية كلما حصلت دون تمييز ودون ترو ودون تثبت إلى جماعة «القاعدة» واسامة بن لادن وقد حصلت احداث كثيرة طيلة ال13سنة الماضية وتعلقت بجرائم خطيرة ذهب ضحيتها المئات من الأفراد وارتكبت في بقاع كثيرة من العالم واتهم في البداية اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة بارتكابها ثم تبين بعد البحث والاستقراء أن فئات اخرى وجماعات اخرى هي التي ارتكبت تلك الجرائم وللاسف أن الساسة الجدد في تونس يقعون في نفس الخطا الذي وقع فيه الساسة الامريكان وأوقعهم ذلك في الكثير من الظلم ,وسجن غوانتانامو مازال شاهدا على ذلك والخوف كل الخوف أن يصبح لدينا في تونس سجن غوانتنامو ولو بتسمية اخرى.
إنني كرجل قانون ومحام ازداد حزني وتعمق عندما استمعت إلى الندوة الصحفية التي عقدها وزير الداخلية ورئيس الحكومة. فقد رأيت في ذلك استبدال ادوار ومواقع إذ حلت السلطة السياسية محل السلطة القضائية وتصرف كلاهما أي رئيس الحكومة ووزير الداخلية وكأنهما القاضيان الأكبران في تونس وتكلما بلغة القاضي الذي أصدر حكما باتا في جريمة بعد أن محص النظر وأمعن الفكر فيها وبعد أن ثبت لديهم توفر أركان الجريمة بشكل لا يقبل الرد وفي هذا إساءة لمركز القضاء واعتداء على مقامه بالخوض في ملفات مازال القضاء يتعاطاها في مراحل الاستقراء الاولى ولم يصدر بشأنها قرار بات يسمح للمطلع عليه بالحكم على الجريمة ومن ارتكبها. هذا دون الخوض في عدم صدقية الكثير من المعطيات التي وقع التصريح بها والاعلان عنها في كل من الندوتين الصحفيتين لوزير الحكومة. والشيء الذي عمق حزني حقيقة هو الصمت التام للسيد وزير العدل وكذلك للجانب الاكبر من القضاة أي كانهم رضوا بهذا الاستبدال الذي قامت به السلطة السياسية لتحل محلهم في الحكم على ما ليس من اختصاصها أصلا وإجراء. ومن هنا فإن المرجو من السادة القضاة أن يتحركوا جماعة ليتولوا دورهم المنوط بعهدتهم بتفويض من الشعب التونسي لينشئوا دولة العدل ويحولوا دون قيام دولة الظلم وهذا يتطلب منهم بالإضافة إلى الكفاءة إقرار حقيقتين أساسيتين: الحقيقة الاولى هي الشجاعة الفكرية والأدبية والأخلاقية إذ بدونها لا يمكن للقاضي أن يكون حرا مستقلا ,أما الحقيقة الثانية وهي الأهم فهي مخافة الله والاستشعار الدائم لرقابته عليهم في سرهم ونجواهم والأخطر من ذلك كله ألاّ ينسوا انهم مدعوون للقائه يوم القيامة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول «من مات قامت قيامته »وانا أقول كلامي هذا من منطلق حبي للسادة القضاة ومن منطلق رغبتي أن يكون لهم دور فاعل في تونس الجديدة لبناء قيم الحق والعدل.
انا لا أدافع عن« أنصار الشريعة» ولا عن أية منظمة أو تنظيم أو حزب يرتكب جرائم ارهابية خاصة في مجال الاغتيال السياسي بل انا الوحيد الذي طالبت أدعياء وخصوم عقوبة الإعدام إلى أن يصمتوا الان في تونس لان جريمة قتل الشهيد شكري بلعيد والشهيد محمد إبراهمي وجريمة قتل الجنود بالشعانبي والتمثيل بهم وذبحهم لا تسمح لهؤلاء الادعياء أن يرفعوا أصواتهم المناهضة للإعدام وانا الوحيد الذي رفعت صوتي بتسليط عقوبة الإعدام وتنفيذها كما طالبت في برنامج «التاسعة مساء »بضرورة تنفيذ حكم الإعدام على مغتصب الطفلة الصغيرة وقد هاجمني أصحاب العواطف الممزقة بالردود العنيفة ولكني مازالت مصرا على أن الأحكام في مثل هذه الجرائم سواء نسبت إلى فئات أومنظمات أو احزاب يجب ألاّ تقلّ عن الإعدام وتنفيذها مباشرة بعد أن تصبح الجريمة ثابتة وبعد أن يصبح الحكم باتا وغير قابل لاي وجه من أوجه الطعن لكني مع ذلك لست مع الاتهام المباشر بسبب تصنيف جماعة بكونها ارهابية بل انا مع المحاكمة العادلة التي تضمن كل حقوق المتهم بضمان قضاة نزهاء ومستقلين لا يخافون الا الله وبتوفر أكبر المحامين في تونس للدفاع عن هؤلاء لان ذلك يزين العدالة ولا يشينها .