- الأحد ديسمبر 08, 2013 12:13 am
#68489
العلاقــات الدوليــة المعاصرة
Date: 08\08\2008
العلاقــات الدوليــة المعاصرة
مقدمة:
كان الهدف العام للدبلوماسية القديمة هو الاستقرار الأوروبي وليس المساواة العالمية ، وقد تحقق هذا الهدف من خلال الاتفاق الأوروبي عام 1815 الذي حقق لأوروبا مائة عام تقريباً من السلام ، وكان أبطال هذا الإنجاز هم رجال الدولة الدبلوماسيين مثل بسمارك ومترينخ وكاسترو. غير أننا يجب أن نلاحظ أن هذه المائة عام من السلام قد قامت في ظروف اسثنئاية ونتيجة لسياسة توازن القوى ووجود شبكة من المصالح المتبادلة في التجارة، كما كان عدد الفاعلين في المسرح الدولي قلة، وقدم لهم صغر القارة الأوروبية فرصة التفاعل السريع حيث زادت الإلفة بين رجال الدولة والسفراء والتي تجاوزت الحدود القومية ومع بلاطهم الملكي الذي كان نشطاً بشكل خاص في الدبلوماسية كون رجال الدولة والدبلوماسيون مجتمعاً ارستقراطياً تجاوز القوميات .
غير أنه ومع مطلع القرن العشرين بدا أن النظام الدولي سوف يتميز بالاضطراب العنيف لا بالتناسق والاستقرار، فقد أزاحت الحرب الأولى أربع امبراطوريات كبرى من القوى السبع التي كانت على المسرح الدولي، وكان على الدبلوماسية التقليدية في جوهرها أن تهيئ نفسها وتتكيف مع عصر ثوري جديد وكان التجديد الحاسم في هذا العصر هو إنهاء الاحتكار الأوروبي نتيجة لدخول الولايات المتحدة في المجموعة الصغيرة للأعضاء الكبار في المجتمع الدبلوماسي.
وقد توافق مع هذا التطور بدء تعرض الدبلوماسية القديمة او التقليدية وأساليبها لهجوم مستمر منذ الحرب العالمية الأولى واستمر هذا الهجوم الذي صحبته تطورات جذرية في البيئة الدولية حتى كادت الدبلوماسية القديمة أن تنبذ منذ نهاية الحرب الثانية. ويلخص "هانز مورجانثو" الحجج التي استند عليها الهجوم على الدبلوماسية القديمة في :
1- أنها مسؤولة عن الكوارث السياسية التي حاقت بالبشرية خلال الحقب التي سيطرت فيها أساليبها، والمنطق يقول إن الأساليب التي ثبت عدم صحتها يجب أن تستبدل.
2- أن الدبلوماسية التقليدية إنما تتعارض مع مبادئ الديموقراطية لذلك كان على الدبلوماسية أن تكون مفتوحة ومعرضة للفحص في كل عملياتها.
3- أن الدبلوماسية التقليدية بشكلياتها غير ذات جدوى ومضيعة للوقت ومتعارضة بمساوماتها مع المبادئ الأخلاقية.
أما العوامل الحاسمة التي أدت إلى تراجع الدبلوماسية القديمة ونشوء الدبلوماسية الجديدة فكانت نتيجة لثلاثة تطورات رئيسية : التغيير الذي لحق بتكوين الأسرة الدولية، طبيعة الاهتمامات الدولية ومن ثم أهداف العملية الدبلوماسية ، وأخيراً ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وهي موضوع بحثنا.
• مشكلة البحث:
تتمثل مشكلة البحث في معرفة اثر تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مهام البعثات الدبلوماسية ودورها في تأسيس العلاقات بين الدول ، حيث كان لثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا في ترابط وتشابك العالم وتقليص الاعتبارات الجغرافية السياسية للدول الى حد كبير ، ويمكن تلمس ابرز معالم هذا التطور الذي شهدته العلاقات الدولية والدبوماسية بما يلي :
1- أن العلاقات الدولية في عصر (المعلو اتصالات) تتسم بسيادة المعرفة والتقدم التكنولوجي وبما أن المعلومات والمعرفة لا تعترفان بحدود سياسية سيادية للدول فان ادارة العلاقات الدولية تأخذ هذا الامر بالاعتبار وتدار باساليب تتجاوز قيود الفرضيات الدولية التي سادت ابان مرحلة الحرب الباردة.
2- لم يعد بامكان الدول الحديث عن السيادة الاعلامية والتحكم في عملية تدفق المعلومات إلى داخلها والعمل على تشكيل عقول ابناء شعبها وضمان ولائهم التام لصالحها ، أما الان ومع تعاظم فرص الاتصال عن طريق شبكات المعلومات والاتصالات ظهر ضعف الدول في امكانية التحكم على نوع وكم المعلومات بالتالي ضعف قدرة الدول على تصريف شؤونها الخارجية وعلى علاقاتها مع الدول الاخرى.
3- انتشار ثقافة التغريب والميل نحو الاعجاب بثقافات الغرب في (العنف والجنس والشهرة والثروة والقوة وقيم الاستهلاك والوفرة الفردية والانانية) وانحسرت قيم الانتاج والتقشف وروح الجماعة مما اثر على دور الدول في تنمية عقول ابناء شعبها وضعف ايدولوجياتها الشعبية الوطنية أو الدينية .
4- اسهمت الثورة التكنولوجية في احداث التوحد على النطاق العالمي وفق مصلحة الدول الصناعية (المركز) فهي تتسبب في مزيد من التفكك واللامركزية على النطاق المحلي والداخلي للدول.
5- بروز دبلوماسية الاقمار الصناعية والاعلام الكوني في نشر الاخبار والصور مصحوبة بالجمالية والالوان والاثارة والغبن مما تسببه من حرج وضغط للقنوات الرسمية المعتمدة من قبل الدول في ادارة شؤونها الداخلية. حتى أن هذا النوع الجديد في الاعلام الفضائي يسبب للدول شعورا بالقلق والارباك لانها لم تعد قادرة على التحكم الاعلامي والخبري الداخلي وميل ابناء شعبها للثقافات الخارجية المثيرة والمؤثرة.
6- اختراق القنوات الدولية لحدود السيادة الدولية وتراجع مفهوم (السيادة الوطنية) وبعد انتشار الثقافة التلفزيونية المعتمدة على الاقمار الصناعية ، وبالتالي فان الدول سوف تفقد سيطرتها على تدفق المعلومات والاتصالات ذات الطابع الدولي الذي له اثر سلبي مباشر على تماسك الشعب وولائه لدولته التي يقطنها وينتمي اليها. تحت شعارات ترسيخ الثقافة العالمية وترسيخ قيم المعرفة العلمية ونزع مجتمعات الاطراف من ثقافاتها الوطنية.
7- أن قدرة التكنولوجيا الكونية في تهميش دور الدولة – الحكومة على فرض سيطرتها على ابناء شعبها يناظره تهميش لدور الدولة في الحياة الاقتصادية باتجاه افقارها وتدني عائداتها وتراجعها في اداء واجباتها المتعلقة بصيانة امنها القومي ودفاعها الوطني وبروز الرغبة المتزايدة لدى بعض القوى الدولية المهيمنة على الوضع الدولي الجديد إلى اداء ذلك الدور نيابة عن الدول مقابل قدر عال من الكلف المادية بالاضافة إلى تعزيز مستلزمات هيمنتها العالمية وضمان مصالحها الدولية.
فهل الدول قادرة على الثبات والديمومة باستيعاب اسرار ثورة (المعلو اتصالات) ؟ وهل أن هذا الامر يدعوها إلى الانغلاق على الذات بل التعامل مع التكنولوجيا الدولية الجديدة باستفادة من مزاياها المتعددة والا فان (عالم جديد سيظهر إلى الوجود) على انقاض الدولة الوطنية التي رسمت اركانها معاهدة ويستفاليا عام 1648 لرسم معالم علاقات دولية جديدة!
• متغيرات البحث:
تحدد مشكلة البحث متغيرين تفترض وجود علاقة بينهما. الأول وهو المتغير الأساسي المتمثل بالعلاقات الدبلوماسية وتطورها ونشوء الدبلوماسية الحديثة وأبعادها الاقتصادية ، الاجتماعية ، السياسية والثقافية الجديدة . والمتغير الثاني هو ثورة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات حيث سينصب البحث على دراسة الأثر الذي سيحدثه هذا المتغير بالمتغير الأساسي الأول .
• أهمية البحث:
تبرز أهمية مشكلة البحث في أنها تلفت النظر الى دور ثورة الاتصالات والمعلومات التي جاءت لكي تحدث تغييراً نوعياً في ظهور الدبلوماسية الحديثة. فالثورة التكنولوجية في مجال النقل والاتصالات أصبحت تسمح بإجراء اتصالات طويلة ومشاورات بالبرقيات والفاكس والخط الساخن الذي يربط بين الرؤساء خاصة ، وأصبح من الممكن عقد مؤتمرات وحوارات عبر الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية ومكن هذا المتفاوضين وهم على مائدة المفاوضات من الاتصال بعواصم بلادهم والحصول على التوجيهات من صناع القرار في عواصمهم . كما كان لثورة المعلومات وسرعة نقلها عبر الشبكات والقنوات التلفزيونية تأثيراً حاسماً على عمل الدبلوماسي وكمية ما هو متاح له من أخبار ومعلومات وتقييمات وجعله في مركز الأحداث العالمية وهو في مكتبه وجعله هذا في سباق مع الزمن لكي يلاحق هذه الاحداث ولا يتخلف عنها.
• أهداف البحث:
يهدف البحث الى التركيز على العلاقات الدولية من خلال البعثات الدبلوماسية وإبراز أثر العولمة والاتصالات بأبعادها المختلفة عليها لتحقيق التالي :
- التعريف بالدبلوماسية الحديثة : المفهوم ، المعوقات وعلاقتها بالسيادة . وتأثير العولمة على العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي .
- التعريف بالسيادة الوطنية بعد تعزيز التشابك الاقتصادي والأمني لمختلف الدول ، وتغير الأجندة السياسية الدولية ، والتغيير الذي رافقه في مصالح الدول على الساحة الدولية وتبدل إمكانيات وسائل تنفيذ سياستهم الخارجية.
- توضيح أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مفهوم "قوة الدولة" والتتغير الحاصل من الاعتماد على القوة العسكرية إلى الاعتماد على تطوير الموارد المالية والاقتصادية والمعلوماتية والفكرية للدولة.
- دور القانون الدولي العام في ظل هذا التطور الغير محصور للعلاقات الدولية في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات .
• فرضيات البحث:
يفترض البحث وجود علاقة اقتران بين العلاقات الدبلوماسية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات . بمعنى أنه كلما زادت مظاهر تكنولوجيا الاتصالات أثر ذلك سلباً على دور البعثات الدبلوماسية التقليدي وزاد من فرصة عولمة العلاقات الدولية .
فلم يعد يقتصر دور الدبلوماسي بممارساته التقليدية من حفلات ومآدب عشاء وغذاء واستقبالات أو بكتابة التقارير والتحليلات والتنبؤات ، إنما أصبح الدبلوماسي اليوم هو الذي يدير وينسق نطاقا عريضا من النشاطات والاهتمامات العريضة للبلد المعتمد فيه وبحيث يمكن القول ان الدبلوماسي الحديث يجب ان يتوقع معالجة كل مظاهر الحياة البشرية إذ أن كل مظهر للوجود البشرى أصبح اليوم تقريبا له بعض الأبعاد الدولية ، الأمر الذي جعل من الدبلوماسية التي كانت يوما ما عملا بسيطا عملية معقدة ليس فقط نتيجة للعدد المتزايد من المشكلات والقضايا المعقدة والمتشابكة التي تواجه الدول والمجتمع الدولي وإنما أيضا نتيجة للعدد المتزايد من الدول.
وقد فرضت هذه المهام الجديدة على الأجهزة الدبلوماسية أن تعيد تنظيم هياكلها وأولوياتها بحيث أصبحت الإدارات والأقسام التي تعالج هذه القضايا لها الأولوية على غيرها من الإدارات التقليدية التي تعالج القضايا السياسية ، وانسحب هذا على الأفراد الذين يتولون هذه المهام ، واصبح هناك تنافس بين أعضاء الأجهزة الدبلوماسية على العمل والتخصص في هذه الأنشطة الجديدة والتي أصبحت تتطلب ثقافة وتكوينا جديدا ، وأصبح ترتيب حضور هذه المؤتمرات وكذلك احتمال تنظيمها موضوعيا وإداريا وفنيا من أهم ما يشغل وزارات الخارجية والتي تتولى مسؤولية هذه المؤتمرات الدولية التي تعقد في بلادها حتى تلك التي تعالج قضايا بعيدة عن القضايا السياسية التقليدية سواء من حيث المشاركة الدولية فيها أو من الناحية التنظيمية ، وإعداد الكوادر الفنية اللازمة : السكرتارية ، الترجمة ومصاحبة الوفود الزائرة.. الخ.
• منهج البحث:
يعتمد البحث في فحص الفرضيات المناهج التالية :
المنهج القانوني : لما كانت طبيعة الدراسة بالأساس تستند الى قواعد القانون الدولي المنظم للعلاقات الدبلوماسية الثنائية سواء اتفاقية فيينا لعام 1961م الخاصة باتفاقية العلاقات الدبلوماسية للدول ، أو لاتفاقيات عام 1975م الخاصة بالمنظمات الدولية ، أو لبعض أحكام اتفاقية فيينا الثانية لعام 1963م الخاصة بالعلاقات القنصلية ، فان استخدام المنهج القانوني في تحليل وتفسير النصوص القانونية الواردة بصلب موضوع العلاقات الدبلوماسية والتمثيل الدبلوماسي، يصبح أمرا في غاية الأهمية لهذه الدراسة ، فضلاً عن ذلك فان أهميته تكمن أيضاً في ضرورة إيجاد التكيّف القانوني لعملية لدور العلاقات الدبلوماسية في بناء العلاقات الدولية في إطار القانون الدولي العام ، بهدف الوصول الى مقارنة ومقاربة بين تفسير تلك النصوص على أرض الواقع من جهة ، والممارسة الدبلوماسية السائدة في التطبيق الدولي من جهة أخرى .
المنهج التاريخي : و ذلك لحصر الأحداث وضبط دوافع التطور و النتائج المترتبة عليها .
المنهج الوصفي : من خلال معرفة أهم الصفات المميزة للدبلوماسية والعلاقات الدولية ، وفي ذات الوقت الصفات المميزة لعصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات .
المنهج الأحصائي : من خلال استبيان يتضمن العديد من التساؤلات حول تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على دور البعثات الدبلوماسية سيوزع على كافة البعثات التمثيلية في بكين لتقديم إجابات واقعية وعملية تكون أساساً لتنبؤات ونتائج البحث.
المنهج التحليلي : وذلك لتحليل الظواهر المترتبة على الثورة التكنولوجية ومحاولة استشراف الرؤية المستقبلة لتأثيرها على مهام البعثات الدبلوماسية و بالنتيجة على العلاقات الدولية .
تنظيم محتويات البحث :
تم تقسيم البحث الى فصل تمهيدي ، إضافة الى ثلاثة فصول رئيسية على النحو التالي :
الفصل التمهيدي : العلاقات الدبلوماسية بين الأصول النظرية والتاريخية :
المبحث الأول : مفهوم العلاقات الدبلوماسية في إطار القانون الدولي العام .
المبحث الثاني : واجبات وحقوق البعثات الدبلوماسية الدائمة .
المبحث الثالث : التطور التاريخي للعلاقات الدبلوماسية .
الفصل الأول : الدبلوماسية الحديثة :
المبحث الأول : مفهوم الدبلوماسية الحديثة وأسباب نشوءها .
المبحث الثاني : أشكال ومعالم الدبلوماسية الحديثة :
أولاً : الدبلوماسية الشاملة .
ثانياً : الدبلوماسية الترابطية .
ثالثاً : الدبلوماسية المتعددة .
المبحث الثالث : العلاقات الدولية في ظل الدبلوماسية الحديثة .
الفصل الثاني : تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في العلاقات الدولية :
المبحث الأول : أشكال وظواهر تكنولوجيا المعلومات والإتصالات .
المبحث الثاني : آلية تأثير ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مهام البعثات الدبلوماسية .
المبحث الثالث : آلية تأثير ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية .
وفي هذا الفصل أيضاً أفردت مبحثاً خاصاً لواقع البعثات التمثيلية في جمهورية الصين الشعبية ، وهو الرابع تحت عنوان ( أثر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وعلى مهام البعثات التمثيلية في بكين )
المبحث الرابع : أثر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وعلى مهام البعثات التمثيلية في بكين .
الفصل الثالث : دور القانون الدولي العام في تنظيم العلاقات العلاقات الدبلوماسية الحديثة .
المبحث الأول : التنظيم القانوني لمجال المعلومات والاتصالات .
المبحث الثاني : التنظيم القانوني للعلاقات الدبلوماسية الحديثة .
الخاتمة :
أولاً : النتائج والتنبؤات لمستقبل العلاقات الدبلوماسية في ظل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات .
ثانياً : التوصيات .
المراجع والمصادر
أ – المراجع الاساسية :
أولاً : الوثائق
ثانياً : الدوريات
ثالثاً : الكتب
ب – المراجع الثانوية : -
اولاً : الرسائل الجامعية :
ثانياً : منشورات المؤسسات :
ثالثاً : الصحف :
رابعاً : المواقع الإلكترونية :
العلاقات الدبلوماسية متعدِّدة الأطراف
تختلف بالطبع الدبلوماسية الثنائية عن الدبلوماسية متعددة الأطراف ، ولعل أن أو ما يلفت الانتباه إلى الاختلاف بينهما ، ان الأولى تتم بين الدول فقط ، بينما الثانية تتم بين الدول والمنظمة الدولية ودولة المقر أو الدولة المضيفة ، أي أنها علاقة ثلاثية الترابط ، بيد أن الاختلاف والفروق بينهما أكبر من ذلك بكثير وتُسقط مباشرة على مختلف تفاصيل العلاقة البينية ، وعلى النحو التالي:
أولا : في الدبلوماسية الثنائية تتمثل العلاقة بين دولتين ، الدولة الموفدة والأخرى المستقبلة ، بينما في الدبلوماسية متعددة الأطراف تأخذ العلاقة أبعاد ثلاثية بين الدولتين الموفدة والمستقبلة من جهة ، والمنظمة الدولية من جهة ثانية .
ثانياً : في الدبلوماسية الثنائية لا بد من موافقة كل دولة على رئيس البعثة وباقي أعضاء البعثة الدبلوماسية عن طريق الاستمزاج مسبقاً واعتماده قبل الوصول الى الدولة المستقبلة ، بينما في دبلوماسية المنظمات الدولية لا يوجد مثل هذا التقليد او الوضع القانوني سواء بالنسبة للموظفين الدوليين التابعين للمنظمة او بالنسبة للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها من قبل الدول، من منطلق ان هذه البعثات ممثلة للدول لدى المنظمة وليس للدولة المضيفة ، رغم تمتعهم بجملة ضمانات دولية تمنح لهم من المنظمة نفسها وعلى حساب سيادة دولة المقر أو الدولة المضيفة .
ثالثاً : من حق الدولة في التمثيل الدبلوماسي الثنائي أن تعلن شخصاً ما شخص غير مرغوب فيه او تقوم بطرده أو طلب سحبه من عضوية البعثة ، بينما –نظريا- لا يتم ذلك في علاقة الدولة مع المنظمة الدولية ، حيث لا تملك دولة المقر او الدولة المضيفة حق طرد او طلب سحب عضو من أعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى المنظمة إلا من خلال المنظمة نفسها .
رابعاً : في الدبلوماسية الثنائية تطبق الدول مبدأ المعاملة بالمثل بينهما ، بينما ليس لهذا المبدأ أي دور في العلاقة غير المتكافئة بين الدولة والمنظمة الدولية ، والسبب أن الدولة تملك سلطة تطبيق ما تشاء ويقرره أمنها الوطني على مختلف أجهزة المنظمة الدولية المادية والبشرية ، بينهما المنظمة لا تملك سلطة فعلية –وليس قانونية- للرد بالمثل مقارنة بالدولة صاحبة السيادة والإقليم .
خامساً : وثمة فرق أخر يتمثل في معيار الأسبقية في التمثيل ، إذ في الدبلوماسية الثنائية تكون الأسبقية محددة بمعيار زمني (ساعة وتاريخ وصول رئيس البعثة إلى الدولة المستقبلة أو وقت تقديم أوراق اعتماده ) ، بينما في نطاق الدبلوماسية متعددة الأطراف يكون المعيار ثابت ومحدد في الترتيب الهجائي لأسماء الدول وفقا للنظام الجاري العمل به في المنظمة .
سادساً : في الدبلوماسية الثنائية يكون التمثيل أحادي من كلا الجانبين ، بمعنى ان البعثة بطاقمها البشري جزء واحد في تمثيل مصالح الدولة ، بينما في دبلوماسية المنظمات الدولية تكون الدولة ممثلة بواسطة بعثة دبلوماسية دائمة (لدى) المنظمة ، ويكون لها في نفس الوقت عضوية ممثلة (في)([1])المنظمة من خلال مشاركتها ممثليها في نشاطات أجهزة المنظمة الفرعية، وربما يكون من ذات الدولة موظفين دوليين تابعين للمنظمة ومستقلين في عملهم وارادتهم تبعاً لاستقلال وارادة المنظمة الدولية ، مثل الموظفين المصريين في جامعة الدول العربية في القاهرة ، والموظفين الأمريكيين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك .
سابعاً : الجهاز البشري للدبلوماسية الثنائية بين الدول يتكون من الدبلوماسيين والموظفين الفنيين والإداريين والملحقين ، وهم بالغالب الأعم من أبناء الدولة الموفدة ، بينما يشمل الجهاز البشري تبعا لعلاقات المنظمة ، وكما أشارت إلى ذلك اتفاقية امتيازات وحصانات منظمة الأمم المتحدة لعام 1946.
المتغيرات التي تطرأ على العلاقات الدبلوماسية بين المنظمة والدول الأعضاء
إن العلاقة بين المنظمة الدولية والدول الأعضاء فيها –أو غير الأعضاء- قد تأخذ في بعض الأحيان صورة من صور النزاع والتوتر بينهما ، إذ لا يمكن إغفال النزاعات التي تحصل داخل المنظمات الدولية ، والتي قد تثور بين عدد من الدول الأعضاء أو بينها وبين أحد أجهزة المنظمة ، أو بينها وبين المنظمة ذاتها .
وتعود أسباب النزاع بين الطرفين الى أسباب عديدة ومتنوعة ، منها ادعاء الدولة أن المنظمة أو أحد فروعها قد تعدت حدود اختصاصها أو أن النشاط الذي تمارسه المنظمة أو أحد فروعها وان كان يدخل في صميم عملها إلا انه تنقصه التكييف القانوني اللازم لصحته ، وربما كذلك يأتي النزاع من جانب المنظمة ذاتها أو أحد أجهزتها ، إذ ترى أن الدولة المعنية لم تقم باحترام التزاماتها الدولية المترتبة عليها([2])، أو أنها لم تلتزم بالمبادئ الدولية التي أشار إليها الميثاق وعملت على تهديد الأمن والسلم الدوليين.
وعليه ، فان أي توتر أو نزاع ينشأ بين المنظمة والدولة لا يستوجب رد حاسم في "طرد" الدولة من عضوية هذه المنظمة لمجرد التنازع حول قضية معينه ، فهناك عوامل ومتغيرات عديدة تطرأ على علاقات الطرفين وتدفع بهما الى حافة الهاوية لأسباب كثيرة ، لكنها حتماً لا تؤدي دوما الى استخدام ورقة "الطرد" بإرادة الدول الأعضاء إلا في الظروف الاستثنائية التي يعتبر استمرار وجود الدولة عضواً في المنظمة والسكوت عن سلوكها وتصرفاتها تهديداً لأمن وسلامة العلاقات الدولية ، لذا يجب هنا التمييز بين إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف من جانب المنظمة الممثل في حالة "الطرد" ، وبين متغيرات أخرى تلجأ إليها المنظمة كنوع من العقاب أو الجزاء للدولة ، ومنها تجريد الدولة من مهمة أوكلتها إليها مسبقاً أو وقف المزايا والحصانات التي تتمتع بها ، أو توقيع عقوبات اقتصادية وتجارية عليها بعد إقرار الدول الأعضاء على ذلك كنوع من التأديب الجماعي لانتهاك الدولة المعنية ميثاق المنظمة أو تهديد الأمن والسلم الدوليين ، أو إصدار قرار من المنظمة لقطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول الأعضاء ودولة معينة.
وقد تنشأ في بعض الأحيان جملة من الظروف أو المتغيرات التي تعكر صفو العلاقات بين المنظمة الدولية والدول الأعضاء فيها ، والتي يترتب عليها لجوء المنظمة الى نظام الجزاءات التي تطبقه على الدولة العضو –وأحيانا غير العضو- بهدف تصويب الوضع بصورة ترضي ميثاق المنظمة والدولة الأعضاء فيها ، وتتمثل أهم هذه المتغيرات في :
تجريد الدولة العضو من مهمة معينة أُوكلت لها مسبقاً .
وقف حق الدولة بالتمتع بالامتيازات والحصانات الخاصة بعضويتها .
فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على الدولة .
الحرمان من حق التصويت .
تخفيض حجم البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الدول أو المعتمدة لدى المنظمة الدولية.
قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة ما بناءاً على قرار من المنظمة الدولية .
إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف
بخلاف التمثيل الدبلوماسي الثنائي ، فان الدبلوماسية متعددة الأطراف تمتاز بحالات قليلة لجأت فيها الدول إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية أو إنهاؤها –الانسحاب- مع المنظمات الدولية ، وذات الشيء بالنسبة لدور المنظمة في قطع أو إنهاء العلاقات الدبلوماسية –الطرد- مع الدول ، وربما يعود ذلك إلى قصر عمر المنظمات الدولية التي لا تتجاوز بداية القرن المنصرم ، ولكن ما يمكن إعادة تأكيده في هذا الصدد ، أن فعالية المنظمة في مجال قطع او إنهاء علاقاتها مع الدول الأعضاء او في فرض عقوبات معينة طبقاً لميثاق واتفاقية المنظمة تخضع دوما لارادة الدول الأعضاء ، لذا قلما ما تسعى المنظمة إلى قطع او إنهاء علاقاتها الدبلوماسية مع الدول ، طمعاً منها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وفي الحيلولة دون زيادة التوتر بين الدولة المعنية بالإساءة إلى المجتمع الدولي وباقي الدول الأعضاء في المنظمة ، بينما يحفل تاريخ العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف بحالات عديدة لجأت فيها الدول أو هددت بالانسحاب لسبب ما ، إما كوسيلة للضغط باتجاه أمر يعينها أو للاحتجاج والاعتراض على سياسة معينة ، وربما لدفع المنظمة لتقوية وزيادة فعالية عملها والدفع عن حقوق أعضائها بجدية أكبر والالتزام بالسياسات والمبادئ التي قامت على أساسها المنظمة الدولية .
وبغض النظر عن آلية إنهاء العلاقات الدبلوماسية سواء بإرادة الدولة أو بإرادة المنظمة الدولية ، فان هذه العملية تتميز بأربعة خصائص رئيسية وهي ([3]):
عمل انفرادي تلجأ إليه المنظمة (الطرد) أو الدولة (الانسحاب) بمحض إرادتها .
عمل خاضع للسلطة التقديرية للمنظمة أو الدولة المعنية .
وعمل لاحق يتم اللجوء إليه بعد اكتساب الدولة لصفة العضوية .
يترتب عليه إنهاء كامل للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين ، فلا الدولة تصبح عضوا في المنظمة ، ولا الأخيرة يحق لها تطبيق مبادئ ميثاقها على الدولة .
إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف بإرادة المنظمة الدولية (الطرد)
ولعل أن العقوبة الأشد التي تملك المنظمة الدولية اتخاذها بحق دولة ما انتهكت ميثاق المنظمة وخالفت قوانين وأعراف العلاقات الدولية ، هي إعلان طرد الدولة من عضوية المنظمة ، فكما هذا التصرف القانوني الذي تملكه المنظمة مؤشر على جسامة وفداحة الخطأ الذي ارتكبته الدولة ، فهو مؤشرٌ أيضاً على حجم النزاع والتوتر الذي أصاب كبد العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف ، خاصة بين الدولة والمنظمة الدولية ذاتها ، إذ يكون بذلك قد بلغ الطرفين حد إنهاء العلاقات الدبلوماسية بينهما ولكن بإرادة المنظمة نفسها ، دون أن يشمل ذلك رغبة متبادلة من الدولة المعنية .
ويمكن إدراك أهمية هذا المنحى الخطير على العلاقات الدبلوماسية بين الدولة والمنظمة من خلال استعراض معظم دساتير ومواثيق المنظمات الدولية التي حرصت على إدراجه في نصوصها وأنظمتها بهدف تحذير الدول من مغبة القيام بعمل ما يهدد أمن وسلامة الدول الأعضاء أو ينتهك الأسس التي قامت عليها هذه المنظمة أو تلك .
فالمادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة تشير إلى ما يلي([4]): "وإذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق ، جاز للمنظمة أن تفصله من الهيئة بناءا على توصية من مجلس الأمن" .
وعليه فان يشترط لتوقيع عقوبة الطرد أو الفصل أمران : الأول : أن يكون العضو المعني قد أمعن في مخالفة مبادئ الميثاق ، ويلاحظ أن الإمعان هنا جاء بمعنى أن يكون الفعل الذي ارتكبته الدول لا يدخل في نطاق المخالفات البسيطة أو العادية بل يجب أن يكون فيه خرق واضح لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والتي تراعي على حفظ الأمن والسلم الدوليين ، وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية وعدم اللجوء إلى القوة العسكرية إلا في حالة الدفاع عن النفس ، والثاني : أن يصدر قرار الفصل أو الطرد من الجمعية العامة بأغلبية الثلثين بناءاً على توصية من مجلس الأمن .
وطرد دولة ما من الأمم المتحدة يعني فيما يعنيه طردها وفصلها من مختلف الوكالات أو الأجهزة المتخصصة التابعة لها ، فعلى سبيل المثال يشير ميثاق منظمة اليونسكو في الفقرة الرابعة من المادة (2) الى أن طرد دولة عضو في الأمم المتحدة يؤدي تلقائيا الى طردها من منظمة اليونسكو([5]).
وبالانتقال الى جامعة الدول العربية –كمنظمة دولية إقليمية- يجد الباحث أن موضوع الطرد أو الفصل أشارت إليه المادة (18) من ميثاق الجامعة ، إذ نصت على ما يلي " لمجلس الجامعة أن يعتبر أية دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلة عن الجامعة ، وذلك بقرار يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها"([6]).
ويلاحظ أن جامعة الدول العربية فشلت في تطبيق هذا النص بحذافيره على الدول التي خرقت ميثاق الجامعة ، فهي لم تستطع فعل شيء حيال مصر عند توقيعها لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979م ، واكتفت على توقيع عقوبة "تجميد" عضويتها في الجامعة ، ونقل مقر الجامعة من القاهرة الى تونس ، وقد ردت مصر على هذا الإجراء بقولها أن تجميد العضوية غير وارد في ميثاق جامعة الدول العربية ، وأن المادة المعنية أشارت فقط الى عقوبة الطرد وإنهاء العلاقات بإرادة المنظمة ، ولم تنص أو تشير الى هذا الجزاء صراحة ، وهو جزاء أخف وطأة من الفصل أو الطرد أو إنهاء العلاقات الدبلوماسية بإرادة الجامعة ذاتها، وقد استمر تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية مدة عشر سنوات تقريبا ، أي حتى مؤتمر القمة العربي الطارئ في الدار البيضاء بالمغرب في أيار من عام 1989م([7]).
وكذلك لم تدفع باتجاه تطبيق هذا الجزاء أو إنهاء العلاقات بإرادتها مع العراق عام 1990م عند احتلاله لدولة الكويت ، بحجة أن تبقي النزاع الدائر بين أعضاء الجامعة –خاصة دول مجلس التعاون الخليجي- والعراق في دائرة جامعة الدول العربية وعدم تدويل الموقف الى حلبة الصراع الدولي وللحيلولة دون تدخل القوى الكبرى وإفشال الجهود العربية في نزع فتيل الأزمة ، وهو خلاف كل ما حصل بعد ذلك .
ويمكن إيجاد هذه العقوبة والحالة لإنهاء العلاقات الدبلوماسية مع الدولة بإرادة المنظمة الدولية في ميثاق منظمة الأوسيد ، والتي أشارت الى ما يلي([8]): "يجب أن تُعلم المنظمة الدولة العضو التي ارتكبت مخالفة لمبادئ واهداف المنظمة بأنها قامت بتصرف غير مشروع ، وتمنحها فترة لتصويب أوضاعها ، وبعد انقضاء هذه الفترة وإذا لم تنصاع يتم طرد الدولة المخالفة" .
يبقى القول ، أن تقرير منظمة دولية ما على إيقاع عقوبة الفصل أو الطرد لدولة معينة خالفت وأمعنت في انتهاك مبادئ الميثاق وهددت الأمن والسلم الدوليين ، لا يعني إنهاء شامل وكامل للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين ، خاصة وأن إرادة المنظمة الدولية في عملية الإنهاء جاءت لظرف محدد بموجبه قررت اللجوء إلى فصل الدولة أو إنهاء علاقاته الدبلوماسية والودية معها ، ولكن ذلك لا يحول دون عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما بواسطة بعض الدول المعتدلة في المنظمة ، خاصة إذا ما عدلت الدولة المعنية عن سلوكها وتعهدت في إعادة الأمور إلى نصابها والتزمت بمبادئ الميثاق من جديد .
ولكن هل يمكن أن تعود العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف إلى وضعها الطبيعي إذا ما قررت الدولة نفسها إنهاء وقطع تلك العلاقات ضمن ما يسميه أهل القانون بحق "الانسحاب" من المنظمة الدولية ؟
إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعدِّدة الأطراف بإرادة الدولة العضو في المنظمة الدولية (الانسحاب)
يمثل انسحاب الدولة العضو بالمنظمة الدولية منها ، الجزء المكمل للعلاقة التبادلية في إطار إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف ، فانسحاب الدولة من عضوية إحدى المنظمات هو بمثابة إعلان رسمي عن إنهاء العلاقات الدبلوماسية بإرادة الدولة ذاتها ، ومع ذلك فلا يمكن الجزم أن هذا الانسحاب هو إنهاء جذري وشامل ، إذ ممكن أن تستمر الدولة في عضوية بعض الأجهزة الفرعية المنبثقة عن المنظمة الأم ، وممكن أن يحصل العكس ، أي أن تنسحب الدولة من فروع المنظمة الدولية وتبقى عضو قائم وفاعل في المقر الرئيس للمنظمة الدولية ، كما فعلت الولايات المتحدة عندما انسحبت من منظمة اليونسكو عام 1984م ، في الوقت الذي بقيت فيه عضوا فاعلا في باقي فروع وأجهزة الأمم المتحدة .
وتختلف الأسباب التي تدفع الدولة إلى إنهاء علاقاتها الدبلوماسية مع المنظمة الدولية ، إما لاعتقاد الدولة أن المنظمة قد خرجت عن حدود اختصاصها ، أو لأن المنظمة حاولت التدخل في الشؤون الداخلية للدولة([9]) فأرادت الدولة أن تضع حدا لتدخلها غير الشرعي بصورة إنهاء الارتباط الدبلوماسي والسياسي معها ، أو لان المنظمة عدّلت في ميثاقها بما يتنافى ومصالح هذه الدولة أو تلك ، وربما يكون الانسحاب لممارسة نوع من الضغوط على الدول الأعضاء أو المنظمة ذاتها لاتخاذ ما يتماشى مع مصالح هذه الدولة ، خاصة إذا كانت الدولة المتخذة لقرار إنهاء علاقاتها مع المنظمة وانسحابها ذات وزن وثقل استراتيجي في المنظمة ، كأن تكون المُساهمة بحصة الأسد في ميزانية المنظمة الدولية ، وقد يكون السبب في رفض الدولة لسياسة المنظمة تجاه قضية معينة أو اعتراضها واحتجاجها على الضعف الذي يعتري جسد المنظمة وعملها على أرض الواقع .
والواقع أن هناك أسباب أخر قد تؤدي وبشكل طبيعي إلى إنهاء العلاقات الدبلوماسية بإرادة الدولة دون تدخل من جانب المنظمة ذاتها ، وهي أسباب تتعلق بزوال المنظمة أو حلّها وتشكيل أخرى محلها أو بالتوارث بين المنظمات ، فهذه الأسباب خارجة عن إرادة الطرفين من ناحية عملية ومنطقية ، ولكنها بشكل أو بأخر تعتبر من لأسباب التي تؤدي إلى إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين من ناحية قانونية.
ليس دوما يعني انسحاب الدولة العضو من المنظمة الدولية تعبيراً عن انزعاج الدولة عن سياسة المنظمة أو قطيعة شبة كاملة للمنظمة أو إحدى أجهزتها ، إذ ربما تنسحب الدولة وتقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إحدى المنظمات الدولية لسبب يتعلق بدولة ما اكتسبت عضوية هذه المنظمة أو أتت ما من شانه تهديدا لمصالح الدولة المعنية دون أن يعني قطعها أو إنهاؤها للعلاقات الدبلوماسية مع المنظمة تعبيراً عن توتر أو نزاعٍ معين بينهما([10]) .
وبخلاف حالة إنهاء العلاقات الدبلوماسية بإرادة المنظمة ذاتها (الطرد) ، نجد أن هناك اختلاف واضح بين مواثيق المنظمات الدولية حول الإشارة إلى حق الدولة بالانسحاب من المنظمة ، وربما يعود ذلك الى رغبة المنظمة في الحفاظ على العلاقات الودية القائمة بين الطرفين والتعالي على الأزمات التي قد تعصف بهذه العلاقات مهما بلغ مستواها ، بينما أشارت مواثيق أخرى الى هذا الحق ، واعتبرته جزءاً مكملا لسيادة الدولة في الانسحاب أو إنهاء علاقاتها الدبلوماسية مع المنظمة إن رغبت ، كما هو الحال في إرادة المنظمة في "طرد" دولة ما من عضويتها .
فمثلا الاتحاد الأوروبي لم يدرج هذا المبدأ في دستوره المنظّم للعلاقات بين المجموعات الاقتصادية الأوروبية ، واعتبر هذا الأمر ضرب من ضروب الخيال ، حيث لا نية لديه في السماح لأية دولة من الانسحاب من عضوية الاتحاد الذي ظهر أساساً لوضع حد للنزاع والصراع القائم في القارة الأوروبية ، خاصة بين الدول الأوروبية الكبرى المؤسسة لهذه المجموعة ([11]).
وبالمقابل هناك منظمات التزمت الصمت حيال مسألة الانسحاب الاختياري من عضوية المنظمة أو الإنهاء الشامل للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين من جانب الدولة المعنية، فميثاق الأمم المتحدة الذي تطرق صراحة الى حق المنظمة في فصل عضو معين وإنهاء علاقاتها معه بإرادتها الكاملة ، لم يشر بنفس الصراحة الى حق الدول في إنهاء العلاقات أو الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة ، بيد أن ذلك لم يمنع إندونيسيا من الانسحاب وإنهاء علاقاتها مع الأمم المتحدة خلال عامي 1964م و 1966م ، احتجاجاً على انتخاب ماليزيا ، التي كانت على نزاع حاد معها آنذاك ، عضواً في مجلس الأمن ، واعتبرت ذلك بمثابة إهانة لها من قبل الأمم المتحدة ([12]).
وعلى أية حال ، وبغض النظر عن الجدال القانوني في عدم إشارة ميثاق الأمم المتحدة لحق الدول أو عدمه من الانسحاب من المنظمة العالمية ، فان تاريخ الأمم لمتحدة سجل الى اليوم حالة انسحاب وإنهاء علاقات دبلوماسية واحدة، تمثلت في انسحاب إندونيسيا عام 1964، ولكن كثيرا ما يتردد في وسائل الإعلام عن توجه دولة ما للانسحاب من عضوية الأمم المتحدة نتيجة ضعفها في إدارة العلاقات الدولية وفشلها في حل المنازعات بالطرق السلمية ، وارتهان قراراتها الى شرعية النظام الدولي التي تهمين عليه الولايات المتحدة ، فمثلاً العراق أعلن أكثر من مرة خلال التسعينات عن نيته الانسحاب من الأمم المتحدة بحجة اتهام الولايات المتحدة في إدارة الأمم المتحدة بما يتوافق ومصالحها وحسب([13]) ، كما كانت هناك بعض التوجهات غير الرسمية المطروحة لانسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة في إطار الحرب الإعلامية والقانونية التي شهدتها أروقة الأمم المتحدة –خاصة مجلس الأمن- بين الولايات لمتحدة وبريطانيا من جهة ، وفرنسا وروسيا وألمانيا والصين من جهة أخرى خلال العام المنصرم بخصوص الأزمة العراقية ، وفشل واشنطن بانتزاع قرار دولي يسبغ الشرعية على حربها العدوانية الى شنتها على العراق في العشرين من آذار من عام 2003م([14]).
وبالانتقال الى مواثيق منظمات أخرى ، يجد الباحث أن هناك العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والمتخصصة التي أشارت الى قضية الانسحاب وحق الدولة في ممارسة سيادتها الفعلية في إنهاء علاقاتها الدبلوماسية متعددة الأطراف ، إذ تشير المعاهدات المنشئة للوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة –باستثناء منظمة الصحة العالمية- الى حق الدول بالانسحاب من أية وكالة متخصصة شريطة أن تقدم الدولة المعنية إشعار خطي قبل سنة من نيتها بالانسحاب ، واستثني من ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير والذي يتم الانسحاب منهما بشكل فوري([15]).
ومن الأمثلة البارزة والتي أخذت نقاشاُ مطولاً في الساحة الدولية في هذا الصدد ، انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة اليونسكو في كانون الأول من عام 1984م ، وعودتها إليها بهدوء بعد انقطاع دام تسعة عشر عاماً في أيلول من عام 2003م .
ومن الأمثلة الأخرى على انسحاب دولة من عضوية منظمة دولية ، انسحاب الكويت من عضوية مجلس الوحدة الاقتصادية في آذار 1990م ، وقد بررت الكويت على لسان وزير المالية الكويتي سبب انسحابها الى أكثر من مبرر([16]):
الزيادة غير المعقولة في عدد موظفي المجلس .
محدودية الفاعلية العملية التي حققها المجلس منذ إنشائه .
عدم التزام غالبية الأعضاء في تسديد التزاماتهم المالية .
الازدواجية القائمة بين مجلس الوحدة الاقتصادية العربية والمجلس الاقتصادي العربي.
وعدم العدالة في توزيع الحصص والمساهمات المالية في المجلس ، إذ تتحمل أربع دول فقط ما نسبته 80% من الميزانية ، من أصل 12 عضو ، فيما يتحمل الآخرون الباقي .
وقد واجهت منظمة الوحدة الإفريقية ذات الإشكالية عند انسحاب المغرب منها عام 1984م أثر قبول عضوية الجمهورية العربية الصحراوية في المنظمة ، فاعتبرت هذه إهانة لسيادة واستقلال المغرب التي تعتبر المنطقة الصحراوية المتنازع عليها مع الجمهورية العربية الصحراوية جزء من سيادتها الوطنية، ورغم أن العاهل المغربي ألمح الى إمكانية عودة المغرب الى منظمة الوحدة الإفريقية في خطاب له عام 1989م([17])، إلا انه لم يحصل أي تقدم يذكر في هذا الصدد .
وبإلقاء الضوء على ميثاق جامعة الدول العربية ، يجد الباحث أنه نص على الانسحاب بصفة عامة وأورد حالة خاصة له ، إذ أشار أنه لكل دولة عضو أن تنسحب من الجامعة العربية إذا أرادت ذلك بشرط أن تبلغ المجس عن عزمها القيام بذلك قبل تنفيذ الانسحاب بسنة، وخلال هذه الفترة تبقى الدولة متمتعة بكافة التزامات العضوية ، بيد أن الميثاق نص على حالة خاصة بالانسحاب وهي حالة تعديل الميثاق دون أن تقبل الدولة المعنية هذا التعديل ، إذ يجوز لها والحالة هذه أن تنسحب من الجامعة دون انتظار مدة السنة ، أي يكون انسحابها فوري وقائم من لحظتها وتزول مباشرة عنها صفة العضوية ، وعليه يكون ميثاق الجامعة العربية –على خلاف باقي دساتير المنظمات الدولية الأخرى- قد أشار إلى حالتين للانسحاب : الأول الانسحاب غير الفوري ، والثانية الانسحاب الفوري([18]).
إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف عند زوال أو توارث المنظمات الدولية
ليس هناك ثمة شك في أن المنظمات الدولية –كالدول- تعد شخص من أشخاص القانون الدولي ، ويجري عليها ما يجري على الدول ، فان كانت الأخيرة معرضة للموت والحياة ، أي للزوال وفقدان الشخصية أو للولادة والاستقلال واكتساب الصفة القانونية ، فان المنظمات ومن باب أولى تتعرض لذات الشيء ، إذ من الممكن أن تزول منظمة لسبب معين أو تتوحد مع منظمة دولية أخرى أو تندثر نهائياً وتقوم على أنقاضها منظمة أخرى .
فإذا فشلت المنظمة الدولية في تحقيق أهدافها التي أُنشأت من أجلها ، أو لم تستطع الاستجابة لظروف التغير وتحديات الأحداث الجسام التي تعصف بالعلاقات الدولية ، أو لم تعد قادرة على ترجمة أهدافها على أرض الواقع ، أو فقدت شرعية العمل والتحرك بسبب قيام حرب معينة أو تفكك أطرافها أو انسحاب أعضائها وعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية الدولية تجاه هذا التنظيم الدولي أو ذاك ... الخ ، فان ذلك قد يدفع الأطراف القائمة على إدارتها للتفكير الجدي في وضع نهاية معينة لهذه المنظمة ، إما بحلها وإزالتها إذا ما كنت عبء على الدول الأعضاء ، أو بتوارثها لمنظمة دولية أخرى ، أو باتحادها مع منظمة أخرى لزيادة فاعليتها وشرعية عملها الإقليمي أو الدولي([19]).
والواقع أن ظاهرة توارث المنظمات الدولية هي ظاهرة حديثة أو أن جاز التعبير إشكالية حديثة في إطار القانون الدولي ، فمن الناحية العملية لا تكاد تذكر الحالات التي حدث فيها توارث بين المنظمات أو زوال تام لمنظمة دولية أو اتحاد بين منظمتين أو أكثر ، فهي حالات نادرة وقليلة جداً ، وربما هذا ما يفسر غياب أو عدم وضوح التصور القانوني الكامل أو الواضح لآلية التعاطي قانونياً مع هذه الظاهرة ، فليس هناك ثمة قواعد قانونية تنظم هذه العملية برمتها .
وبما أن ما يهمنا في هذه الجزئية هو إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف عند توارث أو زوال المنظمة الدولية ، فاننا سنركز على صور التوارث بين المنظمات الدولية وآثاره المترتبة عليه بالنسبة لإنهاء العلاقات الدبلوماسية بصورة طبيعية ، فضلاً عن الآثار الأخرى المتعلقة بالدول الأعضاء فيها وموقع الاتفاقيات التي أبرمتها المنظمة قبل زوالها أو توارثها .
يطرح بعض الخبراء صورتين للتوارث بين المنظمات الدولية ([20]):
الأولى : أن تخلف منظمة دولية منظمة دولية أخرى في ممارسة بعض الوظائف والسلطات ، مع استمرار الأخيرة كشخص من أشخاص القانون الدولي ، ومثال ذلك ما أشار إليه ميثاق اليونسكو في المادة( 11/2) من انه إذا رأى المؤتمر العام للمنظمة أن هناك منظمة أو جهة رسمية أو وكالة متخصصة تسعى إلى أهداف مماثلة لليونسكو أو تمارس أعمال تدخل في صميم عملها ، فمن المرغوب فيه أن تتحول موارد ومهام تلك المنظمة أو الجهة إلى منظمة اليونسكو ، ويجوز للمدير العام أن يعقد بموافقة المؤتمر العام ما يلزم من اتفاقيات يرتضيها الطرفان .
وكذلك يمكن إيجاد نفس النص في ميثاق منظمة الصحة العالمية ، إذ أشارت المادة (72) إلى أنه يجوز لهذه المنظمة أن تخلف أية منظمة أو وكالة دولية أخرى تمارس نفس النشاطات والاهتمامات التي تمارسها منظمة الصحة العالمية ، وذلك من خلال تحويل موارد والتزامات تلك المنظمة أو الهيئة لصالح المنظمة الأولى ، ضمن اتفاق يقبله الطرفين ، ويمكن لمس ذات الشي في ميثاق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (المادة 26) .
ومهما يكن من أمر ، فان العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف في هذه الحالة أو الصورة لا تتعرض لإنهاء من قبل الدول الأعضاء باعتبار أن المنظمة التي تنازلت عن بعض اختصاصاتها لصالح منظمة دولية أخرى ، مازالت قائمة كشخص دولي قانوني ، ولا ينعكس تحويل بعض أعمالها لمنظمة أخرى على علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأعضاء فيها ، فهذا توارث طبيعي كما يرى أهل القانون الدولي .
الثانية : أن يتم التوارث بين منظمتين دوليتين مع زوال إحداهما ، سواء كانت إحداهما موجودة أو قيد الوجود ، وهو ما حدث بين الأمم المتحدة عندما ورثت عصبة الأمم ، حيث بعد انهيار عصبة الأمم لاسباب كثيرة أهمها الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، اتفقت دول الحلفاء المنتصرة بالحرب الكونية الأخيرة على إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتكون منظمة بديلة عن عصبة الأمم التي فشلت في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ، وكذلك ما حدث من توارث بين المحكمة الدائمة للعدل الدولي ومحكمة العدل الدولية ، وبين معهد التعاون الذهني واليونسكو ، وبين المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ...الخ ، كل هذه الحالات تم فيها توارث بين المنظمات مع زوال إحداهما ، أي المنظمة القديمة .
ويلاحظ أن التوارث بهذه الآلية يأتي مع منظمات متشابه بالوظائف والاختصاصات ولكن يكون الهدف منه –أي التوارث- هو تجديد حيوية عمل المنظمة وتطوير أدائها وتعديل ميثاقها ، خاصة إذا جاء التوارث بعد أحداث جسام مرت بها المنظمة القديمة وفشلت في التعاطي والتكيف معها ، كما حصل مع عصبة الأمم التي ورثت عملها بشكل أكثر وأداء أكبر منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1945م .
ولعل أن ما يترتب على العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف في هذه الحالة أو انتهاءها بشكل طبيعي ، إذ أن زوال المنظمة القديمة يعني فقدان شخصيتها القانونية التي تؤهلها للتمثيل الدبلوماسي ، وتتحول الشخصية لصالح المنظمة الجديدة التي تنقل الدول الأعضاء علاقاتها الدبلوماسية معها نيابة عن الأولى ، وما يترتب على زوال المنظمة من أثار قانونية على العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف يبدأ في إنهاء تلك العلاقات بشكل جذري وينتهي بإلغاء فعالية أي اتفاقية أو معاهدة قانونية قائمة بين الدول الأعضاء والمنظمة الزائلة .
وتجدر الإشارة إلى ضرورة التفريق بين توارث المنظمة بالحالتين المذكورة آنفاً ، وبين زوال المنظمة بشكل نهائي أو اختفائها دون ظهور ما يرثها من المنظمات الدولية ، فهذه الحالة ، التي يمكن اعتبارها الحالة الثالثة ، تعني زوال شامل وكامل للمنظمة الدولية واختفائها للأبد ، أي عدم توفر نية لاستئناف عملها أو تفكير أعضائها في توريثها بمنظمة أخرى ، ولا شك أن العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف في هذه الحالة تنتهي بشكل أتوماتيكي وتلقائي إذ تفقد المنظمة صفتها القانونية وشخصيتها الدولية
وتنتهي العلاقات الدبلوماسية بين الدول الأعضاء والمنظمة بصورة طبيعية .
ومن الأمثلة القليلة جدا على هذه الحالة ، تصفية منظمة معاهدة جنوب شرق أسيا عام 1977م ، بعد أن قررت الدول الأعضاء فيها تصفيتها وإزالتها بشكل كامل في ذلك التاريخ([21])، وهي بذلك أعلنت مع تصفيتها إنهاء العلاقات الدبلوماسية بشكل تلقائي .
ويمكن إيجاد نص يشير إلى هذه الحالة في ميثاق المنظمة الأوروبية للبحث النووي ، إذ تشير المادة (14) منه إلى انه يتم تصفية هذه المنظمة إذا قل عدد أعضائها عن خمسة أعضاء .
وبخصوص الآثار المترتبة على توارث المنظمات الدولية أو زوالها فيما يتعلق بالأعمال القانونية الصادرة عنها ، فان القاعدة القانونية العامة ترى أن أية أعمال قانونية صادرة عن شخص من أشخاص القانون الدولي تزول صفتها القانونية بمجرد زوال هذا الشخص ، وعليه فان أية التزامات قانونية صادرة عن منظمة دولية تزول مع زوال الشخصية القانونية للمنظمة ، وتعتبر غير ملزمة للدول الأعضاء إلا إذا أرادت الالتزام بها بمحض إرادتها ووفق ما تشتهي ، وكذلك الحل بالنسبة للمنظمة الدولية الوارثة لاختصاصات المنظمة القديمة .
اّثار اتفاقيات منظمة التجارة العالمية في الدول العربية
تُعد الدول العربية عامة دولاً نامية، تتأثر بالاتفاقيات تأثر الدول النامية بها. بيد أن كثيراً منها، يمثل النفط والبتروكيماويات أهم سلعها التصديرية، والمصدر الرئيسي لمواردها من العملات الحرة، والركيزة الأساسية لتخطيط برامجها التنموية المستقبلية؛ ما يجعل هذه البرامج شديدة التأثير بتذبذب الأسعار العاملة للنفط. لذا، تبدو حاجة الدول العربية النفطية إلى التحول، تدريجاً، عن الاعتماد شبه الكلي على سلعة واحدة، بصفتها مصدراً رئيسياً للدخل القومي وخطط التنمية، وخاصة أن هذه السلعة، ألا وهي النفط ومشتقاته، لم تدخل ضمن السلع، التي شملتها مفاوضات جولة أوروجواي، فلم تخضع لأيّ خفض للتعريفات الجمركية، أو إزالة القيود غير التعريفية، في حالة وجود مثل هذه القيود.
أولاً: مواقف الدول العربية من الانضمام إلى اتفاقيات الجات، ومنظمة التجارة العالمية
تقسِّم مواقف الدول العربية من الانضمام إلى تلك الاتفاقيات أربع جماعات:
1. دول غير أعضاء في منظمة التجارة العالمية، لا تلتزم بأحكام الاتفاقيات؛ وهي: سورية وليبيا وجيبوتي وإريتريا وجزر القمر والصومال والسلطة الفلسطينية.
2. دول مؤسِّسة لمنظمة التجارة العالمية، وهي: الكويت ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطَر والمغرب وتونس. وهي تخضع لأحكام الاتفاقيات، وتلتزم بها؛، وتستفيد، في الوقت نفسه، من المعاملة المقررة للدول النامية الأعضاء، ومن ضمنها الفترات الانتقالية، والحصول على المساعدات الفنية.
3. دول انضمت إلى المنظمة، بعد تأسيسها، مثل: الأردن وسلطنة عُمان المملكة العربية السعودية. وهي تلتزم بأحكام الاتفاقيات؛ ولكن، لا تستفيد من الفترات الانتقالية، ما لم يُدْرَج ذلك في بروتوكول الانضمام؛ وهو أمر قلّما يحدث.
4. دول هي في مرحلة الانضمام، مثل:العراق ولبنان والجزائر والسودان واليمن وموريتانيا. وتُعامَل، عند انضمامها، معاملة الجماعة الآنفة.
من خلال ماتقدم يتبين ان مدى انفتاح الدول العربيه واتجاهها نحو العولمة فعلى الرغم من أن الاستثمارات الخارجية لديها منخفضة وغير مستقرة الا ان انفتاحها نحو العالم الخارجي يتزايد يوم بعد يوم ، فقد تعاملت الدول العربيه مع أنظمة منظمة التجارة العالمية وقواعدهابصوره جديه وتوصلت إلى أن الأنظمة والقواعد التجارية تتفق إلى حد كبير مع ما هو معمول به في الدول العربيه . إن إنضمام معظم الدول العربيه إلى منظمة التجار العالميه وخوض باقي الدول العربيه الاخرى مفاوضات مع المنظمة بغرض الانضمام يعني اتجاه الدول العربيه نحو مزيد من الانفتاح على العالم الخارجي، ويدعم ذلك ما اتخذته عدد من الدول العربيه من إجراءات تصحيحية عام 2000 حيال جوانب من المالية العامة وحيال البيئة الاستثمارية المحلية. إن تزايد الانفتاح على العالم الخارجي يؤجج المنافسة التجارية والاستثمارية ويكشف أسواق الدول العربيه على العالم. كما أن تزايد الانفتاح يقلل من فرص نجاح الدول العربيه اقتصادياً في هذا الصراع الدولي وذلك ما لم تسع هذه الدول حثيثاً نحو تعزيز درجة المنافسة للمنتجات المحلية وتهيئة البيئة القانونية والمؤسسية بصورة مواتية لتشغيل رؤوس الأموال المحلية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وبما لا يتعارض مع أنظمة منظمة التجارة العالمية وقواعدها. ويتحقق هدف تعزيز درجة المنافسة الخارجية للمنتجات المحلية للدول العربيه وتوطين رؤوس الأموال المحلية واستقطاب الأجنبية منها من خلال تبني برنامج اقتصادي إصلاحي شامل
ثانياً: الآثار العامة للاتفاقيات التجاريه على اقتصادات الدول العربية
في هذا القسم من الاطروحه يجب اولا ان نبين التصنيف الاقتصادي للدول العربيه ، وثانيا يجب بن نبين الآثار الاقتصادية المحتملة على الدول العربيه من جراء الانضمام إلى منظمة التجاره العالميه:
1.التصنيف الاقتصادي للدول العربيه .
يمكن التمييز بين أربع مجموعات من الدول العربية
(1). الدول المصدرة للنفط
تسيطر صادرات النفط على الهيكل التصديري، في كثير من الدول العربية، حيث تمثل الجزء الأكبر من صادراتها؛ ما جعل تأثرها بالاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات)، ومنظمة التجارة العالمية، رهين معيارًين اثنًين:
أ. تخلُّف كثير من دول النفط العربية الرئيسية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والعراق، والجزائر، وليبيا، عن الانضام إلى اتفاقية الجات، بل إلى منظمة التجارة العالمية، ما حرَمَها المشاركة في الجولات المتلاحقة، من مفاوضات التجارة المتعددة الأطراف. ولم تتمكن الدول، العربية الأعضاء في الاتفاقية الآنفة (البحرين، والكويت، وقطَر، والإمارات العربية المتحدة) من الاضطلاع بإسهام فاعل في تلك المفاوضات.
ب. تمتُّع معظم الدول العربية، المصدرة للنفط، بمستوى مرتفع من الدخل الفردي السنوي؛ على الرغم من تصنيفها دولاً نامية؛ ولذلك، لم تتعرض لأيّ ضغط اقتصادي أو غيره، لتحرير أنظمتها التجارية، وخاصة في قطاعَي الصناعات البتروكيماوية والمشتقات النفطية.
استيراد النفط من غير رسوم جمركية، أو برسوم منخفضة، لم يجنِّب مشتقاته ارتفاع رسومها، وقِلة الشروط الملزمة، مقارنة بالمنتجات الأخرى. وتظهر حدة المشكلة بصورة أكثر وضوحاً، عندما يتعلق الأمر بالبتروكيماويات، وغيرها من المنتجات المعتمدة على النفط والغاز، حيث تتسم الأنظمة التجارية بالتشدد، في معظم الدول المتقدمة المستوردة.
إن معظم الدول العربية المصدرة للنفط، هي أعضاء في منظمة التجارة العالمية، أو هي تسعى إلى عضويتها؛ لإدراكها أهمية المشاركة في مفاوضات تحرير التجارة العالمية، والنفقات الناجمة عن عدم الإسهام فيها، و خاصة بالنسبة إلى الدول العربية، التي تمتلك صناعات بتروكيماوية ذات قدرة تنافسية عالية، والتي سوف تستفيد من الزيادة المتوقعة لطلب المنتجات البتروكيماوية والناتجة من خفض التعريفات الجمركية. وقد تتحقق بعض المكاسب للدول العربية المصدرة للنفط، في حالة ارتفاع أسعار تصديره، نتيجة الطلب المتزايد لمشتقاته؛ وذلك من جراء ازدياد الطلب العالمي للبتروكيماويات.
(2). الدول ذات الهيكل التصديري المتنوع
تطغى الصادرات: الغذائية والزراعية، والمواد الخام المعدنية، والمنتجات الصناعية، على صادرات هذه الجماعة من الدول.
أ. الدول المصدرية للمنتجات الزراعية
كانت تجارة المنتجات الزراعية، قبل مفاوضات جولة أوروجواي، بعيدة عن نطاق اتفاقية الجات. وكانت الزراعة هدفاً لسلسلة من التدخلات الحكومية، التي شملت التعريفات الحمائية، والقيود الأخرى غير التعريفية والكمية، والدعم المحلي، ومعونات الصادرات. ثم جاءت مفاوضات جولة أوروجواي، لتغطي، للمرة الاولى في التاريخ، القطاع الزراعي. وكانت اتفاقية الزراعة نجاحاً لإصلاح المكونات الثلاثة الرئيسية للقيود الخاصة بالقطاع الزراعي، وهي: الحماية، والدعم المحلي، ومعونات الصادرات.
وقد دعت اتفاقية الزراعة جميع الدول، الأعضاء في المنظمة، إلى تحويل القيود الكمية وغيرها إلى تعريفات ذات أثر جماعي متعادل؛ إضافة إلى أنه لا بد من تخفيض جميع التعريفات بنسبة 36%، خلال ست سنوات، بدءاً من الأول من يناير 1995، فيما يتعلق بالدول المتقدمة؛ وبنسبة 24%، خلال عشر سنوات، بالنسبة إلى الدول النامية. وهكذا، غدت عملية تحويل القيود الكمية إلى تعريفات تغييراً كبيراً في أسلوب حماية الزراعة، يكون له آثار مهمة في تحسين فرص التصدير.
ب. الدول المصدرة للمنتجات الصناعية
تُعَدّ مصر، والمملكة العربية السعودية، وتونس، والمغرب، دولاً رئيسية في جماعة الدول العربية المصدرة للمنتجات الصناعية؛ فتختص المملكة بمنتجات بتروكيماوية، وأخرى تعتمد على النفط والغاز؛ وتغلب المنسوجات والملابس على صادرات الدول الثلاث الأخرى.
تصدير المنسوجات والملابس
كانت اتفاقية الألياف المتعددة، قبْل منظمة التجارة العالمية، هي التي تنظم التجارة في المنسوجات والملابس، بين عامَي 1974 و 1994. وكانت صادرات تلك المنتجات، المتجهة نحو أسواق الدول المتقدمة، تتعرض لحصص تصديرية للدول النامية المصدرة، والموقعة على الاتفاقية؛ وبذلك، فإن تجارة المنسوجات، كانت تمثل خروجاً عن نطاق الجات. وترك ذلك الأمر أثره السلبي في الدول العربية النامية، التي تتمتع بميزة نسبية في هذه الصادرات؛ ولكنها حُرَمَت الاستفادة من الميزة التصديرية، المفترض أن تحصل عليها واحدة من أهم صناعاتها.
وما لبثت اتفاقية المنسوجات والملابس، إحدى اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير 1995، أن حددت فترة انتقالية، مدتها عشر سنوات، تنتهي في يناير 2005، تمهد للانتقال التدريجي من النظام المعمول به إلى قوانين الجات. وسوف تتمتع التجارة الدولية في المنسوجات والملابس، في نهاية الفترة المحددة، بما يتمتع به غيرها من قطاعات المنتجات الصناعية، من إعفاء كلّي من قيود الحصص؛ كما أنها ستخضع لقوانين الجات وقواعدها بصورة كاملة.
تصدير المنتجات الصناعية الأخرى
تصدير المنتجات العربية الصناعية الأخرى إلى الأسواق، يتأثر بعمق التخفيضات في التعريفات الجمركية، ومكافحة الإغراق، والدعم، والإجراءات التعويضية؛ فطالما عانت الصناعات العربية منافسة غير عادلة بينها وبين واردات السلع، وخاصة الآسيوية، المدعمة، أو منخفضة السعر انخفاضا مبالغاً فيه. فقد أجازت الاتفاقيات المعنية الامتناع عن استيراد ما يضر بالصناعات الوطنية، أو جعله بقدر، أو فرض رسوم عليه تعويضية، ومقابلة، ترفع أسعاره إلى مستوى الأسعار السائدة؛ لتقتصر عوامل المنافسة على الجودة، وملاءمة الاستهلاك؛ ما يحمي الصناعات الوطنية، ويحفزها إلى الارتقاء بمستوى منتجاتها، في ظل منافسة عادلة.
إذاً، لا شك في استفادة الدول العربية، المصدرة للمنتجات الصناعية، من خفض التعريفات الجمركية، وإزالة القيود غير التعريفية في الأسواق العالمية؛ فضلاً عن أن معظم تلك المنتجات، تتمتع بميزة نسبية في أسواق الدول الصناعية، من حيث كونها منتجات معتمدة على اليد العاملة الكثيفة.
أمّا في الدول الخليجية، فربما لا يكون لتحرير التجارة في المنتجات الصناعية (غير البتروكيماويات) أثر يُذكر، لا سلباً، ولا إيجاباً؛ إذ إن قاعدتها الصناعية، لم تبلغ حدّ الانتفاع بتخفيض التعريفات الجمركية، وفتح الأسواق الخارجية لمنتجاتها؛ إضافة إلى أن معظم تلك المنتجات، تدخل الأسواق الخليجية برسوم جمركية، لا تستحق الذكر.
(3). الدول مصدرة الخدمات
كثير من الدول العربية هي مستورد صافٍ للخدمات. وهناك دول عربية أخرى، تصدر الخدمات، مثل: مصر ولبنان والأردن، التي تعتمد على السياحة، وتحويلات العاملين في الخارج، بصفتهما مورداً أساسياً للدخل القومي.
وقدرة الدول العربية على المنافسة في تجارة الخدمات، أو تحمّل المنافسة الواردة إلى أسواقها من الخارج ـ هي رهن بطبيعة عروض الخدمات ومجالاتها، والشروط التي ترتضيها في إطار الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات. وأثبتت ذلك في جدولها الوطني، واشتراطه على الأهلية للمعاملة الوطنية، والترخيص للأجانب، في توريد الخدمات إليها. وقد تضمنت عروض الدول العربية، في هذا القطاع، قيوداً لإقامة الأشخاص الطبيعيين، الموردين للخدمات؛ وحقوق الملكية العقارية للمستثمرين الأجانب.
أمّا تحويلات العاملين في الخارج، فإن الاتفاقية لم تقدم جديداً. ولا يزال حق انتقال الأشخاص الطبيعيين إلى دولة عضو فيها، يمثل إحدى أكثر القضايا حرجاً. ويتضح ذلك من خلال نص ملحق الاتفاقية على ما يلي:
"لن تنطبق هذه الاتفاقية على الإجراءات التي تمس الأشخاص الطبيعيين، الساعين إلى الهجرة إلى أسواق إحدى الدول الأعضاء. كما أنها لا تنطبق على الإجراءات الخاصة بالمواطنة، والإقامة أو العمل على أساس دائم".
كذلك تضمنت الاتفاقية فقرتَين تنفيان ما يمنع الدول الأعضاء من الدخول في تكاملات اقتصادية، تؤدي إلى تكامل أسواق العمل فيما بينها.
وفي ما يتعلق بالسياحة، يمكن أن تؤثر في دخْلها اتفاقية التجارة في الخدمات، بتوسيع عملية النفاذ إلى أسواق الدول المستوردة، للخدمات السياحية. إن حرية الحركة في مجال الخدمات، لا تقررها إجراءات الحدود، كالحواجز: الجمركية وغير الجمركية؛ وإنما هي تعتمد على المَرافق المتوافرة في الدول المستوردة، وكذلك على الأنظمة والقوانين المحلية.
وتميز الاتفاقية، بوضوح، بين الالتزامات العامة، التي تتقيد بها جميع الدول الأعضاء، ما لم يَرِد في جداولها الوطنية المحلية ما يخالفها؛ وبين الالتزامات الخاصة، التي لا تلزم إلا بما وَرَدَ في الجداول المحلية.
ولعل وجود فقرة في الاتفاقية، تنص على "دخول الدول، الأعضاء في المنظمة، في سلسلة من الجولات التفاوضية، التي تبدأ بعد فترة، لا تزيد على خمس سنوات من تاريخ الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وبصورة دورية بعد ذلك" ـ يوحي بضرورة المزيد من الاهتمام بالقطاعات الخدمية، ذات الأهمية والميزة النسبية للدول العربية، وخاصة في مجالَي السياحة وتنقُّل العمال.
(4). الدول الأقل نمواً
حظيت مشاكل الدول النامية، بما فيها الدول الأقل نمواً: موريتانيا والصومال والسودان، بعناية خاصة في جولة أوروجواي، مقارنة بأيّ جولة سابقة. والواقع، أن جميع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، اختصت تلك الدول بمعاملة خاصة، ومميزة؛ بل آثرت الدول الأقل نمواً بمعاملة أكثر خصوصية. فقد اتخذ قرار وزاري، في جولة أوروجواي، يراعي الواقع الخاص لتلك الدول؛ والحاجة إلى ضمان مساهمتها الفاعلة في نظام التجارة العالمية، وضرورة اتخاذ خطوات أخرى، في سبيل تحسين فرصها التجارية. فلم يطالبها، ما دامت ملتزمة بقواعد الجات وأنظمتها، والاتفاقات الأخرى ذات العلاقة، إلا بالتزام ما يلائم حاجاتها: المالية والتجارية والتنموية. وستحصل الدول الأقل نمواً على مساعدات فنية متزايدة، تساعدها على دعم الإنتاج والقدرات التصديرية وتنويعهما. ويتضمن القرار فقرات أخرى، تمنح تلك الدول ميزات في التعامل، في مجالات كثيرة. وإذا ما استطاعت الأقطار العربية الأقل نمواً، أن تكيف نفسها مع الشروط المطلوبة، فإنها ستحصل على منافع كبيرة.
إن الآثار الناجمة عن تطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية في الدول العربية، سوف تختلف بين بلد عربي وآخر. ومن أهم العوامل، التي تحدد أثر منظمة التجارة العالمية في الدول العربية، ما يلي:
أ. هيكل الصادرات، أيْ مدى اعتماد البلد على عدد من المنتجات المحددة في تشكيلة صادراته.
ب. مدى عمق تحرير التجارة، الذي حققته أو يمكن أن تحققه القطاعات ذات العلاقة، بالنسبة إلى البلد المصدر.
ج. اتجاه التجارة، أيْ التوزع الجغرافي للصادرات بين الدول العربية: النامية والمتقدمة.
د. درجة الانفتاح، أيْ مدى اتِّباع البلد المعني الإحلال محل الاستيراد، أو الإستراتيجية القائمة على التصدير.
هـ. مستوى التنمية، أيْ كون البلد المعني متقدماً أو نامياً أو قليل النمو.
وقد دأبت الدول: النامية والعربية والأقل نمواً، خلال المؤتمرات الوزارية، التي تعقدها منظمة التجارة العالمية، كلّ سنتَين، في السعي لتعظيم الآثار الإيجابية لاتفاقيات تلك المنظمة، وتقليل آثارها السلبية. ومثال ذلك: إعلانها دائماً عدم قبول أيّ التزامات جديدة، قبْل تنفيذ الاتفاقيات الحالية؛ ومعارضتها التنفيذ البطيء للاتفاقيات، ولا سيما في الأمور المتعلقة بالزراعة والمنسوجات والملابس؛ وعدم رضاها عن إقحام بعض الدول المتقدمة لمنظمة التجارة العالمية في أمور، تتعلق بمعايير العمل، التي ترى أنها من اختصاص منظمة العمل الدولية دون غيرها.
2. الآثار الاقتصادية المحتملة على الدول العربيه من جراء الانضمام إلى منظمة التجاره العالميه
توصلت بهذا الشأن إلى احتمالات وجود آثار إيجابية و آثار سلبية على الدول العربيه من جراء الانضمام إلى منظمة التجاره العالميه ، يمكن تلخيص أهم الآثار: الإيجابية و السلبية الناجمة عن تطبيق الاتفاقيات على الدول العربية، الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على النحو الاتي:
(1). الآثار السلبية
أ. ارتفاع أسعار الواردات العربية من المنتجات الزراعية، وخصوصاً المواد الغذائية؛ من جراء إلغاء الدعم الزراعي، وتحرير التجارة في المنتجات الزراعية في الدول الصناعية المتقدمة.
ب. تعرُّض السلع الصناعية العربية لمنافسة دولية شديدة؛ لأن معظمها مواد خام، تسعى الدول الصناعية إلى ابتكار بدائلها. كما أن إلغاء نظام الحصص لاستيراد الملابس الجاهزة العربية، بعد انتهاء الفترة الانتقالية، التي حُددت بعشر سنوات (1995-2004) ـ سيؤثِّر في الموازين التجارية العربية، ما لم تُطوَّر أساليب الجودة الشاملة، والمواصفات القياسية العالمية.
ج. تحرير التجارة الدولية، في ضوء اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، سيعوق صناعة البتروكيماويات العربية، التي ما زالت في طور النمو، بتعريضها لمنافسة دولية شديدة. كذلك سوف تتأثر الصناعات الكيماوية العربية، إذ سترتفع نفقة الواردات منها؛ لحاجة الأسواق المحلية إليها.
د. ارتفاع معدلات البطالة في قطاع الصناعة العربية، الذي يستوعب نحو 24% من إجمالي اليد العاملة العربية؛ إضافة إلى أن المنتجات الصناعية العربية، من الورق والبلاستيك والكاوتشوك والأثاث والخشب، سوف تتعرض لمنافسة شديدة من الدول الصناعية المتقدمة.
هـ. تزايد نفقة برامج التنمية، نتيجة تطبيق الاتفاقية الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، وما ينجم عنها من ازدياد نفقة استيراد التقنيات الحديثة، والنفقات المقترنة بحق استخدام العلامات التجارية، وحقوق الطبع والنشر، والبرمجيات، وما إلى ذلك. وسيسفر ذلك عن ارتفاع أسعار المنتجات الفكرية العربية؛ إضافة إلى التهديد بتدهور الثقافة العربية، نتيجة الغزو: الثقافي والفكري، من قِبَل الدول غير العربية، الأعضاء في المنظمة.
و. ضَحْل الاستفادة العربية كثيراً من الاتفاقية الخاصة بتحرير التجارة العالمية في الخدمات، المتمثلة في قطاعات البنوك والتأمين والنقل والسياحة والاتصالات والتشييد والاستشارات، إلخ...؛ إذ إن الدول العربية مستورد صافٍ للخدمات، ومعظمها يعاني عجزاً في ميزانها التجاري.
ز. تحرير التجارة الدولية، في مجال مناقصات المشتريات الحكومية، بما فيها مشتريات الجيش والشرطة ـ يؤثر سلباً في اقتصادات الدول العربية.
(2). الآثار الإيجابية
أ. توافر الفرص لتصدير منتجات، تمتلك فيها الدول العربية ميزات نسبية مهمة، كالمنتجات الزراعية، والمنسوجات والملابس، وبعض المنتجات الصناعية.
ب. ازدياد حماية الدول العربية لحقوقها التجارية، والوقاية من إجراءات الدعم وسياسات الإغراق، التي تنتهجها الدول المتقدمة خاصة. كذلك فإن التحسينات، التي أدخلت على آلية فض المنازعات، والتابعة لمنظمة التجارة العالمية ـ تساعد على تقوية حقوق الدول العربية، للنفاذ إلى الأسواق العالمية؛ وتتيح فرصاً أفضل لحل منازعاتها التجارية مع الدول الأخرى، بطريقة عادلة.
ج. معاملة الدول العربية معاملة متميزة، وأكثر تفضيلاً، في كثير من الحالات، بما في ذلك كفالة الفرص لحماية صناعاتها الوطنية؛ وإطالة الفترات السابقة على تنفيذها التزامات، هي أقلّ مما هو مطلوب من الدول المتقدمة النمو.
د. الارتفاع المتوقع في أسعار السلع الزراعية المستوردة، والنقص المحتمل في المعونات الغذائية، سوف يحفزان الدول العربية إلى تحسين الإنتاجية في قطاعاتها الزراعية، والتوسع في الإنتاج الزراعي بعامة.
هـ. تحرير التجارة الدولية، فاحتدام المنافسة، سوف يدفع إلى تجويد الصناعات الوطنية العربية، ورفع مستوى الإنتاج، وتحسين الكفاءة في تخصيص الموارد؛ ومن ثَم، ارتفاع مستويات المعيشة.
و. إلغاء الكثير من القيود والاشتراطات على الاستثمارات الأجنبية، يشجع على تدفّقها إلى الدول، التي لا تُقِّد حرية الحركة للمستثمرين الأجانب؛ ما يسهم في التنمية الاقتصادية، وزيادة التقنية.
العلاقــات الدوليــة المعاصرة
Date: 08\08\2008
العلاقــات الدوليــة المعاصرة
مقدمة:
كان الهدف العام للدبلوماسية القديمة هو الاستقرار الأوروبي وليس المساواة العالمية ، وقد تحقق هذا الهدف من خلال الاتفاق الأوروبي عام 1815 الذي حقق لأوروبا مائة عام تقريباً من السلام ، وكان أبطال هذا الإنجاز هم رجال الدولة الدبلوماسيين مثل بسمارك ومترينخ وكاسترو. غير أننا يجب أن نلاحظ أن هذه المائة عام من السلام قد قامت في ظروف اسثنئاية ونتيجة لسياسة توازن القوى ووجود شبكة من المصالح المتبادلة في التجارة، كما كان عدد الفاعلين في المسرح الدولي قلة، وقدم لهم صغر القارة الأوروبية فرصة التفاعل السريع حيث زادت الإلفة بين رجال الدولة والسفراء والتي تجاوزت الحدود القومية ومع بلاطهم الملكي الذي كان نشطاً بشكل خاص في الدبلوماسية كون رجال الدولة والدبلوماسيون مجتمعاً ارستقراطياً تجاوز القوميات .
غير أنه ومع مطلع القرن العشرين بدا أن النظام الدولي سوف يتميز بالاضطراب العنيف لا بالتناسق والاستقرار، فقد أزاحت الحرب الأولى أربع امبراطوريات كبرى من القوى السبع التي كانت على المسرح الدولي، وكان على الدبلوماسية التقليدية في جوهرها أن تهيئ نفسها وتتكيف مع عصر ثوري جديد وكان التجديد الحاسم في هذا العصر هو إنهاء الاحتكار الأوروبي نتيجة لدخول الولايات المتحدة في المجموعة الصغيرة للأعضاء الكبار في المجتمع الدبلوماسي.
وقد توافق مع هذا التطور بدء تعرض الدبلوماسية القديمة او التقليدية وأساليبها لهجوم مستمر منذ الحرب العالمية الأولى واستمر هذا الهجوم الذي صحبته تطورات جذرية في البيئة الدولية حتى كادت الدبلوماسية القديمة أن تنبذ منذ نهاية الحرب الثانية. ويلخص "هانز مورجانثو" الحجج التي استند عليها الهجوم على الدبلوماسية القديمة في :
1- أنها مسؤولة عن الكوارث السياسية التي حاقت بالبشرية خلال الحقب التي سيطرت فيها أساليبها، والمنطق يقول إن الأساليب التي ثبت عدم صحتها يجب أن تستبدل.
2- أن الدبلوماسية التقليدية إنما تتعارض مع مبادئ الديموقراطية لذلك كان على الدبلوماسية أن تكون مفتوحة ومعرضة للفحص في كل عملياتها.
3- أن الدبلوماسية التقليدية بشكلياتها غير ذات جدوى ومضيعة للوقت ومتعارضة بمساوماتها مع المبادئ الأخلاقية.
أما العوامل الحاسمة التي أدت إلى تراجع الدبلوماسية القديمة ونشوء الدبلوماسية الجديدة فكانت نتيجة لثلاثة تطورات رئيسية : التغيير الذي لحق بتكوين الأسرة الدولية، طبيعة الاهتمامات الدولية ومن ثم أهداف العملية الدبلوماسية ، وأخيراً ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وهي موضوع بحثنا.
• مشكلة البحث:
تتمثل مشكلة البحث في معرفة اثر تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مهام البعثات الدبلوماسية ودورها في تأسيس العلاقات بين الدول ، حيث كان لثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا في ترابط وتشابك العالم وتقليص الاعتبارات الجغرافية السياسية للدول الى حد كبير ، ويمكن تلمس ابرز معالم هذا التطور الذي شهدته العلاقات الدولية والدبوماسية بما يلي :
1- أن العلاقات الدولية في عصر (المعلو اتصالات) تتسم بسيادة المعرفة والتقدم التكنولوجي وبما أن المعلومات والمعرفة لا تعترفان بحدود سياسية سيادية للدول فان ادارة العلاقات الدولية تأخذ هذا الامر بالاعتبار وتدار باساليب تتجاوز قيود الفرضيات الدولية التي سادت ابان مرحلة الحرب الباردة.
2- لم يعد بامكان الدول الحديث عن السيادة الاعلامية والتحكم في عملية تدفق المعلومات إلى داخلها والعمل على تشكيل عقول ابناء شعبها وضمان ولائهم التام لصالحها ، أما الان ومع تعاظم فرص الاتصال عن طريق شبكات المعلومات والاتصالات ظهر ضعف الدول في امكانية التحكم على نوع وكم المعلومات بالتالي ضعف قدرة الدول على تصريف شؤونها الخارجية وعلى علاقاتها مع الدول الاخرى.
3- انتشار ثقافة التغريب والميل نحو الاعجاب بثقافات الغرب في (العنف والجنس والشهرة والثروة والقوة وقيم الاستهلاك والوفرة الفردية والانانية) وانحسرت قيم الانتاج والتقشف وروح الجماعة مما اثر على دور الدول في تنمية عقول ابناء شعبها وضعف ايدولوجياتها الشعبية الوطنية أو الدينية .
4- اسهمت الثورة التكنولوجية في احداث التوحد على النطاق العالمي وفق مصلحة الدول الصناعية (المركز) فهي تتسبب في مزيد من التفكك واللامركزية على النطاق المحلي والداخلي للدول.
5- بروز دبلوماسية الاقمار الصناعية والاعلام الكوني في نشر الاخبار والصور مصحوبة بالجمالية والالوان والاثارة والغبن مما تسببه من حرج وضغط للقنوات الرسمية المعتمدة من قبل الدول في ادارة شؤونها الداخلية. حتى أن هذا النوع الجديد في الاعلام الفضائي يسبب للدول شعورا بالقلق والارباك لانها لم تعد قادرة على التحكم الاعلامي والخبري الداخلي وميل ابناء شعبها للثقافات الخارجية المثيرة والمؤثرة.
6- اختراق القنوات الدولية لحدود السيادة الدولية وتراجع مفهوم (السيادة الوطنية) وبعد انتشار الثقافة التلفزيونية المعتمدة على الاقمار الصناعية ، وبالتالي فان الدول سوف تفقد سيطرتها على تدفق المعلومات والاتصالات ذات الطابع الدولي الذي له اثر سلبي مباشر على تماسك الشعب وولائه لدولته التي يقطنها وينتمي اليها. تحت شعارات ترسيخ الثقافة العالمية وترسيخ قيم المعرفة العلمية ونزع مجتمعات الاطراف من ثقافاتها الوطنية.
7- أن قدرة التكنولوجيا الكونية في تهميش دور الدولة – الحكومة على فرض سيطرتها على ابناء شعبها يناظره تهميش لدور الدولة في الحياة الاقتصادية باتجاه افقارها وتدني عائداتها وتراجعها في اداء واجباتها المتعلقة بصيانة امنها القومي ودفاعها الوطني وبروز الرغبة المتزايدة لدى بعض القوى الدولية المهيمنة على الوضع الدولي الجديد إلى اداء ذلك الدور نيابة عن الدول مقابل قدر عال من الكلف المادية بالاضافة إلى تعزيز مستلزمات هيمنتها العالمية وضمان مصالحها الدولية.
فهل الدول قادرة على الثبات والديمومة باستيعاب اسرار ثورة (المعلو اتصالات) ؟ وهل أن هذا الامر يدعوها إلى الانغلاق على الذات بل التعامل مع التكنولوجيا الدولية الجديدة باستفادة من مزاياها المتعددة والا فان (عالم جديد سيظهر إلى الوجود) على انقاض الدولة الوطنية التي رسمت اركانها معاهدة ويستفاليا عام 1648 لرسم معالم علاقات دولية جديدة!
• متغيرات البحث:
تحدد مشكلة البحث متغيرين تفترض وجود علاقة بينهما. الأول وهو المتغير الأساسي المتمثل بالعلاقات الدبلوماسية وتطورها ونشوء الدبلوماسية الحديثة وأبعادها الاقتصادية ، الاجتماعية ، السياسية والثقافية الجديدة . والمتغير الثاني هو ثورة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات حيث سينصب البحث على دراسة الأثر الذي سيحدثه هذا المتغير بالمتغير الأساسي الأول .
• أهمية البحث:
تبرز أهمية مشكلة البحث في أنها تلفت النظر الى دور ثورة الاتصالات والمعلومات التي جاءت لكي تحدث تغييراً نوعياً في ظهور الدبلوماسية الحديثة. فالثورة التكنولوجية في مجال النقل والاتصالات أصبحت تسمح بإجراء اتصالات طويلة ومشاورات بالبرقيات والفاكس والخط الساخن الذي يربط بين الرؤساء خاصة ، وأصبح من الممكن عقد مؤتمرات وحوارات عبر الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية ومكن هذا المتفاوضين وهم على مائدة المفاوضات من الاتصال بعواصم بلادهم والحصول على التوجيهات من صناع القرار في عواصمهم . كما كان لثورة المعلومات وسرعة نقلها عبر الشبكات والقنوات التلفزيونية تأثيراً حاسماً على عمل الدبلوماسي وكمية ما هو متاح له من أخبار ومعلومات وتقييمات وجعله في مركز الأحداث العالمية وهو في مكتبه وجعله هذا في سباق مع الزمن لكي يلاحق هذه الاحداث ولا يتخلف عنها.
• أهداف البحث:
يهدف البحث الى التركيز على العلاقات الدولية من خلال البعثات الدبلوماسية وإبراز أثر العولمة والاتصالات بأبعادها المختلفة عليها لتحقيق التالي :
- التعريف بالدبلوماسية الحديثة : المفهوم ، المعوقات وعلاقتها بالسيادة . وتأثير العولمة على العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي .
- التعريف بالسيادة الوطنية بعد تعزيز التشابك الاقتصادي والأمني لمختلف الدول ، وتغير الأجندة السياسية الدولية ، والتغيير الذي رافقه في مصالح الدول على الساحة الدولية وتبدل إمكانيات وسائل تنفيذ سياستهم الخارجية.
- توضيح أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مفهوم "قوة الدولة" والتتغير الحاصل من الاعتماد على القوة العسكرية إلى الاعتماد على تطوير الموارد المالية والاقتصادية والمعلوماتية والفكرية للدولة.
- دور القانون الدولي العام في ظل هذا التطور الغير محصور للعلاقات الدولية في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات .
• فرضيات البحث:
يفترض البحث وجود علاقة اقتران بين العلاقات الدبلوماسية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات . بمعنى أنه كلما زادت مظاهر تكنولوجيا الاتصالات أثر ذلك سلباً على دور البعثات الدبلوماسية التقليدي وزاد من فرصة عولمة العلاقات الدولية .
فلم يعد يقتصر دور الدبلوماسي بممارساته التقليدية من حفلات ومآدب عشاء وغذاء واستقبالات أو بكتابة التقارير والتحليلات والتنبؤات ، إنما أصبح الدبلوماسي اليوم هو الذي يدير وينسق نطاقا عريضا من النشاطات والاهتمامات العريضة للبلد المعتمد فيه وبحيث يمكن القول ان الدبلوماسي الحديث يجب ان يتوقع معالجة كل مظاهر الحياة البشرية إذ أن كل مظهر للوجود البشرى أصبح اليوم تقريبا له بعض الأبعاد الدولية ، الأمر الذي جعل من الدبلوماسية التي كانت يوما ما عملا بسيطا عملية معقدة ليس فقط نتيجة للعدد المتزايد من المشكلات والقضايا المعقدة والمتشابكة التي تواجه الدول والمجتمع الدولي وإنما أيضا نتيجة للعدد المتزايد من الدول.
وقد فرضت هذه المهام الجديدة على الأجهزة الدبلوماسية أن تعيد تنظيم هياكلها وأولوياتها بحيث أصبحت الإدارات والأقسام التي تعالج هذه القضايا لها الأولوية على غيرها من الإدارات التقليدية التي تعالج القضايا السياسية ، وانسحب هذا على الأفراد الذين يتولون هذه المهام ، واصبح هناك تنافس بين أعضاء الأجهزة الدبلوماسية على العمل والتخصص في هذه الأنشطة الجديدة والتي أصبحت تتطلب ثقافة وتكوينا جديدا ، وأصبح ترتيب حضور هذه المؤتمرات وكذلك احتمال تنظيمها موضوعيا وإداريا وفنيا من أهم ما يشغل وزارات الخارجية والتي تتولى مسؤولية هذه المؤتمرات الدولية التي تعقد في بلادها حتى تلك التي تعالج قضايا بعيدة عن القضايا السياسية التقليدية سواء من حيث المشاركة الدولية فيها أو من الناحية التنظيمية ، وإعداد الكوادر الفنية اللازمة : السكرتارية ، الترجمة ومصاحبة الوفود الزائرة.. الخ.
• منهج البحث:
يعتمد البحث في فحص الفرضيات المناهج التالية :
المنهج القانوني : لما كانت طبيعة الدراسة بالأساس تستند الى قواعد القانون الدولي المنظم للعلاقات الدبلوماسية الثنائية سواء اتفاقية فيينا لعام 1961م الخاصة باتفاقية العلاقات الدبلوماسية للدول ، أو لاتفاقيات عام 1975م الخاصة بالمنظمات الدولية ، أو لبعض أحكام اتفاقية فيينا الثانية لعام 1963م الخاصة بالعلاقات القنصلية ، فان استخدام المنهج القانوني في تحليل وتفسير النصوص القانونية الواردة بصلب موضوع العلاقات الدبلوماسية والتمثيل الدبلوماسي، يصبح أمرا في غاية الأهمية لهذه الدراسة ، فضلاً عن ذلك فان أهميته تكمن أيضاً في ضرورة إيجاد التكيّف القانوني لعملية لدور العلاقات الدبلوماسية في بناء العلاقات الدولية في إطار القانون الدولي العام ، بهدف الوصول الى مقارنة ومقاربة بين تفسير تلك النصوص على أرض الواقع من جهة ، والممارسة الدبلوماسية السائدة في التطبيق الدولي من جهة أخرى .
المنهج التاريخي : و ذلك لحصر الأحداث وضبط دوافع التطور و النتائج المترتبة عليها .
المنهج الوصفي : من خلال معرفة أهم الصفات المميزة للدبلوماسية والعلاقات الدولية ، وفي ذات الوقت الصفات المميزة لعصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات .
المنهج الأحصائي : من خلال استبيان يتضمن العديد من التساؤلات حول تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على دور البعثات الدبلوماسية سيوزع على كافة البعثات التمثيلية في بكين لتقديم إجابات واقعية وعملية تكون أساساً لتنبؤات ونتائج البحث.
المنهج التحليلي : وذلك لتحليل الظواهر المترتبة على الثورة التكنولوجية ومحاولة استشراف الرؤية المستقبلة لتأثيرها على مهام البعثات الدبلوماسية و بالنتيجة على العلاقات الدولية .
تنظيم محتويات البحث :
تم تقسيم البحث الى فصل تمهيدي ، إضافة الى ثلاثة فصول رئيسية على النحو التالي :
الفصل التمهيدي : العلاقات الدبلوماسية بين الأصول النظرية والتاريخية :
المبحث الأول : مفهوم العلاقات الدبلوماسية في إطار القانون الدولي العام .
المبحث الثاني : واجبات وحقوق البعثات الدبلوماسية الدائمة .
المبحث الثالث : التطور التاريخي للعلاقات الدبلوماسية .
الفصل الأول : الدبلوماسية الحديثة :
المبحث الأول : مفهوم الدبلوماسية الحديثة وأسباب نشوءها .
المبحث الثاني : أشكال ومعالم الدبلوماسية الحديثة :
أولاً : الدبلوماسية الشاملة .
ثانياً : الدبلوماسية الترابطية .
ثالثاً : الدبلوماسية المتعددة .
المبحث الثالث : العلاقات الدولية في ظل الدبلوماسية الحديثة .
الفصل الثاني : تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في العلاقات الدولية :
المبحث الأول : أشكال وظواهر تكنولوجيا المعلومات والإتصالات .
المبحث الثاني : آلية تأثير ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مهام البعثات الدبلوماسية .
المبحث الثالث : آلية تأثير ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية .
وفي هذا الفصل أيضاً أفردت مبحثاً خاصاً لواقع البعثات التمثيلية في جمهورية الصين الشعبية ، وهو الرابع تحت عنوان ( أثر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وعلى مهام البعثات التمثيلية في بكين )
المبحث الرابع : أثر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على العلاقات الدولية الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وعلى مهام البعثات التمثيلية في بكين .
الفصل الثالث : دور القانون الدولي العام في تنظيم العلاقات العلاقات الدبلوماسية الحديثة .
المبحث الأول : التنظيم القانوني لمجال المعلومات والاتصالات .
المبحث الثاني : التنظيم القانوني للعلاقات الدبلوماسية الحديثة .
الخاتمة :
أولاً : النتائج والتنبؤات لمستقبل العلاقات الدبلوماسية في ظل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات .
ثانياً : التوصيات .
المراجع والمصادر
أ – المراجع الاساسية :
أولاً : الوثائق
ثانياً : الدوريات
ثالثاً : الكتب
ب – المراجع الثانوية : -
اولاً : الرسائل الجامعية :
ثانياً : منشورات المؤسسات :
ثالثاً : الصحف :
رابعاً : المواقع الإلكترونية :
العلاقات الدبلوماسية متعدِّدة الأطراف
تختلف بالطبع الدبلوماسية الثنائية عن الدبلوماسية متعددة الأطراف ، ولعل أن أو ما يلفت الانتباه إلى الاختلاف بينهما ، ان الأولى تتم بين الدول فقط ، بينما الثانية تتم بين الدول والمنظمة الدولية ودولة المقر أو الدولة المضيفة ، أي أنها علاقة ثلاثية الترابط ، بيد أن الاختلاف والفروق بينهما أكبر من ذلك بكثير وتُسقط مباشرة على مختلف تفاصيل العلاقة البينية ، وعلى النحو التالي:
أولا : في الدبلوماسية الثنائية تتمثل العلاقة بين دولتين ، الدولة الموفدة والأخرى المستقبلة ، بينما في الدبلوماسية متعددة الأطراف تأخذ العلاقة أبعاد ثلاثية بين الدولتين الموفدة والمستقبلة من جهة ، والمنظمة الدولية من جهة ثانية .
ثانياً : في الدبلوماسية الثنائية لا بد من موافقة كل دولة على رئيس البعثة وباقي أعضاء البعثة الدبلوماسية عن طريق الاستمزاج مسبقاً واعتماده قبل الوصول الى الدولة المستقبلة ، بينما في دبلوماسية المنظمات الدولية لا يوجد مثل هذا التقليد او الوضع القانوني سواء بالنسبة للموظفين الدوليين التابعين للمنظمة او بالنسبة للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها من قبل الدول، من منطلق ان هذه البعثات ممثلة للدول لدى المنظمة وليس للدولة المضيفة ، رغم تمتعهم بجملة ضمانات دولية تمنح لهم من المنظمة نفسها وعلى حساب سيادة دولة المقر أو الدولة المضيفة .
ثالثاً : من حق الدولة في التمثيل الدبلوماسي الثنائي أن تعلن شخصاً ما شخص غير مرغوب فيه او تقوم بطرده أو طلب سحبه من عضوية البعثة ، بينما –نظريا- لا يتم ذلك في علاقة الدولة مع المنظمة الدولية ، حيث لا تملك دولة المقر او الدولة المضيفة حق طرد او طلب سحب عضو من أعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى المنظمة إلا من خلال المنظمة نفسها .
رابعاً : في الدبلوماسية الثنائية تطبق الدول مبدأ المعاملة بالمثل بينهما ، بينما ليس لهذا المبدأ أي دور في العلاقة غير المتكافئة بين الدولة والمنظمة الدولية ، والسبب أن الدولة تملك سلطة تطبيق ما تشاء ويقرره أمنها الوطني على مختلف أجهزة المنظمة الدولية المادية والبشرية ، بينهما المنظمة لا تملك سلطة فعلية –وليس قانونية- للرد بالمثل مقارنة بالدولة صاحبة السيادة والإقليم .
خامساً : وثمة فرق أخر يتمثل في معيار الأسبقية في التمثيل ، إذ في الدبلوماسية الثنائية تكون الأسبقية محددة بمعيار زمني (ساعة وتاريخ وصول رئيس البعثة إلى الدولة المستقبلة أو وقت تقديم أوراق اعتماده ) ، بينما في نطاق الدبلوماسية متعددة الأطراف يكون المعيار ثابت ومحدد في الترتيب الهجائي لأسماء الدول وفقا للنظام الجاري العمل به في المنظمة .
سادساً : في الدبلوماسية الثنائية يكون التمثيل أحادي من كلا الجانبين ، بمعنى ان البعثة بطاقمها البشري جزء واحد في تمثيل مصالح الدولة ، بينما في دبلوماسية المنظمات الدولية تكون الدولة ممثلة بواسطة بعثة دبلوماسية دائمة (لدى) المنظمة ، ويكون لها في نفس الوقت عضوية ممثلة (في)([1])المنظمة من خلال مشاركتها ممثليها في نشاطات أجهزة المنظمة الفرعية، وربما يكون من ذات الدولة موظفين دوليين تابعين للمنظمة ومستقلين في عملهم وارادتهم تبعاً لاستقلال وارادة المنظمة الدولية ، مثل الموظفين المصريين في جامعة الدول العربية في القاهرة ، والموظفين الأمريكيين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك .
سابعاً : الجهاز البشري للدبلوماسية الثنائية بين الدول يتكون من الدبلوماسيين والموظفين الفنيين والإداريين والملحقين ، وهم بالغالب الأعم من أبناء الدولة الموفدة ، بينما يشمل الجهاز البشري تبعا لعلاقات المنظمة ، وكما أشارت إلى ذلك اتفاقية امتيازات وحصانات منظمة الأمم المتحدة لعام 1946.
المتغيرات التي تطرأ على العلاقات الدبلوماسية بين المنظمة والدول الأعضاء
إن العلاقة بين المنظمة الدولية والدول الأعضاء فيها –أو غير الأعضاء- قد تأخذ في بعض الأحيان صورة من صور النزاع والتوتر بينهما ، إذ لا يمكن إغفال النزاعات التي تحصل داخل المنظمات الدولية ، والتي قد تثور بين عدد من الدول الأعضاء أو بينها وبين أحد أجهزة المنظمة ، أو بينها وبين المنظمة ذاتها .
وتعود أسباب النزاع بين الطرفين الى أسباب عديدة ومتنوعة ، منها ادعاء الدولة أن المنظمة أو أحد فروعها قد تعدت حدود اختصاصها أو أن النشاط الذي تمارسه المنظمة أو أحد فروعها وان كان يدخل في صميم عملها إلا انه تنقصه التكييف القانوني اللازم لصحته ، وربما كذلك يأتي النزاع من جانب المنظمة ذاتها أو أحد أجهزتها ، إذ ترى أن الدولة المعنية لم تقم باحترام التزاماتها الدولية المترتبة عليها([2])، أو أنها لم تلتزم بالمبادئ الدولية التي أشار إليها الميثاق وعملت على تهديد الأمن والسلم الدوليين.
وعليه ، فان أي توتر أو نزاع ينشأ بين المنظمة والدولة لا يستوجب رد حاسم في "طرد" الدولة من عضوية هذه المنظمة لمجرد التنازع حول قضية معينه ، فهناك عوامل ومتغيرات عديدة تطرأ على علاقات الطرفين وتدفع بهما الى حافة الهاوية لأسباب كثيرة ، لكنها حتماً لا تؤدي دوما الى استخدام ورقة "الطرد" بإرادة الدول الأعضاء إلا في الظروف الاستثنائية التي يعتبر استمرار وجود الدولة عضواً في المنظمة والسكوت عن سلوكها وتصرفاتها تهديداً لأمن وسلامة العلاقات الدولية ، لذا يجب هنا التمييز بين إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف من جانب المنظمة الممثل في حالة "الطرد" ، وبين متغيرات أخرى تلجأ إليها المنظمة كنوع من العقاب أو الجزاء للدولة ، ومنها تجريد الدولة من مهمة أوكلتها إليها مسبقاً أو وقف المزايا والحصانات التي تتمتع بها ، أو توقيع عقوبات اقتصادية وتجارية عليها بعد إقرار الدول الأعضاء على ذلك كنوع من التأديب الجماعي لانتهاك الدولة المعنية ميثاق المنظمة أو تهديد الأمن والسلم الدوليين ، أو إصدار قرار من المنظمة لقطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول الأعضاء ودولة معينة.
وقد تنشأ في بعض الأحيان جملة من الظروف أو المتغيرات التي تعكر صفو العلاقات بين المنظمة الدولية والدول الأعضاء فيها ، والتي يترتب عليها لجوء المنظمة الى نظام الجزاءات التي تطبقه على الدولة العضو –وأحيانا غير العضو- بهدف تصويب الوضع بصورة ترضي ميثاق المنظمة والدولة الأعضاء فيها ، وتتمثل أهم هذه المتغيرات في :
تجريد الدولة العضو من مهمة معينة أُوكلت لها مسبقاً .
وقف حق الدولة بالتمتع بالامتيازات والحصانات الخاصة بعضويتها .
فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على الدولة .
الحرمان من حق التصويت .
تخفيض حجم البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الدول أو المعتمدة لدى المنظمة الدولية.
قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة ما بناءاً على قرار من المنظمة الدولية .
إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف
بخلاف التمثيل الدبلوماسي الثنائي ، فان الدبلوماسية متعددة الأطراف تمتاز بحالات قليلة لجأت فيها الدول إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية أو إنهاؤها –الانسحاب- مع المنظمات الدولية ، وذات الشيء بالنسبة لدور المنظمة في قطع أو إنهاء العلاقات الدبلوماسية –الطرد- مع الدول ، وربما يعود ذلك إلى قصر عمر المنظمات الدولية التي لا تتجاوز بداية القرن المنصرم ، ولكن ما يمكن إعادة تأكيده في هذا الصدد ، أن فعالية المنظمة في مجال قطع او إنهاء علاقاتها مع الدول الأعضاء او في فرض عقوبات معينة طبقاً لميثاق واتفاقية المنظمة تخضع دوما لارادة الدول الأعضاء ، لذا قلما ما تسعى المنظمة إلى قطع او إنهاء علاقاتها الدبلوماسية مع الدول ، طمعاً منها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وفي الحيلولة دون زيادة التوتر بين الدولة المعنية بالإساءة إلى المجتمع الدولي وباقي الدول الأعضاء في المنظمة ، بينما يحفل تاريخ العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف بحالات عديدة لجأت فيها الدول أو هددت بالانسحاب لسبب ما ، إما كوسيلة للضغط باتجاه أمر يعينها أو للاحتجاج والاعتراض على سياسة معينة ، وربما لدفع المنظمة لتقوية وزيادة فعالية عملها والدفع عن حقوق أعضائها بجدية أكبر والالتزام بالسياسات والمبادئ التي قامت على أساسها المنظمة الدولية .
وبغض النظر عن آلية إنهاء العلاقات الدبلوماسية سواء بإرادة الدولة أو بإرادة المنظمة الدولية ، فان هذه العملية تتميز بأربعة خصائص رئيسية وهي ([3]):
عمل انفرادي تلجأ إليه المنظمة (الطرد) أو الدولة (الانسحاب) بمحض إرادتها .
عمل خاضع للسلطة التقديرية للمنظمة أو الدولة المعنية .
وعمل لاحق يتم اللجوء إليه بعد اكتساب الدولة لصفة العضوية .
يترتب عليه إنهاء كامل للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين ، فلا الدولة تصبح عضوا في المنظمة ، ولا الأخيرة يحق لها تطبيق مبادئ ميثاقها على الدولة .
إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف بإرادة المنظمة الدولية (الطرد)
ولعل أن العقوبة الأشد التي تملك المنظمة الدولية اتخاذها بحق دولة ما انتهكت ميثاق المنظمة وخالفت قوانين وأعراف العلاقات الدولية ، هي إعلان طرد الدولة من عضوية المنظمة ، فكما هذا التصرف القانوني الذي تملكه المنظمة مؤشر على جسامة وفداحة الخطأ الذي ارتكبته الدولة ، فهو مؤشرٌ أيضاً على حجم النزاع والتوتر الذي أصاب كبد العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف ، خاصة بين الدولة والمنظمة الدولية ذاتها ، إذ يكون بذلك قد بلغ الطرفين حد إنهاء العلاقات الدبلوماسية بينهما ولكن بإرادة المنظمة نفسها ، دون أن يشمل ذلك رغبة متبادلة من الدولة المعنية .
ويمكن إدراك أهمية هذا المنحى الخطير على العلاقات الدبلوماسية بين الدولة والمنظمة من خلال استعراض معظم دساتير ومواثيق المنظمات الدولية التي حرصت على إدراجه في نصوصها وأنظمتها بهدف تحذير الدول من مغبة القيام بعمل ما يهدد أمن وسلامة الدول الأعضاء أو ينتهك الأسس التي قامت عليها هذه المنظمة أو تلك .
فالمادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة تشير إلى ما يلي([4]): "وإذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق ، جاز للمنظمة أن تفصله من الهيئة بناءا على توصية من مجلس الأمن" .
وعليه فان يشترط لتوقيع عقوبة الطرد أو الفصل أمران : الأول : أن يكون العضو المعني قد أمعن في مخالفة مبادئ الميثاق ، ويلاحظ أن الإمعان هنا جاء بمعنى أن يكون الفعل الذي ارتكبته الدول لا يدخل في نطاق المخالفات البسيطة أو العادية بل يجب أن يكون فيه خرق واضح لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والتي تراعي على حفظ الأمن والسلم الدوليين ، وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية وعدم اللجوء إلى القوة العسكرية إلا في حالة الدفاع عن النفس ، والثاني : أن يصدر قرار الفصل أو الطرد من الجمعية العامة بأغلبية الثلثين بناءاً على توصية من مجلس الأمن .
وطرد دولة ما من الأمم المتحدة يعني فيما يعنيه طردها وفصلها من مختلف الوكالات أو الأجهزة المتخصصة التابعة لها ، فعلى سبيل المثال يشير ميثاق منظمة اليونسكو في الفقرة الرابعة من المادة (2) الى أن طرد دولة عضو في الأمم المتحدة يؤدي تلقائيا الى طردها من منظمة اليونسكو([5]).
وبالانتقال الى جامعة الدول العربية –كمنظمة دولية إقليمية- يجد الباحث أن موضوع الطرد أو الفصل أشارت إليه المادة (18) من ميثاق الجامعة ، إذ نصت على ما يلي " لمجلس الجامعة أن يعتبر أية دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلة عن الجامعة ، وذلك بقرار يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها"([6]).
ويلاحظ أن جامعة الدول العربية فشلت في تطبيق هذا النص بحذافيره على الدول التي خرقت ميثاق الجامعة ، فهي لم تستطع فعل شيء حيال مصر عند توقيعها لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979م ، واكتفت على توقيع عقوبة "تجميد" عضويتها في الجامعة ، ونقل مقر الجامعة من القاهرة الى تونس ، وقد ردت مصر على هذا الإجراء بقولها أن تجميد العضوية غير وارد في ميثاق جامعة الدول العربية ، وأن المادة المعنية أشارت فقط الى عقوبة الطرد وإنهاء العلاقات بإرادة المنظمة ، ولم تنص أو تشير الى هذا الجزاء صراحة ، وهو جزاء أخف وطأة من الفصل أو الطرد أو إنهاء العلاقات الدبلوماسية بإرادة الجامعة ذاتها، وقد استمر تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية مدة عشر سنوات تقريبا ، أي حتى مؤتمر القمة العربي الطارئ في الدار البيضاء بالمغرب في أيار من عام 1989م([7]).
وكذلك لم تدفع باتجاه تطبيق هذا الجزاء أو إنهاء العلاقات بإرادتها مع العراق عام 1990م عند احتلاله لدولة الكويت ، بحجة أن تبقي النزاع الدائر بين أعضاء الجامعة –خاصة دول مجلس التعاون الخليجي- والعراق في دائرة جامعة الدول العربية وعدم تدويل الموقف الى حلبة الصراع الدولي وللحيلولة دون تدخل القوى الكبرى وإفشال الجهود العربية في نزع فتيل الأزمة ، وهو خلاف كل ما حصل بعد ذلك .
ويمكن إيجاد هذه العقوبة والحالة لإنهاء العلاقات الدبلوماسية مع الدولة بإرادة المنظمة الدولية في ميثاق منظمة الأوسيد ، والتي أشارت الى ما يلي([8]): "يجب أن تُعلم المنظمة الدولة العضو التي ارتكبت مخالفة لمبادئ واهداف المنظمة بأنها قامت بتصرف غير مشروع ، وتمنحها فترة لتصويب أوضاعها ، وبعد انقضاء هذه الفترة وإذا لم تنصاع يتم طرد الدولة المخالفة" .
يبقى القول ، أن تقرير منظمة دولية ما على إيقاع عقوبة الفصل أو الطرد لدولة معينة خالفت وأمعنت في انتهاك مبادئ الميثاق وهددت الأمن والسلم الدوليين ، لا يعني إنهاء شامل وكامل للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين ، خاصة وأن إرادة المنظمة الدولية في عملية الإنهاء جاءت لظرف محدد بموجبه قررت اللجوء إلى فصل الدولة أو إنهاء علاقاته الدبلوماسية والودية معها ، ولكن ذلك لا يحول دون عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما بواسطة بعض الدول المعتدلة في المنظمة ، خاصة إذا ما عدلت الدولة المعنية عن سلوكها وتعهدت في إعادة الأمور إلى نصابها والتزمت بمبادئ الميثاق من جديد .
ولكن هل يمكن أن تعود العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف إلى وضعها الطبيعي إذا ما قررت الدولة نفسها إنهاء وقطع تلك العلاقات ضمن ما يسميه أهل القانون بحق "الانسحاب" من المنظمة الدولية ؟
إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعدِّدة الأطراف بإرادة الدولة العضو في المنظمة الدولية (الانسحاب)
يمثل انسحاب الدولة العضو بالمنظمة الدولية منها ، الجزء المكمل للعلاقة التبادلية في إطار إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف ، فانسحاب الدولة من عضوية إحدى المنظمات هو بمثابة إعلان رسمي عن إنهاء العلاقات الدبلوماسية بإرادة الدولة ذاتها ، ومع ذلك فلا يمكن الجزم أن هذا الانسحاب هو إنهاء جذري وشامل ، إذ ممكن أن تستمر الدولة في عضوية بعض الأجهزة الفرعية المنبثقة عن المنظمة الأم ، وممكن أن يحصل العكس ، أي أن تنسحب الدولة من فروع المنظمة الدولية وتبقى عضو قائم وفاعل في المقر الرئيس للمنظمة الدولية ، كما فعلت الولايات المتحدة عندما انسحبت من منظمة اليونسكو عام 1984م ، في الوقت الذي بقيت فيه عضوا فاعلا في باقي فروع وأجهزة الأمم المتحدة .
وتختلف الأسباب التي تدفع الدولة إلى إنهاء علاقاتها الدبلوماسية مع المنظمة الدولية ، إما لاعتقاد الدولة أن المنظمة قد خرجت عن حدود اختصاصها ، أو لأن المنظمة حاولت التدخل في الشؤون الداخلية للدولة([9]) فأرادت الدولة أن تضع حدا لتدخلها غير الشرعي بصورة إنهاء الارتباط الدبلوماسي والسياسي معها ، أو لان المنظمة عدّلت في ميثاقها بما يتنافى ومصالح هذه الدولة أو تلك ، وربما يكون الانسحاب لممارسة نوع من الضغوط على الدول الأعضاء أو المنظمة ذاتها لاتخاذ ما يتماشى مع مصالح هذه الدولة ، خاصة إذا كانت الدولة المتخذة لقرار إنهاء علاقاتها مع المنظمة وانسحابها ذات وزن وثقل استراتيجي في المنظمة ، كأن تكون المُساهمة بحصة الأسد في ميزانية المنظمة الدولية ، وقد يكون السبب في رفض الدولة لسياسة المنظمة تجاه قضية معينة أو اعتراضها واحتجاجها على الضعف الذي يعتري جسد المنظمة وعملها على أرض الواقع .
والواقع أن هناك أسباب أخر قد تؤدي وبشكل طبيعي إلى إنهاء العلاقات الدبلوماسية بإرادة الدولة دون تدخل من جانب المنظمة ذاتها ، وهي أسباب تتعلق بزوال المنظمة أو حلّها وتشكيل أخرى محلها أو بالتوارث بين المنظمات ، فهذه الأسباب خارجة عن إرادة الطرفين من ناحية عملية ومنطقية ، ولكنها بشكل أو بأخر تعتبر من لأسباب التي تؤدي إلى إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين من ناحية قانونية.
ليس دوما يعني انسحاب الدولة العضو من المنظمة الدولية تعبيراً عن انزعاج الدولة عن سياسة المنظمة أو قطيعة شبة كاملة للمنظمة أو إحدى أجهزتها ، إذ ربما تنسحب الدولة وتقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إحدى المنظمات الدولية لسبب يتعلق بدولة ما اكتسبت عضوية هذه المنظمة أو أتت ما من شانه تهديدا لمصالح الدولة المعنية دون أن يعني قطعها أو إنهاؤها للعلاقات الدبلوماسية مع المنظمة تعبيراً عن توتر أو نزاعٍ معين بينهما([10]) .
وبخلاف حالة إنهاء العلاقات الدبلوماسية بإرادة المنظمة ذاتها (الطرد) ، نجد أن هناك اختلاف واضح بين مواثيق المنظمات الدولية حول الإشارة إلى حق الدولة بالانسحاب من المنظمة ، وربما يعود ذلك الى رغبة المنظمة في الحفاظ على العلاقات الودية القائمة بين الطرفين والتعالي على الأزمات التي قد تعصف بهذه العلاقات مهما بلغ مستواها ، بينما أشارت مواثيق أخرى الى هذا الحق ، واعتبرته جزءاً مكملا لسيادة الدولة في الانسحاب أو إنهاء علاقاتها الدبلوماسية مع المنظمة إن رغبت ، كما هو الحال في إرادة المنظمة في "طرد" دولة ما من عضويتها .
فمثلا الاتحاد الأوروبي لم يدرج هذا المبدأ في دستوره المنظّم للعلاقات بين المجموعات الاقتصادية الأوروبية ، واعتبر هذا الأمر ضرب من ضروب الخيال ، حيث لا نية لديه في السماح لأية دولة من الانسحاب من عضوية الاتحاد الذي ظهر أساساً لوضع حد للنزاع والصراع القائم في القارة الأوروبية ، خاصة بين الدول الأوروبية الكبرى المؤسسة لهذه المجموعة ([11]).
وبالمقابل هناك منظمات التزمت الصمت حيال مسألة الانسحاب الاختياري من عضوية المنظمة أو الإنهاء الشامل للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين من جانب الدولة المعنية، فميثاق الأمم المتحدة الذي تطرق صراحة الى حق المنظمة في فصل عضو معين وإنهاء علاقاتها معه بإرادتها الكاملة ، لم يشر بنفس الصراحة الى حق الدول في إنهاء العلاقات أو الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة ، بيد أن ذلك لم يمنع إندونيسيا من الانسحاب وإنهاء علاقاتها مع الأمم المتحدة خلال عامي 1964م و 1966م ، احتجاجاً على انتخاب ماليزيا ، التي كانت على نزاع حاد معها آنذاك ، عضواً في مجلس الأمن ، واعتبرت ذلك بمثابة إهانة لها من قبل الأمم المتحدة ([12]).
وعلى أية حال ، وبغض النظر عن الجدال القانوني في عدم إشارة ميثاق الأمم المتحدة لحق الدول أو عدمه من الانسحاب من المنظمة العالمية ، فان تاريخ الأمم لمتحدة سجل الى اليوم حالة انسحاب وإنهاء علاقات دبلوماسية واحدة، تمثلت في انسحاب إندونيسيا عام 1964، ولكن كثيرا ما يتردد في وسائل الإعلام عن توجه دولة ما للانسحاب من عضوية الأمم المتحدة نتيجة ضعفها في إدارة العلاقات الدولية وفشلها في حل المنازعات بالطرق السلمية ، وارتهان قراراتها الى شرعية النظام الدولي التي تهمين عليه الولايات المتحدة ، فمثلاً العراق أعلن أكثر من مرة خلال التسعينات عن نيته الانسحاب من الأمم المتحدة بحجة اتهام الولايات المتحدة في إدارة الأمم المتحدة بما يتوافق ومصالحها وحسب([13]) ، كما كانت هناك بعض التوجهات غير الرسمية المطروحة لانسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة في إطار الحرب الإعلامية والقانونية التي شهدتها أروقة الأمم المتحدة –خاصة مجلس الأمن- بين الولايات لمتحدة وبريطانيا من جهة ، وفرنسا وروسيا وألمانيا والصين من جهة أخرى خلال العام المنصرم بخصوص الأزمة العراقية ، وفشل واشنطن بانتزاع قرار دولي يسبغ الشرعية على حربها العدوانية الى شنتها على العراق في العشرين من آذار من عام 2003م([14]).
وبالانتقال الى مواثيق منظمات أخرى ، يجد الباحث أن هناك العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والمتخصصة التي أشارت الى قضية الانسحاب وحق الدولة في ممارسة سيادتها الفعلية في إنهاء علاقاتها الدبلوماسية متعددة الأطراف ، إذ تشير المعاهدات المنشئة للوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة –باستثناء منظمة الصحة العالمية- الى حق الدول بالانسحاب من أية وكالة متخصصة شريطة أن تقدم الدولة المعنية إشعار خطي قبل سنة من نيتها بالانسحاب ، واستثني من ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير والذي يتم الانسحاب منهما بشكل فوري([15]).
ومن الأمثلة البارزة والتي أخذت نقاشاُ مطولاً في الساحة الدولية في هذا الصدد ، انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة اليونسكو في كانون الأول من عام 1984م ، وعودتها إليها بهدوء بعد انقطاع دام تسعة عشر عاماً في أيلول من عام 2003م .
ومن الأمثلة الأخرى على انسحاب دولة من عضوية منظمة دولية ، انسحاب الكويت من عضوية مجلس الوحدة الاقتصادية في آذار 1990م ، وقد بررت الكويت على لسان وزير المالية الكويتي سبب انسحابها الى أكثر من مبرر([16]):
الزيادة غير المعقولة في عدد موظفي المجلس .
محدودية الفاعلية العملية التي حققها المجلس منذ إنشائه .
عدم التزام غالبية الأعضاء في تسديد التزاماتهم المالية .
الازدواجية القائمة بين مجلس الوحدة الاقتصادية العربية والمجلس الاقتصادي العربي.
وعدم العدالة في توزيع الحصص والمساهمات المالية في المجلس ، إذ تتحمل أربع دول فقط ما نسبته 80% من الميزانية ، من أصل 12 عضو ، فيما يتحمل الآخرون الباقي .
وقد واجهت منظمة الوحدة الإفريقية ذات الإشكالية عند انسحاب المغرب منها عام 1984م أثر قبول عضوية الجمهورية العربية الصحراوية في المنظمة ، فاعتبرت هذه إهانة لسيادة واستقلال المغرب التي تعتبر المنطقة الصحراوية المتنازع عليها مع الجمهورية العربية الصحراوية جزء من سيادتها الوطنية، ورغم أن العاهل المغربي ألمح الى إمكانية عودة المغرب الى منظمة الوحدة الإفريقية في خطاب له عام 1989م([17])، إلا انه لم يحصل أي تقدم يذكر في هذا الصدد .
وبإلقاء الضوء على ميثاق جامعة الدول العربية ، يجد الباحث أنه نص على الانسحاب بصفة عامة وأورد حالة خاصة له ، إذ أشار أنه لكل دولة عضو أن تنسحب من الجامعة العربية إذا أرادت ذلك بشرط أن تبلغ المجس عن عزمها القيام بذلك قبل تنفيذ الانسحاب بسنة، وخلال هذه الفترة تبقى الدولة متمتعة بكافة التزامات العضوية ، بيد أن الميثاق نص على حالة خاصة بالانسحاب وهي حالة تعديل الميثاق دون أن تقبل الدولة المعنية هذا التعديل ، إذ يجوز لها والحالة هذه أن تنسحب من الجامعة دون انتظار مدة السنة ، أي يكون انسحابها فوري وقائم من لحظتها وتزول مباشرة عنها صفة العضوية ، وعليه يكون ميثاق الجامعة العربية –على خلاف باقي دساتير المنظمات الدولية الأخرى- قد أشار إلى حالتين للانسحاب : الأول الانسحاب غير الفوري ، والثانية الانسحاب الفوري([18]).
إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف عند زوال أو توارث المنظمات الدولية
ليس هناك ثمة شك في أن المنظمات الدولية –كالدول- تعد شخص من أشخاص القانون الدولي ، ويجري عليها ما يجري على الدول ، فان كانت الأخيرة معرضة للموت والحياة ، أي للزوال وفقدان الشخصية أو للولادة والاستقلال واكتساب الصفة القانونية ، فان المنظمات ومن باب أولى تتعرض لذات الشيء ، إذ من الممكن أن تزول منظمة لسبب معين أو تتوحد مع منظمة دولية أخرى أو تندثر نهائياً وتقوم على أنقاضها منظمة أخرى .
فإذا فشلت المنظمة الدولية في تحقيق أهدافها التي أُنشأت من أجلها ، أو لم تستطع الاستجابة لظروف التغير وتحديات الأحداث الجسام التي تعصف بالعلاقات الدولية ، أو لم تعد قادرة على ترجمة أهدافها على أرض الواقع ، أو فقدت شرعية العمل والتحرك بسبب قيام حرب معينة أو تفكك أطرافها أو انسحاب أعضائها وعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية الدولية تجاه هذا التنظيم الدولي أو ذاك ... الخ ، فان ذلك قد يدفع الأطراف القائمة على إدارتها للتفكير الجدي في وضع نهاية معينة لهذه المنظمة ، إما بحلها وإزالتها إذا ما كنت عبء على الدول الأعضاء ، أو بتوارثها لمنظمة دولية أخرى ، أو باتحادها مع منظمة أخرى لزيادة فاعليتها وشرعية عملها الإقليمي أو الدولي([19]).
والواقع أن ظاهرة توارث المنظمات الدولية هي ظاهرة حديثة أو أن جاز التعبير إشكالية حديثة في إطار القانون الدولي ، فمن الناحية العملية لا تكاد تذكر الحالات التي حدث فيها توارث بين المنظمات أو زوال تام لمنظمة دولية أو اتحاد بين منظمتين أو أكثر ، فهي حالات نادرة وقليلة جداً ، وربما هذا ما يفسر غياب أو عدم وضوح التصور القانوني الكامل أو الواضح لآلية التعاطي قانونياً مع هذه الظاهرة ، فليس هناك ثمة قواعد قانونية تنظم هذه العملية برمتها .
وبما أن ما يهمنا في هذه الجزئية هو إنهاء العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف عند توارث أو زوال المنظمة الدولية ، فاننا سنركز على صور التوارث بين المنظمات الدولية وآثاره المترتبة عليه بالنسبة لإنهاء العلاقات الدبلوماسية بصورة طبيعية ، فضلاً عن الآثار الأخرى المتعلقة بالدول الأعضاء فيها وموقع الاتفاقيات التي أبرمتها المنظمة قبل زوالها أو توارثها .
يطرح بعض الخبراء صورتين للتوارث بين المنظمات الدولية ([20]):
الأولى : أن تخلف منظمة دولية منظمة دولية أخرى في ممارسة بعض الوظائف والسلطات ، مع استمرار الأخيرة كشخص من أشخاص القانون الدولي ، ومثال ذلك ما أشار إليه ميثاق اليونسكو في المادة( 11/2) من انه إذا رأى المؤتمر العام للمنظمة أن هناك منظمة أو جهة رسمية أو وكالة متخصصة تسعى إلى أهداف مماثلة لليونسكو أو تمارس أعمال تدخل في صميم عملها ، فمن المرغوب فيه أن تتحول موارد ومهام تلك المنظمة أو الجهة إلى منظمة اليونسكو ، ويجوز للمدير العام أن يعقد بموافقة المؤتمر العام ما يلزم من اتفاقيات يرتضيها الطرفان .
وكذلك يمكن إيجاد نفس النص في ميثاق منظمة الصحة العالمية ، إذ أشارت المادة (72) إلى أنه يجوز لهذه المنظمة أن تخلف أية منظمة أو وكالة دولية أخرى تمارس نفس النشاطات والاهتمامات التي تمارسها منظمة الصحة العالمية ، وذلك من خلال تحويل موارد والتزامات تلك المنظمة أو الهيئة لصالح المنظمة الأولى ، ضمن اتفاق يقبله الطرفين ، ويمكن لمس ذات الشي في ميثاق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (المادة 26) .
ومهما يكن من أمر ، فان العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف في هذه الحالة أو الصورة لا تتعرض لإنهاء من قبل الدول الأعضاء باعتبار أن المنظمة التي تنازلت عن بعض اختصاصاتها لصالح منظمة دولية أخرى ، مازالت قائمة كشخص دولي قانوني ، ولا ينعكس تحويل بعض أعمالها لمنظمة أخرى على علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأعضاء فيها ، فهذا توارث طبيعي كما يرى أهل القانون الدولي .
الثانية : أن يتم التوارث بين منظمتين دوليتين مع زوال إحداهما ، سواء كانت إحداهما موجودة أو قيد الوجود ، وهو ما حدث بين الأمم المتحدة عندما ورثت عصبة الأمم ، حيث بعد انهيار عصبة الأمم لاسباب كثيرة أهمها الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، اتفقت دول الحلفاء المنتصرة بالحرب الكونية الأخيرة على إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتكون منظمة بديلة عن عصبة الأمم التي فشلت في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ، وكذلك ما حدث من توارث بين المحكمة الدائمة للعدل الدولي ومحكمة العدل الدولية ، وبين معهد التعاون الذهني واليونسكو ، وبين المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ...الخ ، كل هذه الحالات تم فيها توارث بين المنظمات مع زوال إحداهما ، أي المنظمة القديمة .
ويلاحظ أن التوارث بهذه الآلية يأتي مع منظمات متشابه بالوظائف والاختصاصات ولكن يكون الهدف منه –أي التوارث- هو تجديد حيوية عمل المنظمة وتطوير أدائها وتعديل ميثاقها ، خاصة إذا جاء التوارث بعد أحداث جسام مرت بها المنظمة القديمة وفشلت في التعاطي والتكيف معها ، كما حصل مع عصبة الأمم التي ورثت عملها بشكل أكثر وأداء أكبر منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1945م .
ولعل أن ما يترتب على العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف في هذه الحالة أو انتهاءها بشكل طبيعي ، إذ أن زوال المنظمة القديمة يعني فقدان شخصيتها القانونية التي تؤهلها للتمثيل الدبلوماسي ، وتتحول الشخصية لصالح المنظمة الجديدة التي تنقل الدول الأعضاء علاقاتها الدبلوماسية معها نيابة عن الأولى ، وما يترتب على زوال المنظمة من أثار قانونية على العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف يبدأ في إنهاء تلك العلاقات بشكل جذري وينتهي بإلغاء فعالية أي اتفاقية أو معاهدة قانونية قائمة بين الدول الأعضاء والمنظمة الزائلة .
وتجدر الإشارة إلى ضرورة التفريق بين توارث المنظمة بالحالتين المذكورة آنفاً ، وبين زوال المنظمة بشكل نهائي أو اختفائها دون ظهور ما يرثها من المنظمات الدولية ، فهذه الحالة ، التي يمكن اعتبارها الحالة الثالثة ، تعني زوال شامل وكامل للمنظمة الدولية واختفائها للأبد ، أي عدم توفر نية لاستئناف عملها أو تفكير أعضائها في توريثها بمنظمة أخرى ، ولا شك أن العلاقات الدبلوماسية متعددة الأطراف في هذه الحالة تنتهي بشكل أتوماتيكي وتلقائي إذ تفقد المنظمة صفتها القانونية وشخصيتها الدولية
وتنتهي العلاقات الدبلوماسية بين الدول الأعضاء والمنظمة بصورة طبيعية .
ومن الأمثلة القليلة جدا على هذه الحالة ، تصفية منظمة معاهدة جنوب شرق أسيا عام 1977م ، بعد أن قررت الدول الأعضاء فيها تصفيتها وإزالتها بشكل كامل في ذلك التاريخ([21])، وهي بذلك أعلنت مع تصفيتها إنهاء العلاقات الدبلوماسية بشكل تلقائي .
ويمكن إيجاد نص يشير إلى هذه الحالة في ميثاق المنظمة الأوروبية للبحث النووي ، إذ تشير المادة (14) منه إلى انه يتم تصفية هذه المنظمة إذا قل عدد أعضائها عن خمسة أعضاء .
وبخصوص الآثار المترتبة على توارث المنظمات الدولية أو زوالها فيما يتعلق بالأعمال القانونية الصادرة عنها ، فان القاعدة القانونية العامة ترى أن أية أعمال قانونية صادرة عن شخص من أشخاص القانون الدولي تزول صفتها القانونية بمجرد زوال هذا الشخص ، وعليه فان أية التزامات قانونية صادرة عن منظمة دولية تزول مع زوال الشخصية القانونية للمنظمة ، وتعتبر غير ملزمة للدول الأعضاء إلا إذا أرادت الالتزام بها بمحض إرادتها ووفق ما تشتهي ، وكذلك الحل بالنسبة للمنظمة الدولية الوارثة لاختصاصات المنظمة القديمة .
اّثار اتفاقيات منظمة التجارة العالمية في الدول العربية
تُعد الدول العربية عامة دولاً نامية، تتأثر بالاتفاقيات تأثر الدول النامية بها. بيد أن كثيراً منها، يمثل النفط والبتروكيماويات أهم سلعها التصديرية، والمصدر الرئيسي لمواردها من العملات الحرة، والركيزة الأساسية لتخطيط برامجها التنموية المستقبلية؛ ما يجعل هذه البرامج شديدة التأثير بتذبذب الأسعار العاملة للنفط. لذا، تبدو حاجة الدول العربية النفطية إلى التحول، تدريجاً، عن الاعتماد شبه الكلي على سلعة واحدة، بصفتها مصدراً رئيسياً للدخل القومي وخطط التنمية، وخاصة أن هذه السلعة، ألا وهي النفط ومشتقاته، لم تدخل ضمن السلع، التي شملتها مفاوضات جولة أوروجواي، فلم تخضع لأيّ خفض للتعريفات الجمركية، أو إزالة القيود غير التعريفية، في حالة وجود مثل هذه القيود.
أولاً: مواقف الدول العربية من الانضمام إلى اتفاقيات الجات، ومنظمة التجارة العالمية
تقسِّم مواقف الدول العربية من الانضمام إلى تلك الاتفاقيات أربع جماعات:
1. دول غير أعضاء في منظمة التجارة العالمية، لا تلتزم بأحكام الاتفاقيات؛ وهي: سورية وليبيا وجيبوتي وإريتريا وجزر القمر والصومال والسلطة الفلسطينية.
2. دول مؤسِّسة لمنظمة التجارة العالمية، وهي: الكويت ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطَر والمغرب وتونس. وهي تخضع لأحكام الاتفاقيات، وتلتزم بها؛، وتستفيد، في الوقت نفسه، من المعاملة المقررة للدول النامية الأعضاء، ومن ضمنها الفترات الانتقالية، والحصول على المساعدات الفنية.
3. دول انضمت إلى المنظمة، بعد تأسيسها، مثل: الأردن وسلطنة عُمان المملكة العربية السعودية. وهي تلتزم بأحكام الاتفاقيات؛ ولكن، لا تستفيد من الفترات الانتقالية، ما لم يُدْرَج ذلك في بروتوكول الانضمام؛ وهو أمر قلّما يحدث.
4. دول هي في مرحلة الانضمام، مثل:العراق ولبنان والجزائر والسودان واليمن وموريتانيا. وتُعامَل، عند انضمامها، معاملة الجماعة الآنفة.
من خلال ماتقدم يتبين ان مدى انفتاح الدول العربيه واتجاهها نحو العولمة فعلى الرغم من أن الاستثمارات الخارجية لديها منخفضة وغير مستقرة الا ان انفتاحها نحو العالم الخارجي يتزايد يوم بعد يوم ، فقد تعاملت الدول العربيه مع أنظمة منظمة التجارة العالمية وقواعدهابصوره جديه وتوصلت إلى أن الأنظمة والقواعد التجارية تتفق إلى حد كبير مع ما هو معمول به في الدول العربيه . إن إنضمام معظم الدول العربيه إلى منظمة التجار العالميه وخوض باقي الدول العربيه الاخرى مفاوضات مع المنظمة بغرض الانضمام يعني اتجاه الدول العربيه نحو مزيد من الانفتاح على العالم الخارجي، ويدعم ذلك ما اتخذته عدد من الدول العربيه من إجراءات تصحيحية عام 2000 حيال جوانب من المالية العامة وحيال البيئة الاستثمارية المحلية. إن تزايد الانفتاح على العالم الخارجي يؤجج المنافسة التجارية والاستثمارية ويكشف أسواق الدول العربيه على العالم. كما أن تزايد الانفتاح يقلل من فرص نجاح الدول العربيه اقتصادياً في هذا الصراع الدولي وذلك ما لم تسع هذه الدول حثيثاً نحو تعزيز درجة المنافسة للمنتجات المحلية وتهيئة البيئة القانونية والمؤسسية بصورة مواتية لتشغيل رؤوس الأموال المحلية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وبما لا يتعارض مع أنظمة منظمة التجارة العالمية وقواعدها. ويتحقق هدف تعزيز درجة المنافسة الخارجية للمنتجات المحلية للدول العربيه وتوطين رؤوس الأموال المحلية واستقطاب الأجنبية منها من خلال تبني برنامج اقتصادي إصلاحي شامل
ثانياً: الآثار العامة للاتفاقيات التجاريه على اقتصادات الدول العربية
في هذا القسم من الاطروحه يجب اولا ان نبين التصنيف الاقتصادي للدول العربيه ، وثانيا يجب بن نبين الآثار الاقتصادية المحتملة على الدول العربيه من جراء الانضمام إلى منظمة التجاره العالميه:
1.التصنيف الاقتصادي للدول العربيه .
يمكن التمييز بين أربع مجموعات من الدول العربية
(1). الدول المصدرة للنفط
تسيطر صادرات النفط على الهيكل التصديري، في كثير من الدول العربية، حيث تمثل الجزء الأكبر من صادراتها؛ ما جعل تأثرها بالاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات)، ومنظمة التجارة العالمية، رهين معيارًين اثنًين:
أ. تخلُّف كثير من دول النفط العربية الرئيسية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والعراق، والجزائر، وليبيا، عن الانضام إلى اتفاقية الجات، بل إلى منظمة التجارة العالمية، ما حرَمَها المشاركة في الجولات المتلاحقة، من مفاوضات التجارة المتعددة الأطراف. ولم تتمكن الدول، العربية الأعضاء في الاتفاقية الآنفة (البحرين، والكويت، وقطَر، والإمارات العربية المتحدة) من الاضطلاع بإسهام فاعل في تلك المفاوضات.
ب. تمتُّع معظم الدول العربية، المصدرة للنفط، بمستوى مرتفع من الدخل الفردي السنوي؛ على الرغم من تصنيفها دولاً نامية؛ ولذلك، لم تتعرض لأيّ ضغط اقتصادي أو غيره، لتحرير أنظمتها التجارية، وخاصة في قطاعَي الصناعات البتروكيماوية والمشتقات النفطية.
استيراد النفط من غير رسوم جمركية، أو برسوم منخفضة، لم يجنِّب مشتقاته ارتفاع رسومها، وقِلة الشروط الملزمة، مقارنة بالمنتجات الأخرى. وتظهر حدة المشكلة بصورة أكثر وضوحاً، عندما يتعلق الأمر بالبتروكيماويات، وغيرها من المنتجات المعتمدة على النفط والغاز، حيث تتسم الأنظمة التجارية بالتشدد، في معظم الدول المتقدمة المستوردة.
إن معظم الدول العربية المصدرة للنفط، هي أعضاء في منظمة التجارة العالمية، أو هي تسعى إلى عضويتها؛ لإدراكها أهمية المشاركة في مفاوضات تحرير التجارة العالمية، والنفقات الناجمة عن عدم الإسهام فيها، و خاصة بالنسبة إلى الدول العربية، التي تمتلك صناعات بتروكيماوية ذات قدرة تنافسية عالية، والتي سوف تستفيد من الزيادة المتوقعة لطلب المنتجات البتروكيماوية والناتجة من خفض التعريفات الجمركية. وقد تتحقق بعض المكاسب للدول العربية المصدرة للنفط، في حالة ارتفاع أسعار تصديره، نتيجة الطلب المتزايد لمشتقاته؛ وذلك من جراء ازدياد الطلب العالمي للبتروكيماويات.
(2). الدول ذات الهيكل التصديري المتنوع
تطغى الصادرات: الغذائية والزراعية، والمواد الخام المعدنية، والمنتجات الصناعية، على صادرات هذه الجماعة من الدول.
أ. الدول المصدرية للمنتجات الزراعية
كانت تجارة المنتجات الزراعية، قبل مفاوضات جولة أوروجواي، بعيدة عن نطاق اتفاقية الجات. وكانت الزراعة هدفاً لسلسلة من التدخلات الحكومية، التي شملت التعريفات الحمائية، والقيود الأخرى غير التعريفية والكمية، والدعم المحلي، ومعونات الصادرات. ثم جاءت مفاوضات جولة أوروجواي، لتغطي، للمرة الاولى في التاريخ، القطاع الزراعي. وكانت اتفاقية الزراعة نجاحاً لإصلاح المكونات الثلاثة الرئيسية للقيود الخاصة بالقطاع الزراعي، وهي: الحماية، والدعم المحلي، ومعونات الصادرات.
وقد دعت اتفاقية الزراعة جميع الدول، الأعضاء في المنظمة، إلى تحويل القيود الكمية وغيرها إلى تعريفات ذات أثر جماعي متعادل؛ إضافة إلى أنه لا بد من تخفيض جميع التعريفات بنسبة 36%، خلال ست سنوات، بدءاً من الأول من يناير 1995، فيما يتعلق بالدول المتقدمة؛ وبنسبة 24%، خلال عشر سنوات، بالنسبة إلى الدول النامية. وهكذا، غدت عملية تحويل القيود الكمية إلى تعريفات تغييراً كبيراً في أسلوب حماية الزراعة، يكون له آثار مهمة في تحسين فرص التصدير.
ب. الدول المصدرة للمنتجات الصناعية
تُعَدّ مصر، والمملكة العربية السعودية، وتونس، والمغرب، دولاً رئيسية في جماعة الدول العربية المصدرة للمنتجات الصناعية؛ فتختص المملكة بمنتجات بتروكيماوية، وأخرى تعتمد على النفط والغاز؛ وتغلب المنسوجات والملابس على صادرات الدول الثلاث الأخرى.
تصدير المنسوجات والملابس
كانت اتفاقية الألياف المتعددة، قبْل منظمة التجارة العالمية، هي التي تنظم التجارة في المنسوجات والملابس، بين عامَي 1974 و 1994. وكانت صادرات تلك المنتجات، المتجهة نحو أسواق الدول المتقدمة، تتعرض لحصص تصديرية للدول النامية المصدرة، والموقعة على الاتفاقية؛ وبذلك، فإن تجارة المنسوجات، كانت تمثل خروجاً عن نطاق الجات. وترك ذلك الأمر أثره السلبي في الدول العربية النامية، التي تتمتع بميزة نسبية في هذه الصادرات؛ ولكنها حُرَمَت الاستفادة من الميزة التصديرية، المفترض أن تحصل عليها واحدة من أهم صناعاتها.
وما لبثت اتفاقية المنسوجات والملابس، إحدى اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير 1995، أن حددت فترة انتقالية، مدتها عشر سنوات، تنتهي في يناير 2005، تمهد للانتقال التدريجي من النظام المعمول به إلى قوانين الجات. وسوف تتمتع التجارة الدولية في المنسوجات والملابس، في نهاية الفترة المحددة، بما يتمتع به غيرها من قطاعات المنتجات الصناعية، من إعفاء كلّي من قيود الحصص؛ كما أنها ستخضع لقوانين الجات وقواعدها بصورة كاملة.
تصدير المنتجات الصناعية الأخرى
تصدير المنتجات العربية الصناعية الأخرى إلى الأسواق، يتأثر بعمق التخفيضات في التعريفات الجمركية، ومكافحة الإغراق، والدعم، والإجراءات التعويضية؛ فطالما عانت الصناعات العربية منافسة غير عادلة بينها وبين واردات السلع، وخاصة الآسيوية، المدعمة، أو منخفضة السعر انخفاضا مبالغاً فيه. فقد أجازت الاتفاقيات المعنية الامتناع عن استيراد ما يضر بالصناعات الوطنية، أو جعله بقدر، أو فرض رسوم عليه تعويضية، ومقابلة، ترفع أسعاره إلى مستوى الأسعار السائدة؛ لتقتصر عوامل المنافسة على الجودة، وملاءمة الاستهلاك؛ ما يحمي الصناعات الوطنية، ويحفزها إلى الارتقاء بمستوى منتجاتها، في ظل منافسة عادلة.
إذاً، لا شك في استفادة الدول العربية، المصدرة للمنتجات الصناعية، من خفض التعريفات الجمركية، وإزالة القيود غير التعريفية في الأسواق العالمية؛ فضلاً عن أن معظم تلك المنتجات، تتمتع بميزة نسبية في أسواق الدول الصناعية، من حيث كونها منتجات معتمدة على اليد العاملة الكثيفة.
أمّا في الدول الخليجية، فربما لا يكون لتحرير التجارة في المنتجات الصناعية (غير البتروكيماويات) أثر يُذكر، لا سلباً، ولا إيجاباً؛ إذ إن قاعدتها الصناعية، لم تبلغ حدّ الانتفاع بتخفيض التعريفات الجمركية، وفتح الأسواق الخارجية لمنتجاتها؛ إضافة إلى أن معظم تلك المنتجات، تدخل الأسواق الخليجية برسوم جمركية، لا تستحق الذكر.
(3). الدول مصدرة الخدمات
كثير من الدول العربية هي مستورد صافٍ للخدمات. وهناك دول عربية أخرى، تصدر الخدمات، مثل: مصر ولبنان والأردن، التي تعتمد على السياحة، وتحويلات العاملين في الخارج، بصفتهما مورداً أساسياً للدخل القومي.
وقدرة الدول العربية على المنافسة في تجارة الخدمات، أو تحمّل المنافسة الواردة إلى أسواقها من الخارج ـ هي رهن بطبيعة عروض الخدمات ومجالاتها، والشروط التي ترتضيها في إطار الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات. وأثبتت ذلك في جدولها الوطني، واشتراطه على الأهلية للمعاملة الوطنية، والترخيص للأجانب، في توريد الخدمات إليها. وقد تضمنت عروض الدول العربية، في هذا القطاع، قيوداً لإقامة الأشخاص الطبيعيين، الموردين للخدمات؛ وحقوق الملكية العقارية للمستثمرين الأجانب.
أمّا تحويلات العاملين في الخارج، فإن الاتفاقية لم تقدم جديداً. ولا يزال حق انتقال الأشخاص الطبيعيين إلى دولة عضو فيها، يمثل إحدى أكثر القضايا حرجاً. ويتضح ذلك من خلال نص ملحق الاتفاقية على ما يلي:
"لن تنطبق هذه الاتفاقية على الإجراءات التي تمس الأشخاص الطبيعيين، الساعين إلى الهجرة إلى أسواق إحدى الدول الأعضاء. كما أنها لا تنطبق على الإجراءات الخاصة بالمواطنة، والإقامة أو العمل على أساس دائم".
كذلك تضمنت الاتفاقية فقرتَين تنفيان ما يمنع الدول الأعضاء من الدخول في تكاملات اقتصادية، تؤدي إلى تكامل أسواق العمل فيما بينها.
وفي ما يتعلق بالسياحة، يمكن أن تؤثر في دخْلها اتفاقية التجارة في الخدمات، بتوسيع عملية النفاذ إلى أسواق الدول المستوردة، للخدمات السياحية. إن حرية الحركة في مجال الخدمات، لا تقررها إجراءات الحدود، كالحواجز: الجمركية وغير الجمركية؛ وإنما هي تعتمد على المَرافق المتوافرة في الدول المستوردة، وكذلك على الأنظمة والقوانين المحلية.
وتميز الاتفاقية، بوضوح، بين الالتزامات العامة، التي تتقيد بها جميع الدول الأعضاء، ما لم يَرِد في جداولها الوطنية المحلية ما يخالفها؛ وبين الالتزامات الخاصة، التي لا تلزم إلا بما وَرَدَ في الجداول المحلية.
ولعل وجود فقرة في الاتفاقية، تنص على "دخول الدول، الأعضاء في المنظمة، في سلسلة من الجولات التفاوضية، التي تبدأ بعد فترة، لا تزيد على خمس سنوات من تاريخ الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وبصورة دورية بعد ذلك" ـ يوحي بضرورة المزيد من الاهتمام بالقطاعات الخدمية، ذات الأهمية والميزة النسبية للدول العربية، وخاصة في مجالَي السياحة وتنقُّل العمال.
(4). الدول الأقل نمواً
حظيت مشاكل الدول النامية، بما فيها الدول الأقل نمواً: موريتانيا والصومال والسودان، بعناية خاصة في جولة أوروجواي، مقارنة بأيّ جولة سابقة. والواقع، أن جميع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، اختصت تلك الدول بمعاملة خاصة، ومميزة؛ بل آثرت الدول الأقل نمواً بمعاملة أكثر خصوصية. فقد اتخذ قرار وزاري، في جولة أوروجواي، يراعي الواقع الخاص لتلك الدول؛ والحاجة إلى ضمان مساهمتها الفاعلة في نظام التجارة العالمية، وضرورة اتخاذ خطوات أخرى، في سبيل تحسين فرصها التجارية. فلم يطالبها، ما دامت ملتزمة بقواعد الجات وأنظمتها، والاتفاقات الأخرى ذات العلاقة، إلا بالتزام ما يلائم حاجاتها: المالية والتجارية والتنموية. وستحصل الدول الأقل نمواً على مساعدات فنية متزايدة، تساعدها على دعم الإنتاج والقدرات التصديرية وتنويعهما. ويتضمن القرار فقرات أخرى، تمنح تلك الدول ميزات في التعامل، في مجالات كثيرة. وإذا ما استطاعت الأقطار العربية الأقل نمواً، أن تكيف نفسها مع الشروط المطلوبة، فإنها ستحصل على منافع كبيرة.
إن الآثار الناجمة عن تطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية في الدول العربية، سوف تختلف بين بلد عربي وآخر. ومن أهم العوامل، التي تحدد أثر منظمة التجارة العالمية في الدول العربية، ما يلي:
أ. هيكل الصادرات، أيْ مدى اعتماد البلد على عدد من المنتجات المحددة في تشكيلة صادراته.
ب. مدى عمق تحرير التجارة، الذي حققته أو يمكن أن تحققه القطاعات ذات العلاقة، بالنسبة إلى البلد المصدر.
ج. اتجاه التجارة، أيْ التوزع الجغرافي للصادرات بين الدول العربية: النامية والمتقدمة.
د. درجة الانفتاح، أيْ مدى اتِّباع البلد المعني الإحلال محل الاستيراد، أو الإستراتيجية القائمة على التصدير.
هـ. مستوى التنمية، أيْ كون البلد المعني متقدماً أو نامياً أو قليل النمو.
وقد دأبت الدول: النامية والعربية والأقل نمواً، خلال المؤتمرات الوزارية، التي تعقدها منظمة التجارة العالمية، كلّ سنتَين، في السعي لتعظيم الآثار الإيجابية لاتفاقيات تلك المنظمة، وتقليل آثارها السلبية. ومثال ذلك: إعلانها دائماً عدم قبول أيّ التزامات جديدة، قبْل تنفيذ الاتفاقيات الحالية؛ ومعارضتها التنفيذ البطيء للاتفاقيات، ولا سيما في الأمور المتعلقة بالزراعة والمنسوجات والملابس؛ وعدم رضاها عن إقحام بعض الدول المتقدمة لمنظمة التجارة العالمية في أمور، تتعلق بمعايير العمل، التي ترى أنها من اختصاص منظمة العمل الدولية دون غيرها.
2. الآثار الاقتصادية المحتملة على الدول العربيه من جراء الانضمام إلى منظمة التجاره العالميه
توصلت بهذا الشأن إلى احتمالات وجود آثار إيجابية و آثار سلبية على الدول العربيه من جراء الانضمام إلى منظمة التجاره العالميه ، يمكن تلخيص أهم الآثار: الإيجابية و السلبية الناجمة عن تطبيق الاتفاقيات على الدول العربية، الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على النحو الاتي:
(1). الآثار السلبية
أ. ارتفاع أسعار الواردات العربية من المنتجات الزراعية، وخصوصاً المواد الغذائية؛ من جراء إلغاء الدعم الزراعي، وتحرير التجارة في المنتجات الزراعية في الدول الصناعية المتقدمة.
ب. تعرُّض السلع الصناعية العربية لمنافسة دولية شديدة؛ لأن معظمها مواد خام، تسعى الدول الصناعية إلى ابتكار بدائلها. كما أن إلغاء نظام الحصص لاستيراد الملابس الجاهزة العربية، بعد انتهاء الفترة الانتقالية، التي حُددت بعشر سنوات (1995-2004) ـ سيؤثِّر في الموازين التجارية العربية، ما لم تُطوَّر أساليب الجودة الشاملة، والمواصفات القياسية العالمية.
ج. تحرير التجارة الدولية، في ضوء اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، سيعوق صناعة البتروكيماويات العربية، التي ما زالت في طور النمو، بتعريضها لمنافسة دولية شديدة. كذلك سوف تتأثر الصناعات الكيماوية العربية، إذ سترتفع نفقة الواردات منها؛ لحاجة الأسواق المحلية إليها.
د. ارتفاع معدلات البطالة في قطاع الصناعة العربية، الذي يستوعب نحو 24% من إجمالي اليد العاملة العربية؛ إضافة إلى أن المنتجات الصناعية العربية، من الورق والبلاستيك والكاوتشوك والأثاث والخشب، سوف تتعرض لمنافسة شديدة من الدول الصناعية المتقدمة.
هـ. تزايد نفقة برامج التنمية، نتيجة تطبيق الاتفاقية الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، وما ينجم عنها من ازدياد نفقة استيراد التقنيات الحديثة، والنفقات المقترنة بحق استخدام العلامات التجارية، وحقوق الطبع والنشر، والبرمجيات، وما إلى ذلك. وسيسفر ذلك عن ارتفاع أسعار المنتجات الفكرية العربية؛ إضافة إلى التهديد بتدهور الثقافة العربية، نتيجة الغزو: الثقافي والفكري، من قِبَل الدول غير العربية، الأعضاء في المنظمة.
و. ضَحْل الاستفادة العربية كثيراً من الاتفاقية الخاصة بتحرير التجارة العالمية في الخدمات، المتمثلة في قطاعات البنوك والتأمين والنقل والسياحة والاتصالات والتشييد والاستشارات، إلخ...؛ إذ إن الدول العربية مستورد صافٍ للخدمات، ومعظمها يعاني عجزاً في ميزانها التجاري.
ز. تحرير التجارة الدولية، في مجال مناقصات المشتريات الحكومية، بما فيها مشتريات الجيش والشرطة ـ يؤثر سلباً في اقتصادات الدول العربية.
(2). الآثار الإيجابية
أ. توافر الفرص لتصدير منتجات، تمتلك فيها الدول العربية ميزات نسبية مهمة، كالمنتجات الزراعية، والمنسوجات والملابس، وبعض المنتجات الصناعية.
ب. ازدياد حماية الدول العربية لحقوقها التجارية، والوقاية من إجراءات الدعم وسياسات الإغراق، التي تنتهجها الدول المتقدمة خاصة. كذلك فإن التحسينات، التي أدخلت على آلية فض المنازعات، والتابعة لمنظمة التجارة العالمية ـ تساعد على تقوية حقوق الدول العربية، للنفاذ إلى الأسواق العالمية؛ وتتيح فرصاً أفضل لحل منازعاتها التجارية مع الدول الأخرى، بطريقة عادلة.
ج. معاملة الدول العربية معاملة متميزة، وأكثر تفضيلاً، في كثير من الحالات، بما في ذلك كفالة الفرص لحماية صناعاتها الوطنية؛ وإطالة الفترات السابقة على تنفيذها التزامات، هي أقلّ مما هو مطلوب من الدول المتقدمة النمو.
د. الارتفاع المتوقع في أسعار السلع الزراعية المستوردة، والنقص المحتمل في المعونات الغذائية، سوف يحفزان الدول العربية إلى تحسين الإنتاجية في قطاعاتها الزراعية، والتوسع في الإنتاج الزراعي بعامة.
هـ. تحرير التجارة الدولية، فاحتدام المنافسة، سوف يدفع إلى تجويد الصناعات الوطنية العربية، ورفع مستوى الإنتاج، وتحسين الكفاءة في تخصيص الموارد؛ ومن ثَم، ارتفاع مستويات المعيشة.
و. إلغاء الكثير من القيود والاشتراطات على الاستثمارات الأجنبية، يشجع على تدفّقها إلى الدول، التي لا تُقِّد حرية الحركة للمستثمرين الأجانب؛ ما يسهم في التنمية الاقتصادية، وزيادة التقنية.