By طارق الزهراني 333 - الأحد ديسمبر 08, 2013 4:26 pm
- الأحد ديسمبر 08, 2013 4:26 pm
#68699
بقلم : معتز سلامة
إن هدف الاتحاد هو أحد الأهداف التي أقرها النظام الأساسي لمجلس التعاون منذ نشأته في العام 1981، على نحو يجعل مقترح الملك عبد الله ابن عبد العزيز تطوراً طبيعياً، إلا أن تطور الأوضاع بين دول المجلس على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، لا يشير إلى أن هذا المقترح يمكن أن يتحقق بسهولة، أو أن يحظى بموافقة أغلبية الدول، إلا إذا استقرت هذه الدول على معان ومفاهيم خاصة وجديدة لمعنى كلمة "الاتحاد" التي تقصدها، على نحو يبعده عن المفهوم المتعارف عليه في التجارب الدولية.
لا شك أن مقترح الملك عبد الله للانتقال من "مرحلة التعاون" إلى "مرحلة الاتحاد في كيان واحد"، حرك أمواجاً كثيرة في المياه الخليجية، ورغم ما به من قفزة على واقع التجربة وخصوصياتها، إلا أنه يمثل الرد الخليجي المكافئ لما يجري في العالم العربي وفي الإقليم والعالم. مع ذلك فلكل دولة من دول المجلس رأيها وموقفها الخاص منه، القائم على تقديرها لمصالحها الاستراتيجية، ولكل منها أيضاً تصورها لمفهوم الاتحاد. وبعضها يفرغ كلمة "الاتحاد" من مضمونها الأصلي، ولا يبقي منها سوى العنوان الرئيسي، على نحو يجعل هذا الاتحاد المحتمل بعيداً عن أي شكل من الأشكال الاتحادية المعروفة في التجارب العالمية (الوحدة، الفيدرالية، الكونفيدرالية).
وباستثناء البحرين والسعودية، ليس هناك دولتان من دول المجلس عبرا عن ذات المفهوم للمشروع الاتحادي؛ فتقف عمان على الحياد وبقدر من التكتم، والإمارات من دون موقف محدد، أما قطر فإن أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قصر مفهومه للاتحاد على المجال الاقتصادي، ما برز من خلال تصريحه بأن "التعاون في المجال الاقتصادي هو بمثابة حجر الأساس للاتحاد الخليجي"، بينما هناك تردد وحذر كويتي.
هناك بعض القوى والجماعات التي عبرت عن طرح رافض لمشروع الاتحاد، وانحصرت بالأساس في دول المجلس ذات الأغلبيات أو الأقليات الشيعية الكبيرة، مثل البحرين والكويت
وتتعدد الرؤى أكثر إذا أدخلنا الرؤى الشعبية؛ فالدعوة للاتحاد تحظى تلقائياً بموافقة أغلبية المواطنين والنخبة في الخليج بالأساس، مع ذلك لم تعدم وجهات النظر المعارضة والرافضة للمشروع. فهناك بعض القوى والجماعات الأدنى التي عبرت عن طرح رافض لمشروع الاتحاد، وانحصرت بالأساس في دول المجلس ذات الأغلبيات أو الأقليات الشيعية الكبيرة، مثل البحرين تحديداً، والكويت. ففي البحرين أكد الأمين العام لجمعية الوفاق (الشيعية) أنه: "من حق شعب البحرين أن يقاوم مشروع الاتحاد مع السعودية بشتى الطرق". وفي الكويت هناك رفض للمشروع من جانب الشيعة، وبعض الشخصيات من السنة.
وإذا وسعنا المواقف من مشروع الاتحاد لتمتد إلى الجوار الإقليمي، فإن المشروع لقي هجوماً واسعاً من إيران، وكان أحد الردود الإيرانية طرح مشروع للاتحاد بين إيران والعراق، على رئيس الوزراء نوري المالكي خلال زيارته الأخيرة لطهران. وبشكل عام تأخذ المعارضة الشيعية - سواء داخل دول الخليج أو إيران - جانباً مهماً من الصورة على نحو قد يرسخ الانقسام الخليجي على قاعدة مذهبية، وربما يهدد ببناء محاور إقليمية على أساس طائفي.
لقي مشروع الاتحاد هجوماً واسعاً من إيران، وكان أحد الردود الإيرانية طرح مشروع للاتحاد بين إيران والعراق، على رئيس الوزراء نوري المالكي خلال زيارته الأخيرة لطهران
أولاً: ضرورات الاتحاد:
هناك ضرورات حيوية تؤكد أهمية الاتحاد الخليجي في الفترة الراهنة، على وجه التحديد، لاعتبارات عديدة، منها:
(1) الثورات العربية: تطرح الثورات بدول "الربيع العربي" تحديات هائلة على دول مجلس التعاون الخليجي، سواء الثورات في الدول التي نجت بثورتها وبدأت إجراء تحولات في المشهد الداخلي، مثل تونس ومصر، أو تلك التي وقفت عند نقطة ما من الاستقرار الثوري على وضع مضطرب، مثل ليبيا واليمن، أو تلك التي تعثرت فيها الثورة حتى الآن، ووقفت منها دول الخليج - والسعودية تحديداً - في طليعة القوى الدولية المنادية بإسقاط النظام (مثل سوريا). ويضاف إلى كل ذلك احتمال اقتراب أبواب "الربيع" من دول العروش والملكيات، التي تجد في صدارتها الأردن في ما يبدو أرضاً رخوة، يعزز من ذلك انتهاء فكرة ضم "مملكتي" الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون إلى الجمود.
في مختلف هذه الحالات هناك مشاهد مقلقة للأوضاع الداخلية بدول المجلس؛ فإذا تمكنت مصر وتونس من بناء نموذج ديمقراطي، وتحقيق الاستقرار والانطلاق في بناء الدولة الجديدة، سوف يكون ذلك أحد الأمور المحركة للأوضاع الداخلية في الخليج، وإذا ظلت أوضاع دول الثورات المضطربة كاليمن، فإنها تهدد بانتكاسة قد تلحق الضرر بالأوضاع في الدول الخليجية، أما دولة الثورة المتعثرة (سوريا) فسوف تقف في الصف المعادي لدول المجلس، خصوصاً لو تمكن النظام من الإفلات من الموجة الراهنة؛ فبالتأكيد سوف يكرس تحالفه الحديدي مع إيران، معادياً لدول وقفت منه موقف العداء الصريح.
وتضيف الأوضاع الداخلية بدول المجلس حقائق لا تنتظر من يحركها عربياً، وهي تلك الخاصة بتوافر عوامل الاضطراب الداخلي، الذي يبدو أنه سيكون واقعاً على الدول الخليجية التعايش معه منذ الآن (البحرين، الكويت، عمان)، ذلك أن اضطرابات 2011 قابلة للتكرار.
الموقف الأميركي أثناء الثورات العربية، جعل البعض في الخليج يطالبون صراحة بأنه على دول المجلس التفكير في شئونها الأمنية ومستقبلها السياسي، في ظل احتمال عدم توقع مساندة من الحليف الأميركي
(2) الفراغ الاستراتيجي: لاشك في أن موجة "الربيع العربي" ألقت بظلالها على العلاقات الأميركية الخليجية، فلم يكن مشهد سقوط الأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة من المشاهد المطمئنة لصناع القرار بدول الخليج. وبمعنى أصح، فإن تطورات "الربيع العربي" هزت ثقة الكثيرين من قادة الخليج بالتحالف مع الولايات المتحدة، وتركت الانتقادات الأميركية الرسمية المبطنة والعلنية أحياناً للأوضاع في البحرين، آثاراً لدى صناع القرار في دول ترى بعيني رأسها مقر الأسطول الخامس في المملكة الصغيرة، وهو أمر ترك شكوكاً كثيرة في النظرة التقليدية لطبيعة العلاقات بين الحلفاء.
إن ذلك مثلاً ما دعا مفكراً خليجياً إلى إسقاط ما أسماه بـ"الأوهام الخليجية"، التي منها – وفقاً له - أن الولايات المتحدة يمكن أن تهرع من جديد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لو نفذ الإيرانيون تهديداتهم بتعطيل الملاحة. وهو أيضاً ما دعا مفكراً سعودياً للتوجس من استمرار قيمة النفط في العلاقات مع الولايات المتحدة. بمعنى أنه منذ الآن على دول المجلس التفكير في شئونها الأمنية ومستقبلها السياسي، في ظل احتمال عدم توقع مساندة من الحليف الأميركي.
لكن الشكل العام يشير إلى أن النظرة الأميركية العامة الحالية، هي أنه لم تعد هناك "استثنائية خليجية"، وأنها ربما مسألة وقت. مع ذلك فإن "الربيع العربي" في الخليج ليس قدراً محتوماً، ولكن بندوله وبوصلته تتحول وفق استقراء المواطن الخليجي لتحولات الداخل، ومشروع الاتحاد – من هذه الزاوية - هو أحد تفاعلات التحول في علاقة الولايات المتحدة بدول الخليج. وفي السياق ذاته، ظلت دول مجلس التعاون محمية من الظهر، وقت أن كان هناك ما يزيد على 150 ألف جندي بالعراق، والآن مع انسحاب هذه القوات فإنها تجد أظهرها مكشوفة لإيران.
(3) السيناريو الكابوس: يعزو هذا السيناريو ضرورة الاتحاد الخليجي إلى احتمالات أن يكون الخليج مجدداً على موعد مع الحرب، وهي التي قد تنطوي هذه المرة على سيناريوهات ومشاهد غير مسبوقة في منطقة خبيرة بالحروب. فاحتمال تطور سيناريو خوض الحرب مع إيران، هو احتمال قائم، على الرغم من أنه بمنطق الإحساس بالفراغ الاستراتيجي (وفق الضرورة رقم 2)، هذا الاحتمال ربما غير وارد، إلا أنه لا يمكن تجاهله في المشهد الخليجي.
إن خبرة الحروب في هذه المنطقة، تشير إلى أنه ليس هناك دخان من دون نار، وأن سيناريو الحرب قد يتطور ويجري الاستعداد له والتجهيز لمسرحه على مدى عقد من الزمان أو أكثر، حتى تأتي ساعة القرار، وهو ما يشير إلى أنه بقدر ما قد يبدو مشهد الحرب بعيداً أو مبعداً عن فكر صناع القرار في إدارة أوباما، فإنه قريب ويقترب أكثر، في ظل إدارة قد يستعيد فيها "المحافظون الجدد" دورهم.
وقد أشارت تجربة حروب الخليج إلى أن الولايات المتحدة لا تخوض الحرب في عنفوان العدو، وإنما حينما تبدأ أطرافه الداخلية في الوهن، وتبدأ أنيابه في السقوط، وهو ما يعني أنها قد لا تدخل الحرب مع إيران الآن، ولكن سيناريو الحرب لن يسقط كسيناريو قائم في ظل إدارة تالية أو ذات الإدارة. في ظل هذا الاحتمال أيضاً، تبدو ضرورة الاتحاد الخليجي لاحتمالات توسع نطاق الحرب من قبل إيران أو غيرها.
خبرة الحروب في هذه المنطقة، تشير إلى أن سيناريو الحرب قد يتطور ويجري الاستعداد له والتجهيز لمسرحه، على مدى عقد من الزمان أو أكثر، حتى تأتي ساعة القرار
ثانياً: القرار بين الموافقة والمعارضة:
حرصت دول الخليج على سرية مداولاتها في ما يتعلق بمواقفها من دعوة الاتحاد الخليجي، فحتى قبل انعقاد القمة الخليجية بيوم واحد لم تطرح أي وجهات نظر رسمية، ولم تنشر أي من التقارير التي جرى إعدادها من قبل اللجنة المكلفة، الممثلة فيها الدول الست، للتداول في فكرة الملك عبد الله. وفي ما عدا البيان الصادر عن القمة الـ32 في الرياض في ديسمبر 2012، الذي رحب فيه قادة دول المجلس بالاقتراح المقدم من الملك السعودي، لم تعلن أي من دول المجلس موقفاً رسمياً من المشروع.
لكن على مدى فترة الأشهر الستة - من ديسمبر وحتى مايو الحالي - تمثلت أبرز حجج الموافقين في ما يلي:
- إن التحول إلى الاتحاد هو أحد الأهداف المنصوص عليها في النظام الأساسي للمجلس، وهو التطور الطبيعي بعد أكثر من ثلاثين سنة من الممارسة. كما أنه يمكن من التكامل الاقتصادي، ويحقق حلماً للمواطنين، ويؤسس لقيادة مجلس التعاون في العالم العربي، وهي القيادة التي برزت في سياق الثورات العربية.
- إن الاتحاد هو فرصة لتجاوز وامتصاص بؤر التوتر الداخلي في بعض الدول التي يتعرض أمنها للخطر، والتي يمكن أن يمتد خطرها إلى باقي الدول الخليجية، مثل البحرين، ومن ثم سوف يكون مجالاً لتذويب بؤر التوتر في الوسط الخليجي السكاني الأوسع.
- إن الاتحاد هو الرد الطبيعي على التهديدات الإيرانية المتكررة لدول الإقليم، ومؤخراً تهديدها للإمارات وموقفها المتشدد من قضية الجزر، وهو أيضاً الرد على أي احتمال لاضطراب الأمن الإقليمي الخليجي مجدداً بالحرب مع إيران.
- إن الاتحاد أيضاً هو الرد الطبيعي على ثورات "الربيع العربي"، وإنه يمكن لدول المجلس في الإطار الجماعي أن تتخذ قرارات سياسية، وفي مجال حقوق الإنسان والحريات، قد يصعب عليها اتخاذها في الإطار الفردي، كما أنه فرصة لتدريب المواطنين على المشاركة في القرار وتوسيع دوائر صنعه.
قد يكون الاتحاد فرصة لتجاوز وامتصاص بؤر التوتر الداخلي في بعض الدول التي يتعرض أمنها للخطر، والتي يمكن أن يمتد خطرها إلى باقي دول المجلس
وعلى جانب الرافضين أو المعارضين:
- إن القرار لا يحظى بتأييد الأغلبية الشعبية في بعض الدول، ومن ثم يطرحون اعتراضهم عليه، ومقاومتهم له، مثل الشيعة في البحرين.
- هناك تخوف من أن يكون الاتحاد على حساب الدول الصغيرة، وأنه يعكس رغبة سعودية في الهيمنة، وهو أمر له جذور في العلاقات الثنائية مع المملكة منذ فترة، فترى بعض الدول في دعوة الاتحاد أنها طريقة سعودية لتقويض العلاقات الثنائية بين دول الخليج، وفرض جدول أعمالها عليها.
- تخشى دول الخليج الأصغر فقدان النفوذ الاقتصادي والسياسي لصالح السعودية، التي يزيد عدد سكانها خمس مرات على سكان عمان ثاني أكبر دولة في المجلس، لتسيطر أيضاً على قطاع النفط والغاز الأكثر أهمية في المنطقة.
- وفقاً لوجهة نظر طائفية، يرى الشيعة في المشروع مسعى لإغراقهم في وسط سكاني أوسع، ومن ثم إنهاء أوضاعهم التمييزية كأغلبية في بلد مثل البحرين، حيث سيفقدون هذه المزية في حال تحقيق نوع من الاتحاد مع السعودية، لأنه لا تتجاوز نسبتهم 10% من أصل حوالي عشرين مليون نسمة. ولكن ترى وجهة نظر أخرى أن ذلك قد يعطي للشيعة إطاراً أوسع للحركة، ويمد شيعة السعودية مثلاً بمدد سكاني من شيعة البحرين، قد يرفع الطموح بتقارب جغرافي سكاني مذهبي يكون له تأثير ضاغط مستقبلاً.
هكذا يبدو أن هناك حججاً منطقية لكل من الموافقين والرافضين، الذين تنطلق مواقفهم وفق تقييمهم لمصالح وأوضاع خاصة أحياناً، بعيدة تماماً عن المصلحة السياسية للاتحاد، أو المصلحة الوطنية للدولة الخليجية أحياناً.
ترى بعض الدول في دعوة الاتحاد التي أطلقها العاهل السعودي، أنها طريقة سعودية للهيمنة على دول الخليج، وفرض جدول أعمالها عليها
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة:
في ضوء ما سبق، يمكن تصور أكثر من سيناريو في ما يتعلق بمستقبل مشروع الاتحاد الخليجي، جميعها مؤسس على المدى الزمني القريب والمتوسط، وفي ضوء إدراك طبيعة صناعة القرار الخليجي والمواقف السابقة للدول:
أولاً: الإعلان عن اتحاد شامل "تدريجي": هذا الاحتمال ينبع من إدراك دول المجلس الست صعوبة إعلان إحداها رفضها لمشروع اتحادي، يقوم بالأساس على النظام الأساسي للمجلس منذ ثلاثين عاماً، ودعت إليه الدولة الكبرى والملك عبد الله، حيث سيكون ذلك إعلاناً برفضها للطموح الرئيسي للمجلس، ولمادة في نظامه الأساسي منذ نشأته، ورداً غير دبلوماسي على مبادرة من خادم الحرمين الشريفين. ويعزز ذلك أيضاً انعكاس رفض المشروع على الرأي العام الداخلي، وهو أمر يتطور في دول المجلس، وإن كان ببطء، خصوصاً في ظل ارتفاع طموح المواطنين، وتنامي آرائهم السلبية عن المجلس بشكل مستمر.
لذلك قد يتجه القادة إلى الإعلان عن مشروع الاتحاد، ولكن يكون حظه من التطبيق ليس أكثر من حظوظ ما سبقه من بيانات تتعلق بالعملة الخليجية الموحدة، والمصرف الخليجي الموحد.. وغيرهما. والحقيقة أن دول المجلس لها رصيد في هذا الجانب، فهي في الأغلب تعلن في كل قمة عن مشروعات كبرى تجد صدى إعلامياً واسعاً، لكنها لا تجد من يتابعها. وقد تبدو صيغة التدرج في مشروع الاتحاد هنا ليس أكثر من الإبقاء على صيغة المجلس بوضعيته الراهنة، والتي يسير فيها بخطى بطيئة، ويمثل "المخرج التدريجي" ليس أكثر من الاستمرار على النهج ذاته، ولكن بتسمية تتضمن قدراً من الطموح المرضي.
ثانياً: الإعلان عن صيغ اتحادية أدنى: في ما يبدو كانت أغلب التوقعات قبل القمة – في ظل تحفظ الكثير من الدول، وربما كلها باستثناء البحرين – تتجه إلى الاكتفاء بالإعلان عن اتحاد بين السعودية والبحرين، على أن يطرح ويعلن على أنه مجرد بداية سوف تلحق بها باقي الدول، وذلك يفتح صيغة الاتحاد لدول أخرى، أو يفتح الباب أيضاً لاتحادات ثنائية أخرى مقبلة بين دولتين أخريين أو أكثر من دول المجلس كمسعى للتقريب.
وتحقق هذه الصيغة غطاء لمملكة البحرين، التي قد تجد صعوبة في انخراطها الفردي، في تحالف مع الدولة الخليجية الأكبر، لم تنخرط فيه باقي دول المجلس، فأمام مواطنيها - الشيعة تحديداً - فإن إقرار الصيغة الاتحادية بين المملكة الأصغر والمملكة الأكبر، سيكون مجالاً للاعتراض الداخلي، وهو ما يمكن الرد عليه وتبريره في السياق الخليجي. هنا تقدم باقي دول المجلس سنداً وغطاء للقرار البحريني، الذي تحتاج إليه المملكة الصغيرة لظروفها الخاصة، وتحتاج إليه المملكة الكبيرة لضمان إقرار رؤيتها للأمن بالخليج.
من الممكن تبني مفهوم الاختيار والتخصيص، بمعنى أن الاتحاد الخليجي سيكون لمن يختار الدخول فيه، على أن تبقى صيغة المجلس لجميع الدول كما هي تؤدي ذات الغرض
ثالثاً: اتحاد وفق الاختيار والتخصيص: في ظل هذا السيناريو، يمكن تصور أشكال وصور اتحادية مختلفة، بحيث يتم تبني مفهوم الاختيار والتخصيص، بمعنى أن الاتحاد الجديد هو لمن يختار الدخول فيه، على أن تبقى صيغة المجلس لجميع الدول كما هي تؤدي ذات الغرض. وهنا تتيح صيغة الاختيار للموافقين والمعارضين باباً لحرية الحركة، ومبرراً أمام الرأي العام والشعب في الداخل لموقف الرافض أو المعارض، فضلاً عن أنه يفتح الباب لدخول الاتحاد وفق المستجدات والظروف.
والاتجاه الآخر ضمن السيناريو ذاته، أن يؤسس الاتحاد على أساس تخصيص مجالات محددة للاتحاد الكامل، ومجالات أخرى تبقى عند ذات المستوى غير الاتحادي، بأن يتم تعميق الاتحاد الاقتصادي مثلاً دون الاتحاد الأمني أو السياسي، على نحو ما تميل وجهة النظر القطرية بالأساس. وهذا يمكن قادة دول المجلس من الوقوف عند ذات المواقف، وإمهال أنفسهم فرصة لصناعة القرار الداخلي بتأن.
في ظل جميع الاحتمالات والسيناريوهات السابقة والمتقاربة في مراسيها النهائية، سوف يظل قرار الاتحاد ليس نهائياً، وسيحمل الإعلان عنه وتقديمه إعلامياً قدراً من الضخامة لا تناسب ما قد يتحقق منه على الأرض، وذلك أيضاً جزء من السياسة والعرف المتبع في القمم الخليجية، وقد لا يكون جميعه ليس أكثر من ضرورات التعامل الذكي مع ضرورات المرحلة، ولكن في جميع الأحوال سوف يحظى القرار بزخم كبير، وسوف يترتب عليه الإعلان عن أجهزة جديدة، بجوار أو خارج الأجهزة الراهنة لدول المجلس.
إن هدف الاتحاد هو أحد الأهداف التي أقرها النظام الأساسي لمجلس التعاون منذ نشأته في العام 1981، على نحو يجعل مقترح الملك عبد الله ابن عبد العزيز تطوراً طبيعياً، إلا أن تطور الأوضاع بين دول المجلس على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، لا يشير إلى أن هذا المقترح يمكن أن يتحقق بسهولة، أو أن يحظى بموافقة أغلبية الدول، إلا إذا استقرت هذه الدول على معان ومفاهيم خاصة وجديدة لمعنى كلمة "الاتحاد" التي تقصدها، على نحو يبعده عن المفهوم المتعارف عليه في التجارب الدولية.
لا شك أن مقترح الملك عبد الله للانتقال من "مرحلة التعاون" إلى "مرحلة الاتحاد في كيان واحد"، حرك أمواجاً كثيرة في المياه الخليجية، ورغم ما به من قفزة على واقع التجربة وخصوصياتها، إلا أنه يمثل الرد الخليجي المكافئ لما يجري في العالم العربي وفي الإقليم والعالم. مع ذلك فلكل دولة من دول المجلس رأيها وموقفها الخاص منه، القائم على تقديرها لمصالحها الاستراتيجية، ولكل منها أيضاً تصورها لمفهوم الاتحاد. وبعضها يفرغ كلمة "الاتحاد" من مضمونها الأصلي، ولا يبقي منها سوى العنوان الرئيسي، على نحو يجعل هذا الاتحاد المحتمل بعيداً عن أي شكل من الأشكال الاتحادية المعروفة في التجارب العالمية (الوحدة، الفيدرالية، الكونفيدرالية).
وباستثناء البحرين والسعودية، ليس هناك دولتان من دول المجلس عبرا عن ذات المفهوم للمشروع الاتحادي؛ فتقف عمان على الحياد وبقدر من التكتم، والإمارات من دون موقف محدد، أما قطر فإن أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قصر مفهومه للاتحاد على المجال الاقتصادي، ما برز من خلال تصريحه بأن "التعاون في المجال الاقتصادي هو بمثابة حجر الأساس للاتحاد الخليجي"، بينما هناك تردد وحذر كويتي.
هناك بعض القوى والجماعات التي عبرت عن طرح رافض لمشروع الاتحاد، وانحصرت بالأساس في دول المجلس ذات الأغلبيات أو الأقليات الشيعية الكبيرة، مثل البحرين والكويت
وتتعدد الرؤى أكثر إذا أدخلنا الرؤى الشعبية؛ فالدعوة للاتحاد تحظى تلقائياً بموافقة أغلبية المواطنين والنخبة في الخليج بالأساس، مع ذلك لم تعدم وجهات النظر المعارضة والرافضة للمشروع. فهناك بعض القوى والجماعات الأدنى التي عبرت عن طرح رافض لمشروع الاتحاد، وانحصرت بالأساس في دول المجلس ذات الأغلبيات أو الأقليات الشيعية الكبيرة، مثل البحرين تحديداً، والكويت. ففي البحرين أكد الأمين العام لجمعية الوفاق (الشيعية) أنه: "من حق شعب البحرين أن يقاوم مشروع الاتحاد مع السعودية بشتى الطرق". وفي الكويت هناك رفض للمشروع من جانب الشيعة، وبعض الشخصيات من السنة.
وإذا وسعنا المواقف من مشروع الاتحاد لتمتد إلى الجوار الإقليمي، فإن المشروع لقي هجوماً واسعاً من إيران، وكان أحد الردود الإيرانية طرح مشروع للاتحاد بين إيران والعراق، على رئيس الوزراء نوري المالكي خلال زيارته الأخيرة لطهران. وبشكل عام تأخذ المعارضة الشيعية - سواء داخل دول الخليج أو إيران - جانباً مهماً من الصورة على نحو قد يرسخ الانقسام الخليجي على قاعدة مذهبية، وربما يهدد ببناء محاور إقليمية على أساس طائفي.
لقي مشروع الاتحاد هجوماً واسعاً من إيران، وكان أحد الردود الإيرانية طرح مشروع للاتحاد بين إيران والعراق، على رئيس الوزراء نوري المالكي خلال زيارته الأخيرة لطهران
أولاً: ضرورات الاتحاد:
هناك ضرورات حيوية تؤكد أهمية الاتحاد الخليجي في الفترة الراهنة، على وجه التحديد، لاعتبارات عديدة، منها:
(1) الثورات العربية: تطرح الثورات بدول "الربيع العربي" تحديات هائلة على دول مجلس التعاون الخليجي، سواء الثورات في الدول التي نجت بثورتها وبدأت إجراء تحولات في المشهد الداخلي، مثل تونس ومصر، أو تلك التي وقفت عند نقطة ما من الاستقرار الثوري على وضع مضطرب، مثل ليبيا واليمن، أو تلك التي تعثرت فيها الثورة حتى الآن، ووقفت منها دول الخليج - والسعودية تحديداً - في طليعة القوى الدولية المنادية بإسقاط النظام (مثل سوريا). ويضاف إلى كل ذلك احتمال اقتراب أبواب "الربيع" من دول العروش والملكيات، التي تجد في صدارتها الأردن في ما يبدو أرضاً رخوة، يعزز من ذلك انتهاء فكرة ضم "مملكتي" الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون إلى الجمود.
في مختلف هذه الحالات هناك مشاهد مقلقة للأوضاع الداخلية بدول المجلس؛ فإذا تمكنت مصر وتونس من بناء نموذج ديمقراطي، وتحقيق الاستقرار والانطلاق في بناء الدولة الجديدة، سوف يكون ذلك أحد الأمور المحركة للأوضاع الداخلية في الخليج، وإذا ظلت أوضاع دول الثورات المضطربة كاليمن، فإنها تهدد بانتكاسة قد تلحق الضرر بالأوضاع في الدول الخليجية، أما دولة الثورة المتعثرة (سوريا) فسوف تقف في الصف المعادي لدول المجلس، خصوصاً لو تمكن النظام من الإفلات من الموجة الراهنة؛ فبالتأكيد سوف يكرس تحالفه الحديدي مع إيران، معادياً لدول وقفت منه موقف العداء الصريح.
وتضيف الأوضاع الداخلية بدول المجلس حقائق لا تنتظر من يحركها عربياً، وهي تلك الخاصة بتوافر عوامل الاضطراب الداخلي، الذي يبدو أنه سيكون واقعاً على الدول الخليجية التعايش معه منذ الآن (البحرين، الكويت، عمان)، ذلك أن اضطرابات 2011 قابلة للتكرار.
الموقف الأميركي أثناء الثورات العربية، جعل البعض في الخليج يطالبون صراحة بأنه على دول المجلس التفكير في شئونها الأمنية ومستقبلها السياسي، في ظل احتمال عدم توقع مساندة من الحليف الأميركي
(2) الفراغ الاستراتيجي: لاشك في أن موجة "الربيع العربي" ألقت بظلالها على العلاقات الأميركية الخليجية، فلم يكن مشهد سقوط الأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة من المشاهد المطمئنة لصناع القرار بدول الخليج. وبمعنى أصح، فإن تطورات "الربيع العربي" هزت ثقة الكثيرين من قادة الخليج بالتحالف مع الولايات المتحدة، وتركت الانتقادات الأميركية الرسمية المبطنة والعلنية أحياناً للأوضاع في البحرين، آثاراً لدى صناع القرار في دول ترى بعيني رأسها مقر الأسطول الخامس في المملكة الصغيرة، وهو أمر ترك شكوكاً كثيرة في النظرة التقليدية لطبيعة العلاقات بين الحلفاء.
إن ذلك مثلاً ما دعا مفكراً خليجياً إلى إسقاط ما أسماه بـ"الأوهام الخليجية"، التي منها – وفقاً له - أن الولايات المتحدة يمكن أن تهرع من جديد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لو نفذ الإيرانيون تهديداتهم بتعطيل الملاحة. وهو أيضاً ما دعا مفكراً سعودياً للتوجس من استمرار قيمة النفط في العلاقات مع الولايات المتحدة. بمعنى أنه منذ الآن على دول المجلس التفكير في شئونها الأمنية ومستقبلها السياسي، في ظل احتمال عدم توقع مساندة من الحليف الأميركي.
لكن الشكل العام يشير إلى أن النظرة الأميركية العامة الحالية، هي أنه لم تعد هناك "استثنائية خليجية"، وأنها ربما مسألة وقت. مع ذلك فإن "الربيع العربي" في الخليج ليس قدراً محتوماً، ولكن بندوله وبوصلته تتحول وفق استقراء المواطن الخليجي لتحولات الداخل، ومشروع الاتحاد – من هذه الزاوية - هو أحد تفاعلات التحول في علاقة الولايات المتحدة بدول الخليج. وفي السياق ذاته، ظلت دول مجلس التعاون محمية من الظهر، وقت أن كان هناك ما يزيد على 150 ألف جندي بالعراق، والآن مع انسحاب هذه القوات فإنها تجد أظهرها مكشوفة لإيران.
(3) السيناريو الكابوس: يعزو هذا السيناريو ضرورة الاتحاد الخليجي إلى احتمالات أن يكون الخليج مجدداً على موعد مع الحرب، وهي التي قد تنطوي هذه المرة على سيناريوهات ومشاهد غير مسبوقة في منطقة خبيرة بالحروب. فاحتمال تطور سيناريو خوض الحرب مع إيران، هو احتمال قائم، على الرغم من أنه بمنطق الإحساس بالفراغ الاستراتيجي (وفق الضرورة رقم 2)، هذا الاحتمال ربما غير وارد، إلا أنه لا يمكن تجاهله في المشهد الخليجي.
إن خبرة الحروب في هذه المنطقة، تشير إلى أنه ليس هناك دخان من دون نار، وأن سيناريو الحرب قد يتطور ويجري الاستعداد له والتجهيز لمسرحه على مدى عقد من الزمان أو أكثر، حتى تأتي ساعة القرار، وهو ما يشير إلى أنه بقدر ما قد يبدو مشهد الحرب بعيداً أو مبعداً عن فكر صناع القرار في إدارة أوباما، فإنه قريب ويقترب أكثر، في ظل إدارة قد يستعيد فيها "المحافظون الجدد" دورهم.
وقد أشارت تجربة حروب الخليج إلى أن الولايات المتحدة لا تخوض الحرب في عنفوان العدو، وإنما حينما تبدأ أطرافه الداخلية في الوهن، وتبدأ أنيابه في السقوط، وهو ما يعني أنها قد لا تدخل الحرب مع إيران الآن، ولكن سيناريو الحرب لن يسقط كسيناريو قائم في ظل إدارة تالية أو ذات الإدارة. في ظل هذا الاحتمال أيضاً، تبدو ضرورة الاتحاد الخليجي لاحتمالات توسع نطاق الحرب من قبل إيران أو غيرها.
خبرة الحروب في هذه المنطقة، تشير إلى أن سيناريو الحرب قد يتطور ويجري الاستعداد له والتجهيز لمسرحه، على مدى عقد من الزمان أو أكثر، حتى تأتي ساعة القرار
ثانياً: القرار بين الموافقة والمعارضة:
حرصت دول الخليج على سرية مداولاتها في ما يتعلق بمواقفها من دعوة الاتحاد الخليجي، فحتى قبل انعقاد القمة الخليجية بيوم واحد لم تطرح أي وجهات نظر رسمية، ولم تنشر أي من التقارير التي جرى إعدادها من قبل اللجنة المكلفة، الممثلة فيها الدول الست، للتداول في فكرة الملك عبد الله. وفي ما عدا البيان الصادر عن القمة الـ32 في الرياض في ديسمبر 2012، الذي رحب فيه قادة دول المجلس بالاقتراح المقدم من الملك السعودي، لم تعلن أي من دول المجلس موقفاً رسمياً من المشروع.
لكن على مدى فترة الأشهر الستة - من ديسمبر وحتى مايو الحالي - تمثلت أبرز حجج الموافقين في ما يلي:
- إن التحول إلى الاتحاد هو أحد الأهداف المنصوص عليها في النظام الأساسي للمجلس، وهو التطور الطبيعي بعد أكثر من ثلاثين سنة من الممارسة. كما أنه يمكن من التكامل الاقتصادي، ويحقق حلماً للمواطنين، ويؤسس لقيادة مجلس التعاون في العالم العربي، وهي القيادة التي برزت في سياق الثورات العربية.
- إن الاتحاد هو فرصة لتجاوز وامتصاص بؤر التوتر الداخلي في بعض الدول التي يتعرض أمنها للخطر، والتي يمكن أن يمتد خطرها إلى باقي الدول الخليجية، مثل البحرين، ومن ثم سوف يكون مجالاً لتذويب بؤر التوتر في الوسط الخليجي السكاني الأوسع.
- إن الاتحاد هو الرد الطبيعي على التهديدات الإيرانية المتكررة لدول الإقليم، ومؤخراً تهديدها للإمارات وموقفها المتشدد من قضية الجزر، وهو أيضاً الرد على أي احتمال لاضطراب الأمن الإقليمي الخليجي مجدداً بالحرب مع إيران.
- إن الاتحاد أيضاً هو الرد الطبيعي على ثورات "الربيع العربي"، وإنه يمكن لدول المجلس في الإطار الجماعي أن تتخذ قرارات سياسية، وفي مجال حقوق الإنسان والحريات، قد يصعب عليها اتخاذها في الإطار الفردي، كما أنه فرصة لتدريب المواطنين على المشاركة في القرار وتوسيع دوائر صنعه.
قد يكون الاتحاد فرصة لتجاوز وامتصاص بؤر التوتر الداخلي في بعض الدول التي يتعرض أمنها للخطر، والتي يمكن أن يمتد خطرها إلى باقي دول المجلس
وعلى جانب الرافضين أو المعارضين:
- إن القرار لا يحظى بتأييد الأغلبية الشعبية في بعض الدول، ومن ثم يطرحون اعتراضهم عليه، ومقاومتهم له، مثل الشيعة في البحرين.
- هناك تخوف من أن يكون الاتحاد على حساب الدول الصغيرة، وأنه يعكس رغبة سعودية في الهيمنة، وهو أمر له جذور في العلاقات الثنائية مع المملكة منذ فترة، فترى بعض الدول في دعوة الاتحاد أنها طريقة سعودية لتقويض العلاقات الثنائية بين دول الخليج، وفرض جدول أعمالها عليها.
- تخشى دول الخليج الأصغر فقدان النفوذ الاقتصادي والسياسي لصالح السعودية، التي يزيد عدد سكانها خمس مرات على سكان عمان ثاني أكبر دولة في المجلس، لتسيطر أيضاً على قطاع النفط والغاز الأكثر أهمية في المنطقة.
- وفقاً لوجهة نظر طائفية، يرى الشيعة في المشروع مسعى لإغراقهم في وسط سكاني أوسع، ومن ثم إنهاء أوضاعهم التمييزية كأغلبية في بلد مثل البحرين، حيث سيفقدون هذه المزية في حال تحقيق نوع من الاتحاد مع السعودية، لأنه لا تتجاوز نسبتهم 10% من أصل حوالي عشرين مليون نسمة. ولكن ترى وجهة نظر أخرى أن ذلك قد يعطي للشيعة إطاراً أوسع للحركة، ويمد شيعة السعودية مثلاً بمدد سكاني من شيعة البحرين، قد يرفع الطموح بتقارب جغرافي سكاني مذهبي يكون له تأثير ضاغط مستقبلاً.
هكذا يبدو أن هناك حججاً منطقية لكل من الموافقين والرافضين، الذين تنطلق مواقفهم وفق تقييمهم لمصالح وأوضاع خاصة أحياناً، بعيدة تماماً عن المصلحة السياسية للاتحاد، أو المصلحة الوطنية للدولة الخليجية أحياناً.
ترى بعض الدول في دعوة الاتحاد التي أطلقها العاهل السعودي، أنها طريقة سعودية للهيمنة على دول الخليج، وفرض جدول أعمالها عليها
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة:
في ضوء ما سبق، يمكن تصور أكثر من سيناريو في ما يتعلق بمستقبل مشروع الاتحاد الخليجي، جميعها مؤسس على المدى الزمني القريب والمتوسط، وفي ضوء إدراك طبيعة صناعة القرار الخليجي والمواقف السابقة للدول:
أولاً: الإعلان عن اتحاد شامل "تدريجي": هذا الاحتمال ينبع من إدراك دول المجلس الست صعوبة إعلان إحداها رفضها لمشروع اتحادي، يقوم بالأساس على النظام الأساسي للمجلس منذ ثلاثين عاماً، ودعت إليه الدولة الكبرى والملك عبد الله، حيث سيكون ذلك إعلاناً برفضها للطموح الرئيسي للمجلس، ولمادة في نظامه الأساسي منذ نشأته، ورداً غير دبلوماسي على مبادرة من خادم الحرمين الشريفين. ويعزز ذلك أيضاً انعكاس رفض المشروع على الرأي العام الداخلي، وهو أمر يتطور في دول المجلس، وإن كان ببطء، خصوصاً في ظل ارتفاع طموح المواطنين، وتنامي آرائهم السلبية عن المجلس بشكل مستمر.
لذلك قد يتجه القادة إلى الإعلان عن مشروع الاتحاد، ولكن يكون حظه من التطبيق ليس أكثر من حظوظ ما سبقه من بيانات تتعلق بالعملة الخليجية الموحدة، والمصرف الخليجي الموحد.. وغيرهما. والحقيقة أن دول المجلس لها رصيد في هذا الجانب، فهي في الأغلب تعلن في كل قمة عن مشروعات كبرى تجد صدى إعلامياً واسعاً، لكنها لا تجد من يتابعها. وقد تبدو صيغة التدرج في مشروع الاتحاد هنا ليس أكثر من الإبقاء على صيغة المجلس بوضعيته الراهنة، والتي يسير فيها بخطى بطيئة، ويمثل "المخرج التدريجي" ليس أكثر من الاستمرار على النهج ذاته، ولكن بتسمية تتضمن قدراً من الطموح المرضي.
ثانياً: الإعلان عن صيغ اتحادية أدنى: في ما يبدو كانت أغلب التوقعات قبل القمة – في ظل تحفظ الكثير من الدول، وربما كلها باستثناء البحرين – تتجه إلى الاكتفاء بالإعلان عن اتحاد بين السعودية والبحرين، على أن يطرح ويعلن على أنه مجرد بداية سوف تلحق بها باقي الدول، وذلك يفتح صيغة الاتحاد لدول أخرى، أو يفتح الباب أيضاً لاتحادات ثنائية أخرى مقبلة بين دولتين أخريين أو أكثر من دول المجلس كمسعى للتقريب.
وتحقق هذه الصيغة غطاء لمملكة البحرين، التي قد تجد صعوبة في انخراطها الفردي، في تحالف مع الدولة الخليجية الأكبر، لم تنخرط فيه باقي دول المجلس، فأمام مواطنيها - الشيعة تحديداً - فإن إقرار الصيغة الاتحادية بين المملكة الأصغر والمملكة الأكبر، سيكون مجالاً للاعتراض الداخلي، وهو ما يمكن الرد عليه وتبريره في السياق الخليجي. هنا تقدم باقي دول المجلس سنداً وغطاء للقرار البحريني، الذي تحتاج إليه المملكة الصغيرة لظروفها الخاصة، وتحتاج إليه المملكة الكبيرة لضمان إقرار رؤيتها للأمن بالخليج.
من الممكن تبني مفهوم الاختيار والتخصيص، بمعنى أن الاتحاد الخليجي سيكون لمن يختار الدخول فيه، على أن تبقى صيغة المجلس لجميع الدول كما هي تؤدي ذات الغرض
ثالثاً: اتحاد وفق الاختيار والتخصيص: في ظل هذا السيناريو، يمكن تصور أشكال وصور اتحادية مختلفة، بحيث يتم تبني مفهوم الاختيار والتخصيص، بمعنى أن الاتحاد الجديد هو لمن يختار الدخول فيه، على أن تبقى صيغة المجلس لجميع الدول كما هي تؤدي ذات الغرض. وهنا تتيح صيغة الاختيار للموافقين والمعارضين باباً لحرية الحركة، ومبرراً أمام الرأي العام والشعب في الداخل لموقف الرافض أو المعارض، فضلاً عن أنه يفتح الباب لدخول الاتحاد وفق المستجدات والظروف.
والاتجاه الآخر ضمن السيناريو ذاته، أن يؤسس الاتحاد على أساس تخصيص مجالات محددة للاتحاد الكامل، ومجالات أخرى تبقى عند ذات المستوى غير الاتحادي، بأن يتم تعميق الاتحاد الاقتصادي مثلاً دون الاتحاد الأمني أو السياسي، على نحو ما تميل وجهة النظر القطرية بالأساس. وهذا يمكن قادة دول المجلس من الوقوف عند ذات المواقف، وإمهال أنفسهم فرصة لصناعة القرار الداخلي بتأن.
في ظل جميع الاحتمالات والسيناريوهات السابقة والمتقاربة في مراسيها النهائية، سوف يظل قرار الاتحاد ليس نهائياً، وسيحمل الإعلان عنه وتقديمه إعلامياً قدراً من الضخامة لا تناسب ما قد يتحقق منه على الأرض، وذلك أيضاً جزء من السياسة والعرف المتبع في القمم الخليجية، وقد لا يكون جميعه ليس أكثر من ضرورات التعامل الذكي مع ضرورات المرحلة، ولكن في جميع الأحوال سوف يحظى القرار بزخم كبير، وسوف يترتب عليه الإعلان عن أجهزة جديدة، بجوار أو خارج الأجهزة الراهنة لدول المجلس.