- الاثنين ديسمبر 09, 2013 9:58 am
#69175
الصراع السياسي في مصر.. بين علمانية النخبة وإسلامية الجمهور طباعة ارسال إلى صديق
5
القاهرة: مؤمن الهباء
تقف الثورة المصرية بين طريقين؛ إما النجاح وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة، أو الفشل والجمود والعودة إلى المربع صفر.. فهي لحظة اختيار حاسمة تفرضها حالة الاستقطاب الحاد والصراعات المستحكمة بين التيارين المتنافسين على الساحة؛ التيار الإسلامي بكل أطيافه وأحزابه، والتيار العلماني بكل أحزابه وتكتلاته ونخبه النافذة التي تتستر عادة بـ«الليبرالية» للتغطية على «علمانيتها».. حيث اكتسبت العلمانية دلالات سلبية تسيء إلى صاحبها؛ ومن ثَمَّ لا يستطيع الجهر بها على الملأ. وقد أثبتت تجارب الشهور الماضية منذ انطلاق شرارة الثورة في 25 يناير 2011م أن المعركة بين التيارين لم تكن سهلة ولن تكون؛ وذلك بسبب الفجوة الواسعة بين مواقفهما، والتناقض التاريخي الكبير والقديم بينهما، بالإضافة إلى حجم الشك الذي يحمله كل طرف تجاه الآخر. تشويه الصورة وبالنظر إلى حالة الاستقطاب الشديدة قبل الثورة بين القوى الإسلامية التي تزعمت المعارضة الحقيقية ودفعت الثمن في سجون «عبدالناصر»، و«السادات»، و«مبارك»، والقوى العلمانية التي تمتعت بالشرعية الزائفة، وجنت الثمار الرخيصة في حظيرة النظام، فقد انحصرت المنافسة السياسية بعد الثورة بين الفريقين؛ الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية والجهاد والوسط في جانب، والأحزاب العلمانية من الليبراليين والشيوعيين واليساريين والناصريين والوفديين، ومعهم ومنهم رموز من فلول النظام الساقط من رجال الأعمال والعسكريين السابقين والإعلاميين وبعض الرموز من المتطرفين المسيحيين في جانب آخر. ولم تقتصر الأحزاب العلمانية في هذه الحرب على تشويه الأحزاب والشخصيات الإسلامية المنافسة، وإنما اتسعت دائرة التشويه إلى إثارة الخوف من الإسلام نفسه كدين وشريعة إذا ما وضعت أي برامج لتطبيقه في المجتمع.. وهذا أمر جديد على مصر. وقد نشطت في هذه الحملة مقالات الصحف، وتقارير المراسلين، وبرامج الحوارات التلفزيونية على القنوات الأرضية والفضائية التي تحذر المواطنين من «أفغنة» مصر وتحويلها إلى «قندهار» من جراء تطبيق القوانين الصحراوية - المقصود طبعاً الشريعة الإسلامية - وتخوف الناس من انهيار التعليم والبحث العلمي، وتدهور الرعاية الصحية والسياحة والصناعة والزراعة إذا ما حكم الإسلاميون. شعور بالخطر إلا أنه وعلى ما يبدو، فكل تيار قد أدرك حجم الآخر وتأثيره.. حيث يستند التيار الإسلامي إلى قوته في الشارع، وعلى قدراته الهائلة على الحشد والتنظيم، بينما يعتمد التيار العلماني على النخبة الإعلامية والسياسية ذات الصوت العالي المسموع، وحضورها الكثيف المتكرر في الصحف واسعة الانتشار والقنوات الفضائية الأكثر تأثيراً في المشاهدين. ورغم اشتراك الطرفين معاً في أكثر من مظاهرة مليونية في ميدان التحرير والميادين الكبرى بالمحافظات تحت شعار «إيد واحدة»، فإن الواقع ينطق بغير ذلك تماماً، وكان آخرها الاعتداء الذي وقع بعد انتهاء مليونية «تقرير المصير» على حافلة تقل بعض الأسر الإخوانية التي كانت تستعد للعودة إلى محافظتها. والحقيقة التي لا مراء فيها أن النخبة العلمانية بدأت تشعر بالخطر الكبير منذ أن تم التصويت على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011م.. فقد تبين لها أن التيار الإسلامي يستند إلى كتلة شعبية تجاوزت كل تصوراتها، واستطاع أن يحصل على أكثر من 75% من أصوات الناخبين، كما تبين لها أنها منفصلة عن الجمهور العريض ذي النزعة الإسلامية الخالصة، وأنها تسير في وادٍ وهذا الجمهور يسير في وادٍ آخر، ثم تأكد لها ذلك مرة أخرى وبنفس النسبة تقريباً في انتخابات مجلسي الشعب والشورى (البرلمان بغرفتيه). أزمة الدستور ومعروف أن النخبة العلمانية بذلت جهداً رهيباً لكي يتم وضع الدستور قبل إجراء الانتخابات البرلمانية؛ حتى لا تتكشف الأوزان الحقيقية للأحزاب والتيارات في الشارع، وتهتز سيطرتها على المسرح السياسي، بالنظر إلى أن عناصرها هي التي كانت تهيمن على الحكومة ومفاصل الدولة بعد الثورة مباشرة وإلى الآن، وظهور الأغلبية الإسلامية عبر انتخابات حرة نزيهة يعني أن تطالب هذه الأغلبية تلقائياً بحقها في القيادة على حساب النخبة العلمانية النافذة. وفي المواجهة الحالية حول الدستور الجديد، لا تستطيع النخبة العلمانية أن تخوض المعركة في المبادئ الدستورية ذاتها، والمواد التي يجب أن يتضمنها الدستور، وإنما تخوض في الخطوات الإجرائية والمعايير التي يجب مراعاتها، وقد اجتمع لهذه المعركة 15 حزباً صغيراً لا تمثل ثقلاً جماهيرياً، ولكن تمتلك منابر إعلامية قادرة على إثارة الغبار الكثيف بهدف التشويه والتشويش ضد التيار الإسلامي. سياسة التحريض فالنخبة العلمانية تهدد بإحداث أزمة دستورية، وتحرِّض المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد على مواجهة الأغلبية الإسلامية ولو بالقوة؛ لمنعها مما تسميه بالهيمنة على الدستور، بل إنها تحرضه صراحة على حل مجلسي الشعب والشورى، والتخلص من هذه الأغلبية المقلقة. ووصل الأمر بالنخبة العلمانية إلى تحريض الأقباط أيضاً وتخويفهم من انتقاص حقوقهم الدستورية. والهدف واضح من هذه الدعايات المغرضة التي تلح عليها الأبواق الإعلامية للنخبة العلمانية، والتي لا تستند إلى الحقائق.. فالتيار الإسلامي برؤوسه الثلاثة - الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية - لم يطرح شيئاً من هذه الافتراءات في البرلمان أو في الشارع، وإنما يقر إقراراً واضحاً بحقوق المواطنة والمساواة الكاملة بين المواطنين المصريين أمام الدستور والقانون، إلى جانب تمسكه بحق الأقباط المسيحيين في الاحتكام لشرائعهم الخاصة فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية. وليس من شك في أن العمل السياسي العلني والمشروع الذي انخرطت فيه القوى الإسلامية بعد ثورة 25 يناير 2011م وسقوط النظام الفرعوني قد أثر بشكل إيجابي في انفتاح هذه القوى على مختلف أطياف المجتمع، وجعلها تستشعر المسؤولية تجاه هذه الأطياف التي ربما كان البعض ينكرها من قبل، ومن ثم فإن اللعب بورقة الأقباط الآن أصبح مكشوفاً للكافة. الجدال سيستمر ويرى العلمانيون أن الإسلاميين حولوا الممارسة السياسية إلى معارك دينية، وخدعوا الناس بشعارات إسلامية براقة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية المبكرة، وفي انتخابات مجلسي الشعب والشورى؛ ليغطوا بها على أطماعهم في السلطة، ونهمهم إلى الاستئثار بالمناصب العليا في الدولة، وقد دفعهم ذلك إلى موالاة المجلس العسكري والتخلي عن الثورة والثوار وعن ميدان التحرير، كما حدث في مذبحة «ماسبيرو»، ومصادمات شارع «قصر العيني»، وشارع «محمد محمود»، وكارثة «إستاد بورسعيد»، بل دفعهم أيضاً إلى إسقاط شرعية الميدان بعد أن فازوا بشرعية البرلمان، وراحوا يفكرون إلى إصدار قانون يجرِّم التظاهر والاعتصام. في المقابل، يرى الإسلاميون أن العلمانيين هم الذين حولوا الاستفتاء على التعديلات الدستورية إلى معركة دينية عندما أثاروا لغطاً شديداً حول المادة الثانية من الدستور، وادعوا أن هذه المادة سوف تنتج بالضرورة دولة دينية فاشية متطرفة، وهو ما دفع المواطنين المصريين الذين يمثلون الأغلبية إلى الدفاع عن هذه المادة التي تشكل في ضميرهم الهوية والخصوصية الثقافية. ويقول الإسلاميون: إنهم ساندوا المجلس العسكري في البداية تقديراً للدور الذي قام به لحماية الثورة، وليس على حساب أحد، والدليل على ذلك أنهم أول من وقف في وجهه عندما لمسوا منه تهاوناً في محاكمة رموز النظام السابق، وعندما وقع الاعتداء على المتظاهرين أو المعتصمين السلميين، وهم الذين شكلوا لجاناً برلمانية لتقصي الحقائق في الاشتباكات والمصادمات وفي «كارثة بورسعيد»؛ للضغط على المجلس العسكري حتى تُجرى التحقيقات والمحاكمات بكل جدية.. ويقولون أيضاً: إنهم الذين رفعوا تعويضات شهداء الثورة ومصابيها إلى 100 ألف جنية، وهم الذين تصدوا للمجلس الاستشاري للعسكري وانسحبوا منه؛ مما أفقده هيبته ومصداقيته، وهم الذين تصدوا للمجلس العسكري حينما رفض إسقاط حكومة «د. الجنزوري» التي أسقطها البرلمان، وتلكأ في إصدار قانون عزل رموز نظام «مبارك»، وهم الذين هددهم العسكر بالانقلاب عليهم والعودة إلى سيناريو عام 1954م. وعلى هذا النحو، سوف يستمر السجال بين العلمانيين والإسلاميين لمدد طويلة قادمة على المستوى السياسي والفكري والديني والثقافي، وهو سجال قديم جديد بين منظومتين من القيم؛ منظومة التغريب ومنظومة الأصالة.. منظومة النخبة العلمانية ومنظومة الجمهور المسلم.. ولن يكون الفوز في النهاية إلا لدعاة الأصالة والانتماء
5
القاهرة: مؤمن الهباء
تقف الثورة المصرية بين طريقين؛ إما النجاح وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة، أو الفشل والجمود والعودة إلى المربع صفر.. فهي لحظة اختيار حاسمة تفرضها حالة الاستقطاب الحاد والصراعات المستحكمة بين التيارين المتنافسين على الساحة؛ التيار الإسلامي بكل أطيافه وأحزابه، والتيار العلماني بكل أحزابه وتكتلاته ونخبه النافذة التي تتستر عادة بـ«الليبرالية» للتغطية على «علمانيتها».. حيث اكتسبت العلمانية دلالات سلبية تسيء إلى صاحبها؛ ومن ثَمَّ لا يستطيع الجهر بها على الملأ. وقد أثبتت تجارب الشهور الماضية منذ انطلاق شرارة الثورة في 25 يناير 2011م أن المعركة بين التيارين لم تكن سهلة ولن تكون؛ وذلك بسبب الفجوة الواسعة بين مواقفهما، والتناقض التاريخي الكبير والقديم بينهما، بالإضافة إلى حجم الشك الذي يحمله كل طرف تجاه الآخر. تشويه الصورة وبالنظر إلى حالة الاستقطاب الشديدة قبل الثورة بين القوى الإسلامية التي تزعمت المعارضة الحقيقية ودفعت الثمن في سجون «عبدالناصر»، و«السادات»، و«مبارك»، والقوى العلمانية التي تمتعت بالشرعية الزائفة، وجنت الثمار الرخيصة في حظيرة النظام، فقد انحصرت المنافسة السياسية بعد الثورة بين الفريقين؛ الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية والجهاد والوسط في جانب، والأحزاب العلمانية من الليبراليين والشيوعيين واليساريين والناصريين والوفديين، ومعهم ومنهم رموز من فلول النظام الساقط من رجال الأعمال والعسكريين السابقين والإعلاميين وبعض الرموز من المتطرفين المسيحيين في جانب آخر. ولم تقتصر الأحزاب العلمانية في هذه الحرب على تشويه الأحزاب والشخصيات الإسلامية المنافسة، وإنما اتسعت دائرة التشويه إلى إثارة الخوف من الإسلام نفسه كدين وشريعة إذا ما وضعت أي برامج لتطبيقه في المجتمع.. وهذا أمر جديد على مصر. وقد نشطت في هذه الحملة مقالات الصحف، وتقارير المراسلين، وبرامج الحوارات التلفزيونية على القنوات الأرضية والفضائية التي تحذر المواطنين من «أفغنة» مصر وتحويلها إلى «قندهار» من جراء تطبيق القوانين الصحراوية - المقصود طبعاً الشريعة الإسلامية - وتخوف الناس من انهيار التعليم والبحث العلمي، وتدهور الرعاية الصحية والسياحة والصناعة والزراعة إذا ما حكم الإسلاميون. شعور بالخطر إلا أنه وعلى ما يبدو، فكل تيار قد أدرك حجم الآخر وتأثيره.. حيث يستند التيار الإسلامي إلى قوته في الشارع، وعلى قدراته الهائلة على الحشد والتنظيم، بينما يعتمد التيار العلماني على النخبة الإعلامية والسياسية ذات الصوت العالي المسموع، وحضورها الكثيف المتكرر في الصحف واسعة الانتشار والقنوات الفضائية الأكثر تأثيراً في المشاهدين. ورغم اشتراك الطرفين معاً في أكثر من مظاهرة مليونية في ميدان التحرير والميادين الكبرى بالمحافظات تحت شعار «إيد واحدة»، فإن الواقع ينطق بغير ذلك تماماً، وكان آخرها الاعتداء الذي وقع بعد انتهاء مليونية «تقرير المصير» على حافلة تقل بعض الأسر الإخوانية التي كانت تستعد للعودة إلى محافظتها. والحقيقة التي لا مراء فيها أن النخبة العلمانية بدأت تشعر بالخطر الكبير منذ أن تم التصويت على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011م.. فقد تبين لها أن التيار الإسلامي يستند إلى كتلة شعبية تجاوزت كل تصوراتها، واستطاع أن يحصل على أكثر من 75% من أصوات الناخبين، كما تبين لها أنها منفصلة عن الجمهور العريض ذي النزعة الإسلامية الخالصة، وأنها تسير في وادٍ وهذا الجمهور يسير في وادٍ آخر، ثم تأكد لها ذلك مرة أخرى وبنفس النسبة تقريباً في انتخابات مجلسي الشعب والشورى (البرلمان بغرفتيه). أزمة الدستور ومعروف أن النخبة العلمانية بذلت جهداً رهيباً لكي يتم وضع الدستور قبل إجراء الانتخابات البرلمانية؛ حتى لا تتكشف الأوزان الحقيقية للأحزاب والتيارات في الشارع، وتهتز سيطرتها على المسرح السياسي، بالنظر إلى أن عناصرها هي التي كانت تهيمن على الحكومة ومفاصل الدولة بعد الثورة مباشرة وإلى الآن، وظهور الأغلبية الإسلامية عبر انتخابات حرة نزيهة يعني أن تطالب هذه الأغلبية تلقائياً بحقها في القيادة على حساب النخبة العلمانية النافذة. وفي المواجهة الحالية حول الدستور الجديد، لا تستطيع النخبة العلمانية أن تخوض المعركة في المبادئ الدستورية ذاتها، والمواد التي يجب أن يتضمنها الدستور، وإنما تخوض في الخطوات الإجرائية والمعايير التي يجب مراعاتها، وقد اجتمع لهذه المعركة 15 حزباً صغيراً لا تمثل ثقلاً جماهيرياً، ولكن تمتلك منابر إعلامية قادرة على إثارة الغبار الكثيف بهدف التشويه والتشويش ضد التيار الإسلامي. سياسة التحريض فالنخبة العلمانية تهدد بإحداث أزمة دستورية، وتحرِّض المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد على مواجهة الأغلبية الإسلامية ولو بالقوة؛ لمنعها مما تسميه بالهيمنة على الدستور، بل إنها تحرضه صراحة على حل مجلسي الشعب والشورى، والتخلص من هذه الأغلبية المقلقة. ووصل الأمر بالنخبة العلمانية إلى تحريض الأقباط أيضاً وتخويفهم من انتقاص حقوقهم الدستورية. والهدف واضح من هذه الدعايات المغرضة التي تلح عليها الأبواق الإعلامية للنخبة العلمانية، والتي لا تستند إلى الحقائق.. فالتيار الإسلامي برؤوسه الثلاثة - الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية - لم يطرح شيئاً من هذه الافتراءات في البرلمان أو في الشارع، وإنما يقر إقراراً واضحاً بحقوق المواطنة والمساواة الكاملة بين المواطنين المصريين أمام الدستور والقانون، إلى جانب تمسكه بحق الأقباط المسيحيين في الاحتكام لشرائعهم الخاصة فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية. وليس من شك في أن العمل السياسي العلني والمشروع الذي انخرطت فيه القوى الإسلامية بعد ثورة 25 يناير 2011م وسقوط النظام الفرعوني قد أثر بشكل إيجابي في انفتاح هذه القوى على مختلف أطياف المجتمع، وجعلها تستشعر المسؤولية تجاه هذه الأطياف التي ربما كان البعض ينكرها من قبل، ومن ثم فإن اللعب بورقة الأقباط الآن أصبح مكشوفاً للكافة. الجدال سيستمر ويرى العلمانيون أن الإسلاميين حولوا الممارسة السياسية إلى معارك دينية، وخدعوا الناس بشعارات إسلامية براقة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية المبكرة، وفي انتخابات مجلسي الشعب والشورى؛ ليغطوا بها على أطماعهم في السلطة، ونهمهم إلى الاستئثار بالمناصب العليا في الدولة، وقد دفعهم ذلك إلى موالاة المجلس العسكري والتخلي عن الثورة والثوار وعن ميدان التحرير، كما حدث في مذبحة «ماسبيرو»، ومصادمات شارع «قصر العيني»، وشارع «محمد محمود»، وكارثة «إستاد بورسعيد»، بل دفعهم أيضاً إلى إسقاط شرعية الميدان بعد أن فازوا بشرعية البرلمان، وراحوا يفكرون إلى إصدار قانون يجرِّم التظاهر والاعتصام. في المقابل، يرى الإسلاميون أن العلمانيين هم الذين حولوا الاستفتاء على التعديلات الدستورية إلى معركة دينية عندما أثاروا لغطاً شديداً حول المادة الثانية من الدستور، وادعوا أن هذه المادة سوف تنتج بالضرورة دولة دينية فاشية متطرفة، وهو ما دفع المواطنين المصريين الذين يمثلون الأغلبية إلى الدفاع عن هذه المادة التي تشكل في ضميرهم الهوية والخصوصية الثقافية. ويقول الإسلاميون: إنهم ساندوا المجلس العسكري في البداية تقديراً للدور الذي قام به لحماية الثورة، وليس على حساب أحد، والدليل على ذلك أنهم أول من وقف في وجهه عندما لمسوا منه تهاوناً في محاكمة رموز النظام السابق، وعندما وقع الاعتداء على المتظاهرين أو المعتصمين السلميين، وهم الذين شكلوا لجاناً برلمانية لتقصي الحقائق في الاشتباكات والمصادمات وفي «كارثة بورسعيد»؛ للضغط على المجلس العسكري حتى تُجرى التحقيقات والمحاكمات بكل جدية.. ويقولون أيضاً: إنهم الذين رفعوا تعويضات شهداء الثورة ومصابيها إلى 100 ألف جنية، وهم الذين تصدوا للمجلس الاستشاري للعسكري وانسحبوا منه؛ مما أفقده هيبته ومصداقيته، وهم الذين تصدوا للمجلس العسكري حينما رفض إسقاط حكومة «د. الجنزوري» التي أسقطها البرلمان، وتلكأ في إصدار قانون عزل رموز نظام «مبارك»، وهم الذين هددهم العسكر بالانقلاب عليهم والعودة إلى سيناريو عام 1954م. وعلى هذا النحو، سوف يستمر السجال بين العلمانيين والإسلاميين لمدد طويلة قادمة على المستوى السياسي والفكري والديني والثقافي، وهو سجال قديم جديد بين منظومتين من القيم؛ منظومة التغريب ومنظومة الأصالة.. منظومة النخبة العلمانية ومنظومة الجمهور المسلم.. ولن يكون الفوز في النهاية إلا لدعاة الأصالة والانتماء