منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#32785
قصة الإسلام

لا أحد يستطيع وضع تصور ثابت لحالة العلاقات المصرية ـ الإيرانية فقد كانت منذ قيام الثورة الإسلامية عام‏1979‏ هي التوتر المستمر الذي يتصاعد أو يتقلص عبر الوقت‏.‏
إلا أن الدولتين حرصتا علي الاحتفاظ بهامش من العلاقات السياسية والاقتصادية و تشكلت مع الوقت معادلة معقدة ترتكز علي حالة من "اللاتعاون واللاصراع" أو "اللاصداقة واللاعداء " مع خوض مواجهات حادة عندما تحاول احدي الدولتين تغيير المعادلة فعندما اقتربت مصر من الخليج جاءت إيران إلي السودان، وتدفع توجهات إيران و التمسك بالمشروع النووي في اتجاه تغيير قواعد الاشتباك ، الأمر الذي أدى إلي إعلان الرئيس المصرى البدأ في البرنامج النووي المصري السلمي .
فمصر لاتستطيع تجاهل ما تقوم به إيران وطهران أيضا لاتستطيع ان تتجاهل ما يمكن ان تقوم به مصر، فكل منهما تعتبر الأخري دولة جوار استراتيجي لها علي الرغم من أنهما ليستا متجاورتين جغرافيا وكانت علاقاتهما الثنائية تتقلب من عهد لآخر بين التقارب الشديد والعداء الحاد الي أن وصلت الي المعادلة الحالية‏.‏

بين الصداقة والعداءكانت الدولتان حليفتين الي حد أن شاه إيران الأخير كان متزوجا من أخت أخر ملوك مصر وكان الرئيس السادات يعتبر محمد رضا بهلوي أفضل اصدقائه وكانت مصر ذاتها المقر للأخير للشاه الذي دفن في احد مساجد القاهرة وحتي في الفترة التالية كان من الممكن تجاوز التاريخ خلال فترة رئاسة السيد محمد خاتمي الذي يحظي باحترام شديد في مصر‏.‏
انقلبت الامور بعد قيام الثورة الإيرانية عام‏1979‏ فكانت مصر هي الدولة الثانية التي تقطع معها إيران علاقاتها الدبلوماسية بل تطلق ايران اسم احد قتلة السادات علي احد شوارع عاصمتها وخاض الطرفان مواجهة مكشوفة بعد ذلك اذ قامت مصر بدعم العراق تسليحا خلال حربه مع إيران في الثمانينيات رغم عدائه المعلن لمصر وردت إيران بما اعتبر دعما لأعمال الإرهاب التي جرت في مصر بعد ذلك مع حملة إعلامية سيئة ‏.‏
لكن كل ذلك ليس الا عادة إقليمية شهدتها علاقات مصر مع دول كثيرة بينها دول عربية كعراق صدام حسين فاحدي قواعد التعامل بين الدول الرئيسية في الاقليم هي أنك اذا لم تهتم بالاستراتيجية فإن الاستراتيجية سوف تهتم بك وينطبق ذلك هذه المرة علي علاقات مصر وإيران، لقد اعتاد التفكير التقليدي في مصر علي النظر للدول التي تمثل أهمية في الذهن المصري علي انها اما عدو أو صديق ولايوجد توافق في مصر بشأن إيران اذا تم الاستناد علي تحليل توجهات الرأي العام أو جماعات المثقفين فما يبدو هو أن الرأي العام المتأثر بشدة بمقولات القومية العربية وتصورات التيارات الإسلامية يري أنها دولة صديقة وأن ما تقوم به لايمثل تهديدا لأمن مصر لكن استطلاعات الرأي العام العشوائية القليلة التي أجريت تشير إلي أن غالبية المصريين ليس لديها موقف محدد .

أما المثقفون في مراكز الدراسات والجامعات ووسائل الإعلام فانهم منقسمون بين فئة تعتبر إيران حليفا متصورا وأخري تعتبرها طرفا معاديا مع عدم تجاهل كونها احد المنافسين الأقوياء ويجب التعامل معها كند، مع شعور متنامي بأن إيران اقتربت أكثر مما يحتمل من دوائر المصالح الحيوية لمصر ووصلت إلي قطاع غزة‏ لدعم حماس.‏
إن الارجح هو أن الرؤية المصرية لإيران تستند الي مفهوم سياسات التهديد فهناك سياسات تتحفظ عليها مصر في السلوك الإيراني وقد تجمعت تلك السياسات في الفترة الأخيرة لتجعل من إيران مشكلة وقد تم اتخاذ موقف معلن تجاه قيام حزب الله بتصعيد الموقف في لبنان عام‏2006‏ ومنع دخول الاموال الإيرانية إلي قطاع غزة‏,‏ كما ثارت اقوال حول اتهام إيران بقتل السفير المصري في بغداد وممارسة عمليات تشيع في المنطقة وزيادة النفوذ في غزة، فإيران في الوقت الحالي ليست دولة صديقة لكن لا احد يرغب في أن تكون عدوا اذا توقفت تلك التهديدات.

أبعاد الخيار نووي الإيرانيجاء العامل النووي علي تلك الخلفية فالتقييم المصري المرجح لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني وليس مجمل برنامجها النووي السلمي هو أنه يحمل ملامح خطيرة وقد بدا الامر في البداية وكأنه يتم تجاهل المسألة كلها بفعل تداخل الحسابات المصرية المعقدة بطبيعتها كما بدا احيانا أن التقديرات المصرية تسير في اتجاه أن إيران ترغب فقط في امتلاك خيار نووي وليس سلاحا نوويا وبعدها تقوم بعمليات استعراض قوة وابتزاز نووي بلا نهاية لكنها لن تخاطر بالوصول الي نهاية الشوط بالسير في اتجاه امتلاك أسلحة نووية وتشكلت في هذا الإطار سياستان‏:‏
‏1‏ـ تصريحات معلنة تؤكد أن مصر ضد امتلاك إيران أو أي دولة في المنطقة أسلحة نووية مع اتصالات دولية وعربية وظهر ماسمي محور المعتدلين الذي يخوض حربا باردة ضد تدخلات إيران في المنطقة‏.‏
‏2‏ـ عدم الممانعة في استمرار الاتصالات مع ايران عبر زيارات إيرانية لمصر لم تكن تسفر عن نتائج محددة في العادة وكان الموقف المصري في اعقابها هو التصويت ضد إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية‏.‏
لأن مصر تدرك بأن إيران لن تستجيب لأية مبادرات اقليمية للتعامل مع المشكلة ترغب في حل المشكلة مع الاطراف الدولية في إطار صفقة كبري وانها سترهق اطراف المنطقة وستحاول استمالتها دون ان تقدم لها شيئا وان الحوار الاستراتيجي قد فشل مرارا .

حسابات البرنامج النووي المصري لكن الخطوة العملية الأهم التي قامت بها مصر هي: إعادة تنشيط برنامجها النووي السلمي والذي حمل بالفعل بعض ملامح الرد علي التحدي النووي الإيراني بصورة ما فلقد بدأ الحديث عن برنامج الطاقة النووية في ظل ثلاثة عوامل هي‏:‏
‏1‏ـ ان إيران اصبحت تمتلك قدرات نووية وان الازمة تدور حول منشآت ناتانز وليس مفاعل بوشهر وأنها توظف تلك المسألة للحديث عن دور إقليمي كقوة منفردة وانها لو امتلكت سلاحا نوويا سيكون علي مصر ان تنسي مبادرة اخلاء الشرق الأوسط في الاسلحة النووية للأبد وان امتلاك السلاح الايراني لن يحل مشكلة إسرائيل النووية وانما سيخلق مشكلة ثانية ذات ابعاد خطيرة كذلك فهو يمس الاستقرار السياسي والمصالح الاقليمية للدول وليس مجرد توازناتها الدفاعية‏.‏
‏2‏ـ ان هناك موجة واسعة من الانتشار النووي المدني قد بدأت في المنطقة كرد فعل للبرنامج النووي الإيراني فتركيا قد اقرت خطط إنشاء مفاعلات نووية وكل من ليبيا والجزائر والأردن وتونس والمغرب قد بدأت تتحرك بجدية في نفس الاتجاه ودول الخليج العربي أعلنت عن نيتها دخول المجال النووي وسارت السودان واليمن مع الموجة الجديدة ولم يكن لمصر ان تتخلف عن ذلك.‏
‏3‏ـ ان جوانب خطرة لمشكلة الطاقة في مصر قد بدأت في الظهور فارتفاع أسعار البترول أدي الي زيادة دعم منتجاته بصورة لايحتملها الاقتصاد المصري وظهرت تقديرات متشائمة بشأن احتياطي النفط والغاز في مصر وبدأ الحديث عن حقوق الاجيال القادمة وأهمية أمن الطاقة بالبحث عن بدائل جديدة أكثر جدية ولم يكن هناك مفر من التفكير في إعادة احياء برنامج الطاقة النووي المعلق‏.‏ لقد بدا البرنامج النووي وكأنه يمثل حلا لكل المشاكل المصرية مرة واحدة فيما يتصل بالوضع الاستراتيجي والتنمية الاقتصادية والمكانة الاقليمية أيا كانت التفاصيل فخطط البرنامج النووي سلمية بالكامل وقد انتهت تماما أية نوايا خاصة بامتلاك اسلحة نووية وأصبح الرأي العام ذاته يتقبل الحقائق الجديدة وتوقفت المناقشات الخاصة بضرورة امتلاك الوقود النووي علي غرار ايران بمجرد طرح الابعاد المالية والسياسية لها‏.‏ ان هناك ادراكا بالتأكيد بأن هناك بعدا استراتيجيا لامتلاك القدرات النووية

فالرد علي امتلاك إيران سلاح نووي مفترض ليس امتلاك سلاح نووي مضاد بالضرورة فامتلاك القدرة النووية أيا كانت يجعل الدولة أقل قابلية للتأثر بوجود متغير نووي طاريء وأكثر ثقة في عدم ردها بامتلاك سلاح نووي كما أنها ستتمتع بالشرعية أمام شعبها فلن تبدو وكأنها عاجزة أو ليس لديها أي خيار سوي الصمت والإعتماد علي الآخرين ان المحصلة النهائية هي أنه فيما يتعلق بالبعد النووي للتحدي الإيراني للمصالح المصرية الحيوية فإن البرنامج النووي السلمي يمثل ردا كافيا دون ان يتضمن ذلك التفكير في قرارات أخري فمن الصحيح ان مصر قد تواجه مأزقا حادا اذا امتلكت إيران سلاحا نوويا يضاف الي سلاح إسرائيل النووي بما ادي بالرئيس "مبارك" الي القول أمام ممثلي الشعب :"... بأننا في مثل تلك الحالة سنكون مضطرين للدفاع عن أنفسنا ولن نقف مكتوفي الايدي "لكن لا احد يعتقد ان مصر ستكون مضطرة لمواجهة هذا المأزق في المدي المنظور وانه سيكون كافيا ان تعتمد علي التأثيرات الاستراتيجية لامتلاك قدرات نووية فالفكرة هي أن هناك حلا ممكنا لمشكلة إيران النووية .