صفحة 1 من 1

التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة (1)

مرسل: الجمعة فبراير 25, 2011 12:18 am
بواسطة مشاري الحربي ( 9 )
إن طبيعة الحياة السياسية في اغلب بلدان العالم النامي هي عبارة عن حياة رعوية قائمة على أساس وجود طرفين في المعادلة هما الراعي والرعية ، الراعي هو الحاكم السياسي الذي يرأس السلطة السياسية ، والرعية هم الشعب ، وفي هذا النموذج من السلطة تنتفي الحاجة إلى وجود تعددية سياسية لان الراعي ( الحاكم السياسي ) هو مفروض في قيادة الرعية والرعية مطالبة بالطاعة والخضوع . وبذلك فان الخطاب المستخدم في هذه العلاقة (علاقة الراعي بالرعية ) هو خطاب أمر ونهي والجواب المقبول هو الامتثال والقبول(1) . ونتيجة لذلك فان مسالة التداول السلمي على السلطة أصبحت مستحيلة ، لان الحاكم بسياساته السلطوية يمنع مثل هكذا أمر ، بل يسعى دائماً إلى تصفية خصومه السياسيين لغرض ضمان بقاء نفوذه السياسي إلى أطول فترة ممكنة .

ويقدر تعلق الأمر بالعراق الذي عاش فترة طويلة نسبياً تحت سلطة الحكم الرعوي ، يقف في الوقت الحاضر على أعتاب أبواب الانتقال نحو النوع الآخر من الحكم وهو الحكم الديمقراطي الذي يتميز بالتعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة وهنا ربما يثار تساؤل ما المقصود بالتعددية السياسية ؟ وكيف يتم التداول السلمي على السلطة ؟ وما العلاقة الرابطة بين التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة . هذا ما سنحاول الاجابة عليه في الصفحات القادمة .



أولا: التعددية السياسية

يقصد بالتعددية السياسية كما يراها محمد عابد الجابري بأنها ” مظهر من مظاهر الحداثة السياسية، ونقصد بها أولا وقبل كل شيء، وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه ” الحرب ” بواسطة السياسة، أي بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء، وبالتالي التعايش في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية … والتعددية هي وجود صوت أو أصوات أخرى مخالفة لصوت الحاكم ” (2). أما الدكتور سعد الدين إبراهيم فيعرف التعددية السياسية على أنها ” مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها ” (3). بينما عرفتها الدكتورة ثناء فؤاد بأنها ” الإقرار بوجود التنوع، وأن هذا التنوع يترتب عليه اختلاف المصالح والاهتمامات والأولويات ” (4). وقد أشار هنري كاريل إلى التعددية بقوله أنها ” ترتيبات مؤسسية خاصة لتوزيع السلطة الحكومية والمشاركة فيها ” (5). في حين أفاض وأغنى الدكتور احمد صدقي الديجاني مفهوم التعددية عندما قال أنها ” مصطلح يعني أولا الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما يفصل وجود عدة دوائر انتماء فيه ضمن الهوية الواحدة … وبقي ثانياً احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف أو اختلاف في العقائد والألسنة والمصالح وأنماط الحياة والاهتمامات … ومن ثم الأولويات وبقي ثالثاً أيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك بحرية في إطار مناسب ” (6) .

ومن خلال الاستعراض السريع لمجموعة المفاهيم المذكورة آنفاً يتبين الآتي :

1) التعددية السياسية عنصراً رئيساً من عناصر وجود الديمقراطية في بلد ما .

2) القرارات السياسية التي تتخذ في دولة تتمتع بالتعددية هي قرارات نخب عديدة ومجموعات قيادية متخصصة لا تتخذها نخبة أو فئة واحدة (7) .

3) التعددية السياسية تعني اختلاف في الآراء والطروحات الفكرية واختلاف في المصالح واختلاف في التكوينات الاجتماعية أو الديموغرافية أو الاقتصادية .

ولكي توجد التعددية السياسية في دولة ما لا بد من توافر الآتي :-

1. لابد من وجود نظام قانوني يؤمن للفئات الاجتماعية كافة الحق في التنظيم المستقل والتعبير عن آرائها ، وعن ضرورة التسليم بالطموحات المشروعة لمختلف الفئات الاجتماعية في سعيها السلمي للوصول إلى السلطة السياسية تحت مظلة تنظيم تشريعي يسمح بذلك ويقننه (8) .

2. لابد من وجود تنظيمات وسيطة بين الشعب والحكومة تنظم العملية السياسية مثل الأحزاب السياسية التي أصبحت تمثل ظاهرة مهمة يصعب التخلي عنها في النظم السياسية الديمقراطية الحديثة لأنها تقوم بمجموعة وظائف مهمة من بينها :-

· الوظيفة التنظيمية: من مهام الأحزاب السياسية القيام بتوجيه وتنظيم الأفكار والأمزجة العديدة والمتفرقة ، في إطار شامل ، بمعنى نقل الآراء المتعددة إلى مستوى الاختيارات الجماعية (9) .

· الوظيفة الاتصالية: حيث تقوم بدور قناة الاتصال بين القاعدة والقيادة من جهة وبين الحاكم والمحكومين من جهة أخرى. وتعمل على خلق شبكة من الاتصالات بين الجماهير والقيادة بطريقة تمكنها من توليد القوة السياسية لتلك الجماهير من خلال توجيهها وتعبئتها(10).

· الأحزاب السياسية تلعب دوراً مزدوجاً في التمثيل السياسي، حيث إنها تعمل على تأهيل الناخبين من خلال تطوير الوعي السياسي لهم وتسمح بتعبير أكثر وضوحاً عن الخيارات السياسية من جهة، وتعمل في الوقت نفسه على تأهيل المنتخبين من خلال اختيارها للمرشحين الذين ستجري بينهم المنافسة الانتخابية من جهة أخرى. وبذلك الأحزاب السياسية هنا تلعب دور الوسيط بين الناخبين والممثلين ( المنتخبين) (11).

· تمارس الأحزاب السياسية وظيفة مهمة جداً ألا وهي تنظيم المشاركة السياسية، من خلال تعبئة الجماهير لاسيما الفقيرة منها، كما تعمل على تمكين الفرد من أن يمارس دوره في إدارة الشؤون العامة قدر الإمكان .





ثانيا:- التداول السلمي على السلطة



المقصود بالتداول السلمي على السلطة هو التعاقب الدوري للحكام على سدة الحكم تحت صيغ الانتخابات ، حيث يمارس هؤلاء الحكام المنتخبون اختصاصاتهم الدستورية لفترات محددة سلفاً . وبذلك فان اسم الدولة لا يتغير ولا يتبدل دستورها ولا تزول شخصيتها الاعتبارية نتيجة تغير الحاكم أو الأحزاب الحاكمة (12) . وعليه فان السلطة هي اختصاص يتم ممارسته من قبل الحاكم بتفويض من الناخبين وفق أحكام الدستور ، وليست السلطة حقاً يتوجه الحاكم لغيره أو يورثه لمن بعده وإنما يتم تداول السلطة وفق أحكام الدستور .

وبناءاً على ما تقدم يمكن القول أن مبدأ التداول السلمي على السلطة من قبل القوى والتيارات السياسية الفاعلة من ابرز آليات الممارسة الديمقراطية . لذلك لايمكن الحديث عن بناء دولة ديمقراطية مالم يكن هناك اعتراف بحق جميع التيارات والأحزاب السياسية أن تتبادل مواقع الحكم والمعارضة داخل الدولة (13) .



ثالثا :علاقة الارتباط بين التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة

إن الممارسة الديمقراطية على ارض الواقع تحتاج إلى توفير مصادر المشاركة السياسية في اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات العامة، إلى جانب الحق القانوني والسياسي الذي ينص على مشاركة الملزمين بتلك القرارات والخيارات العامة في اتخاذها (14). وعليه فمن خلال إعطاء الحرية لتشكيل الأحزاب السياسية وجماعات الضغط وجماعات المصالح ومؤسسات المجتمع المدني …الخ. ستكون هناك حرية لكل أطياف المجتمع في أن تشكل هذه التكوينات السياسية لتعبر عن رأيها وتدافع عن مصالحها وتسهم بشكل أو بآخر في التأثير على القرار السياسي، مما يؤدي في النتيجة إلى خروج قرارات متوازنة تلبي مصلحة الجميع دون أن تغبن حق فئة أو طائفة أو مجموعة داخل المجتمع، هذا من جانب، من جانب آخر الممارسة الديمقراطية ستكشف لنا عن وضع السلطة السياسية التي لم تعد حكراً لحزب معين او لفئة معينة على حساب الآخرين، وإنما السلطة أصبحت من الممكن إدارتها من قبل الأحزاب والحركات السياسية التي ستحصل على الأغلبية من أصوات الناخبين إثناء العملية الانتخابية وهذا ما ستحدده صناديق الاقتراع العام بعد فرز الأصوات . وبذلك فان مبدأ التداول السلمي على السلطة قائم على أساس المنافسة الحرة النزيهة مابين القوى السياسية المتعددة، حيث تتم هذه المنافسة في إطار الأحكام الدستورية والقانونية دون الخروج عنها، لان الخروج عنها يعني خروج عن القانون والنظام، وبالتالي خروج عن العملية الديمقراطية بأسرها. وبهذا فان التداول السلمي على السلطة إنما يعني الرضا والشرعية التي يمنحها الشعب للسلطة في مزاولة أعمالها المنصوص عليها في القانون من قبل الحزب او الأحزاب المؤتلفة التي حصلت على هذا الرضا والشرعية بعد الانتخابات.