منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#32881
تكريت، العراق – حاصرت الفرقة الرابعة من الجيش العراقي بناية مجلس محافظة صلاح الدين ليل الثلاثاء ولم تظهر أي اشارة يوم الاربعاء على انها تنوي المغادرة. ويُعد هذا الاجراء الاخير من سلسلة من الاجراءات التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، والتي اثارت غضب معارضيه، بينما تتزايد الشكوك حول مدى قوة قوانين البلاد والمؤسسات الديمقراطية.
وكان السيد المالكي قد أمر الجيش بالقدوم الى هذا المكان –للمرة الثانية– إثر تنازع مجلس المحافظة حول الصلاحيات القانونية لتعيين المحافظ، وذلك لتأكيد سلطاته. وقد انذر القادة العسكريين والدبلوماسيين الاميركيين من عزمه على استخدام القوة.
قال الكولونيل هنري ارنولد، آمر اللواء الرابع التابع لفرقة المشاة الاولى، لاحد اعضاء مجلس المحافظة خارج البناية المحاصرة صباح الاربعاء: "القانون في جانبك. يعرف المالكي القانون. الامريكيون يعرفوه. وسوف يبقون يذكّرونه به."
ووقع التدخل في تكريت، وهي مدينة ذات اغلبية سنية وتقع قرب مسقط رأس صدام، في غمرة الحملات الانتخابية التي يتزايد فيها التوتر، والتي اثارت المخاوف من تصاعد العنف المصطبغ بالسياسة. كما ان هذا الاجراء يؤكد ادعاءات مناوئي السيد المالكي بانه يسيء استخدام القانون والقوات الامنية لحل الخلافات السياسية، سعيا منه للحصول على مكاسب في الانتخابات البرلمانية المقررة في السابع من آذار.
لا ينبع الاضطراب السياسي الذي يعصف بالعراق من الانتخابات المرتقبة فحسب، التي يبدو ان السيد المالكي، وهو شيعي متحالف مع بعض السياسيين السنة، يخسر فيها شعبيته وربما فرصه في اعادة انتخابه. انه ينبع ايضا من فصل السلطات غير المجرب بعد، ومن اتفاقات الغرف الخلفية الضبابية، ومن تضاؤل الثقة بقوانين البلاد، التي يعتمد تفسيرها في العادة على من يقرأها.
صرح رئيس مجلس البرلمان العراقي، اياد السامرائي، في مؤتمر صحفي مؤخرا بالقول: "العراق مثل رجل مريض، كل اعضاءه مريضة."
وفي الاسبوع الماضي فقط، عملت حكومة السيد المالكي، في احسن الاحوال، لحل الصلاحيات القانونية المتنازع عليها.
وفي محافظة ديالى، اعتقل احد المرشحين البارزين من احد الكتل التي تنافس تحالف السيد المالكي، المعروف باسم دولة القانون، اعتقل ليل الاحد من قبل قوات خاصة ارسلت من بغداد قبل ايام معدودة من مشاركته في مناظرة مسجلة انتقد فيها اداء القوات الامنية. ويُقال ان مذكرات اعتقال اخرى قد صدرت بحق خمسة من اعضاء المحافظة الاخرين بتهم غير واضحة.
حينما اصدرت الهيئة التمييزية قرارها في الاسبوع الماضي والقاضي بالغاء القرارات السابقة بمنع المئات من المرشحين من خوض الانتخابات بسبب علاقتهم السابقة مع حزب البعث، ادان السيد المالكي ذلك القرار على انه غير قانوني. ثم التقى مع القادة البرلمانيين ورئيس المحكمة العليا العراقية من اجل التوصل الى تسوية، وهو ما يقول معارضوه انه يبرهن على الضغوط السياسية المفرطة التي يمارسها السيد المالكي على ما يفترض ان تكون هيئة قضائية مستقلة.
وبالمثل، قال السيد رئيس الوزراء العراقي الاسبق، اياد علاوي، والذي بدأت كتلته تمثل تهديدا للسيد المالكي، في مقابلة صحفية مؤخرا: "يفترض ان يكون رئيس الوزراء المدافع الاول عن الدستور، والمدافع الاول عن سيادة القانون والمحافظة على النظام في البلاد، وهو بالمناسبة اسم ائتلافه، وعليه يجب ان يكون اول من يدافع عن قرارات القضاء."
وكانت عملية رفض مشاركة المرشحين المتهمين بانتمائهم الى حزب البعث قد شابها بعض الغموض، بحيث لم يعلم الدبلوماسيين الاجانب ومسؤولي الامم المتحدة وحتى بعض المسؤولين العراقيين سوى القليل عما كان يحدث، كما انها ماتزال غير واضحة. ولم يتم اعلان قائمة باسماء المجتثين والادلة التي تدعم اجتثاثهم.
وقد دعت لجنة برلمانية، في وقت ما، الى "سحب الثقة" من الهيئة التمييزية، وهو الاجراء الذي يفتقر الى أي اساس قانوني.
يقول مسؤول اميركي، متحدثا عن عملية الاجتثاث: "ان الوزن العاطفي لهذه القضية ثقيل الى درجة تمنع المؤسسات الديمقراطية الناشئة من ان تعمل بالشكل الطبيعي."
يذكر ان المواجهة في تكريت قد بدأت عقب تصويت المجلس المنتخب حديثا على اقالة محافظ صلاح الدين، مطشر حسين عليوي، في شهر تشرين الثاني بتهمة الاهمال. وكان السيد عليوي قد انتخب من قبل مجلس المحافظة في العام الماضي بُعيد الانتخابات المحلية التي قـُصد منها توسيع الصلاحيات المحلية للمحافظات ليتسنى لها حكم نفسها بنفسها، بعد عقود من الحكم المركزي في بغداد.
وقال عبد الله جباره، احد اعضاء مجلس المحافظة، وكان ضابطا رفيعا في الحرس الجمهوري: "اعتادت الحكومة العراقية على تسخير الجيش لحل مشاكلها،" متحدثا في بناية المجلس يوم الاربعاء.
ومن الواضح ان هذا النزاع قد اضحى جزءا من معركة انتخابية اكبر في العراق. فقد اصطف السيد المالكي مع حزب المحافظ السابق، الحزب الاسلامي العراقي، والذي يأمل في الحصول على دعمه بعد الانتخابات الوطنية ليتمكن من الاحتفاظ بمنصبه. ويضم هذا الحزب بعضا من كبار قادة السنة في بغداد، ومن بينهم السيد السامرائي، رئيس البرلمان.
ورفض السيد عليوي مغادرة منصبه على مدى اسابيع عديدة، حيث تقدم بدعوى قضائية الى المحكمة الاتحادية ضد رئيس مجلس المحافظة متهما اياه بان لديه سجل اجرامي وانه زوّر شهادته الثانوية.
وتدخل السيد المالكي اولا بان ارسل كتابا يرفض الاعتراف فيه بقرار اقالة المحافظ. وحينما ايدت المحكمة الاتحادية قرار المجلس، امر المالكي بازالة المحافظ من منصبه. ومن ثم أمر الفرقة الرابعة في الجيش ان تحتل البناية ليلة العشرين من كانون الثاني، لمنع المجلس من تعيين محافظ جديد، كان المجلس انتخبه بواقع عشرين صوتا ضد اثنين.
وادى هذا الاجراء الى تعطيل عمل المجلس حتى السابع من شباط، حينما انتهى الاحتلال الاول بعد ان جرت مفاوضات خلف ابوب مغلقة في بغداد افضت الى الموافقة على تعيين محافظ بالوكالة. واستنادا الى اعضاء في مجلس المحافظة، على كل حال، مايزال مساعدو السيد المالكي مصرين على ممارسة نفوذهم في اختيار المحافظ الجديد.
وقال المحافظ وكالة، احمد جبار عبد الكريم، بمكتبه يوم الثلاثاء، قبل ساعات معدودة من احاطة بناية مجلس المحافظة بالقوات العسكرية: "نحن انما نخضع لسيادة القانون. هل تريد رأيي؟ ليس هناك من قانون اليوم في بغداد." ولم يصدر أي شيء علني من حكومة المالكي حول التدخل العسكري.
وقد علق الامريكيون في محافظة صلاح الدين، بضمنهم قادة الفرقة الثالثة مشاة، ولواء الكولونيل ارنولد، وحتى فريق اعادة اعمال المحافظة التابع لوزارة الخارجية، وكل هؤلاء يقيمون في قاعدة هائلة خارج تكريت، في خضم النزاع المتمثل بتحديد النقطة التي تنتهي فيها صلاحيات الحكومة الاتحادية وتبدأ عندها صلاحيات مجلس المحافظة.
وقد وضع الاميركيون، في اية حال، انفسهم بموضع المعارضة المباشرة لحكومة السيد المالكي من خلال تأكيدهم على صلاحيات مجلس المحافظة الجديدة التي تدعو الى احترام دور القانون. ومن ثم تزايدت اتهامات السيد المالكي للاميركيين، الذين طالما تمتع بدعمهم غير المحدود، بانهم يتدخلون في الشؤون الداخلية العراقية.
واطلق الكولونيل ارنولد، صباح الاربعاء، على الحصار الجديد الذي قام به الجيش بانه "اجراء يائس." وقال للسيد جباره، عضو المجلس: "انهم يخسرون. وهذا هو السبب في قيامهم بهذا العمل."