- الجمعة فبراير 25, 2011 1:48 pm
#32890
شاكر الجوهري
الخطاب الذي ألقاه معمر القذافي مساء الثلاثاء، مثّل تهديدا علنيا غير مسبوق بسفك دماء ملايين الليبيين، فقط لأنهم لا يريدونه حاكما لهم..!
وقبل أن نناقش مضمون الخطاب، لا بد من وقفة تتناول عددا من المسائل الشكلية، ذات الدلالات، كونها تمثل انعكاسا للحالة النفسية التي كانت طاغية على معنويات الرجل.
الملاحظة الأولى: القاء الخطاب من داخل منزله المهدم، جراء الهجوم الجوي الأميركي على مقره في ثكنة باب العزيزية في ثمانينيات القرن الماضي، وليس من وسط الساحة الخضراء، حيث وعد بذلك في اليوم السابق، ومن بين وسط أنصاره الذين قال إنهم يسيطرون على هذه الساحة، في وسط العاصمة طرابلس.
يجدر التذكير هنا بأن قصف الطائرات الأميركية لمنزله السابق كان جراء تفجيرات استهدفت مصالح اميركية في اوروبا، وإسقاط طائرات مدنية، اضطر إلى دفع تعويضات خرافية، مقابل طي صفحتها، وليس جراء دعمه القضايا العربية، التي دعمها فقط بالكلام..!
الملاحظة الثانية: أن معنويات القذافي وهو يتحدث من داخل الثكنة العسكرية، كانت متماسكة إلى حد ما، مقارنة بما كان عليه الحال خلال الثواني العشر التي تحدث خلالها لقناة الجزيرة مساء اليوم السابق، حيث ظهرت معالم القلق الشديد على عينيه وصوته، وملامح وجهه.
الملاحظة الثالثة: أن القذافي وجه عيناه إلى عدسة الكاميرا، في حالة نادرة، متجاوزا عادته القديمة في تركيز نظره إلى السقف حين يتحدث، متخليا بذلك عن مظهر من مظاهر العظمة، التي كان يحرص على استحضارها وهو يخاطب الرأي العام.
الملاحظة الرابعة: الحالة الإنفعالية البالغة التي كان يتحدث بها، والتي تنم عن قلق كبير، ليس فقط لأنه بات مهددا بشكل جدي في الطرد من السلطة، وإنما كذلك لأنه لا يجد مأوى له خارج ليبيا، فضلا عن أنه غير واثق من امكانية حسم المواجهة لمصلحته. ولذلك، وجد نفسه يؤكد بأنه سيقاتل حتى آخر قطرة من دمه، مغلبا بهذا احتمال هزيمته في مواجهته مع الشعب الليبي، على غيرها من الإحتمالات.
القذافي يتصرف إذا على قاعدة النصر على الشعب أو الموت..!
هذه القناعات المشكلة في عقل القذافي، باحت بحقيقة الموقف في ليبيا، وعلى لسانه، من خلال اقراره ضمنا بالحقائق التالية للوضع:
الحقيقة الأولى: أن الجماهير الليبية تسيطر على معظم المدن والبلدات الليبية.
الحقيقة الثانية: أن رجال الشرطة، والأجهزة الأمنية فروا إلى منازلهم. هو يقول إنهم فعلوا ذلك لأنه لم يوجه لهم الأوامر بالتصدي للجماهير الغاضبة، وأنه سمح لهم في ضوء ذلك بالذهاب إلى منازلهم، وهو ما لا يمكن تصديقه في ضوء التهديد والوعيد الذي حفل به خطابه، ومثل ما يساوي ثلثي وقت الخطاب، إن لم يكن أكثر.
لكن هذا الإعتراف بتوجه رجال الشرطة والأجهزة الأمنية لمنازلهم، يلتقي مع رواية المعارضة الليبية التي تؤكد التحاق رجال الشرطة والأجهزة الأمنية، وكذلك جنود الجيش بالثورة، أو هربهم لمنازلهم.
وعلى العموم، فقد لام القذافي هؤلاء لأنهم هربوا أمام مئات المتظاهرين، قبل أن يعود ويقول إن معارضيه يعدون على أصابع اليد..!
الحقيقة الثالثة: توقف المطارات والموانئ ومراكز الحدود البرية عن العمل.
الحقيقة الرابعة: اتهام جهات خارجية بتحريك الثورة الشعبية ضده، دون أن يحدد هذه الجهات..!
الحقيقة الخامسة: محاولة استمالة الغرب ليقف إلى جانبه، ويدعمه في مواجهة الثورة، من خلال الزعم أنه يواجه تمردا سلفيا جهاديا، من قبل أنصار اسامة بن لادن.
الحقيقة السادسة: خروج القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطة من تحت سيطرته، ولهذا فهو، وإن هدد باستخدام القوات المسلحة في القضاء على معارضيه، لكنه حين وجه نداءه لفعل ذلك، وجهه إلى الناس العاديين، دون تحديد، وإلى القبائل..!
الحقيقة السابعة: أنه لا يجد دولة واحدة في العالم تقبل لجوئه إليها، وهذا ما يحصر خياراته، بين النصر أو الموت، كما أشرنا في الملاحظة الرابعة.
الحقيقة الثامنة: أنه يخلط اوراقه بأوراق الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل على وجه التحديد، حين يبرر لنفسه أن يرتكب بحق الشعب الليبي ما ارتكبتاه بحق الشعب الفلسطيني خاصة، والشعوب العربية، وشعوب العالم عامة.
الحقيقة التاسعة: أنه يدرك أن حرمان الشعب الليبي من عوائد ثروته الوطنية (النفط) يشكل عاملا أساس في ثورة الليبيين ضد نظامه.
ولهذا، فقد كرر تعهدا قديما بأن يوزع النفط على الليبيين بحيث يحصل كل فرد ليبي على حصته من النفط مباشرة، ويقوم ببيعها أو استخدامها، أو التصرف بها كيفما يشاء، متجاوزا عن حقيقة أن النفط يباع بالجملة وليس بالمفرق، وأن بيعه يستتبعه نقله بواسطة الناقلات العملاقة إلى الدول المستوردة، وهو الأمر الذي لا يتأتي لمواطن عادي فعله، فضلا عن أن الليبيين سبق لهم تجربة مثل هذا الوعد من قبل.
وهذا يؤكد أنه يريد استرضاء كل الليبيين بهذه الوعود، لا فقط قلة لا تريده.
الحقيقة العاشرة: أنه يرفض التنحي بدعوى أنه لا يشغل منصبا ليستقيل منه..!
وهذا الإدعاء يطرح بدوره جملة أسئلة وتساؤلات:
الأول: إذا كان القذافي لا يشغل منصب الحاكم، فبأي صفة يعد باتخاذ كل هذه القرارات..؟ولم يطالبه الشعب الليبي بالتنحي..؟
الثاني: بأي صفة يحيل القذافى قضايا الإصلاح إلى ولده سيف..؟
إن هذه الإحالة تعني على كل حال عدة أمور:
1. أن القذافي هو صاحب الأمر والنهي في ليبيا.
2. أن القذافي يريد التنصل من أي تعهد أو وعد بالإصلاح.. قضايا الإصلاح قال إنه يحيلها إلى سيف، في حين أنه هو صاحب الأمر والنهي، وليس سيف.
3. أنه يريد تكريس فكرة توريث السلطة لولده..!
الثالث: بأي صفة يهدد بإعدام المتظاهرين، إن لم يكن هو صاحب القرار غير المقيد بقانون أو دستور..؟
الرابع: بأي صفة يتعهد بوضع دستور للبلاد..؟
الخامس: إذا كان الحكم في ليبيا هو للجماهير، فكيف يريد أن يفرض ارادته وسلطته على الجماهير التي قررت تنحيته..؟!
الحقيقة الأهم التي تبرز من بين كل ما سبق أن صفحة القذافي قد طويت من كتاب التاريخ الليبي، وأنه لم يبق سوى وضع خاتمة لسلطة الرجل، اختار بنفسه السيناريو الذي سيعلن نهايته..!
ليس القذافي وحده من يدرك هذه الحقيقة، بل يدركها كذلك اركان نظامه، الذين بدأوا يتسابقون للقفز من مركبه.
الخطاب الذي ألقاه معمر القذافي مساء الثلاثاء، مثّل تهديدا علنيا غير مسبوق بسفك دماء ملايين الليبيين، فقط لأنهم لا يريدونه حاكما لهم..!
وقبل أن نناقش مضمون الخطاب، لا بد من وقفة تتناول عددا من المسائل الشكلية، ذات الدلالات، كونها تمثل انعكاسا للحالة النفسية التي كانت طاغية على معنويات الرجل.
الملاحظة الأولى: القاء الخطاب من داخل منزله المهدم، جراء الهجوم الجوي الأميركي على مقره في ثكنة باب العزيزية في ثمانينيات القرن الماضي، وليس من وسط الساحة الخضراء، حيث وعد بذلك في اليوم السابق، ومن بين وسط أنصاره الذين قال إنهم يسيطرون على هذه الساحة، في وسط العاصمة طرابلس.
يجدر التذكير هنا بأن قصف الطائرات الأميركية لمنزله السابق كان جراء تفجيرات استهدفت مصالح اميركية في اوروبا، وإسقاط طائرات مدنية، اضطر إلى دفع تعويضات خرافية، مقابل طي صفحتها، وليس جراء دعمه القضايا العربية، التي دعمها فقط بالكلام..!
الملاحظة الثانية: أن معنويات القذافي وهو يتحدث من داخل الثكنة العسكرية، كانت متماسكة إلى حد ما، مقارنة بما كان عليه الحال خلال الثواني العشر التي تحدث خلالها لقناة الجزيرة مساء اليوم السابق، حيث ظهرت معالم القلق الشديد على عينيه وصوته، وملامح وجهه.
الملاحظة الثالثة: أن القذافي وجه عيناه إلى عدسة الكاميرا، في حالة نادرة، متجاوزا عادته القديمة في تركيز نظره إلى السقف حين يتحدث، متخليا بذلك عن مظهر من مظاهر العظمة، التي كان يحرص على استحضارها وهو يخاطب الرأي العام.
الملاحظة الرابعة: الحالة الإنفعالية البالغة التي كان يتحدث بها، والتي تنم عن قلق كبير، ليس فقط لأنه بات مهددا بشكل جدي في الطرد من السلطة، وإنما كذلك لأنه لا يجد مأوى له خارج ليبيا، فضلا عن أنه غير واثق من امكانية حسم المواجهة لمصلحته. ولذلك، وجد نفسه يؤكد بأنه سيقاتل حتى آخر قطرة من دمه، مغلبا بهذا احتمال هزيمته في مواجهته مع الشعب الليبي، على غيرها من الإحتمالات.
القذافي يتصرف إذا على قاعدة النصر على الشعب أو الموت..!
هذه القناعات المشكلة في عقل القذافي، باحت بحقيقة الموقف في ليبيا، وعلى لسانه، من خلال اقراره ضمنا بالحقائق التالية للوضع:
الحقيقة الأولى: أن الجماهير الليبية تسيطر على معظم المدن والبلدات الليبية.
الحقيقة الثانية: أن رجال الشرطة، والأجهزة الأمنية فروا إلى منازلهم. هو يقول إنهم فعلوا ذلك لأنه لم يوجه لهم الأوامر بالتصدي للجماهير الغاضبة، وأنه سمح لهم في ضوء ذلك بالذهاب إلى منازلهم، وهو ما لا يمكن تصديقه في ضوء التهديد والوعيد الذي حفل به خطابه، ومثل ما يساوي ثلثي وقت الخطاب، إن لم يكن أكثر.
لكن هذا الإعتراف بتوجه رجال الشرطة والأجهزة الأمنية لمنازلهم، يلتقي مع رواية المعارضة الليبية التي تؤكد التحاق رجال الشرطة والأجهزة الأمنية، وكذلك جنود الجيش بالثورة، أو هربهم لمنازلهم.
وعلى العموم، فقد لام القذافي هؤلاء لأنهم هربوا أمام مئات المتظاهرين، قبل أن يعود ويقول إن معارضيه يعدون على أصابع اليد..!
الحقيقة الثالثة: توقف المطارات والموانئ ومراكز الحدود البرية عن العمل.
الحقيقة الرابعة: اتهام جهات خارجية بتحريك الثورة الشعبية ضده، دون أن يحدد هذه الجهات..!
الحقيقة الخامسة: محاولة استمالة الغرب ليقف إلى جانبه، ويدعمه في مواجهة الثورة، من خلال الزعم أنه يواجه تمردا سلفيا جهاديا، من قبل أنصار اسامة بن لادن.
الحقيقة السادسة: خروج القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطة من تحت سيطرته، ولهذا فهو، وإن هدد باستخدام القوات المسلحة في القضاء على معارضيه، لكنه حين وجه نداءه لفعل ذلك، وجهه إلى الناس العاديين، دون تحديد، وإلى القبائل..!
الحقيقة السابعة: أنه لا يجد دولة واحدة في العالم تقبل لجوئه إليها، وهذا ما يحصر خياراته، بين النصر أو الموت، كما أشرنا في الملاحظة الرابعة.
الحقيقة الثامنة: أنه يخلط اوراقه بأوراق الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل على وجه التحديد، حين يبرر لنفسه أن يرتكب بحق الشعب الليبي ما ارتكبتاه بحق الشعب الفلسطيني خاصة، والشعوب العربية، وشعوب العالم عامة.
الحقيقة التاسعة: أنه يدرك أن حرمان الشعب الليبي من عوائد ثروته الوطنية (النفط) يشكل عاملا أساس في ثورة الليبيين ضد نظامه.
ولهذا، فقد كرر تعهدا قديما بأن يوزع النفط على الليبيين بحيث يحصل كل فرد ليبي على حصته من النفط مباشرة، ويقوم ببيعها أو استخدامها، أو التصرف بها كيفما يشاء، متجاوزا عن حقيقة أن النفط يباع بالجملة وليس بالمفرق، وأن بيعه يستتبعه نقله بواسطة الناقلات العملاقة إلى الدول المستوردة، وهو الأمر الذي لا يتأتي لمواطن عادي فعله، فضلا عن أن الليبيين سبق لهم تجربة مثل هذا الوعد من قبل.
وهذا يؤكد أنه يريد استرضاء كل الليبيين بهذه الوعود، لا فقط قلة لا تريده.
الحقيقة العاشرة: أنه يرفض التنحي بدعوى أنه لا يشغل منصبا ليستقيل منه..!
وهذا الإدعاء يطرح بدوره جملة أسئلة وتساؤلات:
الأول: إذا كان القذافي لا يشغل منصب الحاكم، فبأي صفة يعد باتخاذ كل هذه القرارات..؟ولم يطالبه الشعب الليبي بالتنحي..؟
الثاني: بأي صفة يحيل القذافى قضايا الإصلاح إلى ولده سيف..؟
إن هذه الإحالة تعني على كل حال عدة أمور:
1. أن القذافي هو صاحب الأمر والنهي في ليبيا.
2. أن القذافي يريد التنصل من أي تعهد أو وعد بالإصلاح.. قضايا الإصلاح قال إنه يحيلها إلى سيف، في حين أنه هو صاحب الأمر والنهي، وليس سيف.
3. أنه يريد تكريس فكرة توريث السلطة لولده..!
الثالث: بأي صفة يهدد بإعدام المتظاهرين، إن لم يكن هو صاحب القرار غير المقيد بقانون أو دستور..؟
الرابع: بأي صفة يتعهد بوضع دستور للبلاد..؟
الخامس: إذا كان الحكم في ليبيا هو للجماهير، فكيف يريد أن يفرض ارادته وسلطته على الجماهير التي قررت تنحيته..؟!
الحقيقة الأهم التي تبرز من بين كل ما سبق أن صفحة القذافي قد طويت من كتاب التاريخ الليبي، وأنه لم يبق سوى وضع خاتمة لسلطة الرجل، اختار بنفسه السيناريو الذي سيعلن نهايته..!
ليس القذافي وحده من يدرك هذه الحقيقة، بل يدركها كذلك اركان نظامه، الذين بدأوا يتسابقون للقفز من مركبه.