منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By محمد النشوان9
#32900
شاكر الجوهري


لم تكن مزحة أبدا، تلك التي انطلقت من على لسان محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية خلال مشاركته في الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ليلة الإثنين/الثلاثاء في رام الله؛ إنما كانت تعبر عن حقيقة دواخله، وهو يتساءل على من الدور بعد تونس ومصر، ليجيب على تساؤله: "يمكن يكون الدور علينا..؟!".



الضحك الذي انطلق من جميع الحضور في المسجد يدلل على امرين رئيسين:



الأول: أن أذهان الحضور جميعا كانت مركزة على الحدث السياسي، بأكثر مما كانت مركزة على حدث المناسبة الدينية.



الثاني: أن الضحك الذي انطلق، كان محاولة لتغليف جدية عباس، وتحويلها إلى مزحة، وإن من العيار الثقيل.

ما يؤكد ذلك هو التحول الكبير في الموقف المعلن للرئيس الفلسطيني وسلطته، بعد إعلان تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، عما كان قبله.



فخلال أيام الثورة الشعبية المصرية، ظلت السلطة الفلسطينية تركز هجمات اعلامية تعبوية ضد قناة الجزيرة، ودولة قطر، وشخص اميرها، وتخطط عبر موقعي التواصل الإجتماعي الفيسبوك والتويتر، لإطلاق ثورة شعبية في قطاع غزة، حددت تاريخ وأماكن انطلاقها، على الطريقة التونسية والمصرية من حيث الشكل، دون أن تلتفت إلى عدم تطابق جوهر الأوضاع في قطاع غزة، عما كان عليه الحال في البلدين العربيين.



حتى ما إن لم يتظاهر أحد في غزة، وفقا للموعد المضروب من قبل توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، مدير المخابرات السابق، وتزامن ذلك مع سقوط مبارك، تغيرت، وتبدلت لغة الخطاب بشكل كبير لدى سلطة رام الله، دون أن تتوقف المناورات، التي تستخدم في إطار تواصل الصراع مع المقاومة الفلسطينية، بمختلف فصائلها، وإن حظيت حركة "حماس" بالنصيب الأوفر لهذه الجهة.



سبب التغير يكمن في تحول، أو في احتمال تحول اتجاه المؤشر المصري في المعادلة الفلسطينية، من عباس وحركة "فتح"، باتجاه المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة "حماس"، خاصة إن شاركت جماعة الإخوان المسلمين المصرية في تركيبة نظام الحكم المقبل في القاهرة.



لقد كانت السلطة تستند إلى عكازين رئيسين قبل سقوط مبارك هما: العكاز المصري، الذي كانت تسوقه باعتباره جدارا استناديا عربيا، والعكاز الإسرائيلي ـ الأميركي..!

بعد سقوك عكاز مبارك، لم يبق للسلطة غير العكاز الأميركي ـ الإسرائيلي، في وقت كانت السلطة لا تزال تعاني فيه من تأثيرات نشر وثائق دائرة المفاوضات، برئاسة صائب عريقات، وهو ما من شأنه رفع وتيرة المعارضة الشعبية في الضفة الغربية.



الفرز في هذه المرحلة إذا ليس في صالح السلطة، وعليه فلتخلط الأوراق مؤقتا، ليعاد فرزها بعد حين، وفي توقيت مناسب لمخططاتها واهدافها.



في إطار الخلط الذي تمليه المرحلة، اتخذت السلطة الخطوات التالية:



الأولى: وقف الحملات الإعلامية التشكيكية بالثورة المصرية واحتمالات انتصارها، والإنتقال المفاجئ وغير المنظم، من تأييد مبارك، إلى تأييد الثورة المنتصرة على مبارك.



الهدف من ذلك شديد الوضوح، وهو محاولة للتساوق مع توجهات الرأي العام الفلسطيني، ومحاولة تلافي التباعد السياسي بين السلطة ومواطنيها من جهة، وبينها وبين نظام الحكم المقبل في مصر.



إلى ذلك فإن المراهنة تتركز في هذه الحالة على احتمالات امساك الجيش بالحكم في مصر، ليخرج الفائز الحقيقي والوحيد من ثورة الجماهير. وعلى هذه الإحتمالات توجد مؤشرات لم تخطئها عين السلطة، كما أنها لم تخطئ حاجة قيادة الجيش المصري إلى خلط اوراقها هي الأخرى بأوراق الثورة الشعبية المنتصرة.



الثانية: ضرورة وقف الإشتباك الذي بادرت إليه السلطة مع دولة قطر. وفي هذا السياق، بادر رئيس السلطة إلى إصدار مرسوم يمنع التعرض لأمير قطر، ودولة قطر بأي سوء، بعكس التعليمات السابقة. وبطبيعة الحال، فإن قناة الجزيرة جزء من دولة قطر، وفقا لمرسوم عباس.



هذا المرسوم تم إصداره من منطلق تقدير الدور بالغ الأهمية الذي لعبته قناة الجزيرة في اسقاط زين العابدين، ومبارك، وضرورة تحييد هذا السلاح الفتاك، في مواجهة يتوقعها رئيس السلطة مع الشعب الفلسطيني، كما باحت بذلك مزحته..!



الثالثة: إعادة تأهيل شرعية السلطة الفلسطينية، ومرجعيتها المفترضة ممثلة في منظمة التحرير.



في هذا السياق، اتخذ قراران:



1. الدعوة لعقد دورة طارئة للمجلس المركزي الفلسطيني، لتجديد شرعية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.



2. الدعوة لإجراء انتخابات محلية ورئاسية وتشريعية في عموم الضفة الغربية وقطاع غزة.



الرابعة: محاولة توسعة القاعدة الداعمة لسلطة عباس، وحكومة سلام فياض، من خلال طي صفحة ملف التحقيق مع محمد دحلان، وإعادة تكليف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة، تضم وزراء فتحاويين أكثر مما كانت تضم منهم حكومته المستقيلة، ووزراء فتحاويين من قطاع غزة.



بهذا، يعتقد صاحب القرار في رام الله، بإمكانية أن يسير الوزراء الفتحاويين الجدد من القطاع، انصارهم في مظاهرات معارضة لسلطة المقاومة الفلسطينية في القطاع.

لا بد من إظهار وجود أوراق قوة بيد سلطة رام الله.



الخامسة: العودة لحديث المصالحة الوطنية الفلسطينية، بين حركتي "فتح" و"حماس"، بهدف تحميل حركة "حماس" المسؤولية عن استمرار حالة الإنقسام الفلسطيني، ما دامت الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية دون التوصل إلى توافق وطني، تدفعها لرفض الإنتخابات، وبالتالي تعبئة الجماهير ضد "حماس"، وما تمثله من خط مقاوم، باعتبارها المسؤولة عن استمرار وإدامة الإنقسام.



لهذا، يلاحظ أن عباس، في الوقت الذي بدأ فيه بمغازلة الرأي العام الفلسطيني، والعربي، والنظامين الجديدين في تونس ومصر، يواصل، بل ويصعد حملته على حركة "حماس".



ما هي الحسابات التي تدفعه إلى ذلك..؟



يمكنة تلخيصها فيما يلي:

أولا: افتراض أن سقوط مبارك، وقبله زين العابدين، أقنع الإدارة الأميركية أن انحيازها إلى جانب اسرائيل، مثل سببا رئيسا في حدوث هذه التحولات، كما أنه مرشح لأن يحدث تحولات مماثلة تسقط المزيد من الأنظمة العربية الحليفة لواشطن، ما دامت هذه الأنظمة استخدمت العنف ضد شعوبها لسببين:



1. لإرغام هذه الشعوب على وقف رفض التصالح مع اسرائيل وتطبيع العلاقات معها.



2. مزاوجة العمل السياسي بالمال والإستثمارات، من قبيل تقديم الرشى بشتى اشكالها للعاملين في خدمة الأنظمة، وكون أصحاب رؤوس الأموال هم المعنيين قبل غيرهم بمصالحة اسرائيل، وتطبيع العلاقات معها..!



ثانيا: امكانية أن تقدم واشنطن في ضوء ذلك على عملية جراحية تهدئ من غضب الجماهير العربية، عبر فرضها حلا على اسرائيل، يقيم دولة فلسطينية، وإن كانت ديكورية.



ثالثا: أن فرض هذا الحل، وإقامة الدولة الفلسطينية العرجاء، يستدعي انهاء الإنقسام الفلسطيني، وإعادة قطاع غزة إلى سلطة عباس..!



رابعا: ضرورة ابتهال فرصة الوضع الإنتقالي في مصر، لإنجاز المصالحة الفلسطينية، وإن بواسطة القوة العسكرية الإسرائيلية، كمقدمة ضرورة لتسريع الحل الفلسطيني ـ الإسرائيلي.



لكن القوة العسكرية الإسرائيلية تستدعي وجود وجوه لسلطة رام الله في غزة، وهنا يكمن دور وزراء غزة الذين يعمل فياض على اضافتهم إلى حكومته. وفي هذا السياق فقط يمكن أن تفهم تصريحات فياض المفاجئة عن ضرورة الخروج من حالة الإنقسام الفلسطيني.



من يعرفون عقلية محمود عباس عن قرب يجزمون بأن هذا هو ما يفكر فيه الرجل: توظيف ثورة الشعب المصري من أجل ضرب المقاومة الفلسطينية، وتسريع الحل السياسي الدائم مع اسرائيل..!