منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By محمد النشوان9
#32903
شاكر الجوهري
حققت العلاقات بين محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وفاروق القدومي القيادي الفلسطيني التاريخي قفزة كبيرة، وبعيدة المدى إلى الأمام، مثّل استقبال القدومي لعباس في مطار قرطاج الدولي أمس (الإثنين) أحد أبرز تجلياتها، خاصة وأنه لم يسبق للقدومي أن استقبل عباس في المطارات، كما أنه لم يسبق له أن استقبل الرئيس الراحل ياسر عرفات.



يلفت النظر كذلك أن وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) استأنفت بث أخبار ونشاطات القدومي الرسمية، وهي إلى جانب الصورة التي بثتها أمس (الإثنين) عن استقبال القدومي لعباس في مطار قرطاج، كانت بثت في الأول من الشهر الجاري خبرا ربما تفوق أهميته، أهمية استقبال مطار قرطاج، ذلك أن الخبر تعلق بالكلمة التي يلقيها القدومي سنويا في مقبرة شهداء فلسطين في حمام الشط. غير أن ما ميزها في هذه المرة هو أن الخبر الرسمي الذي وزعته الوكالة وصف القدومي باعتباره رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث قالت الوكالة أن القدومي ألقى كلمته بصفته هذه، وكذلك بإسم اللجنة المركزية لحركة "فتح"، التي لم يعد عضوا فيها..!



هنا تتبين أهمية الإجراء الذي اتخذه عباس حين تم سحب رئاسة الدائرة السياسية من القدومي، إذ أنه رفض اعطائها لأي من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واحتفظ بها لنفسه، على نحو يؤكد أن هذا الإجراء كان مؤقتا.



وفيما كان القدومي يذهب إلى حمام الشط دون مرافقة سليمان الهرفي، السفير الفلسطيني في تونس له، حيث كان مكلفا بالتضييق على القائد التاريخي، والتعتيم على تحركاته ونشاطاته، والحد منها، فإن الوكالة الرسمية الفلسطينية قالت في هذه المرة أن الهرفي وأعضاء السفارة وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس، والطلاب الدارسين فيها، كانوا برفقة القدومي، الذي أوردت الوكالة كذلك عرضا مسهبا لأهم ما جاء في كلمته بالمناسبة.



القدومي استعاد إذا لقبه كرئيس للدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تم إغلاق مقرها في تونس في خضم الخلافات بين القدومي وعباس، وتمت احالة العاملين في المقر للدوام في مقر تابع للسفارة الفلسطينية، وهو ما وافق عليه القدومي على مضض، وحث من العاملين في مقر الدائرة السياسية على الإلتزام به، لأنه لا يملك صرف رواتبهم، بعد وقف صرف موازنة الدائرة السياسية.



غير أن مظاهر الأمور تدلل على أن استعادة اللقب هو مسألة شكلية، كما يتبين ذلك من عدم اصطحاب عباس له للقاء الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، حيث اصطحب عباس معه د. رياض المالكي وزير الشؤون الخارجية، ود. نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة 'فتح'، مفوض العلاقات الخارجية فيها، وسلمان الهرفي سفير فلسطين لدى تونس.



ويلاحظ هنا تقديم إسم المالكي على شعث، على نحو لا يحافظ على التراتبية التنظيمية، ويقدم حكومة السلطة بروتوكوليا على قادة حركة "فتح".. التي ينظر لها باعتبارها الحزب الحاكم في رام الله، علما أن المالكي ليس عضوا في حركة "فتح"، في حين أن شعث، ليس فقط عضوا في اللجنة المركزية للحركة، وإنما هو كذلك وزير سابق للشؤون الخارجية في حكومة السلطة.



ولكن يجدر هنا أيضا ملاحظة أن الصفة التي تبعت إسم المالكي هي "وزير الشؤون الخارجية"، وليس وزير الخارجية، ما يعني التسليم رسميا بصفة القدومي كوزير لخارجية دولة فلسطين، المنتخب من قبل المجلس الوطني الفلسطينية سنة 1988. والقدومي هو نفسه من أصر خلال سنوات مضت، وأعقبت وفاة عرفات على أن السلطة تعين وزيرا للشؤون الخارجية، أو زير دولة للشؤون الخارجية، وليس وزيرا للخارجية.



غير أنه حين يتم استثناء القدومي من حضور اللقاء مع الرئيس التونسي، ويحضره وزير الشؤون الخارجية، تنحصر الأمور في الجوانب الشكلية، دون الجوانب الجوهرية.



ومع ذلك، يصعب القول أن الأمور تقف عند هذا الحد، طالما:



أولا: أن التباين السياسي لا يزال قائما بين عباس والقدومي، وهو ما يبرر استثناء القدومي من عضوية هكذا وفد.



ثانيا: أن القدومي كان قد طلب من عباس تقاسم المسؤولية في حركة "فتح"، وكذلك فلسطينيا.. الخارج للقدومي والداخل لعباس.



صحيح أن عباس لم يوافق على ذلك، غير أن هذا الطلب ينصب على النواحي التنظيمية بأكثر مما ينصب على النواحي المتصلة بالسياسة الخارجية، وهذا ما اراده القدومي نفسه.



في هذا السياق يتوجب ملاحظة ما يلي:



أولا: أن القدومي الذي امتنع عن الرد على مذكرة تلقاها من محمد راتب غنيم، أمين سر اللجنة المركزية، تعرض عليه عضوية المجلس الإستشاري لحركة "فتح" الذي يعتزم عباس تشكيله، أبلغ موافقته على ذلك مؤخرا لعباس نفسه..!



ثانيا: أن كلمة القدومي في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وزعت من قبل مكتبه وهي تحمل صفة "أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح".. الصفة التي كان يتمتع بها قبل مؤتمر بيت لحم. السياق اللاحق للعلاقة، يؤكد أن القدومي متيقن من أن هذا لا يغضب عباس، الغاضب من غنيم..!



ثالثا: أن الخلاف المشتعل حاليا بين عباس ومحمد دحلان، امتدت نيرانه إلى غنيم، الذي أقاله عباس من رئاسة لجنة التحقيق مع دحلان، لتلكؤه في اجراءات التحقيق، بل ورفضه السير فيها.



القدومي يعتقد الآن، أن اجراءات أخرى سيتخذها عباس بحق غنيم، قد ترتقي إلى اطاحته من موقع أمين سر اللجنة المركزية، ليس فقط على خلفية غضبه من غنيم بسبب تقاعسه في اجراءات التحقيق، وإنما كذلك لأن غنيم، وفقا لآراء متطابقة في رام الله، لم يثبت أية موجودية على صعيد موقعه التنظيمي الكبير.



رابعا: أكثر من ذلك، فإن عباس الذي قرر تشكيل كونفرنس حركي، يتولى مهام المؤتمر العام في حالة عدم انعقاده، يعتزم وفقا لإجماع من يعرفون طريقته في التخطيط والعمل على إخراج دحلان وحلفائه في اللجنة المركزية من عضوية قيادة الحركة اليومية، وهو في هذه الحالة سيفعل ذلك من خلال الكونفرنس، مضيفا عددا من الأعضاء للجنة المركزية، بحيث لا يقل عدد اعضائها عن 18 عضوا، وفقا للنظام الداخلي للحركة.



حظوظ القدومي بالعودة للجنة المركزية في هذه الحالة كبيرة، ليس فقط لجهة العودة لعضوية اللجنة، وإنما كذلك لاستعادة أمانة سرها.



من يدقق في خطوات واجراءات عباس، يجد أنه يريد أن يعيد القدومي إلى مواقعه التي كان يشغلها قبل مؤتمر بيت لحم، وهي مواقع يحال تفعيل دوره فيها إن لم يعد للأراضي الفلسطينية، وهو أمر من غير المتوقع أن يقدم عليه