صفحة 1 من 1

فتوى القرضاوي

مرسل: الجمعة فبراير 25, 2011 3:35 pm
بواسطة محمد النشوان9
د. محمد أبو رمان
تستبطن فتوى د. يوسف القرضاوي للجنود الليبيين بقتل القذّافي تحولاً كبيراً ومهماً في الفكر السياسي الإسلامي، وتعكس تأثير الثورات السلمية الأخيرة على الفقه الإسلامي السني تحديداً.



الفتوى لم يطلقها أسامة بن لادن ولا الظواهري، اللذان ينظران إلى الحكام العرب، ابتداءً، بأنّهم غير مسلمين، ويتبنيان في الأصل مبدأ "العمل المسلّح" نهجاً في التغيير السياسي، واللذان يلومان القرضاوي على تهاونه ومواقفه "السائلة" مع الحكام العرب.



صاحب الفتوى هو القرضاوي الفقيه المعروف باعتداله، وبأنّه ابن المدرسة الإخوانية التي أعلنت منذ عقود رفضها للعمل المسلّح، وتبنت خلال سنوات قليلة الطريق الديمقراطية كأساس للإصلاح السياسي المتدرج السلمي.



والقرضاوي، نفسه، هو الذي قدّم نقداً شرساً، قبل قرابة عام فقط، لأفكار سيد قطب ومدرسته في التغيير السياسي، واعتبر أنّها خارج سياق "الفقه السني"، وهي المرّة الأولى التي توصف فيها المدرسة القطبية بهذه القسوة، في محاولة لتكريس قطيعة فكرية وسياسية بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين.



إذن، عندما يفتي القرضاوي بقتل القذافي فنحن أمام حجم كبير من المتغيرات التي استوجبت فقهاً سياسياً جديداً وفتوى بهذه الجرأة والقوة والخطورة في آنٍ معاً، لكنها مطلوبة لحماية المجتمعات العربية والمسلمة من بحور من الدماء يريقها الحاكم المستبد لإصراره على حماية فساده وظلمه وعدوانه على شعبه.



هذه الفتوى بمثابة "ثورة" على الفقه السياسي السني الكلاسيكي، بعد أن استقر رأي أغلب الفقهاء على تفضيل القبول بتجاوزات الحكام على الخروج عليهم، لما قد يجرّه هذا الخروج المسلّح من دماء وفتن، كما حدث في تجارب متعددة في التاريخ الإسلامي.



هذا الموقف الفقهي تكرّس مع شوامخ في الفكر الإسلامي أمثال ابن تيمية وابن جماعة والفقه المالكي وابن خلدون والغزالي وغيرهم ممن أسسوا لمسار الفقه السياسي، إلى أن وصلنا إلى قاعدة "من اشتدت وطأته وجبت طاعته".



لسنا في معرض تقييم ذلك التراث المتراكم والخط الفقهي العريض، ولا مساءلته بأثر رجعي، لكن ما نحتاجه ألاّ نجعل منه في مرتبة موازية للنص القرآني ولا في التعامل معه وكأنه مقدّس، بل هو مؤقت ابن الشرط التاريخي والسياسي الذي ولد فيه، وهنالك اليوم واقع مختلف وخبرة مغايرة تستوجب طرحاً فقهياً وفكرياً آخر.



الفقه السياسي السني المعاصر، في خطه العام، رفض أيضاً فتاوى القتل والاغتيال وفضّل الحلول السلمية والسياسية، لما جرّه العمل المسلح من ويلات وكوارث على المجتمعات والحركات الإسلامية، ولما أدّت إليه الانقلابات من نظم ثورية لا تحترم الشعوب ولا حرياتها وإراداتها.



هذا صحيح، فالمطلوب عمل سياسي مدني سلمي يكون "الضمانة" لحقوق الشعوب وحرياتها ورادعاً للظلم والطغيان، لكن في حالات "استثنائية"، كما هو الوضع في ليبيا، إذ يصر الحاكم على قتل الناس جميعاً وإبادتهم على أن يتنحّى، فما الحل؟!



الشيخ القرضاوي منح فتوى لمن يستطيع من جنود الجيش الليبي إنهاء هذه المعاناة الإنسانية الكبرى للشعب الليبي، في ظل هذا الموقف الصعب. وهي فتوى، في ظني، انطلقت من قاعدة "درء المفاسد"، لكنها ستكون غداً سيفاً مصلتاً على عنق كل حاكم يظن أن بإمكانه إبادة شعبه إذا كان هنالك تواطؤ أو صمت من الخارج!