منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#32909
دول الخليج وايران:

ابرز هذه العلاقات هي بين المملكة السعودية ودولة الامارات من جهة وبين ايران من جهة ثانية. الأولى على المستوى السياسي، والثانية على المستوى الاقتصادي.

بالنسبة الى المملكة فقد تفاوتت علاقاتها مع ايران مثل معظم الدول العربية. ولا يزال الخلاف والتباين قائما في ظل "حرب باردة" بين البلدين حول الادوار ومواقع النفوذ لكل بلد. وحول ملفات المنطقة الساخنة من لبنان الى فلسطين والعراق وصولا الى اليمن. الطابع السياسي لهذا الخلاف يكمن في تعارض وجهات النظر حول هذه الملفات.

خصوصا حول المواقف مما يجري في فلسطين لجهة دعم المقاومة، او دعم التسوية والسلطة الفلسطينية. وفي العراق حول دعم الحكومة الحالية، وحول عودة المالكي او عودة علاوي. وبالاساس حول النفوذ الايراني عموما في العراق. وفي اليمن حول تأييد ايران الحوثيين، في مقابل دعم المملكة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. ولا يخفى الطابع المذهبي المباشر حينا وغير المباشر حينا آخر لهذا الخلاف. وكذلك طموحات كلا البلدين لزعامة العالم الاسلامي.

وما يزيد من المخاوف المتبادلة بين الطرفين التنامي المطرد لقدرات ايران العسكرية و برنامجها النووي من جهة، وصفقات الاسلحة السعودية مع الولايات المتحدة، وقواعد هذه الأخيرة في الخليج والتنسيق الاميركي مع المملكة من جهة ثانية. وما يختصر ذلك كله بالأمن في الخليج "ايران تريده امنا خليجيا مشتركا، ودول الخليج تريده أمنا تضمنه او تحميه الولايات المتحدة". وفي الوقت نفسه ثمة مسارات مفتوحة من البحث عن التفاهم ومن تجنب التصعيد ومن المخاوف من الفتنة المذهبية بين البلدين.

من ذلك على سبيل المثال تأييد ايران المساعي السورية السعودية لحل الأزمة في لبنان (قرار المحكمة الظني). وامتناع ايران عن الهجوم على صفقات التسلح السعودية. واعتبار وثائق ويكيليكس "وثائق شيطانية"، بمعنى انها تهدف الى الايقاع بين الدول. وتجنب التصريحات الاستفزازية من مسؤولي البلدين،(دعوة دول مجلس التعاون في قمتهم الأخيرة في 7 كانون الأول (ديسمبر) 2010 الى حل أزمة البرنامج النووي بالطرق السلمية).

على صعيد دولة الامارات تبدو دبي العاصمة الاقتصادية، صاحبة الدور الأبرز في العلاقة مع ايران. وفي الوقت الذي يفترض فيه ان تنفذ هذه العاصمة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على ايران في حزيران 2010 ومارست الولايات المتحدة الضغوط المباشرة لتطبيق تلك العقوبات، فإن حجم التبادل التجارى بين إيران وبين دول الخليج، قد زاد مع بعض هذه الدول خلال السنوات القليلة الماضية: (الشرق الاوسط 20/2/2010).

ومرد ذلك إلى "القرب الجغرافى مع دول الخليج والأسعار المناسبة وسهولة الترخيص وقلة الضغوط بالمقارنة مع الغرب فيما يتعلق بالعملية المصرفية وسهولة التحويلات والتعاملات المالية". ويصل حجم المبادلات التجارية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجى إلى أكثر من 12 مليار دولار فى العام، ويبلغ حجم التصدير وإعادة التصدير من دول الخليج إلى إيران حوالى 5ر8 مليار دولار، فيما تصل قيمة الصادرات الإيرانية لدول الخليج إلى مليارى دولار. (الشرق الأوسط 20/2/2010).

حتى ان بنك الكويت المركزي دعا في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 المصارف والمؤسسات المالية الى تطبيق العقوبات على ايران. اي بعد مضي نحو أربعة اشهر على فرض مجلس الأمن لتلك العقوبات، لكن قطر دعت في الوقت نفسه "الى توثيق العلاقات مع طهران".

أصبحت دبي منذ سنوات أهم مركز للنشاطات التجارية خارج إيران. وعلاوة على موقعها الجغرافى القريب من الجمهورية الإسلامية، فإن الاقتصاد الإيراني يستفيد كثيراً من النشاط الذى تقوم به الشركات الإيرانية فى المهجر القريب. وبحسب معظم التقارير والدراسات يعيش فى دولة الامارات العربية المتحدة نحو أربعمائة ألف إيراني. ومعنى ذلك أن كل عاشر مواطن فى دولة الإمارات العربية المتحدة هو من أصل إيراني.

وفى دبي على سبيل المثال كل رابع أو خامس شخص ينحدر من إيران. وإذا احتسبنا الجنسيات الاجنبية الأخرى من الفيليبين وباكستان والهند وسواها، لأصبح عدد الايرانيين أكبر بكثير قياساً إلى السكان الاصليين، وهذه معضلة ديمغرافية استراتيجية تعانى منها دول الخليج عموماً وتشكل أحد مصادر قلقها المستقبلى.

تأسست الشركات الايرانية في دبي قبل الثورة بسنوات طويلة. وثمة من يتحدث عن أكثر من 8000 شركة فى دولة الإمارات العربية المتحدة معظمها في دبي، التى تعتبر أفضل مكان للإيرانيين حيث يستقر فيها رجال الأعمال ويوفرون لأولادهم فرص الالتحاق بجامعات أمريكية واسترالية لها فروع فى الإمارة.

وينفق الإيرانيون فى دبي مبالغ كبيرة، ويقدر حجم الاستثمارات الإيرانية فى الشركات والعقارات بنحو 300 مليار دولار، ما يعنى أن نسبة 15 بالمئة من العقارات فى دبي مملوكة لإيرانيين. وتسهم كل أزمة داخل إيران فى زيادة حجم الاستثمارات الإيرانية فى دبي، إذ بعد أيام قليلة على فوز محمود أحمدى نجاد بمنصب رئيس الجمهورية فى يونيو عام 2005 وصل إلى دبي 200 مليون دولار من إيران.

اذا تبدو العلاقات الاقتصادية الايرانية مع دبي قوية وراسخة على الرغم من الخلافات السياسية والأمنية الايرانية-الخليجية عموما، وعلى الرغم من الضغوط الاميركية للتقيد بالعقوبات المفروضة على ايران. ولعل هذه العلاقة الاقتصادية وهذا الحجم الكبير والمؤثر للشركات الايرانية في دبي هو الذي يمنع أي توتر بين البلدين ان يدوم طويلا.

ينبغي اذا ان نقرأ العلاقات الايرانية العربية من ابعاد عدة: اقتصادية وسياسية وامنية، ومن المواقع والمصالح المختلفة لهذا البلد او ذاك في علاقته مع ايران. فما يصح على دبي، قد لا يصح على الكويت، او على المملكة السعودية، أو على البحرين. ومخاوف هذه الأخيرة قد تكون على العكس من ذلك محل اطمئنان بالنسبة الى الكويت الذي ربما لن يسمع بعد اليوم من حكام العراق الجدد (حلفاء ايران) من يطالب بالمحافظة السابعة عشر لضمها الى العراق.

كما ينبغي ان نقرأ تطور العلاقات العربية -الايرانية في اطار التحولات التي شهدتها ايران خصوصا بعد الحرب مع العراق وبداية مرحلة اعادة الاعمار وصولا الى مرحلة احمدي نجاد التي ترافقت مع مشروع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. ولعل احتلال العراق عام 2003 كان المتغير الاستراتيجي الأبرز بالاضافة الى نتائج الحروب الاسرائيلية على لبنان وفلسطين في 2006، و2008، و2009..التي ستبدل مشهد صعود القوى وتراجعها ومشهد المخاوف والمصالح ومستقبل العلاقات بين دول المنطقة.