منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#32934
حمادة فراعنة



تملك حركة فتح، الكثير من المأثر والأنجازات، ماتستطيع التفاخر به والمباهاة، مما جعلها في طليعة وقيادة الشعب العربي الفلسطيني، بدءا من مبادرة تشكيل نفسها في وقت مبكر كحركة سياسية فلسطينية معنية فقط بالعمل من اجل تحرير فلسطين، وتكمن أهمية تلك المبادرة، أنها رغم امكاناتها المتواضعة، جعلت حركات سياسية كبيرة، يسارية وقومية واصولية، تقف خلف حركة فتح، بل وسعت من أجل اللحاق بها عبر الإهتمام بالمسألة الوطنية الفلسطينية، بعد أن كانت تؤمن تلك الحركات أنها قادرة على تحرير فلسطين عبر اقامة أولا الوحدة العربية أو الخلافة الإسلامية أو دولة اشتراكية، وكانت خلافاتها النظرية أو العقائدية هي الطاغية على عناوين واهتمامات الشارع العربي في الخمسينيات والستينيات، وهكذا سارت حركة فتح بعيدا عن هذه الأولويات الأيديولوجية، وتركت وراءها ستة أحزاب أصغرها أكبر منها، تلهث في الساحة الفلسطينية خلف مبادرات حركة فتح الكفاحية وهي حزب البعث وحركة القوميين العرب من التيار القومي والحزب الشيوعي الاردني والحزب الشيوعي الفلسطيني من التيار اليساري، وكلا من حركة الاخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي من التيار الاصولي.



وقد برزت حركة فتح في الستينيات لثلاثة أسباب أولها تفرغها للمسألة الوطنية الفلسطينية، وثانيها ممارستها للكفاح المسلح، وثالثها انخراطها في صفوف منظمة التحرير وتحويلها الى جبهة وطنية عريضة تقود النضال الوطني الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة وخارجها بين صفوف اللاجئين، ونجاحها بالتالي في تحقيق وحدانية التمثيل الفلسطيني عبر منظمة التحرير التي خاضت المعارك السياسية في الميدان وعلى طاولة الأهتمامات الدولية، وتوجت أعمالها في التوصل الى اتفاق أوسلو الذي أدى الى الأعتراف الأسرائيلي الاميركي بالحقائق الثلاثة، الأعتراف بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير ودورها التمثيلي وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعودة الموضوع والقضية وقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية من المنفى الى الوطن، وعلى أرضية هذا الأتفاق عاد الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه ثلاثمائة الف فلسطيني، وجرى الأنسحاب الأسرائيلي التدريجي المتعدد المراحل، وولادة السلطة الوطنية على الارض كمشروع لبناء مؤسسات الدولة المنشودة، وقد باتت السلطة هي العنوان العملي للمشروع الفلسطيني وأداة منظمة التحرير داخل الوطن، وانخراط كافة القوى السياسية الفلسطينية في مؤسساتها حتى تلك المعارضة لاتفاق أوسلو كالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية أوتلك المعادية له والتي عملت على اسقاطة وافشاله وفي طليعتها حركة حماس التي قادت انقلابا عبر الحسم العسكري ضد الشرعية وضد الأئتلاف الوطني وفرضت سلطتها الحزبية الأحادية على قطاع غزة*.



مقابل هذه الأنجازات التي سجلتها حركة فتح عبر التضحيات، سجلت على نفسها سلسلة من الهزائم المتكررة، بدأتها في عدم قدرتها على ضبط ايقاع العمل المسلح في مواجهة الاحتلال خلال الانتفاضة الثانية 2000-2005 وتراجعها امام اندفاع طرفين عملا على تدمير انجازات اتفاق أوسلو أولهما قوة شارون الهمجية واندفاعه في اعادة احتلال المدن الفلسطينية التي انحسر عنها الأحتلال، وثانيها امام قوة حركة حماس الصاعدة**.



وسجلت حركة فتح تراجعها وهزيمتها في الانتخابات البلدية عام 2005، وفي الانتخابات البرلمانية عام 2006، وأمام انقلاب حركة حماس وحسمها العسكري عام 2007، وفشلها في عدم قدرتها الى الآن على استعادة قطاع غزة الى حضن الشرعية الفلسطينية ***.



وأضاف قرار مجلس الوزراء يوم الخميس 10 حزيران/يونيو الداعي الى تأجيل الانتخابات البلدية، هزيمة معنوية وسياسية الى حركة فتح، حيث دلل القرار على أن الانتخابات البلدية مثلها مثل الانتخابات البرلمانية والرئاسية لاتتم في الضفة الفلسطينية بدون موافقة ورضى حركة حماس.



اللجنة المركزية لحركة فتح باستثناء عدد محدود لايتجاوز أصابع اليد الواحدة، يتحملون مسؤولية هذا القرار غير الديمقراطي، غير الصائب وغير المنصف بحق أنفسهم وقواعدهم وشعبهم، مما دفع الجبهة الشعبية وحزب الشعب وحركة المبادرة الى توجيه الملامة للقرار ونقده، وهم محقون في ذلك رغم الادراك المسبق أن الفصائل الثلاثة لاتملك شجاعة القرار في مواصلة خيار الانتخابات البلدية نحو الانتخابات التشريعية والرئاسية، ومع ذلك كان على حركة فتح استثمار موافقة الفصائل الثلاثة على المشاركة في الانتخابات البلدية لتعزيز سلطة الشرعية في الضفة الفلسطينية في مواجهة حركة حماس التي ترفض اجراء اي انتخابات في قطاع غزة لا بلدية ولا برلمانية ولا رئاسية****.



حركة حماس ترفض اجراء الانتخابات لسببين: أولهما لانها تنظيم أصولي رجعي لايؤمن من ناحية مبدأية بخيار لانتخابات، ولا يقر بالتعددية، ويرفض الاحتكام الى صناديق الأقتراع، وهذا هو حال حركة الاخوان المسلمين وكافة الفصائل الأصولية، فالانتخابات بالنسبة لها وسيلة للوصول الى السلطة، ولكنها وهي في السلطة لاتستعمل الانتخابات، فمصدر الشرعية بالنسبة لها ليست الانتخابات وصناديق الأقتراع، بل التكليف العقائدي، وهذا ماتفعله القاعدة وحزب التحرير الإسلامي اللذين يتحدثا علنا أن الإنتخابات وسيلة مستوردة وليست شكلا موروثا من عقيدتنا السمح، فقناعات الناس ورغباتهم ومصالحهم ليس لها قيمة في التراث الصولي*****.



وثانيهما لان حركة حماس ليست واثقة من نتائج الانتخابات البلدية والبرلمانية كما تحققت لها في عامي 2005 و2006 على التوالي، وهي تستدل من تجربة حركة فتح وتحاول الاستفادة منها وعدم تكرار ماحصل مع فتح وتحاشيه عن نفسها، فحركة فتح التي قادت النضال الوطني لاربعين سنة وحققت ماحققت، عاقبها شعب الضفة والقدس والقطاع على اخطائها وسوء ادارتها للسلطة الوطنية وللامتيازات الوظيفية التي حصل عليها بعض قياداتها ،فكانت حصيلة ذلك في صناديق الاقتراع البلدية عام 2005 والتشريعية 2006، فكيف سيكون مصير حركة حماس في اي انتخابات مقبلة بعد الانقلاب وسلسلة الجرائم والتصفيات الجسدية لحلفائها كما حصل مع مجموعة ممتاز دغمش ومجموعة أحمد حلس ومجموعة موسى عبد اللطيف، وتسلطها الأحادي على السلطة منفردة في قطاع غزة ، وسوء ادارتها وسبب الحصار الظالم الذي يتعرض له شعب قطاع غزة، ولهذا تقف حماس ضد الانتخابات شكلا ومضمونا وترفض الاحتكام الى صناديق الاقتراع، مستفيدة مما حصل مع حركة فتح وتجنب عقوبة الشعب الفلسطيني لها.



قرار حكومة الائتلاف الوطني، قرار فتحاوي بامتياز، عمل من أجله أعضاء اللجنة المركزية، غير الواثقين من نجاح جماعاتهم في المحافظات، فعملوا على اصدار القرار البائس، بتأجيل الانتخابات البلدية، وهو يدلل على أن القرار في الحكومة بيد فتح وليس بيد طرف آخر، فحركة فتح هي صاحبة القرار السياسي في الحكومة اضافة الى امتلاكها للأغلبية العددية فيما لوتم التصويت على أي قرار في مجلس الوزراء.



المشكلة أن حركة فتح حينما تتخذ قرارا خاطئا لاتدفع ثمنه وحدها فقط، بل يتم "جرجرة " حلفائها وأصدقائها بالسلاسل الى مواقع الانكسار والهزيمة معها، وهذا سبب الأحساس بالمرارة واالفشل لدى قطاعات واسعة من أهل الضفة والقدس والقطاع الذين راهنوا على أن الانتخابات البلدية ستشكل رافعة للخيار الديمقراطي وللتعددية وصناديق الاقتراع في مواجهة خيار حركة حماس الأحادي المعادي للديمقراطية وللتعددية وللانتخابات، ولذلك بدلا من أن توجه الانتخابات البلدية صفعة للانقلاب وللتفرد وللسيطرة الحزبية، جاء القرار البائس ليعزز من سلطة التفرد الحزبي ضد الخيار الجبهوي التعددي وضد احترام خيارات الشعب في دفع قيادات جديدة منتخبة تؤكد أن الولاية هي لصاحبها وصاحب الولاية الوحيد هو الشعب وهو الذي يمنح ثقته وولايته لمن يشاء عبر صناديق القتراع.