صفحة 1 من 1

الحكومة أمام امتحان البلطجية

مرسل: الجمعة فبراير 25, 2011 10:25 pm
بواسطة محمد النشوان9
عريب الرنتاوي
إن كان من وسيلة للحكم بها على صدقية الحكومة، فإنها تتجلى اليوم في الكشف عن هوية "البلطجية" الذين اعتدوا على المتظاهرين سلمياً في ساحة المسجد الحسيني الجمعة الفائت، إحالتهم للقضاء وإلحاق القصاص العادل بهم وبمن حرضهم واستخدمهم.. بيانات الإدانة والاستنكار ليست كافية.. مكالمات الاعتذار التي تخاطب حقاً فردياً، لا تكفي لطمأنة جمهور المواطنيين ولإقناعهم بأنهم يعيشيون في دولة مؤسسات تحترم القانون وتصون سيادته.



لجنة التحقيق التي قيل أنها ستتقصى ما جرى، لا تكفي وحدها لإثارة الإحساس بالطمأنينة، فلقد أصبحنا بحاجة "للجنة تحقيق" للتحقيق في مصائر العديد من اللجان المشابهة، والتي طواها النسيان بعد أن أتمت مهمتها في امتصاص الغضب وتهدئة الخواطر.. لا نتائج تعلن، ولا مذنبين يحاسبون.. هل تذكرون التحقيق بأحداث القويسمة؟



لا يكفي أن يقال أن الحكومة لا تعرف هوية هؤلاء، كان بإمكانها أن تعرف، وأن تعرف على الفور، ولحظة وقوع الاعتداء على المتظاهرين، ولقد سئم الرأي العام الأردني شكوى الحكومات، رؤوساء الوزارات والوزراء، من أنهم لا يعرفون، وأن أشياء كثيرة تجري من وراء ظهورهم.. ألم يشتكي رئيسُ الحكومة ذات يوم، من أن انتخابات 2007 زوّرت من وراء ظهره ومن دون عمله؟...ما الذي يتبقى من القاعدة الدستورية التي تقول بولاية الحكومة العامة، إن كانت أحداث بهذا الحجم، تجري في قلب العاصمة، والشمس في عز الظيرة، من دون علم الحكومة ومن وراء ظهرها.



ندرك أنه موضوع شائك، وقد يقود إلى إدانة مراكز قوى ، لكن لا بد مما ليس منه بُدّ.. وعلى الحلقة الضيّقة من صناع القرار في بلادنا، أن يتذكروا، بأن ثورة مصر اندلعت فعلياً بعد "غزوة الجمل" في ميدان التحرير ، بعد هجوم "البلطجية" في الثامن والعشرين من يناير، مع أنه كان قد مضى على انطلاقتها أربعة أيام بلياليها...العبث في أمر كهذا خط أحمر، ومقامرة لا تحمد عقباها.



كل حكومة بحاجة لبذل جهد كبير للحصول على ثقة الناس، هذه الحكومة بحاجة لجهد استثنائي مضاعف، وثمة قناعة لدى قطاعات لا بأس بها من المواطنين، بأن بعض رموزها ينتمون إلى مدارس مناهضة للإصلاح، وآخر ما يمكن أن تكون هذه الحكومة بحاجة له، هي مشاهد من النوع التي رأيناها بالأمس في ساحة المسجد الحسيني.



ثم كيف يستقيم الحديث عن حرية الصحافة والإعلام، وعن "حرية سقفها السماء" فيما شكوى الصحفيين والمراسلين لا تنقطع عن المضايقات والتحرشات.. كيف يستقيم كل هذا وذاك، مع "الحملة المنظمة" التي تخاض ضد قناة "الحزيرة" وبعض وكالات الأنباء، ويجري التعامل مع كل تقرير ينشر ولا يعجبنا، بوصفه مؤامرة كونية، أليس في ذلك ابتزاز ما بعده ابتزاز، للصحافة ووسائل الإعلام...لا مصلحة لنا في ذلك، كل هذه الوسائل جُرّبت وثبت عقمها...



تستطيع الحكومة أن تتنصل من كل هذه الممارسات، فلم يثبت رسمياً على الأقل، أنها جزء منها، أو أنها صدرت بأوامر وتعليمات منها، لكن الحكومة معنوياً وسياسياً وحتى قانونياً، لا تستطيع التبرؤ من هذه الأفعال، وأحسب من دون مبالغة أو تطير، بأن مصير هذه الحكومة، بل ومصير المشروع الإصلاحي التي فوّضت بتنفيذه، سوف يكون رهناً بالكيفية التي ستدير بها أزمة انفلات "البلطجية" من كل عقال، فإما يقال أنها حكومة إصلاح فعلاً، وأما أن يصح فيها القول: "من أول غزواته كسر عصاته".