صفحة 1 من 1

النظام عدو نفسه

مرسل: الجمعة فبراير 25, 2011 10:46 pm
بواسطة محمد النشوان9
عريب الرنتاوي
دللت وقائع الأيام الأخيرة لانتفاضة شعب مصر، أن أخطر عدو للنظام، هو النظام نفسه، وإن فرص سقوطه ورحيله، تتعزز باستمرار جرّاء الأخطاء والخطايا التي يقارفها رموزه وأركانه.



فبعد أن بدا لـ"وهلة" أن الرئيس حسني مبارك، بخطابه العاطفي الذي دغدغ فيه مشاعر المصريين وعواطفهم، وخاطب كل ما فيهم من مخزون إنساني متسامح، موقظاً "أخلاق القرية" المستقرة في دواخلهم، نجح في استعادة قدر من التعاطف الشعبي. ولقد كان من الممكن البناء على نتائج هذا الخطاب وتداعياته، لولا لجوء أركان النظام، إلى سالف ممارساتهم وسلوكيّاتهم الاستعلائية المستبدة، وإيعازهم لرجالات الأجهزة الأمنية المنحلة وعصابات البلطجية بالهجوم على المحتجين في ميدان التحرير. هذه الخطوة بما خلّفته وخلّقته من ردود أفعال وتداعيات، امتصت مفاعيل الخطاب الرئاسي، وجعلت المصريين "لا ينظرون إلى الدمع في عيني مبارك، بل يتتبعون ما فعلته أيدي رجالاته وبلطجيته".



وبعد المؤتمر الصحفي الأول الذي عقده رئيس الوزراء أحمد شفيق، والذي كان في خلاله "مقنعاً ومؤثراً"، وحاول بنجاح امتصاص غضب الكثير من المصريين الغاضبين، جاءت تصريحات نائب الرئيس عمر سليمان الاستفزازية، لتشطب دفعة واحدة، ما جهد رئيس الحكومة في تحقيقه، فالنائب سليمان نسب إلى المنتفضين أجندات خاصة وخارجية، وهو أقام تماثلاً ما بينهم وما بين جماعة الإخوان المسلمين، وكل من راقب المشهد المصري، يدرك تمام الإدراك أن نائب رئيس الجمهورية تصرف كضابط مخابرات، اعتاد التمترس خلف هذه الاتهامات الجاهزة المعدة مسبقاً لمواجهة الخصوم والمعارضين، ولم يتصرف كزعيم مناط به أمر إخراج مصر من محنتها واستلام الراية من سلفه.



وجاء استمرار الاعتداءات على المتظاهرين من قبل البلطجية وفلول أجهزة الأمن، بالضد من وعود سليمان وشفيق، وفي ظل "حياد مريب" للجيش، ودعوة متناغمة صدرت عن قيادته وعن نائب رئيس الجمهورية، لوقف التظاهرات والعودة للمنازل، جاء كل ذلك، ليثير مخاوف شبان مصر وشاباتها، ويزيدهم اقتناعاً بأن "النظام" لم يرفع الراية البيضاء بعد ، ولم يسلم بمطالب الثورة المصرية، وأن كل ما يفعله ويفكر فيه، ليس سوى محاولة للالتفاف على الثورة وقطع الطريق على مقاصدها وأهدافها ومراميها.



ولعل أكثر المفارقات إثارة للسخرية والغضب، تلك النبرة الإتهامية التي ما زالت تطل برأسها من ثنايا الخطاب الرسمي للنظام، وحديث بعض أركانه المتكرر عن "مؤامرة خارجية"، في اتهام صريح ومباشر للمنتفضين والقوى المحركة لهم، بأنهم عملاء للولايات المتحدة وإسرائيل، ويربط هذا الخطاب بين دعوات إسقاط النظام وضغوط واشنطن للتسريع في إنجاز عملية نقل السلطة وإستقالة مبارك.. جذر المفارقة المضحك، يكمن في كون ممثلي أكثر النظم العربية تهافتاً أمام واشنطن وتخاذلا أمام إسرائيل، هم من يلقون الاتهامات بالتهافت والتخاذل على خصوم النظام، إما الجانب المأساوي في المسألة برمتها، فيتجلى في إدراك هؤلاء كم هو مخزْ ومذل ومشين، أن يكون المرؤ تابعاً لواشنطن ومتهافتاً أمام إسرائيل، وإلا لما قذفوا خصومهم بهذه الاتهامات القذرة، ولما لجأوا إليها لحرقهم وعزلهم، فكيف ارتضى هؤلاء على أنفسهم أن يكونوا في هذا الموقع وعلى هذا الشاكلة وطوال عقود ثلاثة من السنين ؟.



لقد أتيح لنا أن نعرف عن عمر سليمان ومنه شخصياً، وخلال يومين فقط، أكثر مما سمعنا وعرفنا عنه طول ربع قرن أو يزيد، وبتنا إكثر اقتناعاً بأن بقاء الرجل في موقعه، وتوليه مهام "مرحلة ما بعد مبارك" لا يعني سوى استمرار "المباركية" من دون حسني مبارك..لا يعني سوى استمرار النظام القديم، وبنفس الأسماء والوجوه كذلك.



إن لم تنجح الثورة في تفكيك النظام القديم.. إن لم تنجح الثورة في وضع أسس صلبة لعملية انتقال السلطة، لا تترك مقاليد الحل والربط في أيدي نفر قليل من رجالات مبارك "الأوفياء"، فإن مخاطر الانتكاس وفرص النكوص على المكتسبات، ستظل قائمة، بل وقائمة بقوة.. والأمل، كل الأمل معقود، على وعي الثورة بهذه المؤامرات والمناورات، الرهان، كل الرهان، منصب على ثورة الوعي التي تجتاح الشوارع المصرية.