- الجمعة فبراير 25, 2011 11:26 pm
#32949
د. محمد أبو رمان
من أراد أن يشاهد بعين ثاقبة نتائج السياسات الكارثية للنظم العربية، ومسار التدهور الذي نمضي فيه مسرعين، فإنّ ذلك يتبدى بجريمة تفجير كنيسة القديسين في اللحظة الفاصلة بين 2010 و2011، وقد وقع عشرات القتلى والجرحى، مسلمين ومسيحيين، فهو إنذار شديد اللهجة على حجم الأزمة.
الأجواء العامة كانت تؤشر بوضوح خلال الأشهر الأخيرة على ارتفاع كبير في منسوب الاحتقان المسيحي- المسلم في مصر، على خلفية قصة المسيحية التي أسلمت (كاميليا)، وما صاحبها من خطابات وتصريحات مأزومة، أدت إلى ارتفاع مستوى التعبئة والحشد على خلفية طائفية، وازدهار سوق الإشاعات والتطبيل العاطفي على ألحان موجعة من الانقسامات الاجتماعية والوطنية.
المشهد امتدّ سريعاً إلى العراق قبل قرابة شهر من الآن مع حادثة كنيسة سيدة النجاة، وقد استخدمت القاعدة ما يحدث في مصر للتذرع بما قامت به.
صحيح أنّ الاحتمال الأرجح (حتى الآن) يشير إلى مسؤولية القاعدة عن هذه المذبحة، إلاّ أنّ "أجواء الاحتقان" والتعبئة الطائفية والمذهبية هي التي توفر للقاعدة محاضن آمنة وبيئة مناسبة للنشاط والعمل، بل إنّ القاعدة نفسها أحد الأجوبة الرئيسة على أزمة النظام العربي. الدلالة الرئيسة في كل ذلك أنّ النظام العربي، الذي يفترض أن يأخذ الطريق المعاكس تماماً، يجر مجتمعه إلى مستنقعات الهويات الفرعية والعنف الاجتماعي والتوترات الداخلية، وذلك عبر سياسته الفاشلة التي ما تزال تحطّم المجتمعات وقيمها وحتى ما حققته من المدنية خلال العقود السابقة، فإنّه اليوم يتراجع تحت وطأة الأوضاع الحالية. كلمة السرّ في كل ما يحدث هي "الفساد"، إذ إنّ خشية النخب الحاكمة على مكتسبات شخصية وجهوية وعلى مناصبها، وحماية لمواردها غير المشروعة، فإنّها تقف ضد أي جهود أو حركات تسعى إلى توسيع مستوى المشاركة الشعبية في صنع السياسات، وتقمع الأصوات التي تطالب بالإصلاح والتغيير، وتلجأ إلى تعزيز حضور المنتفعين في أعلى سلم الحكم، ومن هم ليسوا أهلاً للإدارة العامة، وتعتمد بدرجة رئيسة على المنظور الأمني في إدامة حكمها وبقائها. المعارضة في العالم العربي عاقلة، وهي مكبلة بقيود كثيرة، سياسياً وثقافياً، تجعلها عاجزة عن تحريك الشارع، ولا تطالب إلاّ بتغييرات تدريجية وصولاً إلى برّ الأمان للجميع، ومع ذلك فإنّ السنوات الأخيرة شهدت تضييقاً وتراجعاً حتى عن مستويات هامشية محدودة صورية من الديمقراطية!
اليوم العفن يتفشى في المجتمعات، وهنالك عمليات تدمير ممنهجة تصل إلى مختلف المؤسسات التي كانت سابقاً أفضل حالاً، سواء التعليمية أو العلمية أو الخدماتية أو حتى البنية التحتية، بمعنى آخر: إننا نسير بتسارع نحو وضع أسوأ ليس فقط سياسياً، بل اجتماعياً وثقافياً وهو الأكثر خطورة.
نجحت النظم العربية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في العزف على وتر النموذج العراقي، على اعتبار أنّ الوضع الحالي (بكل ما فيه) أفضل من التغيير، لكن هذه "النظرية" تفقد قيمتها يومياً مع التدهور في المشهد العام في العالم العربي عموماً.
ما يحدث يؤكّد أنّ الخيارات، إمّا أن تكون تغييراً داخلياً محسوباً ومدروساً نحو إقرار المسار الإصلاحي بكل مفرداته الحقيقية، وإما السير باتجاه سيناريو الحروب الأهلية والصراعات الداخلية، والعنف الاجتماعي.
على الأقباط والمسلمين في مصر أن يدركوا أن معركتهم الحقيقية ليست ضد بعضهم بعضا، بل هي معركة للوصول إلى دولة قانون ومواطنة ومساواة قانونية وتعددية سياسية ودينية، تنظّم العلاقة بين الجميع.
عنوان المعركة الوحيد اليوم هو الإصلاح السياسي ضد تحالف "الاستبداد والفساد"، الذي يقودنا جميعاً نحو الهاوية!
من أراد أن يشاهد بعين ثاقبة نتائج السياسات الكارثية للنظم العربية، ومسار التدهور الذي نمضي فيه مسرعين، فإنّ ذلك يتبدى بجريمة تفجير كنيسة القديسين في اللحظة الفاصلة بين 2010 و2011، وقد وقع عشرات القتلى والجرحى، مسلمين ومسيحيين، فهو إنذار شديد اللهجة على حجم الأزمة.
الأجواء العامة كانت تؤشر بوضوح خلال الأشهر الأخيرة على ارتفاع كبير في منسوب الاحتقان المسيحي- المسلم في مصر، على خلفية قصة المسيحية التي أسلمت (كاميليا)، وما صاحبها من خطابات وتصريحات مأزومة، أدت إلى ارتفاع مستوى التعبئة والحشد على خلفية طائفية، وازدهار سوق الإشاعات والتطبيل العاطفي على ألحان موجعة من الانقسامات الاجتماعية والوطنية.
المشهد امتدّ سريعاً إلى العراق قبل قرابة شهر من الآن مع حادثة كنيسة سيدة النجاة، وقد استخدمت القاعدة ما يحدث في مصر للتذرع بما قامت به.
صحيح أنّ الاحتمال الأرجح (حتى الآن) يشير إلى مسؤولية القاعدة عن هذه المذبحة، إلاّ أنّ "أجواء الاحتقان" والتعبئة الطائفية والمذهبية هي التي توفر للقاعدة محاضن آمنة وبيئة مناسبة للنشاط والعمل، بل إنّ القاعدة نفسها أحد الأجوبة الرئيسة على أزمة النظام العربي. الدلالة الرئيسة في كل ذلك أنّ النظام العربي، الذي يفترض أن يأخذ الطريق المعاكس تماماً، يجر مجتمعه إلى مستنقعات الهويات الفرعية والعنف الاجتماعي والتوترات الداخلية، وذلك عبر سياسته الفاشلة التي ما تزال تحطّم المجتمعات وقيمها وحتى ما حققته من المدنية خلال العقود السابقة، فإنّه اليوم يتراجع تحت وطأة الأوضاع الحالية. كلمة السرّ في كل ما يحدث هي "الفساد"، إذ إنّ خشية النخب الحاكمة على مكتسبات شخصية وجهوية وعلى مناصبها، وحماية لمواردها غير المشروعة، فإنّها تقف ضد أي جهود أو حركات تسعى إلى توسيع مستوى المشاركة الشعبية في صنع السياسات، وتقمع الأصوات التي تطالب بالإصلاح والتغيير، وتلجأ إلى تعزيز حضور المنتفعين في أعلى سلم الحكم، ومن هم ليسوا أهلاً للإدارة العامة، وتعتمد بدرجة رئيسة على المنظور الأمني في إدامة حكمها وبقائها. المعارضة في العالم العربي عاقلة، وهي مكبلة بقيود كثيرة، سياسياً وثقافياً، تجعلها عاجزة عن تحريك الشارع، ولا تطالب إلاّ بتغييرات تدريجية وصولاً إلى برّ الأمان للجميع، ومع ذلك فإنّ السنوات الأخيرة شهدت تضييقاً وتراجعاً حتى عن مستويات هامشية محدودة صورية من الديمقراطية!
اليوم العفن يتفشى في المجتمعات، وهنالك عمليات تدمير ممنهجة تصل إلى مختلف المؤسسات التي كانت سابقاً أفضل حالاً، سواء التعليمية أو العلمية أو الخدماتية أو حتى البنية التحتية، بمعنى آخر: إننا نسير بتسارع نحو وضع أسوأ ليس فقط سياسياً، بل اجتماعياً وثقافياً وهو الأكثر خطورة.
نجحت النظم العربية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في العزف على وتر النموذج العراقي، على اعتبار أنّ الوضع الحالي (بكل ما فيه) أفضل من التغيير، لكن هذه "النظرية" تفقد قيمتها يومياً مع التدهور في المشهد العام في العالم العربي عموماً.
ما يحدث يؤكّد أنّ الخيارات، إمّا أن تكون تغييراً داخلياً محسوباً ومدروساً نحو إقرار المسار الإصلاحي بكل مفرداته الحقيقية، وإما السير باتجاه سيناريو الحروب الأهلية والصراعات الداخلية، والعنف الاجتماعي.
على الأقباط والمسلمين في مصر أن يدركوا أن معركتهم الحقيقية ليست ضد بعضهم بعضا، بل هي معركة للوصول إلى دولة قانون ومواطنة ومساواة قانونية وتعددية سياسية ودينية، تنظّم العلاقة بين الجميع.
عنوان المعركة الوحيد اليوم هو الإصلاح السياسي ضد تحالف "الاستبداد والفساد"، الذي يقودنا جميعاً نحو الهاوية!