- الأحد فبراير 27, 2011 12:56 pm
#32981
الحكومة التكنوقراطية
تردد بشدة مصطلح "حكومة تكنوقراط" في الأيام الأخيرة، وبعد أحداث الخامس والعشرين من يناير في مصر، نجد العديد من المفكرين والمحللين السياسيين يؤيدون تشكيل حكومة بهذا الاتجاه تتولى زمام الأمور في المرحلة الانتقالية وحتى إجراء انتخابات الرئاسة القادمة.
ولكي نفهم مدى صلاحية تلك الحكومة أو غيرها لتسيير الأمور في المرحلة القادمة، فعلينا أولاً أن نعرف ما المقصود بهذا المصطلح.
يطلق مصطلح التكنوقراط على النخب المثقفة الأكثر علماً وتخصصا في مجال المهام المنوطة بهم، والتكنوقراط كلمة ويعود مصطلح "التكنوقراطية"، إلى الأصل اليوناني " تكنو" بمعنى فني أو تقني، و"قراط "بمعنى السلطة، وباعتبارها شكلاً من أشكال الحكومة، تعني حرفياً حكومة الفنيين، وبذلك يكون معنى تكنوقراط هو حكم الطبقة العلمية الفنية المتخصصة المثقفة.
ومثال على ذلك بأن يتم اختيار دكتور متخصص في العلوم السياسية يسند له منصب رئاسة الحكومة، وطبيب خبير في الطب ينال وزارة الصحة، ودكتور متخصص في الاقتصاد يتولى وزارة الاقتصاد، وآخر متخصص في التكنولوجيا والاتصالات لتولي وزارة الاتصالات وهكذا...
وبذلك تكون الحكومة التكنوقراطية: هي الحكومة المتخصصة غير الحزبية التي تتجنب الانحياز لموقف أي حزب كان، وتستخدم مثل هذه الحكومة في حالة الخلافات السياسية، وهم غالباً يكونون من غير المنتمين للأحزاب.
ويعود تاريخ استخدام هذا الاصطلاح إلى عام 1932 عندما بدأت حركة التكنوقراطية أو التقنوقراطية في الولايات المتحدة، وكان التكنوقراطيون يتكونون من المهندسين والمعماريين والاقتصاديين المشتغلين بالعلوم، ودعوا إلى قياس الظواهر الاجتماعية ثم استخلاص قوانين يمكن استخدامها للحكم على هذه الظواهر، كما دعوا إلى أن اقتصاديات النظام الاجتماعي هي من التعقيد بحيث لا يمكن أن يفهمها ويسيطر عليها رجال السياسة ويجب أن تخضع إدارة الشؤون الاقتصادية للعلماء والمهندسين، وكانت هذه الدعوة نتيجة طبيعية لتقدم العلوم والتكنولوجيا.
ويورد أحد المحللين السياسيين والمفكرين * في بحث عن "الثورة والتكنوقراطية" يتحدث مؤلفه "جان وليم لابيير" فيه عن دورالتكنوقراطية في صياغة هوية المجتمع الفرنسي عبر ثلاث جمهوريات متناوبة، وحول حكومة التكنوقراط ما يلي:
من هو التكنوقراطي؟
دعونا نحدد أولا من هو التكنوقراطي؛ التكنوقراطي هو كما يقول جان وليم لابيير " هو الخبير المدعو الى المشاركة في صياغة القرارات التي يفيد منها في ممارسة السلطة الفعلية ،إما بتاثيره الغالب على أصحاب السلطة الشرعية، أو بالنيابة عنهم في حلوله محلهم، أو – أخيرا- باستيلائه على السطة الصريحة باسم الشرعية العقلية".
ولننتبه إلى مفهوم " الشرعية العقلية" التي هي من امتيازات التكنوقراطي وهي الشرط الأساس الذي يقوم عليه أي تصور لتحديث المجتمع باعتبار أن التكنوقراطي هو "عقل مُؤَسس" وليس شخصاً يحتل مركزا أو وظيفة، ويملك بحكم "عقله "شرعية دستورية وقانوية لأن يكون حاكماً. فوجود البنية العقلية المجربة والممارسة الميدانية التي تولد الخبرة كشرطين أساسيين في توصيف مهمة التكنوقراطي المعاصرة هما اللتان ترجحان كفة مسؤول عن آخر.
كما علينا أن ننتبه إلى أن التكنوقراطي يُدعى لشغل منصب ما من قبل السلطة،بمعنى أن كيانه المعنوي دائماً هو خارج السلطات، وكلمة "يُدعى"، تعني أنه يكلف بمهمة ما محددة ضمن وقت؛ ولذا لن يكون التكنوقراطي منتمياً لأي حزب أو ايديولوجية كما أنه لن يكون طامحاً باحتلال منصب دائم في الدولة لأنه وهو يشغل منصب وزير مثلاً فتوزيره جاء بناء على كفاءته وليس على منصبه الحزبي أو العشائري أو القومي؛ فالتكنوقراطي شريحة اجتماعية اكتسبت الخبرة والكفاءة عن طريق العمل والعقل والانتظام والشرعية القانونية والتعليمية والخبرة الميدانية.
وتتحدث إحصائيات كثيرة أن من بين ثلاثة آلاف شخص يتخرجون من كليات الادارة لا يكون من بينهم تكنوقراط إلا بحدود 250 متخرجا، وهذا يعني أن ليس كل من تخرج من كلية متخصصة يمكنه أن يكون تكنوقراطيا. فالشهادة ليست إلا عتبة لمدخل غير مأمون العواقب إذا لم تصاحب المتخرج تجربة في الأعمال الميدانية والخبرات العملية والاجتهاد والبحث، والفشل والنجاحات.
والسلطة السياسية هي التي تدعو التكنوقراطي للقيام بمهمة ما ضمن سياقها. وبالطبع ستكون الدعوة للتكنوقراطي مفتوحة أومؤقتة، ليمارس عبرها سلطته المعرفية بالأمور التي كلف بها مرحلياً إنه الخبير الذي يوظف خبرته لصياغة قرارات تتلاءم وسياسة الدولة في هذه المرحلة وربط هذه القرارات بالمراحل السابقة لتطور ميدانه ثم فتح آفاق أخرى للمستقبل قياساً على نتائج بحوثه.
ومن هنا ونتيجة لكونه مرتبطاً بعجلة التطور يمكنه أن يحل محل القادة في شرح القرار الذي تم اتخاذه، وعليه لا يمكن لرئيس وزراء أن ينصب وزيراً للداخلية في مرحلة ما، ثم يجعله وزيرا للمالية في مرحلة لاحقة لا تفصل بينهما إلا بضعة أيام دون أن يصطحب معه في قفزته المارثونية هذه خبراء اداريين وعسكريين وماليين واصحاب شركات ناجحة بغض النظرعن إنتماءاتهم السياسية والدينية والقومية كي يكون - بهم - وزيراً للمالية، حيث إن الوزير ليس شخصاً بل فريق عمل متكامل يستثمر العقول والخبرات والكفاءات. فالتكنوقراطي رجل دولة، وخبير بعمله يوظف قدراته العقلية والمهنية من اجل إنجاح خطة واضحة المعالم.
المصدر: • * مقتطفات من مقال لـ ياسين النصير\ الحوار المتمدن، بتصرف- • موسوعة ويكيبيديا
تردد بشدة مصطلح "حكومة تكنوقراط" في الأيام الأخيرة، وبعد أحداث الخامس والعشرين من يناير في مصر، نجد العديد من المفكرين والمحللين السياسيين يؤيدون تشكيل حكومة بهذا الاتجاه تتولى زمام الأمور في المرحلة الانتقالية وحتى إجراء انتخابات الرئاسة القادمة.
ولكي نفهم مدى صلاحية تلك الحكومة أو غيرها لتسيير الأمور في المرحلة القادمة، فعلينا أولاً أن نعرف ما المقصود بهذا المصطلح.
يطلق مصطلح التكنوقراط على النخب المثقفة الأكثر علماً وتخصصا في مجال المهام المنوطة بهم، والتكنوقراط كلمة ويعود مصطلح "التكنوقراطية"، إلى الأصل اليوناني " تكنو" بمعنى فني أو تقني، و"قراط "بمعنى السلطة، وباعتبارها شكلاً من أشكال الحكومة، تعني حرفياً حكومة الفنيين، وبذلك يكون معنى تكنوقراط هو حكم الطبقة العلمية الفنية المتخصصة المثقفة.
ومثال على ذلك بأن يتم اختيار دكتور متخصص في العلوم السياسية يسند له منصب رئاسة الحكومة، وطبيب خبير في الطب ينال وزارة الصحة، ودكتور متخصص في الاقتصاد يتولى وزارة الاقتصاد، وآخر متخصص في التكنولوجيا والاتصالات لتولي وزارة الاتصالات وهكذا...
وبذلك تكون الحكومة التكنوقراطية: هي الحكومة المتخصصة غير الحزبية التي تتجنب الانحياز لموقف أي حزب كان، وتستخدم مثل هذه الحكومة في حالة الخلافات السياسية، وهم غالباً يكونون من غير المنتمين للأحزاب.
ويعود تاريخ استخدام هذا الاصطلاح إلى عام 1932 عندما بدأت حركة التكنوقراطية أو التقنوقراطية في الولايات المتحدة، وكان التكنوقراطيون يتكونون من المهندسين والمعماريين والاقتصاديين المشتغلين بالعلوم، ودعوا إلى قياس الظواهر الاجتماعية ثم استخلاص قوانين يمكن استخدامها للحكم على هذه الظواهر، كما دعوا إلى أن اقتصاديات النظام الاجتماعي هي من التعقيد بحيث لا يمكن أن يفهمها ويسيطر عليها رجال السياسة ويجب أن تخضع إدارة الشؤون الاقتصادية للعلماء والمهندسين، وكانت هذه الدعوة نتيجة طبيعية لتقدم العلوم والتكنولوجيا.
ويورد أحد المحللين السياسيين والمفكرين * في بحث عن "الثورة والتكنوقراطية" يتحدث مؤلفه "جان وليم لابيير" فيه عن دورالتكنوقراطية في صياغة هوية المجتمع الفرنسي عبر ثلاث جمهوريات متناوبة، وحول حكومة التكنوقراط ما يلي:
من هو التكنوقراطي؟
دعونا نحدد أولا من هو التكنوقراطي؛ التكنوقراطي هو كما يقول جان وليم لابيير " هو الخبير المدعو الى المشاركة في صياغة القرارات التي يفيد منها في ممارسة السلطة الفعلية ،إما بتاثيره الغالب على أصحاب السلطة الشرعية، أو بالنيابة عنهم في حلوله محلهم، أو – أخيرا- باستيلائه على السطة الصريحة باسم الشرعية العقلية".
ولننتبه إلى مفهوم " الشرعية العقلية" التي هي من امتيازات التكنوقراطي وهي الشرط الأساس الذي يقوم عليه أي تصور لتحديث المجتمع باعتبار أن التكنوقراطي هو "عقل مُؤَسس" وليس شخصاً يحتل مركزا أو وظيفة، ويملك بحكم "عقله "شرعية دستورية وقانوية لأن يكون حاكماً. فوجود البنية العقلية المجربة والممارسة الميدانية التي تولد الخبرة كشرطين أساسيين في توصيف مهمة التكنوقراطي المعاصرة هما اللتان ترجحان كفة مسؤول عن آخر.
كما علينا أن ننتبه إلى أن التكنوقراطي يُدعى لشغل منصب ما من قبل السلطة،بمعنى أن كيانه المعنوي دائماً هو خارج السلطات، وكلمة "يُدعى"، تعني أنه يكلف بمهمة ما محددة ضمن وقت؛ ولذا لن يكون التكنوقراطي منتمياً لأي حزب أو ايديولوجية كما أنه لن يكون طامحاً باحتلال منصب دائم في الدولة لأنه وهو يشغل منصب وزير مثلاً فتوزيره جاء بناء على كفاءته وليس على منصبه الحزبي أو العشائري أو القومي؛ فالتكنوقراطي شريحة اجتماعية اكتسبت الخبرة والكفاءة عن طريق العمل والعقل والانتظام والشرعية القانونية والتعليمية والخبرة الميدانية.
وتتحدث إحصائيات كثيرة أن من بين ثلاثة آلاف شخص يتخرجون من كليات الادارة لا يكون من بينهم تكنوقراط إلا بحدود 250 متخرجا، وهذا يعني أن ليس كل من تخرج من كلية متخصصة يمكنه أن يكون تكنوقراطيا. فالشهادة ليست إلا عتبة لمدخل غير مأمون العواقب إذا لم تصاحب المتخرج تجربة في الأعمال الميدانية والخبرات العملية والاجتهاد والبحث، والفشل والنجاحات.
والسلطة السياسية هي التي تدعو التكنوقراطي للقيام بمهمة ما ضمن سياقها. وبالطبع ستكون الدعوة للتكنوقراطي مفتوحة أومؤقتة، ليمارس عبرها سلطته المعرفية بالأمور التي كلف بها مرحلياً إنه الخبير الذي يوظف خبرته لصياغة قرارات تتلاءم وسياسة الدولة في هذه المرحلة وربط هذه القرارات بالمراحل السابقة لتطور ميدانه ثم فتح آفاق أخرى للمستقبل قياساً على نتائج بحوثه.
ومن هنا ونتيجة لكونه مرتبطاً بعجلة التطور يمكنه أن يحل محل القادة في شرح القرار الذي تم اتخاذه، وعليه لا يمكن لرئيس وزراء أن ينصب وزيراً للداخلية في مرحلة ما، ثم يجعله وزيرا للمالية في مرحلة لاحقة لا تفصل بينهما إلا بضعة أيام دون أن يصطحب معه في قفزته المارثونية هذه خبراء اداريين وعسكريين وماليين واصحاب شركات ناجحة بغض النظرعن إنتماءاتهم السياسية والدينية والقومية كي يكون - بهم - وزيراً للمالية، حيث إن الوزير ليس شخصاً بل فريق عمل متكامل يستثمر العقول والخبرات والكفاءات. فالتكنوقراطي رجل دولة، وخبير بعمله يوظف قدراته العقلية والمهنية من اجل إنجاح خطة واضحة المعالم.
المصدر: • * مقتطفات من مقال لـ ياسين النصير\ الحوار المتمدن، بتصرف- • موسوعة ويكيبيديا